التوظيف: لماذا لا تفصح الشركات عن الرواتب في إعلانات الوظائف؟

الراتب عامل رئيسي في ما إذا كان المرشح سيحصل على الوظيفة، أو حتى سيتقدم لها من الأساس، لكن بالنسبة لأصحاب العمل فإن سياسات الإعلان عن الرواتب معقدة للغاية.

قد ترى إعلانا على موقع “لينكد إن” عن وظيفة جيدة، وتُعجب بمهام الوظيفة وترى أن فريق العمل يبدو متوافقا، وأنك تملك جميع المواصفات التي تؤهلك لشغل هذا المنصب، لكن عندما تصل إلى الجزء المتعلق بالراتب المتوقع، تجد أنه بدلاً من كتابة رقم فعلي، هناك عبارات مثل “الراتب يعتمد على الخبرة” أو ببساطة “راتب تنافسي”.

فما الذي تعنيه هذه الكلمات؟ ولماذا لا تعلن الشركات ببساطة عن الرواتب في إعلانات التوظيف؟

يقول توم هارمزورث، المدير الإداري بالمملكة المتحدة لشركة “ويمينتين” للتكنولوجيا العقارية التي تعمل في المملكة المتحدة وفرنسا وسنغافورة: “في بيئات الشركات التقليدية، لا يُعلن في الغالب عن الراتب، لأن الأمر يكون عبارة عن مراوغة لمعرفة الراتب الذي يتقاضاه المرشح حاليًا والراتب الذي يتوقعه في الوظيفة الجديدة، وما الذي ترغب الشركة في دفعه”.

لكن غياب الشفافية في هذا الأمر يضر بالعمال، فمعرفة الراتب المتوقع مقدمًا يجعل المرشح للوظيفة يعرف منذ البداية ما إذا كانت هذه الوظيفة ستكون مجدية له من الناحية المالية أم لا، كما أن ذلك يساهم في تسهيل المحادثات لاحقًا في عملية التوظيف.

ويتوافق هذا مع بيانات توصل إليها استطلاع للرأي على موقع “لينكد إن” في عام 2018، إذ قالت الغالبية العظمى من المشاركين في الاستطلاع (61 في المئة) إن الراتب هو الجزء الأكثر أهمية في وصف الوظيفة.

كما أظهرت دراسة أجراها موقع “غلاسدور” نتائج مماثلة، إذ كان الراتب هو أول شيء يبحث عنه الباحثون عن عمل في إعلانات التوظيف، بنسبة 67 في المئة.

ومع ذلك، لا يزال العديد من أرباب العمل يفضلون عدم الكشف عن الراتب في إعلانات التوظيف، ويعود السبب في ذلك في الغالب إلى الخوف من أن يؤثر ذلك على وضعهم التنافسي مع الشركات الأخرى، أو أن يؤدي ذلك إلى شعور الموظفين الحاليين بالاستياء.

لكن هناك حركة عالمية متنامية لجعل شفافية الرواتب ليس معيارًا جديدًا فحسب، بل إلزاميا من الناحية القانونية أيضا. ويعود السبب في ذلك إلى أن مجموعة متزايدة من الأبحاث تُظهر أن الشركات التي تتحلى بالشفافية بشأن الأجور يمكنها أن تجتذب مواهب أفضل وأكثر تنوعًا، وهو ما يجعل شفافية الرواتب طريقة قادرة على خلق مكان عمل أكثر إنصافًا.

وهناك عدة أسباب وراء نشر 12.6 في المئة فقط من الشركات العالمية للأجور في إعلانات الوظائف العام الماضي، وفقًا لتقرير صادر في عام 2021 من شركة “بايسكيل” لبيانات الأجور ومقرها مدينة سياتل الأمريكية.

يقول إيدي نغ، أستاذ الأعمال بجامعة كوينز الكندية: “لا يرغب أصحاب العمل في الإعلان عن الراتب الذي يدفعونه، لأن ذلك سيخلق شعورا بالاستياء بين العاملين الحاليين”.

من المفترض أن يحصل كل شخص يؤدي نفس الوظيفة على نفس المبلغ من المال عندما يبدأ العمل، لكن هذا ليس هو الحال دائمًا. ففي بعض أسواق العمل، قد يضطر أصحاب العمل إلى دفع رواتب أعلى لجذب أفضل المواهب، وهو ما قد يتسبب في صراع داخلي إذا عرف الموظفون الحاليون – وخاصة أولئك الذين بدأوا بأجر أقل – مثل هذه المعلومات.

يقول إيدي نغ: “الشيء الآخر، بالطبع، هو أنه عندما تُعلن عن الراتب، فإن ذلك يجعل من السهل على الشركات المنافسة جذب موظفيك”.

ويضيف: “إذا لم يكشف صاحب العمل عن الرواتب، فإن ذلك يحميه ويسمح له بحرية أكبر في التصرف”.

علاوة على ذلك، يحجب العديد من أرباب العمل المعلومات المتعلقة بالرواتب لمنحهم نفوذًا أكبر في التفاوض مع المرشحين المحتملين أثناء تقدمهم إلى المراحل الأخيرة في عملية التوظيف – لا سيما في ظل القدرة على القيام بالمزيد من الوظائف من المنزل أو عن بُعد.

على سبيل المثال، قد تكون المعلومات الإضافية حول المكان الذي يقيم به الموظف المحتمل – سواء كان منطقة ريفية منخفضة التكلفة أو مركزًا حضريًا عالي التكلفة – عاملاً رئيسيًا في تحديد الراتب، وهو الأمر الذي قد يساعد صاحب العمل على توفير بعض الأموال في نهاية المطاف.

وتخشى بعض الشركات أيضًا أنه إذا أعلنت عن معدل للرواتب، فسيتوقع جميع المتقدمين الحصول على أعلى رقم في هذا المعدل، حتى لو كان هذا الرقم مخصصًا فقط للمرشحين الأكثر كفاءة. كما أن تلقي عرض بالحد الأدنى في هذا المعدل – وقبوله – قد يؤدي إلى شعور الموظف الجديد بالاستياء منذ البداية.

ومن وجهة نظر المرشح للعمل، قد تشير كل هذه العوامل إلى وجود مشكلات منهجية داخل الشركات التي لم تفكر في وضع سياسات جيدة للرواتب أو لا تنفذها بشكل فعال.

وتقول شيلي هولت، كبيرة مسؤولي الموظفين في شركة “بايسكيل”، إن هناك ميزة تنافسية بالنسبة للشركات التي تكشف عن الأجور، فالمنظمات التي تتمتع بشفافية أكبر بشأن الرواتب يمكنها أن تجذب أفضل المرشحين.

أما توم هارمزورث، المدير الإداري لشركة “ويمينتين” للتكنولوجيا العقارية، فيعتقد أن الكشف عن الرواتب يعد مقدمة جيدة من جانب الشركات ويعكس تمتعها بقدر كبير من الشفافية.

ووفقًا لذلك، فإن “ويمينتين” تعد من بين الشركات التي تتجه نحو الشفافية الكاملة بشأن الرواتب. ففي أواخر العام الماضي، وزعت الشركة نسخة من سياسة الرواتب على نحو 100 موظف. ولا تعتمد الرواتب في الشركة على العمر أو الخبرة، لكنها تعتمد على حجم الإنجاز والمساهمة في نجاحات الشركة.

وبعد ذلك، أدرجت الشركة هيكل الرواتب في جميع إعلانات الوظائف هذا العام في محاولة لمواجهة الفجوة في الأجور بين الجنسين، وكذلك تشجيع المزيد من النساء على التقدم لشغل وظائف في صناعة الهندسة الميكانيكية التي يهيمن عليها الرجال تاريخياً.

يقول هارمزورث: “إن الصراحة بشأن الرواتب مكنتنا بالتأكيد من رؤية المزيد من المرشحات. وإذا لم نكشف عن الرواتب في إعلانات التوظيف، أعتقد أن ذلك يمكن أن يجعل بعضا من أفضل المواهب في السوق لا يتقدمون للوظائف من الأساس”.

أما إيدي نغ، أستاذ الأعمال في جامعة كوينز الكندية، فيقول: “عندما تنشر الشركة الراتب في إعلانات التوظيف، فإنها بذلك تبعث برسالة مفادها أن صاحب العمل هذا يحاول أن يكون عادلاً. علاوة على ذلك، يساعد هذا في بناء الثقة بين الطرفين”.

وتمتد المساواة أيضًا للمساعدة في مكافحة الفجوة في الأجور بين الجنسين. تقول هولت: “إن شفافية الأجور تسد فعليًا فجوة الأجور بين الجنسين، وهذا على الأرجح لأننا نعلم أن النساء أقل قدرة على التفاوض وأكثر عرضة للعقاب إذا طلبن أجرًا أعلى”.

بالإضافة إلى ذلك، تقول هولت إنه مع ترويج المزيد من الشركات لشفافية الأجور، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها السوق.

وتقول: “لقد بدأ الأمر بإجبار المؤسسات على كشف المزيد عن الرواتب ومواجهة مشكلة عدم المساواة الموجودة بالفعل. الشركات المبتكرة التي ترغب في الفوز في سوق المواهب ستجرب أشياء جديدة وتدفع هذه الجهود إلى الأمام”.