أعجوبة العالم الثامنة “النهر الصناعي الليبي العظيم” المهدد بالتخريب
[ad_1]
في تطور جديد، قطعت السلطات الليبية إمدادات المياه مؤخرا عن مناطق واسعة من البلاد بعد أن هدد مسلحون يطالبون بإطلاق سراح مسؤول من عهد القذافي من السجن بتخريب شبكة مياه “النهر الصناعي العظيم”.
وقالت هيئة مياه النهر إن إمدادات المياه توقفت عن المناطق الغربية والجنوبية الغربية من ليبيا.
واتخذت سلطة المياه القرار بقطع الإمدادات بعد أن اقتحم مسلحون العديد من مراكز توزيع المياه مطالبين بإطلاق سراح المسؤول الليبي السابق.
فما هي حكاية “النهر الصناعي العظيم“؟
هو مشروع ضخم وضع حجر أساسه في مثل هذا الوقت من عام 1984 لنقل المياه الجوفية إلى المناطق الزراعية والمدن كثيفة السكان في شمال ليبيا بتكلفة 35 مليار دولار.
ويعيش حوالي 80 في المئة من سكان ليبيا البالغ عددهم 6 ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد على البحر المتوسط أو بالقرب منه ويعتمدون على المياه العذبة التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في جنوب البلاد حيث تقع أيضا الحقول الغنية بالنفط في ليبيا.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن “النهر الصناعي العظيم” عبارة عن شبكة واسعة من خطوط الأنابيب والقنوات الجوفية التي تجلب المياه العذبة عالية الجودة من طبقات المياه الجوفية في أعماق الصحراء إلى الساحل الليبي للاستخدام المنزلي والزراعة والصناعة.
وتقوم فكرة المشروع على ضخ المياه الجوفية من وسط الصحراء عبر 4 أنابيب عملاقة لتحمل ما يوازي ضعف تدفق نهر التيمز الذي يمر بلندن، من الجنوب إلى الشمال الليبي.
ويتكون النهر من 1300 بئر يبلغ عمق أغلبها 500 متر، وتمتد الأنابيب لمسافة 4 آلاف كيلومتر من الجنوب الشرقي والغربي إلى الشمال لنقل 6.5 مليون متر مكعب من المياه يوميا إلى المدن الرئيسية الكبرى مثل مدن الزاوية وطرابلس وبنغازي وطبرق وسرت وإجدابيا.
وقد وُصف “النهر الصناعي العظيم” بأنه أكبر مشروع ري في العالم، حيث وفر منذ عام 1991 مياه الري والشرب التي تشتد الحاجة إليها في المدن المكتظة بالسكان والمناطق الزراعية في شمال ليبيا، والتي كانت في السابق تعتمد على محطات تحلية المياه وعلى طبقات المياه الجوفية القريبة من الساحل بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وقد اعتبر الزعيم الليبي السابق معمر القذافي نهره العظيم الأعجوبة الثامنة في العالم بعد عجائب الدنيا السبع.
بين الزراعة وخطوط الأنابيب
وكان قد تم اكتشاف المياه لأول مرة في منطقة الكفرة في الصحراء الجنوبية الشرقية في ليبيا في الخمسينيات من القرن الماضي أثناء التنقيب عن النفط.
وأشار التحليل اللاحق إلى أن هذا الاكتشاف عبارة عن خزان جوفي ضخم من المياه التي يتراوح عمرها ما بين 10 آلاف إلى مليون عام، وقد تسرب الماء إلى الحجر الرملي قبل نهاية العصر الجليدي الأخير عندما تمتعت منطقة الصحراء بمناخ معتدل.
وقد خططت الحكومة الليبية في البداية لإقامة مشاريع زراعية واسعة النطاق في الصحراء حيث تم العثور على المياه، ولكن تم تغيير الخطط في أوائل الثمانينيات وتم إعداد التصاميم لشبكة ضخمة من خطوط الأنابيب التي تمتد إلى الساحل.
وزعم بعض المسؤولين الليبيين، مستشهدين بالحجم الهائل للخزانات الجوفية، أن تلك الخزانات يمكن أن تستمر في توفير المياه لآلاف السنين.
وقد ذكر منتقدو هذه المزاعم أن مثل هذه الادعاءات مبالغ بها إلى حد كبير حيث يصر البعض على أن النهر قد لا يستمر خلال القرن الحادي والعشرين حيث أن نظام خزان الحجر الرملي النوبي غير قابل للتجدد، وبالتالي فإن إمداداته المائية محدودة.
وفي حالة نفاد إمدادات المياه الجوفية، ستواجه المنطقة ندرة حادة في المياه ما لم يتم إنشاء بنية تحتية كافية لتحلية المياه.
مراحل النهر العظيم
وقد بدأت هيئة “النهر الصناعي العظيم”، التي أنشأتها الحكومة لإدارة المشروع، المرحلة الأولى في عام 1984.
فقد تم حفر المئات من آبار المياه في حقلي تازربي وصرير حيث تم ضخ المياه من عمق حوالي 500 متر تحت الأرض عبر خط أنابيب مزدوج إلى خزان في أجدابيا، والذي تلقى أول مياهه في عام 1989.
ومن هناك تم ضخ المياه في اتجاهين، غربا إلى مدينة سرت الساحلية وشمالا إلى مدينة بنغازي، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وتم الاحتفال رسميا بإنجاز المرحلة الأولى من النهر الصناعي العظيم في بنغازي في عام 1991.
وفي تلك المرحلة كان بوسع النهر الصناعي العظيم نقل 2 مليون متر مكعب (70.6 مليون قدم مكعب) من المياه يوميا عبر حوالي 1600 كيلومتر من خط الأنابيب المزدوج بين حقول الآبار في الجنوب والمدن المستهدفة في الشمال.
وبدأت المرحلة الثانية من النهر في غرب ليبيا بتزويد العاصمة الليبية طرابلس بمياه الشرب في عام 1996.
وتستمد مياه المرحلة الثانية من 3 حقول آبار في منطقة جبل الحساوينه، حيث يضخ أحد خطوط الأنابيب المياه من قصر الشويرف إلى ترهونة في منطقة جبل نفوسة.
ويمتد خط أنابيب آخر شمالا وشرقا إلى الساحل، حيث يتجه غربا ويزود مدن مثل مصراتة بالماء قبل أن ينتهي في طرابلس.
وقد تم الانتهاء من المرحلة الثالثة من النهر الصناعي العظيم في عام 2009 حيث تم تقسيمها إلى جزأين وإضافة ما مجموعه 1200 كيلومتر من خطوط الأنابيب.
وكان الجزء الأول بمثابة توسعة للمرحلة الأولى وأضاف 700 كيلومتر من خطوط الأنابيب ومحطات الضخ الجديدة لزيادة إجمالي قدرة الإمداد اليومية إلى 3.68 مليون متر مكعب (130 مليون قدم مكعب).
وقدم الجزء الثاني من المشروع 138 ألف متر مكعب إضافي (4.9 مليون قدم مكعب) يوميا لطبرق من الآبار في واحة جغبوب، واستلزم بناء خزان جنوب المدينة و 500 كيلومتر من خط الأنابيب.
يشمل المشروع أيضا مرحلتين إضافيتين (الرابعة و الخامسة)، والتي تشمل تمديد نظام المرحلة الأولى من النهر جنوبا إلى حقول الآبار في منطقة الكفرة.
ومد خط أنابيب من آبار قرب غدامس في الصحراء الغربية إلى مدينتي الزاوية والزوارة الساحليتين غربي طرابلس، فضلا عن مد خط أنابيب يربط بين أنظمة المرحلة الأولى للنهر والمرحلة الثانية وستبلغ السعة الإجمالية لمجمع مياه البحر المتوسط مع جميع المراحل التي تم بناؤها حوالي 6.5 مليون متر مكعب (230 مليون قدم مكعب) من المياه يوميا.
وستتضمن الشبكة الكاملة حوالي 4 آلاف كيلومتر من خطوط الأنابيب.
ولدى إطلاق المرحلة الأولى قيل في ذلك الوقت إن الأنابيب المستخدمة هي الأكبر في العالم، وبلغ قطر كل منها 4 أمتار وطولها 7 أمتار، وتم تصنيع الأنابيب المستخدمة في مصنعين كبيرين في ليبيا.
وقد تم وضع تلك الأنابيب في خنادق بعمق 7 أمتار بواسطة رافعات مصممة خصيصا لذلك، ثم تم إغلاق الوصلات بحلقات مطاطية عملاقة وجص أسمنتي، وتم ملء أقسام الخندق.
وتعد الخزانات المفتوحة الموجودة في نقاط التوزيع مثل أجدابيا بمثابة بحيرات صناعية محفورة من التربة والصخور ومبطنة بالأسفلت.
ويزيد قطر أكبر خزان عن كيلومتر واحد، ويحتوي على ما يصل إلى 24 مليون متر مكعب (848 مليون قدم مكعب) من المياه.
وقد شاركت العديد من الشركات الهندسية من جميع أنحاء العالم في مشروع النهر الصناعي العظيم.
اعتداءات وتهديدات
وقد تعرض مشروع النهر الصناعي لعدد من الاعتداءات من مجموعات خارجة على القانون أو الأهالي بهدف إجراء توصيلات غير قانونية، ما يتسبب في قطع المياه عن عدد من المدن والأحياء.
لكن التهديد الأخير بتخريب هذا المشروع كان بهدف إطلاق سراح عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات اللليبية السابق.
وكان السنوسي، وهو شقيق زوجة معمر القذافي الذي حكم البلاد لفترة طويلة، قد حُكم عليه بالإعدام في 2015 بسبب دوره المزعوم في محاولة إخماد انتفاضة 2011 التي تُوجت بالإطاحة بالقذافي وقتله.
وقالت هيئة المياه إن المسلحين أعطوا السلطات مهلة 72 ساعة لإطلاق سراح السنوسي من السجن في العاصمة طرابلس.
وقالوا إنه إذا لم يتم الاستجابة لمطالبهم، فإنهم يعتزمون مهاجمة شبكة الأنابيب التي تنقل المياه من آبار تحت الأرض في الصحراء إلى مدينة طرابلس.
وذكر بيان صادر عن هيئة النهر أن من الأفضل قطع إمدادات المياه بدلاً من رؤيتها تُدمر في هجوم محتمل.
وكان السنوسي قد سُلم إلى طرابلس في سبتمبر/ أيلول 2012 من قبل موريتانيا التي هرب إليها بعد سقوط القذافي.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت بحقه مذكرة اعتقال للاشتباه بارتكابه جرائم حرب خلال انتفاضة 2011.
ومنحت المحكمة في 2013 الضوء الأخضر للسلطات الليبية لمحاكمته.
مشاكل قديمة
ولا تعد المشاكل شيئا جديدا على مشروع النهر فقد اتهم القذافي حلف شمال الأطلنطي باستهدافه، كما هددت الاشتباكات بين حكومة الوفاق وقوات شرق ليبيا إمدادات المياه أيضا.
وفي الواقع أن المشاكل أقدم من ذلك، ففي عام 2000 بدأ ظهور المشاكل في ذلك المشروع الذي كان يعد الأكثر كلفة في العالم في ذلك الوقت.
وقال نيكولاس بالام مراسل بي بي سي في طرابلس حينئذ إن النهر الصناعي العظيم قد صمم لكي يكون فخر الثورة الليبية، وكان من المنتظر أن يحيل الصحراء الليبية إلى أرض خضراء تشبه تماما العلم الليبي.
لكن بحلول عام 2000 لم يكن مشروع النهر العظيم قد اكتمل بالرغم من إنفاق ما يزيد عن 10 مليارات دولار عليه حتى ذلك الوقت.
فقد اقتصر العمل حتى عام 2000 على اثنين فقط من الفروع الأربعة للمشروع، ولم يعمل أحد الفرعين سوى بنسبة عشرين بالمئة من طاقته الكاملة بينما كانت المياه تتسرب عبر الآخر.
وقال حكيم شويدي مدير عام المشروع حينئذ إن الأنابيب في الفرع الشرقي من النهر العظيم تآكلت بدرجة كبيرة، وللدرجة التي أجبرت المهندسين على إغلاق النهر العظيم 3 مرات.
لكن شويدي قال إن تلك المشكلات من النوع المتوقع، فأي مشروع هندسي يمكن أن يواجه هذه المشكلات، إنه أمر عادي، فالأمريكيون مثلا استخدموا مكوك الفضاء لمدة 5 سنوات، ثم انفجر مكوك في أثناء إحدى الرحلات.
وقد نفى المسؤول الليبي حينئذ معرفة الجهة التي يجب أن يوجه لها اللوم فيما يحدث، هل هي المتعاقدون الليبيون أم المصممون البريطانيون أم المنفذون الكوريون؟.
ولم يشعر الليبيون في عام 2000 بآثار التسرب الذي حدث من النهر الصناعي حيث وجدت احتياطات المياه في 3 خزانات بلغت مساحة الواحد منها مساحة ملعب لكرة القدم، وكانت تكفي السكان لعدة أسابيع.
[ad_2]
Source link