بانشير: قصة الإقليم الذي هُزم فيه السوفييت وطالبان في أفغانستان
[ad_1]
لم يسقط إقليم بانشير في أيدي طالبان مثلما سقطت المدن والمحافظات الأخرى في أفغانستان، بما في ذلك العاصمة كابل، بل على العكس، كان ولا يزال معقلاً وأيقونة للمقاومة ضد المحتل.
هُزم في هذا الإقليم، الجنود الروس إبان الغزو السوفييتي للبلاد في الثمانينيات، وكذلك مقاتلو طالبان الذين استولوا على السلطة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
ويعد بانشير أحد آخر معاقل المقاومة في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على كامل البلاد.
ولجأ إليه مؤخراً، نائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح، برفقة أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، الذي دعا الناس إلى الانتفاضة والمقاومة ضد طالبان، في حال فشلت المفاوضات التي يرجو منها مسعود “اعتماد اللامركزية، في الحكم لتحقيق نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع”.
ولكن لهذا الإقليم قصة وتاريخا يتباهى به الأفغانيون منذ مئات السنين، فما هي؟ وكيف صمد في وجه الغزاة على مر الزمان؟
وادي “الأسود الخمسة”
تقع المنطقة على بعد 130 كيلومترا شمال شرقي العاصمة كابل، بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية، وتبلغ مساحتها 3610 كيلو متر مربع، وعدد سكانها 173 ألف نسمة وغالبيتهم من قومية الطاجيك التي ينتمي إليها أحمد مسعود أيضاً.
يُعرف الإقليم باسم “بنجشير” وتعني خمسة أسود باللغة الفارسية، لكن العرب يطلقون عليها اختصاراً اسم بانشير. ويشار إليه باسم وادي بانشير لأنه محاط بالجبال الشاهقة.
والاسم حسب رواية الأفغان، مشتق من قصة تعود إلى القرن العاشر، حيث تمكن خمسة إخوة من وضع سد أمام مياه الفيضانات المتدفقة إلى الوادي في عهد السلطان محمود غزنة، فأطلق على الإخوة الخمسة لقب “الأسود الخمسة”.
وصفه كل من زاره بأنه يتميز بالجبال الشاهقة والأنهار العذبة والجمال الطبيعي الخلاب، وقد اكتسب الوادي مكانة مهمة لدى الأفغانيين.
وربما يعود سبب عدم قدرة طالبان بناء قاعدة جماهيرية لها في هذا الإقليم، إلى كون غالبية أنصار الحركة ينتمون إلى قومية البشتون، و لذلك، لم تلقَ طالبان ترحيباً في هذه المنطقة.
ويحتضن وادي بانشير ضريح القائد العسكري الأفغاني السابق، أحمد شاه مسعود، الذي لقب بـ “أسد بنجشير” (اغتيل في عام 2001 على يد القاعدة) لمقاومته وصموده أمام الجنود الروس إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، وانتصاره عليهم رغم معداته العسكرية البسيطة مقابل القوة الجوية السوفييتية.
في القرن التاسع عشر، ظلت المنطقة بمنأى عن الإمبراطورية البريطانية أثناء محاولتها غزو أفغانستان.
ويفخر سكان الإقليم بمقاومتهم لطالبان والسوفييت وغيرهم وبقائه إقليماً سلمياً إلى حد ما.
السوفييت أولا ثم طالبان
توجد في الوادي الكثير من الأنفاق التي كانت ولا تزال ملاذاً وحصناً منيعاً للمقاومة ضد الأسلحة الجوية، إلى جانب التضاريس الوعرة والكهوف والأنهار والجبال الشاهقة.
وبقي وادي بانشير، بقيادة أحمد شاه مسعود، عصياً على الروس خلال السنوات العشر من الحرب التي مرت بها البلاد.
ووصف مارك غاليوتي، وهو بروفسور وخبير في الشأن الروسي، في كتابه عن دفاع شاه مسعود عن هذه المنطقة الاستراتيجية بعبارة “الأسد يروض الدب في أفغانستان”.
وفي عام 1996-2001، قاد شاه مسعود مقاومته لحركة طالبان، الذين لم يتمكنوا بدورهم من السيطرة على المنطقة رغم سيطرتهم على البلاد كاملة.
وخلال تلك الفترة، جمع شاه مسعود مختلف الفصائل الأفغانية، وأنشأ التحالف الشمالي، الذي سيطر على شمال وشرق البلاد.
واليوم، يريد نجله أحمد مسعود، أن يقود مقاومة مماثلة لكن هذه المرة ضد طالبان وبإمكانيات أقل مما كان يحظى بها والده.
وفي أوج نفوذه، كان التحالف الشمالي الذي أسسه شاه مسعود، يمثل أكثر من 30 في المئة من سكان البلاد. وجذب صمود التحالف ومقاومته لطالبان لسنوات عدة، الولايات المتحدة التي بدأت بدعم تلك القوات البرية للسيطرة على بقية البلاد والإطاحة بطالبان من السلطة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي نفذتها القاعدة وراح ضحيتها 3000 أمريكي.
ورغم أنه كان عصياً على القوى المتتالية على مر عقود من الزمن، إلا أن وادي بانشير الذي يسعى إلى إطلاق مقاومة جديدة اليوم، محاط بقوات طالبان، كما أنه من غير المرجح أن تتدخل كل من الولايات المتحدة وروسيا – القوتين العظمتين- مرة أخرى، عدا عن تقارب الإيرانيين (الذين كانوا مع المقاومة أيام التحالف الشمالي) مع طالبان اليوم.
وهذا يعني أن مصادر القوة التي يتمتع بها أحمد مسعود الآن، تختلف عن تلك التي تمتع بها والده في حقبة السوفييت وطالبان في السابق.
وكتب أحمد مسعود مقالاً قال فيه: “لدينا مخازن ذخيرة وأسلحة جمعناها بصبر منذ عهد والدي، لأننا علمنا أن هذا اليوم قد يأتي، لكن إذا شنت طالبان هجوماً عسكرياً، فلن تكون قواتنا العسكرية ولوجستياتنا كافية، وستنضب بسرعة ما لم يمد أصدقاؤنا في الغرب يد المساعدة لنا دون تأخير”.
وحتى الآن، لم تحاول طالبان دخول بانشير، لكنها تحاصره من كل الجوانب. فهل تستطيع هذه الحركة ترويض “الأسود” الذين لم يستطع الدب الروسي ترويضهم من قبل؟
أجيال لم تشهد سوى الحروب
رسمت الحدود الحديثة لأفغانستان في أواخر القرن التاسع، عندما كانت المنافسة في أوجها على المنطقة بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية. وأصبحت أفغانستان الحديثة بيدقاً في الصراعات على الأيديولوجية السياسية والنفوذ التجاري.
في الربع الأخير من القرن العشرين، عانت أفغانستان من الآثار المدمرة للحرب الأهلية التي تفاقمت بشكل كبير بسبب الغزو السوفييتي للبلاد بين عامي 1979 – 1989.
صمد النظام الشيوعي الأفغاني الناجي ضد المتمردين الإسلاميين (1989-1992) ، وبعد حكم قصير من قبل مجموعات المجاهدين، ظهرت حركة طالبان التي كانت في بداياتها مكونة من مجموعة طلاب متشددين دينياً، ضد الأحزاب الحاكمة في البلاد.
[ad_2]
Source link