يورو 2020: ما سر نجاح فريق إنجلترا لكرة القدم؟ وما الدرس الذي نتعلمه من تجربة مدربه؟
- ماثيو سيد
- لاعب تنس أولمبي سابق ومؤلف
قد يكون أحد أسباب نجاح مدرب منتخب إنجلترا لكرة القدم غاريث ساوثغيت هو استعداده للتوجه إلى خارج عالم كرة القدم للمساعدة في إعداد الفريق الإنجليزي. يجادل أحد هؤلاء المستشارين الذين يقدمون المشورة له، البطل الأولمبي السابق ماثيو سيد، بأن هناك الكثير مما يمكن لبقية العالم أن يتعلمه من هذا النهج.
إذا كانت هناك حقيقة عالمية واحدة حول النفس البشرية فهي أننا نحب أن نكون محاطين بأشخاص يفكرون مثلنا تماماً. أطلق الإغريق القدماء على ذلك اسم “الهموفيليا” التي تعني “حب ذات الشيء”. وكان أفلاطون هو من حذر من أن “الطيور على أشكالها تقع”.
هذه هي قصة فريق إنجلترا لكرة القدم على مدى العقود الثلاثة الماضية. فريق يديره حالياً “لاعب كرة قدم” حقيقي محاط بمستشارين كانوا “لاعبي كرة قدم” سابقاً.
والفكرة من وراء ذلك هي أنه إذا تواجد لاعبو كرة قدم ذوو خبرة داخل غرفة ما سنحصل على أقصى ما يمكن من معرفة، وبالتالي نشق الطريق للفوز بالمباريات.
لهذا السبب، عندما تم تعيين كلايف وودوارد، مدرب لعبة الرغبي على المستوى العالمي، كمساعد لمدرب نادي ساوثهامبتون لكرة القدم الإنجليزي قبل بضع سنوات ثارت ثائرة العديدين. صرخ متابعو شؤون كرة القدم في رعب: “إنه رجل لعبة رغبي”.
“إذا كان هاري ريدناب، مدرب ساوثهامبتون في ذلك الوقت، بحاجة إلى مشورة فما الخطأ على سبيل المثال في طلب ذلك من توني بوليس أو ديفيد بليت (كلاهما مدربا كرة قدم)؟ إنهما خبيران في كرة القدم”.
الشيء المثير للفضول في هذا النقاش هو أن هذه الحجج مقنعة ظاهريا. صحيح أن بوليس يعرف الكثير عن كرة القدم أكثر من وودوارد. هل أدركت المشكلة؟ ريدناب يعرف بالفعل ما يعرفه بوليس. هما نتاجا فرضيات وخبرات متشابهة في عالم كرة القدم الإنجليزية، مثل طريقة التخطيط لتكتيكات اللعب، النظام الغذائي، الإعداد البدني وغيرها من الأمور. يمكننا أن نصفهما بأنهما نسختان متطابقتان من الناحية العقلية.
إذا وضعت ريدناب وبوليس وبليت (ثلاثتهم كانوا لاعبي كرة قدم جيدين سابقاً) في غرفة واحدة فستكون أمام أصحاب معرفة فردية عالية في مجال كرة القدم، وسيكون كل واحد منهم نسخة عن الآخر، سيعكس كل واحد منهم فرضيات ونظريات الآخر. سيكون الجو مريحاً ولطيفاً وتوافقياً. سيكون هناك تجانس لكن لن تكون هناك روح إبداعية.
هذا الوضع يمثل مشكلة تتجاوز عالم كرة القدم الإنجليزية.
عندما تأسست وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عام 1947، وظفت محللين لامعين لكنهم كانوا أيضاً متشابهين، ذكور من ذوي البشرة البيضاء من أبناء الطبقة الوسطى من الأنجلو ساكسون البروتستانت.
كان العناصر المجندون في الوكالة بلا شك متشابهين من الناحية الفكرية والشخصية وكانوا ينظرون إلى بعضهم البعض بإعجاب، وكما قال الأكاديميان ميلو جونز وفيليب سيلبيرزان: “أول سمة عامة لهوية عناصر وكالة المخابرات المركزية من عام 1947 إلى عام 2001 هو التجانس من ناحية الجنس والعرق والأثنية والانتماء الطبقي”.
وينطبق الشيء نفسه على العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل، التي تساءلت منذ نحو عقد عن سبب غياب الابتكارات على الرغم من توظيف العديد من مهندسي البرمجيات اللامعين.
ثم أدركت غوغل أنها توظف أشخاصاً من جامعات متماثلة، وتعلموا تحت إشراف أساتذة متشابهين، واستوعبوا مجموعة متماثلة من المفاهيم والاستنتاجات والنماذج. كانوا “نسخاً” لبعضهم البعض. فقط عندما بدأت غوغل في النظر إلى ما وراء آفاقها المعتادة، والتواصل مع جامعات وشبكات اجتماعية مختلفة تغيرت الأمور.
اتبع غاريث ساوثغيت نهجاً مختلفاً وكان منفتحاً على أي أفكار جديدة منذ البداية. أحد مصادر هذه الأفكار هو المجلس الاستشاري الفني لاتحاد كرة القدم، وهو مجموعة انتقائية تقدم المشورة بشأن الأداء في اجتماعات منتظمة منذ عام 2016.
ويشمل الأعضاء (كلهم متطوعون دون مقابل) مدرب الدراجات السير ديف برايلسفورد، ومديرة أكاديمية ساندهيرست العسكرية كولونيل، لوسي جايلز، وبطلة التجديف الأولمبية كاث غرينغر، ورجل الأعمال في مجال التقنية مانوج بادال، ومدرب لعبة الرغبي ستيوارت لانكستر والعقل المدبر وراء مركز سانت جورج بارك الوطني لكرة القدم ديفيد شيبشانكس.
في البداية أصيب المطلعون في كرة القدم بالرعب من هذه المجموعة حيث ظهرت مقالات سلبية في الصحافة البريطانية. نحن لسنا “رجال كرة قدم” ولهذا السبب فإن المجموعة قادرة على تقديم رؤى جديدة حول الإعداد والنظام الغذائي والبيانات وغيرها من الأمور. وهذا ما يسمى أحياناً بالتفكير “المتشعب” الذي يناقض ” التوافق” في “حجرات الصدى” (أي حين تكون الآراء متشابهة وكأنك تسمع تردد صدى الصوت نفسه في حجرة).
قال لي ساوثغيت: “أحب الاستماع إلى الأشخاص الذين يعرفون أشياء لا أعرفها، هكذا تتعلم”.
أحاط ساوثغيت أيضاً نفسه بمجموعة مختلفة من المدربين، جيريم جونز وكريس باول ومارتن مارجستون، وكلهم أصحاب تجارب واسعة ولكن متباينة جدا في مجال كرة القدم. وكما هو حريص على الاستماع إليهم فهو حريص أيضاً على سماع ملاحظة مساعده ستيف هولاند، حيث يتم اختصار الاحتفال والابتهاج عند تسجيل إنجلترا هدفاً كي يكون هناك متسع من الوقت لسماع ملاحظة هولاند.
هؤلاء المدربون المتنوعون ليسوا متمردين بمعنى أنهم يسعون إلى إفشال الفريق. بل هم متمردون بمعنى أن وجودهم يهدف إلى الوصول إلى تفكير جديد يساعد الجميع على تقديم أداء أفضل.
المأساة هي أن الأشخاص الموجودون في “حجرات الصدى” لا يدركون في كثير من الأحيان أنهم أسرى هذه الحجرات. هذه النقطة أثارها الروائي ديفيد فوستر والاس عندما روى قصة تبدأ من حوض للأسماك. “هناك سمكتان صغيرتان تسبحان مع بعض وتلتقيان بسمكة أكبر سناً. تومئ السمكة لهما برأسها وتقول” صباح الخير يا أولاد كيف حال الماء؟ “. تستمر السمكتان الصغيرتان بالسباحة لبعض الوقت ثم تنظر إحداهما إلى الأخرى وتقول “بالله عليك ما هو الماء؟”.
الفكرة التي يحاول والاس عرضها في هذه القصة هي أنه عندما نكون محاطين بأشخاص يفكرون بنفس الطريقة قد نغفل عن ما هو واضح وجلي. ومن بين أبرز الأمثلة شركة Blockbuster لتأجير الأفلام، التي فوتت على نفسها الفرص التي وفرها لها عالم الإنترنت على الرغم من هيمنتها على أعمال تأجير الأفلام، وكذلك شركة كوداك التي كانت تركز بشدة على الطباعة الورقية في عالم التصوير الفوتوغرافي، ولم تنتهز الفرص التي وفرتها التقنية الرقمية.
أخطأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في التنبؤ بسلسلة كاملة من التهديدات لأن عناصرها كانوا يفكرون بنفس الطريقة، وكانوا يتوصلون لنفس الاستنتاجات. لو كان هناك عدد من أصحاب الأفكار والمواقف المتمردة لتغير كل شيء. لم تتلافَ الوكالة ذلك الخلل سوى في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.
بالطبع ، لا ينبغي السعي وراء التنوع بلا داع. إذا كان المدربون المحيطون بساوثغيب يقدمون الاستشارات ليس في مجال كرة القدم بل في مجال بناء صادم الهدرون الكبير فإن وجودهم سيكون بلا معنى.
نادراً ما ينجح الأشخاص من خارج المجال في الوصول إلى النتيجة المرجوة. مفتاح النجاح هو الجمع بين الأشخاص الذين تكون وجهات نظرهم ذات صلة بالمشكلة لكنها متباينة ومختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تعميق وتوسيع المعرفة وفي نهاية المطاف إلى خلق “الذكاء الجماعي”.
لم يفز فريق إنجلترا لكرة القدم ببطولة كأس الأمم الأوروبية بعد وهناك طريق طويل أمامه للوصول إلى ذلك الهدف. لكن التنوع الذي يتمتع به الفريق لا جدال فيه وهو أحد اهم نقاط قوته وهذا أمر مركزي في استراتيجيات العديد من المؤسسات الأكثر تطوراً.
قد تكون “حجرات الصدى” مريحة ولكنها تقيّد فرص الابتكار والإبداع بطبيعتها. في عصر ما بعد جائحة كورونا ومع تغير العالم بشكل أسرع من أي وقت مضى، فإن التنوع هو مفتاح النجاح.