“إيفرغيفن” حرة أخيرًا .. لكن ما الذي يضمن عدم تكرار الأزمة؟
- أحمد شوشة وأمل سعيد
- بي بي سي نيوز عربي- القاهرة
اتفاق ذو بنود سرية بين هيئة قناة السويس ومالكي سفينة “إيفرغيفن” ينهي مائة وسبعة أيام توقفت فيها السفينة العملاقة مجبرةً في قناة السويس، كما يثير هذا الاتفاق أسئلة عن الدروس المستفادة من الأزمة ومدى ضمان عدم تكرارها.
تسبب جنوح السفينة في مارس/ آذار الماضي، في تعطل المجرى الملاحي للقناة مدة ستة أيام، مخلفًا خسائر في كل يوم، بلغت 14 مليون دولار لقناة السويس، بحسب مسؤوليها، و10 مليار دولار للتجارة العالمية، بحسب أرقام شركات تأمين عالمية.
أمرت بعدها محكمة مصرية بالحجز التحفظي على سفينة إيفرغيفن انتظارًا لاتفاق بين المالكين وهيئة قناة السويس، أو لقرار قضائي يقرر مصيرها إن لم يحدث اتفاق، وقد تحقق السيناريو الأول بعد خلافات كبيرة حول مسؤولية الحادث ومبلغ التعويض.
ويحتفل طرفا الخلاف الذي تمت تسويته، دون نشر تفاصيل هذه التسوية، بتوقيع اتفاق وتحرير السفينة.
ودار الخلاف الأساسي حول مبلغ التعويض إذ عرضت الشركة المالكة للسفينة إيفرغيفن 150 مليون دولار فيما طلبت هيئة قناة السويس نحو 900 مليون دولار خُفضت فيما بعد إلى 550 مليون دولار.
وقالت الشركة المالكة للسفينة إن سوء الأحوال الجوية تسبب في جنوح السفينة، لكن هيئة قناة السويس شددت على أن ربان السفينة مسؤول بشكل كامل عن سيرها وسلامتها.
“الحوادث ستزيد”
يقول مصدر مطلع في هيئة قناة السويس شارك في إجراء التحقيقات بشأن جنوح سفينة “إيفرغيفن” إن احتمالية الحوادث في المستقبل ستزيد، لأن أحجام السفن باتت كبيرة للغاية عما كان في السابق إذ كانت لا تزيد على 200 ألف طن.
ويوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لبي بي سي نيوز عربي أن السبب هو أن أحجام السفن باتت كبيرة للغاية عما كان في السابق، فيما لن تستطيع هيئة القناة زيادة عرض المجرى الملاحي في الوقت الحالي.
وكانت آخر مشروعات مصر لتطوير مجرى قناة السويس عام 2015 حين افتتحت رافدًا للقناة بطول 35 كيلو متر، لتعمل القناة في الاتجاهين بشكل متزامن، بدلًا من إبحار السفن في اتجاه واحد، في الوقت الذي تنتظر فيه السفن من الجهة المقابلة للمرور.
وقبل نحو شهرين، استعرض رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، مقترحًا أمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لتوسعة وتعميق المنطقة الجنوبية للقناة.
ويضيف المسؤول في هيئة قناة السويس أن الحل المتاح هو تطوير القدرات للتعامل السريع مع الحوادث في المستقبل، لتجنب الخسائر.
القناة تحتاج المزيد من الإمكانات
استعانت هيئة قناة السويس بقاطرات جديدة للمساعدة في تحرير سفينة إيفرغيفن، ورحبت بعرض من الولايات المتحدة للمساعدة بقدرات أسطولها البحري في أعمال التعويم.
وراحت صور القاطرات إلى جانب صورة لكراكة صغيرة وهي تحاول تحرير السفينة العملاقة تثير التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي في شتى أنحاء العالم، كلها حول تناسب إمكانات هيئة قناة السويس مع حجم المشكلة.
يشير الأمين العام لاتحاد الموانئ البحرية العربية، عصام الدين بدوي، إلى أن القناة بحاجة للمزيد من القاطرات بقوة شد أكبر للتعامل مع السفن العملاقة التي باتت تمر في مجرى القناة، إذا كانت جزءًا من حادثة.
ويضيف بدوي لبي بي سي أن على هيئة قناة السويس أيضًا أن تدرب موظفيها بشكل مكثف على التعامل مع مثل هذه المواقف.
لكن الخبير البحري يشدد على أنه مع ذلك فإن المسؤولية القانونية تقع على السفن وليس على هيئة القناة، وفقًا للقانون الدولي.
لائحة قديمة
وترى مستشارة القانون البحري، هايدي فاروق، أن لائحة قناة السويس التي كتبت عام 1988 تحتاج إلى إعادة النظر لتوائم التطور الكبير في أحجام السفن وحمولاتها ونوعياتها، ليضاف بند يحمل السفن المارة مسؤولية عدم الإضرار بالقناة استنادًا إلى عمق القناة وإمكانياتها.
وتطالب مستشارة القانون البحري، في حديث مع بي بي سي، هيئة قناة السويس، بجمع المعلومات حول السفن من القنوات والمعابر البحرية حول العالم للنظر في تاريخ كل سفينة مع الحوادث، واتخاذ القرار بتمكينها من المرور.
واصطدمت إيفرغيفن في فبراير/ شباط 2019 بعبارة طولها 25 مترًا بسبب الرياح العاتية، وعندما جنحت في قناة السويس كان على متنها 25 بحارًا، غادر ثلاثة منهم بعد موافقة هيئة القناة لظروف شخصية، وانتظر طيلة الفترة الماضية نحو 22 بحارًا.
حقوق البحارة
كان ينتظر البحارة تسوية الأزمة، إذ يرتبطون بعقود مع الشركة المشغلة كما يعين القانون المصري بحكم قضائي واحدًا منهم حارسًا قضائيًا ليكون مسؤولًا عن إدارة السفينة وحفظها، لحين البت في أمر السفينة.
وفي نهاية أبريل /نيسان الماضي، نفت هيئة قناة السويس ما تردد عن “اعتقال طاقم السفينة”، موضحة أنها لا تمانع مغادرة الطاقم أو استبداله بشرط ضمان وجود النسبة الكافية من البحارة اللازمة لتأمين السفينة، وفي ظل استمرار وجود ربان السفينة بصفته الحارس القضائي على السفينة وما تحمله من بضائع”.
ويثير نظام الحارس القضائي الذي تعينه محاكم مصرية من البحارة على السفن المحتجزة جدلًا كبيرًا في الأوساط الدولية المعنية بالبحارة.
قبل أسبوعين، رفض الاتحاد الدولي لعمال النقل، وهو اتحاد لنقابات البحارة حول العالم، التعليق لبي بي سي حول وضع البحارة على متن إيفرغيفن في هذا الوقت.
لكنه عاد وأرسل لنا قبل يوم بيانًا ينتقد فيه نظام الحارس القضائي في مصر الذي وصفه بـ”الغريب”، مطالبًا السلطات المصرية بـ”الإصلاح العاجل للقانون”.
وجاء البيان بمناسبة عودة البحار التركي، وهبي كارا، إلى بلده بعد ضغوط دولية خلال وجوده على متن سفينة في ميناء الأدبية في السويس لمدة عام دون أجر، لأنه اعتبر حارسًا قضائيًا على السفينة التي تواجه مشكلات.
وتتشكل الأضرار النفسية من نظام الحارس القضائي في أغلب الأحيان من ابتعاد البحارة عن أسرهم وأصدقائهم، والإقامة الطويلة على ظهر سفينة، والمسؤولية القانونية المستمرة لوقت طويل عن السفن، وعدم القدرة على التنبؤ بمستقبل النزاع وإمكانية حله.