قصة الطائفة الدينية التي فرت من الاضطهاد في روسيا لتصبح إحدى أكبر الهجرات في تاريخ كندا
[ad_1]
- بريندان سينسبري
- بي بي سي
نلقي الضوء على القصة الرائعة وغير الموثقة جيدا لطائفة الدوخوبور، وهي طائفة دينية مسالمة فرت من الاضطهاد في روسيا للقيام بواحدة من أكبر الهجرات في التاريخ الكندي.
بينما يزور معظم الناس منطقة ويست كوتيناي الجبلية في مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا للقيام بأنشطة جريئة في الهواء الطلق، كنت قد وصلت هناك للتفكير فيما قام به الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي واختراق العالم المميز والغامض لطائفة الدوخوبور.
وطائفة الدوخوبور هي مجموعة عرقية دينية صغيرة من أصل روسي انفصلت عن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في أوائل القرن الثامن عشر. ووُصف أتباع طائفة الدوخوبور بأنهم “زنادقة” وتعرضوا للاضطهاد لأكثر من قرنين من قبل الأباطرة الروس المتعاقبين، وهاجروا بشكل جماعي إلى كندا في عام 1899.
ونظرا لأن أتباع طائفة الدوخوبور هم مجموعة من المؤمنين بعدم العنف والمساواة، فقد كانوا رفقاء طبيعيين لتولستوي صاحب الفكر الزاهد. وكان تولستوي متعاطفًا مع أتباع هذه الطائفة بسبب سلميتهم وأسلوب حياتهم المجتمعي غير المادي، لذلك لعب هذا الكاتب الكبير دورا مؤثرا في هجرتهم، لدرجة أنه تبرع بعائدات مبيعات روايته “القيامة” للمساعدة في تمويل رحلتهم.
ويقع مركز اكتشاف الدوخوبور على بُعد سبع ساعات بالسيارة شرق مدينة فانكوفر الكندية، ويحتل مجموعة رائعة من المباني المبنية بالطوب الأحمر المحاطة بحقول معتنى بها جيدًا وأشجار التفاح. وعلى مدخل المركز كان هناك حمامة بيضاء منقوشة على جانب حظيرة، ولافتة كُتب عليها “الكدح والحياة الهادئة” فوق شرفة المدخل توحي بجو من الصناعة الهادئة في الداخل.
وهناك أيضا عدد من الغرف المملوءة بمعروضات منسقة بعناية توضح الرحلة الطويلة التي قطعها أتباع طائفة الدوخوبور من روسيا إلى كندا وأسلوب المعيشة المتماسك الذي كان ذات يوم هو السمة المميزة لهم.
ويُعرف أتباع هذه الطائفة اليوم في كندا بأنهم مجموعة من الأشخاص المسالمين النباتيين الذين يتحدثون باللغة الروسية. ويشير بعض المؤرخين إلى أوجه تشابه بينهم وبين أتباع طائفتي الكويكرز والمينونايت، في حين يشير إليهم آخرون باسم الهيبيين البدائيين.
ويتميز أتباع طائفة الدوخوبور بتفانيهم في العمل، ويمتلكون مهارات جيدة للغاية في النجارة والزراعة. وعندما كانت الحكومة الكندية تبحث عن مزارعين لتسوية مناطقها الداخلية الوعرة في التسعينيات من القرن التاسع عشر، لم يكن هناك مرشحون أفضل من الدوخوبور.
يقول ريان دوتشاك، مدير الثقافة بمركز اكتشاف الدوخوبور: “أكثر معتقد يؤمن به أتباع طائفة الدوخوبور هو أن روح الله تسكن داخل كل كائن حي. وهذا المبدأ يفسح المجال لعدد من المعتقدات الدينية لدى طائفة الدخوبور، بما في ذلك رفض الرموز الدينية، والتأكيد على المساواة والجماعية، فضلاً عن اللاعنف والسلام”.
نشأ دوتشاك كمسيحي كاثوليكي، لكن جدته تنحدر من مجتمع الدوخوبور في مقاطعة ساسكاتشوان الكندية. انجذب دوتشاك إلى الدين بعد أن شارك في عيد القديس بطرس في مدينة كاستلغار، وهو العيد الذي يجري الاحتفال به في شهر يونيو (حزيران) من كل عام بالصلاة والغناء والطبخ الروسي.
يقول دوتشاك عن ذلك: “لقد انجذبت إلى أفكارهم حول المساواة والسلام. في الستينيات من القرن الماضي، ساعد الدوخوبور في تنظيم وقفات احتجاجية من أجل السلام في كندا واستمروا في تأكيد هويتهم اليوم من خلال السلام”.
تعلم دوتشاك اللغة الروسية وحصل على رسالة الماجيستير في ثقافة الدوخوبور، وأعاد التواصل مع جذوره من أتباع هذه الطائفة. يقول دوتشاك: “بالنسبة لي، فإن طائفة الدوخوبور ما زالت تحظى بأهمية كبيرة، وما زال لديها الكثير لتقدمه للمجتمع المعاصر”.
وخلال الفترة بين عامي 1899 و1938، ازدهرت طائفة الدوخوبور في عشرات القرى الزراعية المستقلة في كندا. ويعد مركز اكتشاف الدوخوبور في الأساس بمثابة إعادة بناء لأحد مجتمعات الاكتفاء الذاتي الفريدة من نوعها، فداخل هذا المركز يمكنك ان تجد مجموعة من المساكن، وحظائر مليئة بأدوات الزراعة القديمة، وفرنا يعمل بالحطب لصنع الخبز والعديد من عجلات الغزل التي كانت تستخدم لصنع الستر والشالات المميزة لطائفة الدوخوبور والتي لا يزال يرتديها أتباع هذه الطائفة في المناسبات الخاصة.
ونحن في طريقنا إلى المعروضات المجمعة لهذه الطائفة، أشار دوتشاك إلى طاولة تحتوي على “عناصر الحياة” من الملح والخبز والماء، وهي الأشياء الوحيدة المسموح دخولها إلى تجمعات الصلاة، التي تكون في غرف بسيطة وليس في كنائس مزخرفة. يقول دوتشاك: “يُعتبر الكتاب المقدس (لدى أتباع هذه الطائفة) نصًا تاريخيًا أكثر من كونه كتابًا مقدسًا”.
ويمكن إرجاع جذور طائفة الدوخوبور إلى أوائل القرن الثامن عشر في الإمبراطورية الروسية، وهي عبارة عن طائفة مسيحية معارضة رفضت طقوس الكنيسة الأرثوذكسية، وعرف أتباعها بأنهم من “مثيري الشغب” الذين كانت آراؤهم المتعلقة بالمساواة تتناقض مع المجتمع القمعي في روسيا آنذاك.
وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأ رئيس أساقفة أرثوذكسي يطلق عليهم اسم “الدوخوبور” أو “مصارعو الروح”، وكان القصد من هذا المصطلح هو التقليل من شأنهم، لكنهم بمرور الوقت نجحوا في إعادة تعريف معنى هذا الاسم، مشيرين إلى أنهم يتصارعون مع الروح من أجل العثور على الحقيقة.
وفي القرن التاسع عشر، نفيت هذه الجماعة أولاً إلى البحر الأسود ثم إلى منطقة القوقاز على أطراف الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف، حيث عاشوا بشكل مستقل في قرى صغيرة تحتضن شعار “الكدح والحياة السلمية”.
وجاء التغيير الأبرز في التسعينيات من القرن التاسع عشر عندما تزامن ظهور الزعيم الجديد للدوخوبور، بيتر لوردلي فيريغين، مع صعود نيقولا الثاني إلى العرش الإمبراطوري لروسيا. لقد أصر الإمبراطور نيكولا على أن تؤدي جميع المجموعات عبر الإمبراطورية الروسية قسم الولاء، لكن أتباع طائفة الدوخوبور رفضوا ذلك. وفي عام 1895، وبناءً على تعليمات من فيريغين (الذي كان قد نُفي إلى سيبيريا في عام 1887)، دمر أتباع هذه الطائفة جميع أسلحتهم احتجاجًا على ذلك، فيما أصبح يعرف بعد ذلك بتضحية “حرق الأسلحة”.
ومع اشتداد العداء مع الحكومة الروسية، تدخل تولستوي والكويكرز البريطانيون لمساعدة أتباع طائفة الدوخوبور على الهجرة إلى كندا. ووصل حوالي 7,500 من أتباع هذه الجماعة على متن أربع سفن في أوائل عام 1899 ووافقوا على الاستيطان وزراعة الأراضي غير المطورة في الداخل بشرطين: إعفاءهم من الخدمة العسكرية، والسماح لهم بامتلاك أراضيهم بشكل جماعي.
في البداية رحلوا إلى مروج ساسكاتشوان، حيث انضم إليهم فيريغين في عام 1902، لكن بعد أن تراجعت حكومة المقاطعة عن وعدها لهم بالسماح بالملكية الجماعية للأراضي في عام 1908، قاد فيريغين معظم أفراد هذه الجماعة إلى كولومبيا البريطانية في واحدة من أكبر الهجرات الداخلية المنظمة في التاريخ الكندي.
وبحلول العشرينات من القرن الماضي، أدت النقاشات حول ملكية الأراضي والاستيعاب الثقافي إلى انشقاقات في حركة الدوخوبور في كندا، وانفصلت مجموعة منشقة صغيرة تسمى “أبناء الحرية” وبدأت سلسلة من الاحتجاجات المتطرفة التي تضمنت هجمات إحراق متعمدة واستعراضات عارية. وأثارت هذه الأفعال حالة من الغضب، وانتهى المطاف بالعديد من أبناء مجموعة “أبناء الحرية” في السجون، وهو الأمر الذي تسبب بدوره في بعض القلق لأفراد طائفة الدوخوبور الملتزمين بالقانون.
وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في عام 1938 عندما أدى الكساد الكبير، إلى جانب الإدارة المالية السيئة، إلى الحجز على جميع ممتلكات أفراد طائفة الدوخوبور، كما استولت الحكومة الكندية على جميع الأرض المملوكة لهم بشكل جماعي، والتي اشتراها بيتر فيريغين في عام 1908. وحُلت قرى الدوخوبور تدريجيًا وانصهر سكانها في الثقافة الكندية.
ويقال إن هناك ما يتراوح بين 20,000 و30,000 شخص من أتباع طائفة الدوخوبور في كندا اليوم، على الرغم من أن حوالي 10 في المئة فقط من هذا العدد هم من يتبعون الممارسات الروحية.
[ad_2]
Source link