كيف يؤثر “التفاؤل غير الواقعي” على قراراتنا ومستقبلنا؟
[ad_1]
- جيسيكا موديت
- بي بي سي
يقول خبراء إن الإفراط في التفاؤل يمكن أن يعرقل المشاريع ويعرض الصحة للخطر، لكن القدر المناسب منه يمكن أن يدفعك بشجاعة نحو تحقيق النجاح.
لم تكن حياة جينا فانجيلي سهلة، إذ تعرضت للتنمر عندما كانت طفلة، وواجهت سوء المعاملة عندما أصبحت فتاة بالغة، إلى جانب فشلها في زواجين ومعاناتها من مشاكل صحية متكررة، كما صدمتها شاحنة في عام 2016. أما العام الماضي فقضى وباء كورونا على مصدر رزق السيدة التي تبلغ من العمر 52 عاما، والتي كانت تعمل طاهية مختصة بالمعجنات.
ولكي تتمكن الأم التي تربي أطفالها الأربعة وحدها وتعيش في ملبورن بأستراليا، من تغطية نفقاتها، تطوعت للعمل في بنك للطعام مقابل حصولها على سلال غذائية، كما عملت في بيع الأثاث المستعمل. وخلال أشهر الإغلاق الطويلة ألفت كتابا، وأخذت عدة دورات تدريبية، وأعادت تنظيم أعمالها في مجال المعجنات لتشمل البيع عبر الإنترنت.
وتقول فانجيلي: “اعتبرت الوباء مرحلة جديدة في حياتي، ولم تكن بالمرحلة السيئة، وسوف تنتهي قريبا على أي حال. وفي الوقت الحالي، لدي بصراحة حماس شديد بخصوص المستقبل والاتجاه الذي يتخذه عملي. لقد أصبح الأطفال أكبر سنا، وأشعر أنه سيكون لدي الكثير من وقت الفراغ بعد ذلك”.
وتنظر فانجيلي، كما تقول عن نفسها، إلى الجانب المشرق من الحياة، وتميل إلى المبالغة في تقدير احتمال حدوث أشياء إيجابية تخصها، وبالتالي تقلل من أهمية الأحداث السلبية المحتملة. وهذا يُعرف باسم “الانحياز للتفاؤل” أو “التفاؤل غير الواقعي”، وهو أمر موجود لدى 80 في المئة من سكان العالم بدرجة ما.
ويعتبر التفكير الإيجابي سمة مميزة للتطور، لأنه يسهل عملية تصور ما يمكن تحقيقه. وهذا يسمح لنا بأن نكون شجعانا ومبدعين في آن واحد. وتختلف مستويات الانحياز للتفاؤل باختلاف حالتنا العقلية وظروفنا الراهنة، وهناك أيضا طرق لكبح جماح هذا الانحياز والحد منه، أو لرفع مستوياته. وهذا أمر مفيد، لأن الإفراط في التفاؤل يمكن أن يؤدي إلى الاستهانة بالمخاطر. إذ أن إدراكك للموقع الذي تحتله على سلم التفاؤل يمكن أن يساعدك على التكيف مع تحيزك، وربما يقودك إلى اتخاذ خيارات أفضل.
المقاومة في مواجهة الواقع
هناك افتراضان يشكلان أساس حالة الانحياز للتفاؤل: أولا، أن نمتلك سمات إيجابية أكثر مما يتوفر للشخص العادي. ثانيا، أن يكون لدينا نوع من السيطرة على العالم من حولنا. وتقول شيلي لاسليت، الرئيسة التنفيذية لشركة “فيتاي كوتش” ومقرها سيدني، والتي تستخدم علم الأعصاب والتكنولوجيا في التدريب على إدارة الأعمال: “لم يكن الجنس البشري ليتطور من دون التحيز للتفاؤل”.
وتعزو لاسليت الفضل في التحيز للتفاؤل باعتباره الصفة التي تقودنا إلى تجربة أشياء جديدة رغم أنها قد تكون صعبة، لأنه يوفر لنا قدرا معينا من الثقة بأن الأمور ستسير على ما يرام. كما يحمينا من القلق من كل ما يتصف بعدم اليقين، مثل المستقبل.
وتقول تالي شاروت، أستاذة علم الأعصاب الإدراكي في كلية لندن الجامعية، إن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في هذا التحيز هو أنه “مقاوم في مواجهة الواقع”. وعلى الرغم من الأحداث السلبية غير المتوقعة التي تحدث معنا أو نشاهد حدوثها سواء في الأخبار أو لأشخاص آخرين، فإن الأحداث الإيجابية هي التي تترك الانطباع الأكبر على نظم قناعاتنا. إننا “نتعلم بشكل أفضل” من الأشياء الجيدة التي تحدث حولنا، وهذا يجعلنا نستمر في التحيز الايجابي. في حين نميل إلى التقليل من مصداقية الأشياء السيئة، بل أن البعض يتجاهلها تماما.
لكن الإفراط في التفاؤل يمكن أن يؤدي إلى تقييم المخاطر المحتملة بشكل يفتقر إلى الدقة والصحة، ولعل خير مثال على ذلك هو استخفاف المخططين بالميزانيات والأطر الزمنية. وقد يعني التحيز للتفاؤل أيضا عدم الاهتمام بالحصول على تأمين، أو عدم ارتداء خوذة أثناء ركوب الدراجة، أو ربما الإصابة بفيروس كورونا بسبب اللامبالاة وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وتوضح شاروت، التي ألفت عدة كتب عن التفاؤل: “يقول لسان حال الأشخاص الذين لديهم تحيز للتفاؤل: ‘سأفعل الشيء الصحيح من خلال اتخاذ الاحتياطات، وبالتالي سأكون أقل عرضة من الآخرين لاحتمال التقاط العدوى بفيروس كورونا'”. وتضيف: “قد يعتقدون أيضا أن صحتهم أفضل من الأشخاص العاديين، أو أن لديهم جينات تجعلهم أكثر مقاومة.”
وينتشر التحيز للتفاؤل بشكل متساوٍ بين سكان العالم، لكن الثقافة تلعب دورا من خلال تأثيرها على مدى اعتبار الناس أنفسهم متفائلين أو متشائمين. وتوضح شاروت أنه في الثقافات التي يعتبر فيها التفاؤل أمرا جيدا، مثل الولايات المتحدة وأستراليا، من المرجح أن يعرّف الناس أنفسهم على أنهم متفائلون. وفي ثقافات مثل فرنسا، والمملكة المتحدة إلى حد ما، من المرجح أن يقولوا إنهم واقعيون، أو حتى متشائمون. لكن الاختبارات تثبت أن لديهم في الواقع تحيزا للتفاؤل”.
وتشير الإحصائيات إلى أن 10 في المئة فقط من الناس يمكن اعتبارهم غير متحيزين بالكامل. ومع ذلك يعتقد شخص من كل شخصين لديهما ميل للتفاؤل نفسه أنه غير متحيز. وفي المقابل، هناك 10 في المئة آخرون لديهم تحيز للتشاؤم، وغالبا ما ينتمي المحامون إلى هذه المجموعة. تقول شاروت: “من غير الواضح ما إذا كان السبب هو أن مزيدا من الأشخاص المتشائمين يقررون أن يصبحوا محامين، أو ما إذا كان التدريب على مواجهة أسوأ الاحتمالات يقلل من التفاؤل”.
وربما كان للعمر التأثير الأكبر. وتقول شاروت: “يصل الانحياز للتفاؤل إلى أدنى درجاته في فترة منتصف العمر”. وقد يكون التوتر أحد أسباب ذلك، كما تقول “لأننا نعلم من التجارب أن التوتر يقلص من حجم التحيز للتفاؤل. ويصل التوتر عادة إلى ذروته في منتصف العمر، ربما لأن هناك الكثير من المشاكل المتعلقة برعاية الأطفال والآباء المسنين ومتابعة حياة مهنية مزدحمة”.
التفاؤل مفيد شرط أن لا يكون أعمى
ووجد الباحثون أن التحيز للتفاؤل يعود لطبيعة الشخص ولنشأته. وتظهر الدراسات التي أجريت على التوائم، على سبيل المثال، أن الدور الذي تلعبه الجينات تتراوح نسبته ما بين 30 إلى 40 في المئة، بينما تستأثر التنشئة بالباقي. وهذا أمر مفيد، لأن إدراك حجم الدور الذي يلعبه الانحياز للتفاؤل في حياتك، وتعلم كيفية التأثير على مستوياتك الخاصة من هذا الانحياز يمكن أن يساعدك على الاستفادة من إيجابياته وتجنب سلبياته.
وفي حياتنا المهنية، على سبيل المثال، يمكن أن يصبح التفاؤل بمثابة النبوءة التي تحقق نفسها بنفسها، وفقا لشاروت، التي تقول: “إذا كنت تعتقد أن الأشياء الإيجابية ستحدث، فهذا يعزز حوافزك على المحاولة بجدية أكبر، وهو ما قد يغير النتيجة فعليا. وعندما نتوقع أشياء إيجابية، نكون أكثر سعادة ولهذا تأثير إيجابي على صحتنا من خلال تقليل معاناتنا من أشياء مزعجة مثل القلق”.
ويرتبط التفاؤل أيضا بالنجاح في مجالات متعددة، سواء كان ذلك في مجال الأعمال أو السياسة أو الرياضة. ويميل الرؤساء التنفيذيون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلاً من الأشخاص العاديين، مثلهم مثل رواد الأعمال، الذين يزداد تفاؤلهم بمجرد قيامهم بالقفزة الأولى في تأسيس أعمالهم التجارية. وتقول شاروت: “أعتقد أن التفاؤل هو الذي يؤدي إلى النجاح، بدلا من القول بأن النجاح يولد التفاؤل، رغم أنني متأكدة من أن الأمر يسير في الاتجاهين”.
ويدرب عالم النفس الأمريكي مارتن سيليغمان الناس على تنمية وجهة نظر أكثر تفاؤلاً من خلال ربط النتائج الإيجابية بالأسباب الدائمة، والنتائج السلبية بأشياء مؤقتة. ومثال ذلك، أن يقول أحد الأشخاص “سار هذا المشروع بشكل جيد لأنني مهندس جيد”، أو “فشل هذا المشروع لأنني لم أكرس له الوقت الكافي”. والرسالة هنا، هي أن الأشياء الجيدة تحدث لأسباب متأصلة في الفرد، بينما تنسب الأشياء السيئة إلى أسباب يمكن معالجتها، مثل مستوى الاستعدادات في اللحظة الأخيرة. وهذا ينمي نظرة ذاتية إيجابية، تجعلنا متفائلين بشأن آفاقنا المستقبلية.
لكن يجب الحذر من الجانب السلبي للتحيز للتفاؤل، وهو الفشل في توقع المخاطر بدقة. ومن المعروف عن منظمي دورات الألعاب الأولمبية، على سبيل المثال، أنهم يميلون إلى الإفراط في التفاؤل بخصوص المكاسب التي يمكنهم جنيها، والتقليل من أهمية الجداول الزمنية والتكاليف الباهظة المرتبطة. وإذا أراد المشاركون في المناقصات في المستقبل حماية أنفسهم من هذا التفاؤل المفرط، فيمكنهم وضع هذا الأمر في الاعتبار لتجنب تكبد مثل هذه النفقات الهائلة الزائدة. وتحاول المؤسسات والشركات هذه الأيام توقع هذا التحيز والتصرف بالشكل المناسب لتلافي أضراره. على سبيل المثال تتضمن إرشادات وزارة الخزانة الصادرة عن حكومة المملكة المتحدة قسما شاملا حول تصحيح ما يتعلق بالإفراط في التفاؤل.
وتقترح لاسليت الاحتفاظ بمذكرات خاصة بالتوقعات والنتائج في أماكن العمل من أجل تقييم مستواك الخاص من التحيز للتفاؤل، وهو ما يسمح لك بالتعديل بشكل يتلاءم مع ذلك إذا لزم الأمر. وقد يسمح القيام بذلك بإتاحة ثلاثة أسابيع لإكمال مشروع ما على سبيل المثال، بدلاً من أسبوعين.
وترى لاسليت أن دراسة الموقف جيدا والنظر إليه من مختلف الزوايا هو الأفضل دائما، وتقول: “أي نقطة قوة يتم المبالغة في استخدامها تصبح نقطة ضعف: وهذا يعني أن التفاؤل الأعمى ليس جيدا على الإطلاق”.
لكن القليل من التفاؤل يساعد المرء على قطع شوط طويل. وتشعر فانجيلي بالثقة في أن التفاؤل قد خدمها جيدا طوال حياتها، ودفعها إلى الأمام حتى في أكثر الظروف صعوبة. وهذا التفاؤل نفسه قد يضعها في مكانة جيدة على طريق النجاح عندما يصبح الوباء تحت السيطرة، وتستأنف الحياة الطبيعية، بما في ذلك عملها في صناعة المعجنات.
[ad_2]
Source link