كيف تتوصل إلى فكرة قد تعود عليك يوما ما بمليون دولار؟
[ad_1]
- ديفيد روبسون
- بي بي سي
تكشف الدراسات والأبحاث عن أنه من النادر، أن ننجح في أن نُقيّم ما يطرأ على أذهاننا من أفكار على الوجه الصحيح، وأننا نتخلى عن أفضلها في أغلب الأحيان. لكن ثمة طرقا من شأنها، تمكيننا من تحاشي الوقوع في هذا الخطأ.
قليلةٌ هي القرارات التي أدت إلى تغيير وجه العالم. كما أنه من النادر، أن يتخذ أحد الباحثين الطامحين في نيل درجة الدكتوراه، قرارا ذا طبيعة ثورية. لكن الأمر اختلف مع باحث شاب في مجال الكمبيوتر، كان يعكف في عام 1995 على اختيار موضوع أطروحته، التي سيعمل عليها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد. في ذلك الوقت، أدرك هذا الشاب أن الموضوع الذي سيختاره، يمكن أن يؤثر على مسيرته المهنية بأسرها، وهو ما دعاه إلى إعداد قائمة بعشرة أفكار استرعت انتباهه، ويمكن أن يعمل على أيٍ منها.
وتعلق أحد هذه الخيارات، بـ “الشبكة العنكبوتية العالمية”، التي كان العالم حديث العهد بها نسبيا آنذاك، فلم يكن قد مضى على ابتكارها حينها سوى ست سنوات لا أكثر. وفي تلك الآونة، فكر ذلك الطالب – الذي سنعرف اسمه بعد سطور قليلة – في ما إذا كان من الممكن، أن يتم وضع جدول للارتباطات التشعبية بين المواقع الموجودة على هذه الشبكة، بطريقة تماثل تلك التي يستخدمها الباحثون، لفهرسة مصادر الاقتباسات الواردة في كتاباتهم.
على أي حال، ربما تساعدك المعلومة السابقة على تخمين أننا نتحدث عن لاري بيدج، الذي سيشكل مشروعه البحثي الذي حمل في البداية اسم “باك رَب”، أساسا لخوارزمية أُطْلِقَ عليها اسم “بيدج رانك”، أصبحت تمثل في ما بعد بدورها، الآلية التي تقف وراء محرك بحث غوغل. وللتعرف على قيمة فكرة هذا الرجل ومشروعه، سنكتفي هنا بالإشارة إلى أن قيمة “ألفابيت”، وهي الشركة الأم لـ “غوغل”، تبلغ في الوقت الراهن، ما يزيد على تريليون دولار.
لذا، قد يبدو من الواضح لنا الآن، عبر النظر إلى الأمر برمته بأثر رجعي، عبقرية تلك الفكرة، التي غيرت وللأبد شكل تصفحنا للشبكة المعروفة لنا حاليا باسم الإنترنت، ودرّت على بيدج نفسه، ثروة طائلة بلغت قيمتها قرابة مئة مليار دولار. لكن من اليسير كذلك أن نتخيل عالما موازيا، يقع فيه اختيار طالب الدكتوراه الشاب، على موضوع آخر يظن أنه يجدر به العمل عليه لنيل هذه الدرجة العلمية، ما يجعله لا يكترث بتلك الفكرة، التي أحدثت كل هذه التغييرات الدراماتيكية.
وبوجه عام، تُظهر الدراسات أنه من النادر أن ينجح الناس في تحديد القيمة الحقيقية لما يطرأ على أذهانهم من أفكار. ويعني ذلك أننا نفشل غالبا في التعرف على الفوائد الكامنة في الأفكار الجيدة التي تراودنا، وهو ما يقودنا للتخلي عنها، وتبديد الوقت في العمل على مشروعات أخرى، تتسم بأنها واعدة على نحو أقل. ولحسن الحظ، تقترح الدراسات التي تتناول هذا الموضوع، أساليب ذكية يمكن أن تكفل لنا تجنب الوقوع في هذا الخطأ.
فوائد أن تكون الفكرة “في المرتبة الثانية من تفضيلاتك”
ومن بين أكثر الدراسات المتبصرة التي أُعِدَت في هذا المضمار، تلك التي قدمها البروفيسور جاستِن بيرغ في كلية ستانفورد للدراسات العليا في مجال الأعمال. وشملت الدراسة، إجراء سلسلة من التجارب العلمية، التي طُلِبَ فيها من الأشخاص موضع البحث، طرح أفكار بشأن تقديم منتجات أو خدمات جديدة، مثل اقتراح أشكال مبتكرة لأجهزة ومعدات اكتساب اللياقة البدنية، أو مقترحات مثيرة لأسفار ورحلات.
وتضمنت التجربة منح المشاركين في البداية فرصة لعقد جلسات عصف ذهني لوضع قائمة بأفكارهم المبدئية، وهي الأفكار التي رتبها كل منهم وفقا لتفضيلاته الشخصية. ثم أُتيحَ لهم وقت أطول، لتطوير تلك الأفكار والمفاهيم، وترتيبها مرة أخرى. بعد ذلك، تولى فريق من المحكمين المستقلين، تقييم أهمية القائمة النهائية من الأفكار، التي بلورها المشاركون في الدراسة، كل على حدة.
وبتحليل البيانات الخاصة بعملية التقييم هذه، وجد بيرغ أن الأفكار التي كانت أكثر تفضيلا من جانب المشتركين، لم تكن – في المتوسط – هي التي أبهرت لجنة المحكمين المستقلين أكثر من غيرها، بل تحقق هذا الهدف غالبا، بفعل الأفكار التي احتلت المرتبة الثانية من حيث التفضيل لدى المشاركين في الدراسة.
وبمزيد من البحث والدراسة، تبين لبيرغ أن تصنيف المشاركين لأهمية أفكارهم أو لتفضيلاتهم لها، تأثر سلبا بفعل مستوى التجريد والغموض، الذي يكتنف عادة الأفكار في شكلها الأوليّ. فقد اتضح أن المشاركين فضلوا بشكل عام، المفاهيم التي بدت أكثر واقعية من غيرها بالنسبة لهم، وبدا لهم – مبدئيا – أيضا أنها أسهل في التطبيق كذلك.
ويُعقّب بيرغ على ذلك بالقول: “تكون الفوائد الكامنة في فكرة ما، أكثر وضوحا، كلما كانت الفكرة نفسها واقعية بشكل أكبر، بما لا يجعلك مضطرا للتحلي بقدر كبير من التبصر” لتوقع ما الذي يمكنك أن تستفيد منه، حال وضعها موضع التطبيق، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف، إلى أن “تكون قيمة فكرة ذات سمات مثل هذه، واضحة نسبيا بالفعل بالنسبة لك”.
ومن شأن ذلك، جعل المشاركين في التجربة يغفلون في أغلب الأحيان – ولو نسبيا – الأفكار المُجردة على نحو أكبر، التي لم يبدُ لهم للوهلة الأولى، أنها ذات طابع عملي. لكن منحهم مزيدا من الوقت لتطوير هذه الأفكار، جعل الفوائد التي تنطوي عليها أكثر وضوحا، وهو ما أدى إلى أن تكون جذابة بشكل أكبر، في أعين المحكمين المستقلين.
ولتوضيح الأمر، دعونا هنا نضرب مثالا، بفكرة طرحها أحد المشاركين في الدراسة، لابتكار “آلة للرياح أو الجاذبية”، يمكن أن توفر قدرا من المقاومة لك خلال تحركك، بما يجعلك تشعر وكأنك تسبح ضد أمواج معاكسة، لكن دون أن تُضطر لمواجهة “فوضى البلل الناجم عن النزول في حمام السباحة”.
ففي البداية، كان من الصعب تخيل كيف يمكن تجسيد فكرة مثل هذه على أرض الواقع. لكن منح الرجل وقتا لتطوير فكرته، أدى إلى أن يستكشف إمكانية استخدام منصة مغناطيسية جنبا إلى جنب مع ملابس ممغنطة في تنفيذها. فمن شأن ذلك، كما قال صاحب الفكرة نفسه، جعل ممارستك لتدريب بسيط تحاكي فيه صعود الدرج، أشبه بخوضك تمرينا مُجهدا كذاك الذي ترفع فيه أثقالا، وذلك إذا كنت مرتديا لمثل هذه الثياب، وتقف على تلك المنصة الممغنطة. بل إن عكس وضع الأقطاب المغناطيسية، قد يجعل بمقدور المتمرن السباحة في الهواء، ما يسهل أداء أنشطة من قبيل الوقوف على اليديْن مع رفع الساقين إلى أعلى. وبعد أن تبينت كل هذه التفاصيل، حظيت هذه الفكرة، بدعم كبير من جانب لجنة المحكمين المستقلين.
كيف يمكنك تمييز الفكرة المتميزة بشدة عن غيرها
وتكشف الدراسة التي أجراها بيرغ، عن أننا قد نهدر وبشكل منتظم فرص الاستفادة من أفكار رائعة تراودنا، فقط لأننا نعجز عن تمييز الغث من السمين، من بين أفكارنا. إذا، كيف يمكننا أن نُحسِّن قدرتنا على الحكم وتحديد قيمة الأفكار التي تساورنا على نحو دقيق؟
يمكن أن يكون السبيل الأمثل لتحقيق ذلك، هو أن يحفز كل منّا نفسه على الانخراط في ما يمكن وصفه بـ “النوع السليم من التفكير التأملي”، نظرا إلى أن اعتمادنا على الحدس في هذا الشأن، غالبا ما لا يُؤتي ثماره. فبيرغ مثلا، وجد أن بمقدوره تحسين قدرة المشاركين في دراسته على أن يتوقعوا بشكل سليم أياً من الأفكار التي طرحوها ستكون أكثر فائدة من غيرها، من خلال مطالبتهم بذكر الأسباب التي حدت بهم لترتيب أفكارهم على الشاكلة التي صنّفوها بها. ومَثّلَ ذلك أسلوبا مبسطا لتشجيع التفكير التأملي، ساعد أفراد عينة البحث، على تقييم أهمية الأفكار ذات الطابع التجريدي بشكل أكبر، التي راودتهم.
ويقول بيرغ في هذا الصدد: “العنصر الرئيسي في الأمر، يتمثل في أن تنخرط بجدية في هذا النوع من التفكير، وأن تكون منفتحا على إمكانية تغيير رأيك، بناء على ما سيتمخض عنه تفكيرك على هذه الشاكلة”.
وبوجه عام، يرى هذا الرجل أنه ربما يتعين علينا إرجاء اتخاذ أي قرار نهائي بشأن اختيار فكرة أو مقترح أو مشروع بعينه للعمل عليه، إلى أن نبلور عددا من الخيارات المتنافسة، التي يمكننا المقارنة بينها في هذا الصدد. ففي هذه الحالة، يمكن للمرء أن يجد أن فكرته، التي تبدو له مجردة ومبهمة في البداية بما يقلل من جاذبيتها، قد اكتسبت مغزى أكبر بفضل إمعان التفكير والنظر فيها، وهو ما قد يقود إلى أن تصبح أكثر جاذبية.
فإذا كنت – مثلا – بصدد تأليف كتاب، ربما يتعين عليك التفكير أولا، في عدد من الموضوعات، التي يمكنك أن تتناولها فيه. بعد ذلك، يمكنك اختيار الموضوعين المُفضلين بشكل أكبر بالنسبة لك من بينها، وإعداد ملخص لما يمكن أن تكتبه بشأن كل منهما. وعندئذ فقط، قد يصبح بوسعك تحديد أيّ منهما، سيصبح موضوع كتابك وستمضي فيه قدما. ومن شأن ذلك، كما يقول بيرغ، تقليص احتمالات تخليك عن فكرة ما مهمة، في وقت مبكر أكثر ما ينبغي.
ويتفق البروفيسور روخيليو بونتي دياز، أستاذ التسويق في جامعة أناهوك المكسيكية، مع الرأي القائل بأنه يتعين علينا توخي الحذر فيما يتعلق بالاعتماد على أحكامنا الأوليّة. وقد أظهرت الدراسات التي أجراها هذا الرجل، أننا نعتمد غالبا على ما يُعرف بـ “المشاعر المستقاة من عالم ما وراء الإدراك والمعرفة”، وهو ما يتمثل في ذاك الحدس الذي يحدو بنا للاعتقاد أن شيئا ما قد يؤتي أُكله أو العكس؛ للحكم على مدى فعالية فكرة ما من عدمها.
ويقول إن الاعتماد على تلك المشاعر في إصدار الأحكام، يمكن أن يكون عرضة لتحيزات شتى. لكن دياز يحذر في الوقت نفسه، من أن إحدى أكبر المشكلات التي قد تواجهنا في هذا الصدد، تتمثل في الإحساس بتفاؤل غير مبرر، بشأن النجاح المحتمل لفكرة ما. ويقول في هذا السياق إن لدينا “نزعة تحدو بنا للنظر فقط إلى الجانب الإيجابي”. ولهذا السبب، يوصي بأن نبذل “جهدا واعيا”، للتفكير في الأسباب الكثيرة، التي يمكن أن تؤدي بفكرة ما إلى الفشل.
وهكذا فإذا كنت بصدد الجمع بين توصية دياز هذه والفكرة التي اقترحها بيرغ من قبل، لاختيار الفكرة التي ترى أنها الأكثر قيمة، من بين الأفكار التي طرأت على ذهنك، فربما سيجدر بك تحديد أكثر فكرتيْن مفضلتيْن لديك منها، وبلورتهما وتطويرهما على نحو أكبر. وبعد أن يتكون لديك فهم أفضل، بشأن ما الذي يمكن أن يترتب على تطبيق كل منهما، بمقدورك إعداد قائمة بإيجابيات وسلبيات كلا الفكرتين. هنا ينبغي عليك أيضا، أن تبذل قصارى جهدك في التفكير بشأن “ما الذي يمكن أن يمضي على نحو خاطئ، وكذلك ما الذي يمكن أن يمضي بشكل صحيح” على هذا الصعيد.
وبهذه الطريقة، يمكنك استباق المشكلات، التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الفشل، ما قد يزيد نسبة اطمئنانك، إلى أن الفكرة الرائعة التي وقع اختيارك عليها، قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وستأتي بنتائج إيجابية كذلك.
وربما تتمثل الطريقة الموثوق بها لضمان تحقيق النجاح على صعيد اختيار الأفكار الأكثر قيمة، في التعرف على آراء الآخرين في هذا الصدد. ويُفضل أن يكون هؤلاء، ممن قد يبدون اهتماما بالمنتج أو الخدمة التي تدور أفكارك حولها.
وتقول لورا كورنيش، أستاذة التسويق في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية، إن غالبية الشركات والمؤسسات تنخرط حاليا في إجراء بحوث المستهلكين، في مرحلة متأخرة من مراحل تطويرها لمنتجاتها الجديدة. وتشير الدراسة التي أجرتها كورنيش، إلى أنه قد يكون من المفيد إجراء مثل هذه البحوث في مرحلة مبكرة، تحديدا بُعيد عملية العصف الذهني الأوليْة، التي تُجرى لبحث الأفكار المطروحة، وذلك حتى يتسنى من هذه المرحلة المبكرة تحديد أي هذه المقترحات يمكن أن يكون أكثر نجاحا.
وتقول كورنيش: “إذا استطعت أن تحمل 20 أو 30 شخصا على ترتيب أفكارك (من الأفضل إلى الأسوأ)، فسيكون بمقدورك الحصول على مؤشر فعلي، يفيد بما إذا كانت هذه الأفكار وجيهة أم لا”.
في النهاية، فمع أنه قد لا يتسنى لنا أبدا أن نعرف الأسباب التي دفعت لاري بيدج للتركيز على “باك رَب”، ونبذ باقي الأفكار التي كان يفكر في أن تشكل موضوع أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، فإن الطرق التي استعرضناها في السطور السابقة، يمكن أن تساعدنا على أن نحدد بشكل أدق المشروعات التي تنطوي على احتمالات أكبر للنجاح. فعبر بذل جهد أكبر في مرحلة التطوير الأوليّ للفكرة، ومن خلال البحث المتعمق في أفضل السيناريوهات وأسوأها، بجانب استطلاع آراء أشخاص آخرين، يمكن لنا أن نستخلص الجواهر من بين كل ما يدور في خُلدنا من أفكار، وألا نخاطر أبدا بأن نهدر فرصة قد تعود علينا يوما ما، بمليون أو تريليون دولار.
[ad_2]
Source link