لعبة نيوتن: لماذا خسرت هَنَا تعاطف الجمهور؟
[ad_1]
- ألمى حسون ورنا طه
- بي بي سي عربي
كما كنا نشاهد الجدات منذ سنوات بعيدة يصرخن على بطلة المسلسل وينصحنها بالابتعاد عن الممثل الشرير الذي سيخرب حياتها، نرى هذه الأيام تويتر وفيسبوك مزدحمين بالنصائح والعتاب على “هنا” بطلة مسلسل “لعبة نيوتن” بسبب كل تصرفاتها تقريبا.
ينزعج أحدهم – مثلا – من قرار زواجها الثاني ويكتب لها: “بنقله شكرا يا هنا لما حد بيساعدنا ويقف جنبنا مش بنتجوزه”، ويوافقه كثيرون من خلال أكثر من خمسة آلاف إعجاب بهذه النصيحة.
دوّخ مسلسل المخرج تامر محسن فئة عريضة من الجمهور، وأصبح أبطال المسلسل الثلاثة الرئيسيين حديث السوشال ميديا؛ حتى أن وجه “الشيخ مؤنس” وعباراته تحولت إلى صور “ميمز Memes” تنتقل عبر واتساب – وكانت جملة “لا أطيق الانتظار” أشهرها.
وأثار الشيخ مؤنس هذا (الممثل محمد فرّاج) غيظ كثيرين وهو يخطف امرأة من زوجها بخبث وانتهازية ويتلاعب بها؛ وأثار الزوج حازم (محمد ممدوح) أيضا حنقهم بسبب انفعالاته وطيشه وعدم ثقته بقدرة زوجته على التصرّف وتطليقه لها عبر رسالة صوتية؛ والبطلة هنا (منى زكي) أيضا أغضبت المتابعين كثيرا ووصفوها بالغبية والضعيفة.
مع تطور الأحداث والتعرف أكثر على عمق كل شخصية يبدو – على الأقل من خلال الإنترنت – أن كثيرين تعاطفوا مع الرجلين وتمكنوا من تبرير أفعالهما؛ بينما كان الانزعاج من تصرفات هنا يزداد أكثر وأكثر.
رغم أن الأخصائية النفسية المصرية، هبة الزيني، تقول إن شخصية هنا “منتشرة جدا” في المجتمع المصري.
من هي “هنا”؟
بدأ الاهتمام بهنا مع حلقة المسلسل الأولى: امرأة مصرية من الطبقة المتوسطة، في منتصف الثلاثينيات؛ محبة ومخلصة ومطيعة لزوجها حازم المتسلط أحيانا والعصبي دائما رغم تفوقها العملي.
تسافر هنا، الحامل في شهرها الثالث (بعد عدة محاولات حمل فاشلة) إلى الولايات المتحدة لحضور مؤتمر علمي، فيقرر الزوجان انتهاز الفرصة بأن تبقى هناك كي تلد طفلها وتؤمن له الجنسية الأمريكية.
زاد التعلّق بالمسلسل عندما طلّق حازم زوجته المسافرة من خلال رسالة صوتية على واتساب قال لها فيها إنه يكرهها وإنها طالق وكانت في غرفة الولادة عندما سمعت الرسالة. فظن الجمهور أن كل المقصد من المسلسل هو التوعية بقضية الطلاق الشفهي في مصر والتي تحدث عنها رئيس الجمهورية منذ سنوات واصطدم مع الأزهر بشأنها.
لكن تبين أن هناك أكثر من ذلك.
أخطاء لا تُغتفر؟
قصة المسلسل ليست كبقية الحبكات التقليدية التي تدور حول صراع بين الخير المطلق والشر المطلق، فنحن هنا وسط شبكة من العلاقات بين شخصيات واقعية غير مثالية أبدا، شخصيات مهزوزة مضطربة تشبهنا في مراحل مررنا بها في حياتنا.
لفت بناء الشخصيات الانتباه “فعادة تكون العلاقات في المسلسلات مباشرة وواضحة جدا، الجميل هنا أننا نتعرف تدريجيا على طبيعة علاقاتهم. والظاهر غير الباطن. هناك حب في كل مكان.. لكن التعامل شيء آخر”، تقول الممثلة سارة عبد الرحمن لبي بي سي عربي.
برر جمهور المتابعين كثيرا من أخطاء التي ارتكبها الأبطال، لكن يبدو أن نصيب هنا من هذه التبريرات كان الأقل.
صحيح أنها حصلت على تعاطف كبير عندما أخذ ابنها منها في المشفى، لكنها خسرت كل ذاك عندما نسبت ابنها لرجل غير أبيه، وعندما تزوجت هذا الرجل.
غاص المتابعون في أعماق شخصيتها وشاركوا تحليلاتهم في الليالي الرمضانية بعد عرض كل حلقة وهلل من نجحت توقعاته بخصوص ما سيحدث.
من خلال علاقتها بأمها نفهم أن هنا تربت على ألا تكون واثقة من نفسها، ولا مسؤولة، ومشت – مثلها مثل البقية – بشكل تلقائي في مسار الحياة الذي يعتبره المجتمع ناجحا: دراسة جامعية، فماجستير، ثم زواج وعمل حكومي.
تصفها د.هبة الزيني بأنها “شخص فارغ من الداخل وليس لديها شخصية” حتى لاتخاذ قرارات تتعلق بمظهرها، لذلك نراها مثلا في الحلقات الأولى ترتدي الجينز والأحذية العصرية وغير محجبة، وعند عودتها إلى مصر ترجع مع زوجها الجديد المحامي المتدين وهي ترتدي خمارا أسود يغطي كل جسمها.
“عندما كانت عند أهلها فرضوا شخصيتهم عليها، وحازم فرض شخصيته ومؤنس كذلك، حتى الشاب زياد الذي يصغرها فرض شخصيته عليها – كانت تشبه كل رجل تكون معه”.
وتضيف د.هبة: “أمها تحكّمت بها لآخر لحظة. وشخصية زوجها حازم تجعله يستمد قوته من ضعف الشريك وهو نموذج منتشر جدا في مصر. يذكرها دائما أنها مهما فعلت فلن تصبح مثل باقي النساء الناجحات. أنا متعاطفة معها لأنها طوال حياتها لم تستطع تعلّم كيف تأخذ قراراتها”، تقول د.الزيني.
لكن هنا ليست “خايبة” لهذه الدرجة.
تذكرنا المعالجة النفسية المصرية، مي علوي، أن هنا تتمتع بمهارات في العمل، فهي صاحبة فكرة مشروع العسل، وهي أيضا من أقنعت زوجها بفكرة جريئة هي السفر للولادة في الولايات المتحدة، أي أنها كانت تأخذ زمام المبادرة في حياتها أحيانا. “المشكلة أن من حولها يعتبرها خايبة وهي صدقت رأي أهلها هذا بها وجاء حازم ليعزز هذه النظرة. لكنها ورغم أنها غير مستقرة نفسيا، وبقيت مستسلمة للواقع فترة طويلة، ثم حاولت فجأة الخروج عن الدور المرسوم لها طول حياتها”.
“تحول حقيقي”
هنا تشبهنا كثيرا.
“هناك سذاجة نتربى عليها ثم نصطدم بإحباطات الحياة فننضج”، هكذا ترى الممثلة سارة عبد الرحمن التغير الذي طرأ على شخصيتها بعد سفرها وحدها ومرورها بتجربة الولادة وحيدة في بلد أجنبي بالكاد تفهم لغته.
“التغيّر في شخصية هنا هو نقطة العمل المحورية. هي أساسا شخص متوتر دائما غير قادرة على اتخاذ قرار وحدها ثم يحدث تحول حقيقي، وتأخذ قرارات شخصية فتقرر هي مصيرها حتى ولو ورطت نفسها ودخلت في الحيطة. وهي عندما استطاعت أن تفكر وحدها (عندما ابتعدت عن زوجها) امتلكت قوتها ( Agency)”.
إلى جانب مخرج العمل، تامر محسن، الذي هو أيضا المؤلف، عملت ورشة كتابة على نص المسلسل تضم أربعة كتاب وكاتبات، لذلك نشعر بواقعية الشخصيات وواقعية القصة التي لم تتحول إلى قصة خيالية ورديّة تسافر فيها البطلة الضعيفة إلى أرض الأحلام وتتعذب وتحقق حلمها وتعود منتصرة إلى بلدها.
فهنا رجعت بمصيبة أكبر ومتورطة بعدد أكبر من المشاكل وبشخصية جديدة – لكنها حافظت على تهورها المعهود فهي لم تكتسب مهارات كافية لتساعد نفسها على مواجهة الحياة. هذه المعالجة الدرامية ترحب بها سارة عبد الرحمن وتجدها أكثر نضجا عن الدراما المصرية التي تعودنا عليها في رمضان.
ويبدو أن أم هنا وزوجها الأول ليسا الوحيدين اللذين يتحكمان بحياة البطلة، بل المشاهدين أيضا الذين يسارعون إلى هواتفهم الذكية لإخبار هنا كيف كان عليها أن تتصرف.
سارة عبد الرحمن ترى أن انتقاد الناس لتصرفاتها سببه ببساطة “أبوية المجتمع”. “تعودنا أن تقول للمرأة اعملي كذا ولا تعملي كذا. رغم أنها هي من ستتحمل عواقب أفعالها”.
لامتها كثيرات على عودتها متزوجة من آخر – رغم طلاق زوجها لها شفهيا – واعتبرن أن زوجها حازم كان طيبا يكن لها الحب الصادق، رغم عصبيته وتهوره، ولم يكن متحكما بتصرفاتها، والسبب برأي د.هبة الزيني أن “كثيرات يعشن حالة هنا. ويتصرفن مثلما كانت تتصرف لذلك تفاجأوا عندما قامت بشيء مختلف وجديد. يشعرن أن تعامل زوجها معها طبيعي لأنهن سيتعرضن لصدمات نفسية إن اعترفن بأن علاقاتهن الزوجية فيها قهر مثل ما حدث لهنا في المسلسل”.
أما مي علوي فتقول: كيف يمكن للناس أن تحب شخصا لا يحب نفسه؟
لماذا تزوجت مؤنس؟
ببساطة لأنها لم تكن قد تعافت من علاقتها العاطفية مع حازم.
“لما تخرج البنت من علاقة غير صحية دون أن تتعافى مما مرت به لا يكون لديها ثقة بنفسها فتدخل نفسها بلا وعي منها في علاقة مؤذية أخرى”، كما تشرح د.هبة الزيني.
لسوء حظها أنها اصطدمت بشخص مثل مؤنس، الذي تصفه مي علوي بأنه يتمتع بنوع من الذكاء؛ عرف احتياجاتها وأسمعها ما تريد سماعه، وأعطاها مساحة لم تحصل عليها من قبل.
بما أن المختصتين بالعلاج النفسي أكدتا أن شخصية هنا “منتشرة بدرجة لا يمكن تخيلها” في المجتمع، ما العمل إذا لمساعدة من ترى نفسها هي أيضا “هنا”؟
أول خطوات الحل هي طلب العلاج النفسي – كما تقولان.
تقول د.هبة الزيني “لم تفكّر هنا بوضعها ولم تقل عندي مشكلة وأريد أن أصلح نفسي”، وتؤكد أنه في مصر لا يزال هناك رفض عام لفكرة العلاج النفسي، رغم أنها أصبحت أكثر انتشارا من قبل “أحيانا تتصل بي فتيات دون علم أهلهن ويقلن لي ‘عايزة أفهم أنا مالي ‘ “.
“كانت هنا بحاجة أن تقف مع نفسها، ترجع خطوة للوراء وتطلب المساعدة. لكنها استمرت في الابتعاد عن الألم وبدأت بابتزاز أختها وتريد الآن أن تكون هي الحلقة الأقوى”.
[ad_2]
Source link