فيروس كورونا: لماذا يعتبر العلاج بالعقاقير أصعب مما نعتقد؟
[ad_1]
- بافول باردي وفرِد أنستون وأوليفر بايفيلد
- بي بي سي
تتصف الفيروسات بأنها أكثر تنوعا وأسرع من حيث التحور والتطور من البكتيريا، وأصعب منها في ما يتعلق باختراقها كذلك. ويؤدي ذلك إلى أن يواجه الباحثون، الذين يحاولون تطوير عقاقير دوائية لمعالجة هذه الفيروسات، مهمة شاقة للغاية.
في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تشكيل فريق عمل لمنح “دفعة كبيرة” للجهود الرامية لتطوير عقاقير دوائية جديدة مضادة للفيروسات. وخلال المؤتمر الذي عُقِدَ بمقر رئاسة الوزراء البريطانية في 10 داوننغ ستريت بوسط لندن، قال جونسون إن “غالبية الآراء العلمية في هذا البلد (بريطانيا) لا تزال تتوقع بقوة حدوث موجة جديدة، من موجات الإصابة بفيروس كورونا، في وقت ما من العام الجاري”.
وأعرب عن أمله في أن يكون لدى القطاع الطبي في بلاده بحلول فصل الخريف المقبل، عقاقير جاهزة مضادة للفيروسات، تساعد على كبح جماح الموجة الثالثة، من تفشي فيروس كورونا.
ورغم أن هناك بالفعل عقاقير مضادة للالتهاب يقلص تناولها خطر الموت جراء الإصابة بفيروس كورونا، مثل “الديكساميثازون” و”التوسيليزوماب”، فإن هذه العقاقير لا تُعطى في الوقت الحاضر، سوى لمن أُدْخِلوا المستشفيات إثر معاناتهم بشكل حاد من الإصابة بالفيروس. ولذا يريد جونسون أن تُطَوَّر عقاقير في صورة أقراص يمكن تناولها في المنزل، للحيلولة دون تفاقم حالات المصابين بالفيروس على نحو يدفع الأطباء، لوضعهم في نهاية المطاف على أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفيات.
لكن الأمر يتطلب عادة عدة سنوات، لتطوير عقار جديد مضاد للفيروسات، واستصدار موافقة تجيز استخدامه، نظرا إلى أن ما يُعرف بـ “خطوط تطوير العقارات”، تشمل ضرورة بذل جهود مضنية لتحديد المركبات الكيمياوية القادرة على مواجهة فيروسات بعينها، ومن ثم اختبار مدى كفاءتها، ومراعاتها لشروط السلامة والأمان. ولهذا السبب، يبحث العلماء فرص إعادة استخدام العقاقير الموجودة من الأصل، والتي أجيز تداولها بالفعل لمعالجة فيروسات وأمراض معينة، وذلك لمواجهة أنواع أخرى منها.
وعلى عكس المضادات الحيوية التي يمكن استخدامها لعلاج مجموعة واسعة من الالتهابات البكتيرية، من النادر أن تُستخدم العقاقير التي تُطوّر لمواجهة فيروس بعينه، لمعالجة أي فيروسات أخرى سواه. ويمكننا أن نضرب مثالا في هذا الصدد، بعقار “ريمديسيفير”، الذي كان قد طُوِّرَ في الأساس لعلاج التهاب الكبد الفيروسي (سي). ففي مرحلة ما، اقترح باحثون استخدام هذا العقار كعلاج لفيروس كورونا، لكن التجارب السريرية أظهرت أن تأثيره محدود في مواجهة الفيروس المُسبب لهذا المرض.
وتفسر طبيعة الفيروسات نفسها، السبب في قلة عدد العقاقير المضادة لها، التي يمكن أن تكون فعالة في معالجة عدد كبير منها في وقت واحد. فالفيروسات أكثر تنوعا بكثير من البكتريا، بل وتختلف عن بعضها بعضا، في الطريقة التي تُخزِّن بها معلوماتها الجينية. فبعضها يُخزِّنه في صورة حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن آيه)، بينما يتخذ الأمر لدى البعض الآخر، صورة حمض نووي ريبوزي (آر إن آيه). بجانب ذلك، تحتوي الفيروسات – مقارنة بالبكتريا – على عدد أقل من لبنات بناء البروتينات الخاصة بها، وهي اللبنات التي يمكن أن تكون هدفا للعقاقير.
ولكي يؤدي العقار مهمته في العلاج بكفاءة، يتعين أن يصل أولا إلى هدفه، وهو أمر محفوف بالصعاب في حالة الفيروسات بشكل خاص، لأنها تتكاثر داخل خلايا الجسم البشري، عبر السيطرة على الأليات التي تحكم هذه الخلايا. ومن شأن ذلك جعل العقار بحاجة لدخول الخلايا المصابة، والتأثير على ما يجري فيها، من عمليات حيوية ذات صلة بأداء جسم الإنسان ومهامه ووظائفه الطبيعية. ومن غير المفاجئ، أن يؤدي ذلك في أغلب الأحيان، إلى إلحاق أضرار جانبية بالخلايا البشرية، نعاني منها نحن، باعتبارها آثارا جانبية لتناول الدواء.
ومن الممكن أن تستهدف العقاقير الفيروسات خارج الخلايا، للحيلولة دون نجاحها في الحصول على موطئ قدم بداخلها، وأن تتمكن من التكاثر أيضا. لكن هذا الأمر يتسم بالصعوبة، بسبب طبيعة الأغلفة التي تحيط بالفيروسات. فكل من هذه الأغلفة صلب على نحو غير عادي، ويستطيع مقاومة أي تأثيرات موجودة في البيئة المحيطة به، يمكن أن تعود بالسلب على الفيروس الموجود بداخله. وفي هذه الحالة، لا يؤتي العقار ثماره، إلا عندما يتناوله المريض بجرعته المطلوبة. عندها يتحلل الغلاف الفيروسي، أو يلفظ محتوياته إلى الخارج، والتي تتضمن المعلومات الجينية الخاصة به.
ورغم أن إمكانية حدوث ذلك، يشكل ربما نقطة ضعف في دورة حياة الفيروس، فإن الوصول إلى هذه المرحلة تحديدا، يتطلب توافر ظروف خاصة للغاية، نظرا إلى أن بعض العقاقير التي تستهدف الغلاف الفيروسي بنجاح، تكون سامة في الوقت نفسه، بالنسبة للبشر.
ورغم هذه الصعوبات، تمكن العلماء والباحثون في السابق، من تطوير عقاقير تعالج فيروسات مثل الأنفلونزا وفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). وتستهدف بعض هذه العقاقير، عمليات تكاثر الفيروسات أو عرقلة التئام الأغلفة الفيروسية حولها.
في الوقت نفسه، نجح الباحثون كذلك في التعرف على ملامح ومكونات بعض الأدوية الواعدة، التي يمكن استخدامها لمواجهة فيروس كورونا. لكن المشكلة تتمثل في أن تطوير عقاقير جديدة يستغرق وقتا طويلا، وأن الفيروسات لا تكف عن التحور بسرعة في الوقت نفسه. ويعني ذلك، أن تطوير عقار جديد مضاد لفيروس بعينه، لا يشكل نهاية المطاف، فالفيروس الذي يتصف بأنه دائم التحور، قد يُطوِّر بسرعة قدراته لمقاومة هذا الدواء.
ومن بين المشكلات الأخرى التي تكتنف مسألة محاربة الفيروسات بالعقاقير الدوائية، أن الكثير منها، مثل الإيدز وفيروس الورم الحليمي البشري وغيرهما، يمكن أن تنتقل إلى وضع يُسمى “السُبات”. وفي هذه الحالة، تكف الخلايا المصابة عن إفراز أي فيروسات جديدة، وتبقى المعلومات الجينية الخاصة بالفيروس، هي “الشيء الفيروسي الوحيد” الموجود في تلك الخلايا. ولذا لا تجد العقاقير التي طُوِّرَت خصيصا لمواجهة عمليات تكاثر هذا الفيروس أو لتفكيك غلافه، أي عنصر يمكن أن تنشط لمواجهته، ما يقود في النهاية، إلى أن يبقى الفيروس حيا وإن في حالة سبات.
ومن المرجح أن يؤدي تحول الفيروس من ذلك الوضع الساكن إلى حالة النشاط مرة أخرى، إلى أن يعاني المصاب به، من الأعراض ذاتها، التي أصيب بها، عندما هاجمه الفيروس للمرة الأولى. وهنا يصبح من الضروري أن يتلقى المريض علاجات إضافية باستخدام العقاقير. ويزيد ذلك من فرص تطوير الفيروس لقدراته على مقاومة الأدوية. فالمدة التي يواجه فيها الفيروس العقار، تصبح أطول في هذه الحالة، ما يجعله يطوِّر عددا أكبر من السلالات المقاومة للدواء.
ورغم أننا لا نزال في مستهل مراحل فهمنا لدورة حياة فيروس كورونا، فإن هناك مؤشرات تفيد بأنه قادر على البقاء لفترة طويلة، خاصة في أجسام المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، وهو ما سيسبب مشكلة إضافية، تتمثل في أن ذلك سيتيح له الفرصة، لتطوير مزيد من السلالات المقاومة بشكل أكبر من الفيروس.
من جهة أخرى، لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، فيما يتعلق بمسألة تطوير عقاقير مضادة لفيروس كورونا، وذلك مع أن الأبحاث والدراسات الخاصة بفهم كيفية عمله، قطعت بالفعل شوطا كبيرا خلال فترة قصيرة. ولذا تعني الزيادة المتوقعة في وقت لاحق من العام الجاري في عدد الإصابات بهذا الفيروس، أنه سيصبح أمام فريق العمل، الذي أعلن رئيس الوزراء البريطاني تشكيله لتعزيز جهود تطوير العقاقير المضادة للفيروسات، مهمة شاقة للغاية لإنجازها على هذا الصعيد.
[ad_2]
Source link