لماذا يكره بعض النرجسيين أنفسهم؟
[ad_1]
- بريان لوفكين
- بي بي سي
النرجسيون، الذين لا يكفون عن التباهي والتفاخر بأنفسهم، أشخاص مزعجون، وقد يكونون أحيانا منفرين. لكن هناك حقيقة عن النرجسيين، يمكن أن تفاجئنا، وربما تجعلنا نشعر بتعاطف غير متوقع تجاههم.
في عالم يعتبر التواضع فضيلة تستحق التقدير، يمكننا القول إن بعض الأشخاص الأكثر إزعاجا هم الذين يدعون معرفة كل شيء، ولا يكفون عن التفاخر، وينسبون الفضل في كل شيء لأنفسهم، ولا يملون من الحديث عن تميزهم وتألقهم. إنها صفات تدق ناقوس الخطر وتنذر بوجود شخص نرجسي بيننا- ذلك النوع من الأشخاص الذي يجعلنا نتأفف، أو نكزّ على أسناننا غيظا.
من الصعب التعاطف مع شخص يملك ذاتا متضخمة، بل ليس هناك سبب حقيقي يدفعنا للتعاطف مع الأشخاص الذين يثيرون نفورنا لدرجة كبيرة. وتشير أبحاث إلى أن العديد من النرجسيين لا يحبون أنفسهم في واقع الأمر، بل العكس هو الصحيح.
في كثير من الأحيان، لا يكون حب الذات هو الدافع لسلوك الشخص النرجسي، وإنما كراهية الذات. وهناك دراسات جديدة تعزز نتائجها هذه الفكرة، وتشير إلى أن السلوك النرجسي مثل المبالغة في الاستعراض على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكون مصدره في الحقيقة الافتقار إلى الرضا وتدني مستوى تقدير الذات، ووجود حاجة ملحة لإثبات النفس.
وحقيقة أن بعض النرجسيين في الواقع يكرهون أنفسهم، لا تكشف ضحالة الأفكار السائدة حول الأشخاص المتفاخرين فحسب، وإنما تشير أيضا إلى ضرورة إعادة التفكير في طريقة تفاعلنا مع النرجسيين.
“لا يشعرون بالرضا”
تقول روبن إدلشتاين، أستاذة علم النفس في جامعة ميتشغان بالولايات المتحدة: “يكون النرجسيون في الغالب جذابين للغاية ومنفتحين، ويمكنهم إعطاء انطباعات أولى جيدة جدا، لكنهم قد يكونون أيضا بغيضين إلى حد ما، ويفتقرون إلى التعاطف ويميلون إلى التحكم”.
وفي بيئة العمل، يمكن أن يترجم ذلك، بالاستحواذ على جهد الآخرين ونسب الفضل لأنفسهم، أو إلقاء اللوم على الزملاء عندما يتعلق الأمر بالأخطاء، أو استغلال الآخرين من أجل صعود السلم الوظيفي، أو الرد على الملاحظات التقييمية بعدائية، كما توضح إدلشتاين. أما اجتماعيا، فقد يظهر ذلك بشكل استعراضي على وسائل التواصل الاجتماعي، أو محاولة جذب الانتباه حتى إن كان ذلك على حساب شخص آخر.
ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة أن هذه السلوكيات منشأها الحب الشديد للذات، والهوس بالنفس، والتمحور حول الذات. لكن السبب قد يكون عكس ذلك تماما.
وتقول راماني دورفاسولا، اختصاصية علم النفس السريري والأستاذة في جامعة ولاية كاليفورنيا في لوس أنجليس: “يعاني الأشخاص النرجسيون في الواقع من الإحساس بانعدام الأمان والشعور بالعار، وحياتهم بالكامل ليست سوى محاولة لتحسين صورتهم. لم تكن للنرجسية يوما ما علاقة بحب الذات – إنها متعلقة بشكل كامل تقريبا بكراهية الذات”.
لقد بات معروفا منذ فترة طويلة أن هناك نوعين من النرجسيين: “الضعفاء”، الذين لديهم تقدير متدن للذات ويحتاجون دائما إلى إثبات أهميتهم، والأشخاص الذين لديهم “شعور بالعظمة”، وهؤلاء لديهم ذوات متضخمة وإحساس فعلي بالتعالي.
وأظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة نيويورك أن النرجسيين الذين لديهم شعور بالعظمة، قد لا يعتبرون نرجسيين على الإطلاق، لأن سلوكهم يتشابه مع سلوك مرضى الاعتلال النفسي (سايكوبات) وهو اضطراب عصبي نفسي يتسم بضعف الاستجابات العاطفية، وغياب التعاطف مع الآخرين، وضعف الضوابط السلوكية والتصرف بما يخدم الذات فقط.
ويرى فريق البحث أن “الضعفاء”، هم النرجسيون الحقيقيون، لأنهم لا يسعون إلى القوة أو الهيمنة، وإنما إلى تأكيد الذات وكسب الاهتمام، لأن ذلك يرفع من مكانتهم ويعزز صورتهم في أذهان الآخرين.
ويقول باسكال واليش، الأستاذ المساعد في جامعة نيويورك وكبير مؤلفي الدراسة: “إنهم لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم على الإطلاق”. ويضيف قائلا: “هذه الورقة ليست بغرض تشويه صورة النرجسيين على الإطلاق، بل على العكس، نحن بحاجة إلى المزيد من التعاطف معهم.”
وشملت الدراسة 300 طالب جامعي تقريبا، أجابوا على الاستبيانات التي تقيس سمات الشخصية، مثل الشعور بعدم الأمان أو عدم التعاطف، بعبارات مثل “أنا أميل إلى عدم الندم”، أو “من المهم أن أظهر في الأحداث المهمة”. ووجدت أنه على عكس النرجسيين الذين لديهم شعور بالعظمة، كان النرجسيون الضعفاء هم المجموعة التي أظهرت وجود الشعور بانعدام الأمان، إلى جانب السمات الأخرى ذات الصلة.
وهذا يعني، أنك حين تلتقي شخصا يدعي معرفة كل شيء، أو يكثر من مشاركة صوره الذاتية “سيلفي” على إنستغرام، أو يظهر حساسية تجاه التعليقات التي تنتقده، فأنت على الأغلب أمام نرجسي ضعيف (أو “حقيقي”). فحاجة النرجسيين المستمرة للاستحواذ على الاهتمام، وهوسهم الواضح بالذات، يأتيان من محاولتهم التستر على شعور عميق بعدم الأمان.
حلقة مفرغة
إن السعي وراء الدعم الإيجابي الذي يجعلنا نشعر بتحسن هو أمر يفعله الجميع من وقت لآخر، وهو لا يجعل الشخص الذي يقوم به نرجسيا بالضرورة.
وتقول نيكول كين، الأستاذة المساعدة في علم النفس الإكلينيكي في جامعة روتجرز في نيوجيرسي بالولايات المتحدة: “السعي لتعزيز النفس هو جانب طبيعي من الشخصية. ونحاول جميعا الحصول على خبرات ترفع تقديرنا لذاتنا”.
لكن النرجسية يمكن أن تؤدي إلى “أن يصبح تعزيز النفس هو الغاية الأهم في جميع المواقف تقريبا، وقد يتم السعي إليه عبر طرق إشكالية وغير مناسبة”.
في هذه الحالات، يمكن للسلوكيات التي تهدف إلى تعزيز المصداقية أن تؤدي إلى نتائج عكسية، لأن إعجاب الناس بالشخص الذي يمارس ذلك يتراجع في نهاية المطاف. ويطلق واليش على هذا السلوك المتكرر اسم “السلسلة غير القابلة للتكيف”، ويرى أنها بمثابة دورة لـ “هزيمة ذاتية” مؤلفة من ثلاث مراحل.
وتبدأ هذه الدورة من إحساس النرجسي “الضعيف” بالخوف من أن لا ينظر إليه الآخرون بطريقة ترضيه، لذا، يبادر إلى تعظيم نفسه لتخفيف هذا الخوف. لكن المفارقة هنا، هي أن الآخرين يبتعدون عنه بسبب هذا السلوك، ما يؤدي بالشخص النرجسي إلى العودة إلى المربع الأول.
وفي الواقع، فإن تعظيم النرجسي لنفسه يجعل نظرة الآخرين له أسوأ. وهذا بالضبط الأمر الذي يجده واليش مثيرا للاهتمام، فمن الواضح أن سلوك النرجسي لا يعود عليه بالفائدة، لكنه يواصل القيام به، فهو يمتلك تصورا خاطئا بأن هذا النوع من السلوك، هو وسيلة ناجحة لتخفيف مخاوفه والتخلص من المشاعر المؤلمة.
وتقول دورفاسولا: “يعرف النرجسيون كيف يريدون أن يراهم الآخرون، لكنهم لا يشعرون بأنهم بالمستوى والقدر المطلوبين. لذا، يتعين عليهم تقديم أنفسهم بصورة معينة. وبما أنهم يقومون بذلك بطريقة سيئة، ينتهي بهم الأمر إلى الرفض من قبل المجتمع. وهكذا يستمر دورانهم في حلقة مفرغة”.
وفي حين أن النهاية نادرا ما تكون كما يرجوها النرجسيون، يرى واليش أنه “لا يمكننا أن نفهم هذه السلوكيات بالنظر إلى مظاهرها السطحية فقط. وإذا كان شخص ما يتباهى ويتفاخر، فهذا لا يعني أنه في الواقع يشعر بالرضا عن نفسه. ولا بد أن هناك شيئا ما ينقصه في حياته”.
ووفقا لواليش، فإن هؤلاء النرجسيين الضعفاء ربما يكرهون أنفسهم في الواقع. ويقول: “إنه لأمر محزن ومأساوي للغاية، فهم يشعرون أنهم لن يكونوا أبدا جيدين بما يكفي. حتى لو أصبحوا من أصحاب المليارات، فلن يساعد ذلك في إيجاد حل للجذور النفسية للقضية.”
إساءة فهم وتسمية خاطئة؟
ولا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن النرجسيين بشكل عام. ويرى بعض الخبراء أن لعبة شد الحبل بين حب الذات، وكراهية الذات، والأفكار من قبيل أن النرجسيين يروجون لأنفسهم لأنهم يريدون إخفاء شعورهم بعدم الأمان، ليست كافية لتفسير السلوك النرجسي بشكل كامل.
وتؤكد إدلشتاين أن “كيف تعرف حقا ما يشعر به الشخص في أعماقه وما إذا كان لا يرغب، أو لا يستطيع، التعبير عنه؟ هذا سؤال صعب للغاية”.
كما أنه من غير الواضح كيف يمكن لفهم الأسباب التي تؤدي إلى النرجسية أن يساعد في كبح السلوك النرجسي. وتقول إدلشتاين إن معظم النرجسيين لا يدركون أنهم هم المشكلة، الأمر الذي يجعل معالجة القضية صعبة. وتوضح: “يميل النرجسيون إلى مقاومة التغيير، لأنهم يرون أن معظم المشاكل تكمن في الآخرين وليس في أنفسهم”.
وتضيف: “أعتقد أن الشخص يجب أن يمتلك دافعا ذاتيا لكي يصبح التدخل فعالا حين يتعلق الأمر بتغيير سمة شخصية، لكن النرجسية تبدو شائكة بشكل خاص.”
وترى كين أن العلاج النفسي المكثف هو أفضل طريقة لعلاج النرجسية، وتقول إن الذين يتعاملون مع زملاء عمل نرجسيين يجب أن يدركوا أن قدرتهم على تغيير هؤلاء الزملاء أو إقناعهم، أو كسب الجدال معهم، أمر غير مرجح، وتضيف “ضع توقعات واقعية لتفاعلك معهم. وفي العمل، حدد الأدوار بوضوح. ولا تدخل في منافسة معهم”.
ولعل تذكّر أن أفعال النرجسيين مصدرها عدم الشعور بالأمان، يمكن أن يساعد أيضا على النظر إليهم بتعاطف. وتقول إدلشتاين: “أعتقد أن أفضل استراتيجية للتعامل مع النرجسيين قد تكون محاولة فهم المنطلق الذي أتوا منه، وأن الكثير من سلوكهم مصدره الإحساس العميق بعدم الأمان والمحاولات لإخفاء نقاط ضعفهم”.
ويقول واليش: “أعتقد أن الناس يتسترون على ألمهم النفسي إلى حد كبير من خلال التظاهر، إضافة إلى أشياء أخرى. وما يزيد من حجم المأساة أنهم عرضة لسوء الفهم.”
[ad_2]
Source link