مارك روته: السياسي العازب الذي بقي وفيا لهاتف نوكيا القديم
[ad_1]
منذ أكثر من عقد من الزمن يتولى مارك روته منصب رئيس الوزراء في هولندا، متجاوزا كل المصاعب والعواصف السياسية العاتية التي واجهها، ليصبح أحد أكثر الساسة الأوروبيين دهاء وقدرة على الصمود والبقاء.
لقد قاد روته حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الذي ينتمي إلى يمين الوسط خلال مختلف الأزمات السياسية، وفاز في كل الانتخابات خلال أكثر من عقد من الزمن.
وجاء فوزه الأخير في مارس/ آذار الماضي بعد أسابيع من استقالة حكومته بسبب فضيحة الإعانات المالية للأطفال.
ولا عجب أنه بات يلقب بـ “مارك تفلون” بعد أن تجاوز أزمة سياسية طالت آلاف الآباء والأمهات.
لكن تجاوزه التصويت على الثقة في حكومته بفارق ضئيل من الأصوات يوم 2 أبريل/ نيسان يبدو أنه أكثر من مجرد مأزق محرج أخر في مسيرته.
ينفي روته الكذب بشأن ما تطرقت إليه محادثات تشكيل ائتلاف حكومي جديد، لكن سمعته تضررت بشدة لدرجة أن بقاءه لولاية رابعة في منصبه بات موضع شك.
وقد قدمت حليفته في الائتلاف الحاكم، سيغريد كاغ، من حزب دي 66 الليبرالي إلى البرلمان، مشروع قرار بإدانة ورفض سلوك روته وأيدت القرار كل الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان باستثناء حزب روته.
وقالت كاغ: “لو كنت مكانه لما أكلمت” مضيفة أن ثقتها به قد تضررت بشدة “أنا ألومه على ذلك أيضا”.
تعكس شخصية روته الحياة السياسية في هولندا على أفضل وجه على كل الصعد. فالسياسي العازب، البالغ من العمر 54 عاماـ يعيش حياة متواضعة بسيطة، ويركب دراجته الهوائية عندما يذهب إلى العمل أو يزور القصر الملكي.
لقد أتقن فن التوصل إلى توافقات والحفاظ على تحالفات مستقرة.
كان تعامل هولندا مع أزمة وباء فيروس كورونا بعيدا كل البعد عن النجاح ومع ذلك قاد حزبه إلى فوز حاسم في انتخابات مارس/ آذار الماضية.
كيف ترك روته بصماته؟
نجح روته في تجاوز الأزمات المتلاحقة لسنوات، لكن القليل من هذه الأزمات كانت بحجم تعامل هولندا مع وباء كوفيد-19 أو فضيحة المعونات المالية للأطفال، إذ اتهم مكتب الضرائب التابع لحكومته الآلاف من الآباء ظلما بالاحتيال على الدولة.
وعندما واجهته إحدى الضحايا خلال حوار مباشر على الهواء قبل الانتخابات واتهمته بالتواطؤ فيما تعرضت له هي وغيرها من الضحايا، أعترف روته بأن ما جرى أمر مؤسف وتعهد بأن يتم فعل كل شيء لتصحيح الأمر.
لكن بالكاد تم التطرق إلى الفضيحة خلال حملة الانتخابات.
ويقول البروفيسور، توم لوويرس، من جامعة ليدن لبي بي سي: “لا يبدو أن هناك شيئا يؤثر عليه ويعتقد الناس أنه يجب أن يدفع ثمن فضائحه العديدة، وآخرها فضيحة معونات الأطفال”.
ويعتقد لوويرس أن الافتقار إلى الأيديولوجيا والبراغماتية ساعدا روته على البقاء في السلطة. “لقد كان ملائما تماما للأوقات الصعبة وتشتت الحياة السياسية التي واجهتها الحكومات الهولندية”.
أسلوب حياة متواضع
مثل العديد من الساسة الهولنديين يعيش روته حياة متواضعة ويعمل بجد. يتجنب الهواتف الذكية الحديثة وظل وفيا لهاتف نوكيا القديم.
وكان يخرج لتناول العشاء أسبوعيا مع والدته في مطعم إندونيسي. توفيت والدته في دار لرعاية المسنين في عام 2020 عن عمر يناهز 96 عاماً بعد أسابيع من فرض حالة الإغلاق بسبب فيروس كورونا وقد حرمه ذلك من رؤية والدته قبل وفاتها.
كان والده رجل أعمال هولنديا في جزر الهند الشرقية، وكان يبلغ من العمر 58 عاما عندما ولد مارك. توفيت زوجة والده الأولى في معسكر اعتقال ياباني ثم تزوج أختها ميكي وعاشوا في إندونيسيا حتى الخمسينيات من القرن الماضي.
كان روته الحاصل على درجة البكالوريوس عازف بيانو موهوبا في شبابه وفكر في السير في مجال الموسيقى.
كان الأصغر في عائلته وذهب إلى المدرسة في لاهاي قبل أن يدرس التاريخ في جامعة لايدن ويتخرج عام 1992.
عمل في شركة يونيليفر المتعددة الجنسيات لكنه كان منخرطا في الحياة السياسية أيضا إذ انضم الى الحزب الشعبي من أجل الحرية والديمقراطية وبحلول عام 2006 بات زعيم الحزب.
عندما أصبح روته رئيسا للوزراء في أكتوبر 2010 كان أول سياسي ليبرالي يقود ائتلافا حاكما في هولندا منذ أكثر من 90 عاما.
نفوذ أوروبي
واجه سابقا العديد من الإضطرابات السياسية، فبعد عامين في منصبه استقال بسبب الخلاف حول تخفيضات الميزانية. كانت تلك لحظة مهمة في حياته السياسية إذ لعبت تلك الأزمة دورا مفصليا في تحديد مساره السياسي لسنوات عديدة.
وبينما كان يضغط باتجاه فرض مزيد من التخفيضات، فقد ائتلافه الذي كان يتمتع بأغلبية بسيطة دعم زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف خيرت فيلدرز.
يقف روته في وجه اليمين المتطرف منذ ذلك الحين وقد استمر في الحديث بحزم بشأن القضايا المالية ما أثار غضب دول جنوب القارة الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وتعهد بعدم دفع “سنت إضافي لليونان” خلال الحملة الانتخابية عام 2012 في خضم أزمة منطقة اليورو لكنه دعم خطة إنقاذ بمليارات اليوروهات لأثينا بعد ذلك بثلاث سنوات.
وقد أدى ذلك إلى طرح التصويت بحجب الثقة عن حكومته في البرلمان لكنه نجا منه بسهولة رغم الحملة التي شنت ضده من قبل فيلدرز الذي وصفه بـ “بينوكيو الأراضي المنخفضة”.
في الوقت الذي كان زعماء أوروبا يقاومون انتشار وباء كورونا أصبح روته واحدا من البخلاء الأربعة في الاتحاد الأوروبي، مثيرا غضب دول جنوب القارة بسبب مطالبته بإصلاحات مقابل تمويل إضافي لها، وما لبث أن تراجع عن مطالبه ووافق على التمويل الإضافي.
لكن ذلك لم يحد من شعبيته في أوروبا. وتتمتع هولندا بنفوذ كبير في الاتحاد الأوروبي منذ تولي روته رئاسة الوزراء.
ويقول البروفيسور لوويرس “هو سياسي قادر على العمل بشكل جيد مع الآخرين على المستوى الشخصي وهذا أمر مهم خلال المفاوضات”.
كان روته من أشد المدافعين عن التجارة الحرة ورأى أن استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة ضربة كبيرة. هو من المعجبين برئيسي الوزراء البريطانيين الراحلين وينستون تشرشل ومارغريت تاتشر، أبرز القادة المحافظين البريطانيين، وأقام صداقة مع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.
وحذر المملكة المتحدة من أنها لن تكون “كبيرة بما يكفي” للعب دور على المسرح العالمي خارج الاتحاد الأوروبي وقال إنه يكره خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “من كل الزاويا”.
التعامل مع أقصى اليمين
روته دبلوماسي شرس أيضا. قبيل انتخابات عام 2017 منع وزيرين تركيين من إلقاء كلمات في تجمعات انتخابية في هولندا.
وأثار المنع بالتأكيد غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وخلق أزمة بين البلدين.
وعندما تحداه فيلدرز في مناظرة انتخابية مطالباً إياه بطرد السفير التركي رد عليه روته: “هنا نرى الفرق بين الجلوس على الأريكة والتغريد وقيادة البلاد” وسط تصفيق الحضور.
لكن روته لم يتردد في اتخاذ موقف حازم دفاعاً عن “القيم الهولندية” وهو ما ظهر جلياً عندما برز لغط بسبب رفض طلب توظيف مهاجر للعمل سائق حافلة لرفضه مصافحة النساء.
وقال روته في بيان صحفي: “إذا كنت تعيش في بلد تشعر فيه بالانزعاج الشديد من الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض فلديك خيار: اخرج، ليس عليك أن تكون هنا”.
“لا يكذب لكن يتذكر الأشياء الخاطئة”
كان فوز روته في انتخابات مارس/آذار 2021 إنجازا شخصيا كبيرا، لكن بعد أسابيع قليلة من ذلك وجد نفسه يواجه موقفاً لا يحسد عليه كسياسي، إذ بات يواجه تهمة الكذب وبقاءه في منصبه كرئيس للوزراء أصبح تحت التهديد.
يؤكد روته “من صميم قلبه” أنه لا يكذب. لكن كثيرين سيجدون أنه أمر لا يصدق ألا يتذكر روته أنه تم التطرق الى مستقبل السياسي الشعبي، بيتر أومزيخت، خلال النقاش داخل الائتلاف، رغم أنه لم تمض سوى أيام قليلة على النقاش.
كان أومزيخت هو الذي فجر فضيحة إعانات الأطفال التي أسقطت حكومة روته أوائل العام الحالي. التقط مصور صورة ملف كان يحمله روته وحمل عنوان “الموقع في الخارج” فهم أن روته يريد إبعاد أومزيخت عن الساحة السياسية.
اعترف روته في نهاية المطاف بأنه “تذكر ذلك الخطأ” ولكن ما يميز هذه الأزمة عن سابقاتها أن الضرر وقع وتلطخت سمعته.
خلال 12 ساعة من النقاش في مقر البرلمان ظهر روته شخصية معزلة. لكن يقف خلفه 1.9 مليون ناخب هولندي صوتوا لحزبه.
وتتوقف إمكانية تشكيل روته ائتلافا آخر على قادة الأحزاب الأخرى أيضا وستتيح عطلة عيد الفصح لهم المزيد من الوقت لاتخاذ قراراتهم.
[ad_2]
Source link