قصة القبيلة التي يُنسب فيها الطفل لأمه وينتقل الرجل للعيش في منزل زوجته
[ad_1]
- زينارا راثناييك
- بي بي سي
نادرا ما كنت أصادف خلال أسفاري إلى أنحاء مختلفة في البر الرئيسي الهندي، خاصة في البلدات والقرى الصغيرة في الشمال، امرأة تدير متجرا أو تبيع سلعا في الأسواق.
وعندما كنت أجلس في مطاعم ولاية أوتار براديش، كنت أراقب الرجال يعدون الخبز المسطح ويهرسون الخضروات لتحضير صلصة الكاري، ويقدمونها للزبائن الذكور. وكنت أجلس في القطارات التي تربط بين مدينتي كلكتا وغاركابور، محاطة بركاب ذكور. فقد كان غياب المرأة واضحا في معظم الأماكن العامة.
لكن الوضع يختلف في ولاية ميغالايا شمال شرقي الهند. ففي سوق يودوه بعاصمة الولاية شيلونغ، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق وأكبرها في المنطقة، تغص شوارع السوق بالنساء، اللائي يبعن الخضروات واللحم المقطع والمنتجات اليدوية. وتجوب المسنات أروقة السوق لتشرف على التجارة وتأمر الرجال الذين يعملون لديهن بحمل حقائب الخضروات والفاكهة الطازجة.
وقد زرت ميغالايا خمس مرات قبل الوباء، ولاحظت أن النساء في مختلف أنحاء الولاية، لا يوجدن بكثرة في الأماكن العامة فحسب، بل يهيمن أيضا عليها. وقد يعزى ذلك إلى أن مجتمع خاسي، الذي يعد أكبر الجماعات العرقية في الولاية، هو آخر المجتمعات الأمومية في العالم، إذ يُنسب الطفل للأم، وينتقل الزوج للعيش في منزل زوجته، وينتقل ميراث العائلة من الأم إلى الابنة الصغرى.
أما عن أصول مجتمع خاسي، فثمة نظريات عديدة، أكثرها تداولا في الولاية، أن مجتمع خاسي ينحدر من سبع عشائر مقدسة. ورأى هامليت باريه، المؤلف والمؤرخ الهندي في كتاب “تاريخ قبيلة خاسي وثقافتها” عام 1967، أن أصول القبيلة تعود إلى الجماعات العرقية الأوسترية في جنوب شرق آسيا التي تنحدر من جماعات تتحدث لغات مون خمير في الغابات البورمية النائية. فثمة أدلة تثبت أن لغة “الخاسي” التي يتحدثها أفراد القبيلة، تشبه لهجات مون خمير، رغم أنه لا أحد يعرف متى هاجر مجتمع خاسي إلى جبال وسفوح شمال شرقي الهند.
ويعيش اليوم معظم أفراد قبيلة خاسي في ولاية ميغالايا، التي أصبحت ولاية مستقلة بذاتها في عام 1972. وفي خضم حرب تحرير بنغلاديش في عام 1971، تمزقت عائلات عديدة من قبيلة خاسي ويعيش أفرادها الآن في بنغلاديش. وتعيش نسبة كبيرة من أفراد القبيلة أيضا في ولاية آسام الهندية المجاورة.
وتقول أمينة نورا باساه، المؤرخة التي تنتمي لقبيلة خاسي، وتحاضر في جامعة نورث إيسترن هيل في شيلونغ، إن تراث شعب خاسي شفهي. وبحسب الرواية الشفهية، فإن مجتمع خاسي كان مجتمعا أبويا في البداية.
فقد كان الرجال من قبيلة خاسي، عندما تنشب صراعات حول ملكية الأراضي مع القبائل الأخرى، ينزلون إلى السهول للقتال. وفي خضم هذه المعارك، مات بعض الرجال واستقر آخرون في السهول. وكانت النساء اللائي هجرهن أزواجهن أو ترملن، يتزوجن مرة أخرى أو يرتبطن بغيرهم، وكثيرا ما كان أفراد القبيلة يجدون صعوبة في تحديد نسب الطفل.
وتقول باساه: “كان المجتمع يصف هؤلاء الأطفال بأنهم “غير شرعيين”، لكن أجدادنا استهجنوا إلصاق هذه التهمة بالنساء والأطفال، وقرروا أن ينسب جميع الأطفال لأمهاتهم فقط”.
ويشترك مجتمع خاسي مع المجتمعات الأمومية القليلة حول العالم في سمات عديدة، منها أن الثروة والممتلكات تنتقل من الأم إلى بناتها، وينتسب الأطفال إلى خط الأم وينتمون إلى عشائر أمهاتهم.
ويعيش مجتمع خاسي في عائلات أو عشائر مترابطة. ويحمل الأطفال أسماء عائلات أمهاتهم، ولهذا تضمن البنات بقاء اسم العشيرة. وللفتيات في مجتمع خاسي مطلق الحرية إما في العيش في منزل العائلة أو الانتقال إلى منزل آخر، باستثناء الابنة الصغرى، التي تصبح وصية على ممتلكات العائلة، فلا تغادر المنزل حتى بعد زواجها. وتتولى رعاية والديها وتصبح ربة الأسرة بعد وفاة أمها.
وفي بلدة تيرنا التي تبعد 65 كيلومترا عن شيلونغ، تعيش لوريت سوخليت، الأخت الصغرى في إحدى أسر مجتمع الخاسي، مع زوجها في منزل أمها. ومع أن سوخليت سترث منزل أمها بعد وفاتها، فإن شقيقها، إيديلبرت، هو راعي الأسرة. إذ يتكفل إديلبرت، بحكم أنه خال الأطفال، بمعيشة أخته وأسرتها.
ويعيش إيديلبرت، الذي يعمل مدير مدرسة في تيرنا، بعيدا عن أسرته، كما هو معتاد في مجتمع خاسي. فالمرأة في هذا المجتمع لا تعيش في منزل الزوج قط، بل ينتقل الزوج للعيش معها في منزلها. ويعيش الآن بعض الرجال بعيدا عن زوجاتهم وأطفالهم، ولا سيما إذا كانت الزوجة تسافر للعمل.
ويقول إيديلبرت: “تعيش زوجتي وأطفالي في شيلونغ، وأزورهم بين الحين والآخر، لكني ملزم أيضا برعاية أختي وأمي”. وقرر إيديلبرت، في السنوات الأخيرة، تحويل جزء من منزل أمه إلى نُزُل للمسافرين للحصول على دخل إضافي للإنفاق على أسرة أخته.
وعن دور الخال في مجتمع خاسي، تقول باساه: “الخال هو ولي الأمر في العائلة، ويتحكم في توزيع وإدارة الميراث، ولا يتخذ أي قرار في العائلة دون موافقته المسبقة”.
ولم يكن الآباء في الماضي يساهمون في الإنفاق على زوجاتهم أو أطفالهم، لأنهم يعيلون أخواتهم ووالديهم. وتقول باساه: “كان الأب يعود لمنزل زوجته في ساعات متأخرة من الليل، ويعمل في الصباح في حقول أمه”.
وفي ظل الاستعمار البريطاني وانتشار التعليم التبشيري، غادر بعض أفراد مجتمع خاسي بلداتهم بحثا عن العمل. وتراجعت سلطة الخال مع ظهور الأسر بمفهومها المعاصر المكونة من زوجين وأطفال، وأصبح الأب في بعض العائلات المسيحية في المدن الآن هو رب الأسرة، وإن كان أفراد مجتمع خاسي في القرى لا يزالون يتبعون النظام الأمومي.
ويقول باساه: “إن مجتمع ميغالايا هو مجتمع أمومي لكنه يحمل بعض سمات المجتمعات الأبوية”، مشيرة إلى أن المرأة في المجتمعات الأمومية تتولى زمام الأمور في المجتمع والحكومة.
ورغم ذلك، هناك اختلافات ثقافية جلية بين مجتمع خاسي وبين المجتمعات التي يهيمن عليها الذكور في الهند. فبينما تتعرض النساء عادة في شوارع الهند للمعاكسات وغيرها من أشكال التحرش، فلم أتعرض قط في ميغالايا لأي شكل من أشكال التحرش الجنسي. ولم يحاول غرباء التودد إلي لإرغامي على التحدث معهم، لكنهم كانوا يساعدونني إذا ضللت الطريق وطلبت المساعدة.
وعندما استقليت في شيلونغ سيارات أجرة مزدحمة مع ركاب ذكور من أهل البلد، لم يتعد أحد على خصوصيتي قط، وكان الجميع يحرص على راحتي. وتعيش النساء هنا، على عكس نظرائهن في سائر المناطق النائية، حياة مستقلة. فالمرأة التي استضافتني للإقامة معها في قرية ماوسينرام، التي تعد واحدة من أكثر المناطق تعرضا للأمطار في العالم، هي شابة عزباء شارفت على الأربعين وتعيش بمفردها، وهذا الأمر يعد من المحظورات في سائر أنحاء الهند.
وبينما كان الناس دائما في الهند يسألونني إن كان والداي لا يعترضان على سفري بمفردي، فلم يطرح علي أحد قط هذا السؤال في ميغالايا.
وتقول داريبا ليندم، الكاتبة التي تنتمي إلى مجتمع خاسي وتعيش في مومباي: “إن الرجال في مجتمع خاسي يحترمون المرأة ولا يتعالون عليها”. ولا تواجه المرأة في مجتمع خاسي الضغوط التي تواجهها أقرانها في معظم أنحاء الهند للزواج بشخص تختاره لها عائلتها.
وتقول ليندم: “لا وجود في ميغالايا لكراهية النساء، وربما يفضل السكان تجاهل أصوات النساء على إسكاتهن، كما هو الحال في سائر أنحاء الهند. وفرحتهم بإنجاب البنات لا تقل عن فرحتهم بإنجاب الذكور”.
وتقول باتريشيا موخيم، ناشطة ومحررة بصحيفة “شيلونغ تايمز” التي تصدر باللغة الإنجليزية، إن مظاهر النظام الأبوي تبدو واضحة في جميع نواحي الحياة في سائر أنحاء الهند، بدءا من اتخاذ الرجال للقرارات، ووصولا إلى غياب المرأة عن الفضاء السياسي والأكاديمي وحتى التجاري.
وبينما تواجه الفتيات في الهند عراقيل عديدة تمنعهن من الدراسة والعمل، فإن موخيم تقول إن الفتيات في مجتمع خاسي، يتمتعن بقدر أكبر من الحرية الاجتماعية ولا يوجد سقف لطموحاتهن الاقتصادية.
وتذكرت امرأة مسنة التقيتها في يودوه كانت تدير سوق الخضروات بالجملة، وقالت لي إنها انفصلت عن زوجها وقررت تربية أطفالها بمفردها بينما تبيع الخضروات.
وعندما سألتها عن السبب، قالت “لم يكن قادرا على التكفل بمعيشتنا، ولم أحتج لمساندته ولهذا طلبت منه أن يغادر المنزل”، مشيرة إلى أنها ارتبطت بأكثر من رجل بعده. وبحكم أنها الابنة الصغرى في عائلتها، فقد أصبحت الآن وصية على ممتلكات العائلة وتشرف على فريق كامل من التجار ذكورا وإناثا.
لكن في الآونة الأخيرة، فرضت هجرة أفراد مجتمع خاسي إلى المدن، وابتعادهم عن عشائرهم المترابطة، أعباء إضافية على الأمهات. وتقول موخيم: “الرجال، بحسب النظام الأمومي، غير مكلفون بالإنفاق على أطفالهم بعد مغادرة البلدة. وقد زاد عدد النساء المعيلات في ميغالايا. وكانت العائلات في الماضي تنفق على الأم التي يهجرها زوجها، لكن الآن تراجع حجم العائلات ولم تجد الأمهات مفرا من الاعتماد على أنفسهن”.
وفي المقابل، دشن بعض الرجال حملات للمطالبة بالتغيير. وتخوض إحدى المؤسسات التي تطالب بما يشبه في العصر الحديث “تحرير الرجال”، معركة من أجل إنهاء النظام الأمومي. وذكر أحد أفرادها لقناة بي بي سي الإخبارية مؤخرا: “لا نريد تجريد المرأة من سلطاتها وحقوقها، بل نريد فقط أن نحظى بمكانة تعادل مكانة المرأة”.
وتعزو موخيم استياء الرجال إلى أن “أطفالهم يُنسبون إلى أمهاتهم، ويشعرون أنهم لا يؤدون دورا مهما في حياتهم. ويرى المشاركون في هذه الحملات أن الرجال لا يشعرون بالأمان في منازل زوجاتهم ولا في منازل والديهم التي غادروها للعيش في منازل زوجاتهم”.
وتعلق باساه بالقول إن مؤيدي إلغاء النظام الأمومي لا يمثلون إلا قلة من المجتمع، وترى أن المجتمع يمر بمرحلة انتقالية. وتقول: “إن بعض العائلات الآن تساوي بين الذكور والإناث في الميراث. ربما تحصل الابنة الصغرى على النصيب الأكبر بحكم أنها مسؤولة عن رعاية أبويها المسنين”.
وترى باساه، وكذلك معظم سكان ميغالايا، أن العادات الثقافية المرتبطة بالانتساب إلى الأم تأصلت في حياة أفراد مجتمع خاسي إلى درجة أنها ستظل باقية لعقود.
[ad_2]
Source link