“متلازمة المحتال” لها فوائد أكثر مما نتخيل
[ad_1]
- بيتر روبنشتاين
- بي بي سي
رغم أن إصابتك بالمتلازمة النفسية المعروفة باسم “متلازمة المحتال” قد تهز ثقتك بنفسك، فإن شعورك نتيجة لذلك، بأنك غير جدير بشكل كافٍ بالوظيفة التي تشغلها، ربما يمنحك ميزة تتفوق بها على زملائك وأقرانك، ممن يشعرون بثقة أكبر في قدراتهم.
يشعر المصابون بما يُعرف بـ “متلازمة المحتال”، بأن ما يحققونه من إنجازات في مجال العمل غير مستحق، وأنه من المرجح أن يراهم الآخرون “محتالين” في هذا الصدد. ولذا لا عجب في أن يعتبر هؤلاء، أن هذه الحالة النفسية تلحق الضرر بنجاحهم على الصعيد المهني. إذ أن شعور المرء بأن الإنجازات المهنية التي يحققها، لا تعود لجدارته أو لقدراته وأن الآخرين سيكتشفون ذلك إن عاجلا أو آجلا، يضع على كاهله بطبيعة الحال، مزيدا من الضغوط غير المرغوبة، في عمله.
لكن نتائج دراسة أجرتها بسيمة توفيق، الأستاذة المساعدة في دراسات العمل والمنظمات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، كشفت أن التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المصابون بهذه المتلازمة، للتعويض عما يعتبرونه نقصا في جدارتهم بإنجازاتهم المهنية، قد تجعلهم في واقع الأمر، يؤدون وظائفهم بشكل أفضل.
فتقبل هؤلاء “المحتالين” لشعورهم بأنهم غير جديرين بالإنجازات التي تُنسب لهم بدلا من مقاومة ذلك الشعور أو تجاهله، وبذلهم بالتبعية جهودا إضافية للتواصل مع الآخرين في مجال العمل، يمكن أن يجعلهم يتفوقون على أقرانهم، على صعيد المهارات الخاصة بالتعامل مع من حولهم. ويعني ذلك، حسبما تقول الباحثة الجامعية، أن هذا الشعور النفسي الذي يبغضه غالبية من يعانون منه، ربما يكون في حقيقة الأمر، دافعا لهم لأداء وظائفهم على نحو أفضل.
دورة “متلازمة المحتال”
ووفقا لما أوردته دورية “إنترناشيونال جورنال أوف بيهافيورال ساينس” العلمية المعنية بالسلوك، فكر أكثر من 70 في المئة من العاملين في مرحلة ما من حياتهم، في أنهم غير جديرين بما يحققونه في مجالاتهم المهنية. وبينما تتباين أشكال الضغوط التي يتعرض لها العاملون من مهنة لأخرى بفعل الإصابة بـ “متلازمة المحتال” هذه، فإن ما يمكن تسميته بـ “الأعراض الداخلية” لهذه المتلازمة، تتشابه عادة بين المصابين بها، على اختلاف مهنهم.
فلدى هؤلاء الأشخاص، نزوع نحو تحقيق الكمال، ويضمرون في داخلهم حاجة ملحة، لأن يكونوا الأفضل في المجالات التي يعملون فيها. وعندما يخفقون في تحقيق أهدافهم التي تتسم بالمثالية والكمال؛ غالبا ما يشعرون بأنهم “محبطون ومغلوبون على أمرهم، بل ويعتبرون أنفسهم فاشلين، وهو ما يشكل إفراطا من التعميم من جانبهم”. ومن شأن ذلك، إدخال أولئك الأشخاص في دائرة مفرغة، تجعلهم يمنعون أنفسهم من تقبل ردود الفعل الإيجابية على عملهم، ممن حولهم.
فإذا أدى شعور المصابين بمتلازمة “المحتال” بالقلق من ضعف أدائهم المهني، إلى دفعهم للإفراط في التحضير لعرض تقديمي ما، على سبيل المثال، فلن يمنع نجاح العرض في نهاية المطاف، من أن تراودهم أفكار سلبية أيضا. فقد يشعرون في تلك الحالة، أنهم بذلوا جهدا أكثر من اللازم، وأنه كان يُفترض بهم إنجاز المهمة على نحو أيسر من ذلك. أما إذا أتموا مهمتهم في الموعد المحدد، لكنهم أنجزوها ببطء قليلا، فسيعزون ذلك إلى أن الحظ قد حالفهم، لا أن الأمر يعود لقدراتهم ومهاراتهم.
وفي الوقت الراهن، تستعد الباحثة بسيمة توفيق لنشر تقرير سيكون الأول من نوعه على صعيد الإشارة إلى وجود “فوائد ملموسة” يمكن أن تنجم عن معاناة البعض في أماكن العمل من “متلازمة المحتال”. وفي هذا التقرير، تطرح توفيق افتراضا مفاده بأن أحد التعريفات الرئيسية لهذه المتلازمة، يتمثل في وجود فجوة بين إدراك المرء لمدى كفاءته مقارنة لحقيقتها على أرض الواقع. وسعت الباحثة من خلال دراستها إلى التعرف على التأثير الذي قد تُخلّفه هذه الفجوة المفترضة، على المسار المهني لمن يعاني من هذه المتلازمة، سواء فيما يتعلق بمدى جودة العمل الذي يقدمه أو مكانته بين زملائه.
وفي إطار دراستها، أجرت الباحثة ثلاث تجارب. شملت الأولى، أشخاصا عملوا في شركة لتقديم الاستشارات في مجال الاستثمار، وتولوا مدة شهرين الإشراف على موظفين آخرين في الشركة – بعضهم يعاني من “متلازمة المحتال” – بهدف تحديد مهاراتهم على صعيد التعامل مع الآخرين.
ووجدت بسيمة أن العاملين المصابين بتلك المتلازمة احتلوا في واقع الأمر، مراكز متقدمة على قائمة من صُنّفوا على أنهم أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين بفاعلية، مقارنة بغيرهم، ممن لا يعانون من هذه المشكلة النفسية. فقد وصف المديرون أولئك الأشخاص، بأنهم يتعاونون على نحو أفضل على الصعيد المهني، مع زملائهم في العمل.
أما التجربة الثانية، فشملت مجموعة من طلاب الطب، ممن كانوا على وشك إنهاء دراستهم، وبصدد بدء مرحلة الزيارات الفعلية للمرضى في المستشفيات، وهي آخر مراحل تأهيل هؤلاء الطلاب لبدء مسيرتهم المهنية. وجرى حث البعض من أولئك الطلاب، على أن يختبروا تجربة المعاناة من الأفكار التي تراود المصابين بـ “متلازمة المحتال”، عبر مطالبتهم بأن يسردوا عن طريق الكتابة، تفاصيل إحدى المرات، التي عانوا فيها من هذا الأمر.
وتقول بسيمة إن ذلك يخلق فعليا الظروف الخاصة بـ “متلازمة المحتال”، في بيئة مُتحكم فيها معمليا. بعد ذلك، طُلِبَ من هؤلاء الطلاب، تشخيص ما يعاني منه ممثلون مدربون على التظاهر بأن لديهم أمراضا وعِللا بعينها. وهنا أيضا، وجدت توفيق أن الطلاب “المحتالين” حصلوا على درجات أعلى، فيما يتعلق بمدى قدرتهم على تشخيص ما يعاني منه “المرضى”.
ووصفت الباحثة هؤلاء الطلاب بالقول: “كانوا أكثر تعاطفا، وأفضل من حيث الإنصات للمرضى، كما طرحوا أسئلة أفضل”. وأشارت أيضا إلى أنه لوحظ أن الطلاب “المحتالين” أقاموا اتصالا بصريا بوتيرة أكثر تكرارا مع “المرضى”، وأنهم كانوا يقتربون منهم بشكل أكبر.
وفي التجربة الأخيرة، أخضعت توفيق للملاحظة مجموعة أشخاص تظاهروا بأنهم باحثون عن عمل. وتركزت عملية ملاحظة هؤلاء خلال فترة الدردشة، التي كانت تدور عادة بينهم وبين المسؤولين عن التوظيف، لتحديد ما إذا كانوا جديرين بأن يُختاروا ضمن من ستُجرى معهم مقابلات تقييم شخصية أم لا. وكان اختيار من سيخضع لهذه المقابلات، مرهونا بقدرته على أن يُظهر خلال فترة الدردشة غير الرسمية، أنه مؤهل للوظيفة المطروحة، ونجاحه في إثارة إعجاب المسؤولين عن التوظيف. وتماشت نتائج هذه التجربة مع ما خَلُصَت إليها سابقتها، فقد تبين أن المبحوثين الذين جرى دفعهم لاستحضار أفكار ومشاعر المصابين بـ “متلازمة المحتال”، صُنِّفوا على أنهم كانوا أكثر فاعلية وقدرة على التواصل الشخصي مع المسؤولين عن التوظيف، مقارنة بأقرانهم ممن لم يَخْبروا هذه المشاعر، فقد اختاروا طرح أسئلة أكثر جاذبية، وقدموا إجابات جذابة كذلك.
بجانب ذلك، فرغم شعور هؤلاء المبحوثين بأنهم “محتالون” ولا يتحلون بكفاءة حقيقية، فقد أظهر التحليل الأوليّ لنتائج الدردشة التي دارت بينهم وبين مسؤولي التوظيف الذين شملتهم التجربة، أن أداءهم خلالها لم يقل عن ذاك الذي أبداه زملاؤهم، وأنه لم يُنظر إليهم على أنهم أقل من الآخرين قدرة أو تأهيلا لخوض المقابلات الشخصية. وقد ظهر ذلك من خلال التجربة التي ضمت طلاب الطب أيضا، إذ كان الطلاب “المحتالون” ونظراؤهم ممن لا يعانون من تلك المتلازمة، متساوين في عدد مرات التشخيص الصحيح للأعراض التي أبداها “مرضاهم”.
وتعقب الباحثة بسيمة توفيق على ذلك بالقول: “كثير من الناس يصورون (متلازمة المحتال) على أنها شيء يعيقك بشكل ما، ما يجعلنا نتوقع مثلا أن يكون أداؤك سيئا في إنجاز مهمة بعينها. لكن لا يوجد في الواقع أي اختلاف ملموس في الكفاءة، بين من دُفِعوا لاستحضار المشاعر والأفكار المرتبطة بهذه المتلازمة، وأولئك الذين لم يُدفعوا لذلك”.
وتتمثل الفكرة التي تقترحها الدراسة التي تجريها توفيق، في أن “فجوة الكفاءة المتصورة”، التي يعاني منها المصابون من “متلازمة المحتال” وتجعلهم يرون أنهم أقل كفاءة مما هم عليه بالفعل، ربما لا تؤثر البتة على جودة أدائهم لعملهم. كما تشير هذه الدراسة إلى أن بذل المصابين بتلك المتلازمة جهودا أكبر لتحسين علاقاتهم الشخصية بمن حولهم، وذلك للتغلب على الشكوك التي يضمرونها في قدراتهم على هذا الصعيد، ربما تساعدهم على أن يكون أداؤهم أفضل من زملائهم “غير المحتالين”.
وتخلص بسيمة توفيق للقول إن الاستخلاصات التي توصلت إليها في هذا الشأن، تجعلها “مفعمة بالحماسة. فذلك قد يشكل نتيجة إيجابية (للإصابة بـ `متلازمة المحتال`) وربما يتعين علينا الشروع في التفكير في الاستفادة منها”.
احتفاء المرء بتشككه في قدراته
ورغم أن “متلازمة المحتال” شكلت موضوعا للبحوث والدراسات منذ عقود طويلة؛ لم يكرس سوى القليل من الجهد البحثي، للنظر في الدور الذي قد تلعبه في تحقيق المصابين بها نجاحا على الصعيد المهني. فحتى موعد كشف بسيمة توفيق النقاب عن النتائج الجديدة التي توصلت إليها في هذا الصدد، كان يُفترض على نطاق واسع، أن إصابة المرء بهذه المتلازمة يعود عليه بالسلب وليس العكس، كما يقول آدم غرانت الخبير في علم النفس التنظيمي، والأستاذ في كلية وارتون لإدارة الأعمال في جامعة بنسيلفانيا الأمريكية.
ويقول غرانت إن الدراسات التي أجرتها الباحثة بسيمة توفيق، تفتح آفاقا جديدا على طريق تسليط الضوء، على إمكانية أن تصبح الإصابة بـ “متلازمة المحتال”، مصدرا للتحفيز على بذل جهود أكبر، لـ “إثبات أنفسنا، ودفعنا للعمل بشكل أكثر ذكاء، لسد الفجوات التي نعاني منها في معارفنا ومهاراتنا”.
لكن من جهة أخرى، رغم وجود عدد من التوصيات الرامية لمساعدة العاملين على محاولة التغلب على المشاعر السلبية التي تساورهم، إذا كانوا مصابين بـ “متلازمة المحتال”، فإن الخبراء يرون أن الهدف الحقيقي، ينبغي أن يتمثل في مراجعة الافتراض، الذي يقول إن تلك المتلازمة لا تنطوي سوى على الضرر ليس إلا. ومع أن هناك من يؤمنون بالفعل في قرارة أنفسهم، بأنهم يُظهرون كفاءة لا يتحلون بها في الواقع، فإن الأمر لا يتعدى بالنسبة لغالبيتنا – كما يقول غرانت – سوى الشعور بشكوك معتادة، بشأن ما إذا كانوا على مستوى التحديات التي يواجهونها أم لا.
ومع أن هذه الشكوك يمكن أن تؤدي إلى الإحساس بالتوتر والخوف أو إلى تراجع الثقة في النفس، فإن الدراسة التي أجرتها الباحثة توفيق تكشف – حسبما يقول غرانت – عن أن “مشاعر الشكوك تلك، عادية بل وصحية كذلك، وبوسعها دفعنا إلى الأمام لا كبح جماحنا”.
ويقول سكوت غالاوي، وهو رائد أعمال وأستاذ للتسويق في جامعة نيويورك، إن الطريقة العملية المُثلى التي يمكن للعاملين الاستفادة من خلالها من هذه الميزة التي اكتُشِفَت حديثا لـ “متلازمة المحتال”، تتمثل في سعيهم لتجاوز عنصر المشاعر السلبية الذي تنطوي عليه هذه الحالة النفسية، والتركيز بشكل أكبر على “فجوة الكفاءة المفترضة” بين المرء وبين زملائه، كي يكرس كل منهم طاقاته لسد هذه الفجوة، ما قد يمنحهم الميزة التي يبحثون عنها في أماكن عملهم.
وفي سياق تعقيبه على الدراسات التي تجريها بسيمة توفيق، يشير غالاوي إلى أنك في اللحظة التي تشعر فيها بأنك “محتال”، تدرك في الوقت نفسه، بأن هناك شيئا ما تحتاج لأن تثبته، وأنك لست راضيا عن نفسك. ويضيف الرجل بالقول: “ربما ستكون هذه لحظة للتواضع الواثق، التي يقر المرء خلالها، بمدى ضآلة ما يعرفه، دون أن يدحض ذلك قناعته الراسخة بقدرته على التعلم”.
[ad_2]