مادة عجيبة نحتاجها جميعا لكنها مهددة بالنفاد
[ad_1]
- فرانك سوين
- بي بي سي
يتميز المطاط الطبيعي بمتانة ومرونة منقطعة النظير وقدرة فائقة على مقاومة الماء. ولهذا يدخل المطاط في صناعات متعددة، بدءا من إطارات السيارات والأحذية وصولا إلى سدادات المحركات وعوازل الأسلاك وغيرها من أجزاء الأجهزة الكهربائية. ويُستخدم المطاط أيضا في صناعة الواقيات الذكرية والملابس والكرات الرياضية وحتى الأربطة المطاطية.
وزادت أهمية المطاط العام الماضي، بالتزامن مع تفشي جائحة كورونا، لتصنيع معدات الوقاية الشخصية للأطباء والممرضات حول العالم.
في الواقع، يعد المطاط من السلع التي تحظى بأهمية عالمية بالغة إلى حد أن الاتحاد الأوروبي صنفه ضمن قائمة المواد الخام الحرجة.
غير أن بوادر أزمة في المطاط الطبيعي أخذت تلوح في الأفق. فالآفات الزراعية وتغير المناخ وتهاوي الأسعار العالمية عرّضت إمدادات المطاط العالمية للخطر، ودفعت العلماء للبحث عن حلول عاجلة قبل فوات الأوان.
لكن لماذا أصبحت هذه السلعة المهمة مهددة إلى هذا الحد؟
يبلغ حجم الإنتاج العالمي من المطاط الطبيعي نحو 20 مليون طن سنويا، ويسهم بالحصة الأكبر منه أصحاب الأملاك الصغيرة في الغابات الإستوائية. ويعتني الملايين من هؤلاء العمال بمزارع في تايلاند وإندونيسيا والصين وغرب أفريقيا، فينزعون برفق اللحاء من الأشجار لاستخلاص عصارة بيضاء تشبه الحليب، ثم يشكلونها على هيئة لوحات ويجففونها في الشمس. ويسهم هؤلاء المزارعون بنسبة 85 في المئة من إجمالي إنتاج المطاط الطبيعي.
وبعد انتشار آفة أوراق شجر مطاط أمريكا الجنوبية، التي قضت على قطاع المطاط في البرازيل في الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبحت أشجار المطاط البرازيلية “الهيفيا برازيلينسيس”، وموطنها الأصلي الغابات البرازيلية المطيرة، تُزرع على نطاق محدود في البلاد. وساعدت تدابير الحجر الصحي الصارمة في احتواء المرض في أمريكا الجنوبية حتى الآن، وإن كان بعضهم يعتقدون أن وصوله إلى آسيا أمر لا مناص منه.
ولا يزال مزارعو المطاط في سائر أنحاء العالم يواجهون آفات أصلية أخرى، مثل مرض عفن الجذور الأبيض وغيره من آفات الأوراق التي انتقلت من مزارع النخيل المجاورة.
وألقى تغير المناخ بظلاله أيضا على زراعة المطاط، فإنتاج المطاط في تايلاند تضرر بشدة بسبب تواتر موجات الجفاف والفيضانات في السنوات الأخيرة، وتسببت الفيضانات في نشر الجراثيم المسببة للأمراض في مناطق زراعة المطاط.
وعلى عكس ما قد يبدو بديهيا، فإن ارتفاع الطلب على المطاط ونقص المعروض لم يعودا بالنفع على المزارعين، فلم يسهما في زيادة العائد المالي لزراعة المطاط. وذلك لأن أسعار المطاط تحددها بورصة شنغهاي، حيث يضارب السماسرة على قيمة المطاط جنبا إلى جنب مع الذهب والألومنيوم والوقود.
ويقول روبرت ميير، الذي شارك في تأسيس شركة “هالكيون أغري” لشراء المطاط: “إن أسعار المطاط لا علاقة لها بتكلفة إنتاجه”، ولهذا تتفاوت أسعار المطاط من شهر لآخر بما يصل إلى ثلاثة أضعاف للطن، وقد استقرت في السنوات الأخيرة عند مستويات متدنية.
وهذا يؤثر بالطبع على إنتاج المطاط. فانخفاض الأسعار دفع المزارعين إلى الاستغلال المفرط لأشجارهم، وهذا يضعف النباتات ويجعلها عرضة للآفات والأمراض. وتسبب انخفاض الأسعار في عزوف المزارعين عن زراعة أشجار مطاط جديدة لتحل محل القديمة التي استهلكت ولم تعد تنتج ما يكفي من مطاط، وهجر كثير من المزارعين مزارع المطاط كليا.
وتقول إلينور وارين توماس، الزميلة الباحثة بجامعة بانغور بويلز، والتي درست العوامل التي تؤثر على زراعة المطاط: “إن زراعة نخيل الزيت لا تختلف كثيرا عن زراعة المطاط الطبيعي من حيث العائد المادي لكل وحدة من الأراضي، لكن إنتاج المطاط يتطلب مجهودا شاقا. وقد دفع تهاوي أسعار المطاط المزارعين إلى التوقف عن إنتاج المطاط، وبيع أخشاب أشجارهم لجني أرباح عاجلة، والاتجاه لزراعة نخيل الزيت”.
وكل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى أن المعروض من المطاط الطبيعي لم يعد يجاري الطلب. وقد حذر مجلس المطاط الثلاثي الدولي في عام 2019، من أن الإمدادات العالمية للمطاط الطبيعي ستتراجع بواقع مليون طن في عام 2020، أي نحو سبعة في المئة من الإنتاج العالمي.
وانخفض الطلب على المطاط الطبيعي في أعقاب تفشي فيروس كورونا، بسبب تدابير الحجر الصحي وتراجع الأميال التي يقطعها الناس بالسيارات، لكنه ما لبث أن عاود الارتفاع إلى حد فاق التوقعات. وذلك بسبب زيادة إقبال المواطنين الصينين على شراء سيارات جديدة، خوفا من التنقل عبر المواصلات العامة. والأمر نفسه ينطبق على دول أخرى على مستوى العالم.
ويقول ميير: “تجاوز الطلب العرض منذ ذلك الحين، والآن يوجد نقص شديد في المعروض من المطاط الطبيعي، وانخفض المخزون الاحتياطي للمطاط لدى مصانع الإطارات”.
ومع أنه من الممكن بالطبع إنتاج المطاط الاصطناعي من البتروكيماويات، لكن المطاط الطبيعي يتميز بخصائص فريدة لا تضاهيها فيها هذه المواد الاصطناعية، فالقفازات المصنوعة من عصارة المطاط أكثر متانة من القفازات المصنوعة من النتريل، وتصنّع إطارات الطائرات من المطاط الطبيعي بسبب مرونتها العالية ومقاومتها للحرارة التي تتولد عن الاحتكاك أثناء الهبوط.
وقد فاقمت هذه المشكلة الإجراءات المفروضة على السفر وعدم قدرة العمال المهاجرين المسؤولين عن جمع المطاط، على عبور الحدود للعمل بالمزارع. وتوقفت المصانع التي تعالج المطاط لأشهر عديدة العام الماضي. لكن ثمة مشكلات أكبر وأكثر تأصلا تستعصي على الحل، ما أدى إلى مطالبة بعضهم بوضع تدابير عاجلة للحيلولة دون وقوع أزمة المطاط.
ربما يكون الحل البديهي هو زراعة المزيد من أشجار المطاط، وبمجرد ما ترتفع أسعار المطاط، سيتشجع المزارعون لإزالة أشجار الغابة المطيرة الاستوائية لزراعة أشجار المطاط. لكن وارين توماس تقول إن مزارع المطاط في الواقع لا تقل خطورة على التنوع الحيوي عن مزارع نخيل الزيت.
وفي عام 2011 على سبيل المثال، أدى ارتفاع الأسعار بسبب طفرة في الطلب عليه في الصين، إلى إزالة مساحات كبيرة من الغابات في جنوب شرق آسيا، عندما سمحت الحكومات للمزارعين باستقطاع أراض من الغابات لزراعتها بمحاصيل نقدية. فإن ربع مساحة الأراضي التي أزيلت منها الغابات في كولومبيا وحدها، استخدمت لزراعة أشجار المطاط. لكن المزارعين لن يتمكنوا من جمع المطاط سوى بعد سبع سنوات من زراعة الأشجار.
وتجرى أبحاث الآن على أساليب زيادة عصارة المطاط. وتقول كاترينا كورنيش، أستاذة المواد الحيوية الناشئة بجامعة أوهايو في الولايات المتحدة: ” ثمة فرص عديدة في إندونيسيا لزيادة المردود من زراعة المطاط، إذ تُزرع في إندونيسيا نفس الأصناف التي تنمو في تايلاند وماليزيا لكن المحصول أقل كثيرا”. وربما يكمن الحل في معالجة الأشجار بمادة “إيثيفون”، وهي مادة كيماوية تعزز إنتاج عصارة المطاط، لكن الإكثار من استخدامها قد يقتل الأشجار، ولهذا يخشى المزارعون من استخدامها.
وثمة حل بديل آخر وهو التخلي عن زراعة أشجار الهيفيا برازيلينسيس، وزراعة أنواع بديلة. وتشارك جامعة أوهايو في برنامج التميز في بدائل المطاط الطبيعي، الذي دشن للتصدي للأزمة المرتقبة. ويجري الباحثون دراسات على أنواع من النباتات قد تصلح بديلا لأشجار المطاط.
وتعد نباتات الهندباء البرية الصغيرة الكازاخية، واحدة من البدائل قيد البحث. وقد زرعها الروس عندما كانت إمدادات المطاط الآسيوي مهددة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وبينما يُنتج نبات الهندباء الكازاخستانية عُشر عصارة المطاط التي تنتجها أشجار المطاط لكل فدان، ويستخرج منه المطاط عن طريق طحن الجذور وتعريضها للضغط، فإن هذه النباتات تكون جاهزة للحصاد بعد ثلاثة أشهر من زراعتها، وتنتج كميات كبيرة من البذور، بحيث يسهل غرس البذور وزراعتها من جديد.
وقد أزاح معهد أبحاث فراونهوفر الألماني الستار العام الماضي عن إطارات جديدة أطلق عليها “بيسكيا”، اختصارا لعبارة “المطاط الاصطناعي الناتج عن عمليات المحاكاة الحيوية”. وتزعم الشركة أن هذه الإطارات المصنوعة من مطاط الهندباء، أكثر مقاومة للتآكل والتلف بمراحل من المطاط الطبيعي.
وتطور كورنيش وفريق الباحثين بجامعة أوهايو، أساليب زراعية جديدة وأصناف جديدة من المطاط، للمساعدة في تحويل مطاط الهندباء إلى سلعة تجارية متوفرة، وقد يتحقق ذلك من خلال استخراج المطاط من جذور الهندباء خمس مرات سنويا.
واستقطبت أيضا شجيرات الـ “واي-أوليه” بعض الاهتمام كبديل للمطاط. وتنمو هذه الشجيرات في الصحراء على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، واستخدمتها الولايات المتحدة لسد النقص في إمدادات المطاط إبان الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أن المطاط المستخرج من هذه الشجيرات له نفس التركيبة الكيميائية للمطاط الطبيعي، إلا أنه لا يحتوي على البروتين المسبب للحساسية من عصارة المطاط.
ودشن في عام 1942 مشروع طوارئ لزارعة شجيرات الـ “واي-أوليه” على مساحة 13 ألف هكتار، وأنتج المشروع نحو 400 طن من المطاط شهريا. وتنتج هذه الشجيرات المطاط بعد عامين من زراعتها، وبعدها قد تشذب أغصانها ويجمع منها المطاط سنويا. لكن المشروع توقف بعد تدفق المطاط الآسيوي الأرخص ثمنا إلى الأسواق مجددا بعد انتهاء الحرب.
وتحتفظ “بريدجستون” للإطارات، بقطعة أرض مساحتها 114 هكتارا، تزرع فيها شجيرات الـ “واي-أوليه” في ولاية أريزونا، وأنتجت منها إطارات للمرة الأولى في عام 2015.
ربما أصبحنا الآن في حاجة ماسة لمبادرات من هذه النوع في ظل ارتفاع الطلب العالمي على المطاط الطبيعي، وخاصة كلما ازدادت الدول النامية ثراء. وتقول كورنيش: “إن صناعة السيارات هي المستهلك الأكبر للمطاط. وإذا اشترت كل عائلة في أفريقيا سيارتين، سنحتاج لكميات لا حصر لها من المطاط”.
ومن جهة أخرى، شاركت كبريات الشركات في مجال صناعات المطاط، مثل “بريدجستون” و”كونتننتال” و”غوديير”، في منصة للمطاط الطبيعي المستدام، تحظر على الأطراف المشاركة شراء المطاط المزروع في أراض أزيلت منها الغابات مؤخرا. وأطلق ميير حملة للمطالبة بوضع حد أدنى لأسعار المطاط، لتأمين سبل عيش مستقرة لأصحاب الأملاك الصغيرة في الدول النامية، وضمان توفير إمدادات أكثر استدامة من المطاط.
وتؤكد وارين توماس على أهمية دعم أصحاب الأملاك الصغيرة حتى لا يتأثروا بتقلبات الأسعار، من خلال تحسين نظم الإنتاج والسماح لهم بزراعة محاصيل أخرى إلى جانب المطاط، مشيرة إلى أن إزالة الغابات لزراعة المحاصيل النقدية سيؤثر سلبا على المناخ والتنوع الحيوي والناس، وينبغي أن يفكر الناس ألف مرة قبل الإقدام على ذلك.
وتقول كورنيش: “لقد شهدنا انتشار خنفساء حفار شجر الدردار الزمردية ومرض ذبول أشجار الدردار وخنفساء الصنوبر، وكل هذه الآفات كفيلة بالقضاء على أحد الأنواع من النباتات كليا أو قتل مليارات الأشجار، ولا يمكن أن تعوض الخسائر الناجمة عن موت جميع أشجار المطاط في سنة واحدة”.
وترى كورنيش أن الحل هو الحصول على 10 في المئة على الأقل من إجمالي المطاط المستخدم عالميا من مصادر بديلة، ويمكن حينها زيادة الإنتاج سريعا في حالة وقوع كارثة بهذا الحجم. وتقترح استغلال صحراء أريزونا التي تبلغ مساحتها 11,600 ميل مربع لزراعة شجيرات الـ “واي-أوليه”.
وتقول كورنيش: “لدينا ما يكفي من بذور الهندباء الكازاخية لزراعة 40 هكتارا بأسلوب الزراعة العمودية و3000 هكتار من الأراضي التي تصلح لزراعة شجيرات واي-أوليه، لكننا نحتاج للتمويل. فينبغي أن يهتم بعض أصحاب المليارات في العالم ويشاركوا في هذا المشروع حتى ينجح. ففي حالة ضعف محصول المطاط، ستتكبد الدول المتقدمة خسائر كارثية”.
[ad_2]
Source link