كيف تفاقم الرسائل النصية شعورنا بالتوتر رغم حاجتنا إليها في ظل التباعد الاجتماعي؟
[ad_1]
إذا كانت الدردشة في إطار المجموعات الموجودة على تطبيقات التراسل الفوري، تمنحنا العزاء والسلوى في أوقات الأزمات، وتبقينا على اتصال خلال هذه المحن أيضا، فما الذي يجعلها تفضي أيضا إلى أن يشعر بعضٌ منا بالإنهاك النفسي من استخدامها، وبأنها حمل ثقيل على كواهلنا؟
عندما بدأ تطبيق إجراءات الإغلاق العام في مارس/آذار الماضي، شكلّت الدردشة من خلال المجموعات المختلفة الموجودة على تطبيقات التراسل الفوري، مثل “واتس آب” وغيره، شريان حياة بالنسبة لي. فتبادل الرسائل النصية مع زملائي في العمل وأصدقائي في مدينة نيويورك، وكذلك مع أقاربي ورفاقي القدامى، ساعدني على البقاء على اتصال معهم، خلال أزمة لا تأتي سوى مرة واحدة في كل جيل.
وعبر هذه الوسيلة، تبادلنا الضحكات، وهدأنا من روع بعضنا بعضا، وأطمأن كل منّا على أُسَر الآخرين.
لكن مع تواصل أزمة الوباء وإجراءات الإغلاق المترتبة عليها، وجدت أن مواصلتي الدردشة على هذه الشاكلة، يجعلني أكثر توترا وليس العكس. فهاتفي الذي لا يكف من الأصل عن استقبال الإشعارات الخاصة بالأخبار العاجلة، صار يتلقى ما بين 50 و60 رسالة نصية في الساعة الواحدة، من مجموعات الدردشة المختلفة التي أشارك فيها، ما جعلني أشعر دائما بالقلق، من إمكانية تفويت مطالعة بعضها، أو إحداها على الأقل.
فضلا عن ذلك، بِت أشعر بالذنب، إذا لم أرد على أي من هذه الرسائل، بشكل فوري، أو لم أطالع سلسلة رسائل وردت على إحدى هذه المجموعات. الأسوأ أنني لم أكن استطع أن أجد لنفسي عذرا مقبولا، أتعلل به في هذا الشأن، إذ لم يكن بمقدوري القول مثلا: “عذرا، لأنني لم أرد على رسالتك، لأنني كنت منهمكا بشدة في البقاء في المنزل دونما حركة، للشهر الثامن على التوالي!”.
ورغم أن تفويت قراءة بعض الرسائل التي وردت في إطار إحدى مجموعات الدردشة، كان يثير دوما قلق البعض منّا حتى قبل أزمة الوباء، فإنه كان من المفاجئ بالنسبة لشخص مثلي، طالما احتفى في عصر ما قبل (كوفيد – 19) بهذه الطريقة من طرق التواصل، أن يكتشف إمكانية أن يعاني المرء من التبعات السلبية للإفراط في التواصل الاجتماعي، في زمن التباعد الاجتماعي.
ويثير ذلك سؤالا مفاده؛ لماذا يؤدي التواصل مع الآخرين على هذه الشاكلة في أوقات الأزمات، إلى إصابة بعضنا بالإنهاك النفسي وجعلنا نشعر بأن هذا الأمر يشكل حِملا كبيرا على كواهلنا، رغم فوائده المتمثلة في منحنا العزاء والسلوى في تلك الأوقات، وإبقائنا على اتصال في غمارها كذلك؟
ما من شك في أن تطبيق إجراءات الإغلاق، أدى إلى زيادة الإقبال على استخدام تطبيقات التراسل الفوري، التي يتم من خلالها تبادل رسائل، لا تصطبغ بالطابع الرسمي التقليدي. وتُظهر الدراسات، أن الناس يميلون لهذا النمط الاتصالي، أكثر من ميلهم لرسائل البريد الإلكتروني مثلا. فبحلول نهاية مارس/آذار الماضي مثلا، قال القائمون على تطبيق “واتس آب” إن عدد مستخدميه قفز بنسبة 40 في المئة تقريبا.
وأشارت دراسة أُجريت في سبتمبر/أيلول 2020، وشملت أكثر من 1300 من البالغين الأمريكيين، إلى أن استخدامهم للاتصالات التي تُستخدم فيها الأجهزة الرقمية بمختلف أنواعها، زاد خلال فترة تفشي كورونا، وأن الرسائل النصية تربعت على رأس قائمة طرق الاتصال التي تحظى بالشعبية في هذا الصدد، وذلك بزيادة كبيرة بلغت نسبتها 43 في المئة.
ومع أننا محظوظون، لأن لدينا هذا النوع من التكنولوجيا، التي جعلت بوسعنا استخدام تطبيقات مثل “واتس آب” و”زووم” وغيرهما، ما خفف كثيرا من وطأة إحساسنا بالعزلة الناجمة عن الوباء، فإن مثل هذه المنصات التي أتاحت الفرصة لتكوين مجموعات دردشة، جعلت الاتصال يصطبغ بطابع حميمي وفوري، ما جعل مستخدميها يشعرون بالضغط والتوتر.
ويقول الطبيب النفسي إلياس أبو جودة، الذي يعمل في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية، إن ذاك “الدافع الداخلي الذي يحدو بنا لقراءة كل رسالة في التو ودون إبطاء، وكذلك التوقع (الذي يُكوّنه الآخرون) بموازاة ذلك، بأنك سترد على الفور أيضا”، يشكل أحد العوامل التي تجعل هذه التطبيقات تُشعرنا بالتوتر.
ويوضح أبو جودة، الباحث المتخصص في دراسة العلاقة ما بين التكنولوجيا وعلم النفس، بالقول إن عدم الرد على هذه الرسائل فورا يصيب المرء بالقلق، ويجعله يشعر بأنه “تخلف عن الركب، وانتهك قاعدة رئيسية، من قواعد الاتصال عبر الإنترنت”.
بجانب ذلك، قد يؤدي تأخرك في التفاعل مع مجموعة رسائل متبادلة في إطار إحدى مجموعات الدردشة على تطبيق ما، إلى تراكم تلك الرسائل بسرعة. وهنا، وحتى قبل أن تدرك ذلك، يبدأ تبادلك الرسائل مع زملائك أو أصدقائك، في التحول إلى ما هو أشبه بمهمة مرهقة، لا تختلف في طابعها عن كتابة رسائل البريد الإلكتروني في بيئة العمل.
ويقول بيرني هوغان، الباحث البارز في معهد الإنترنت التابع لجامعة أكسفورد، إن مثل هذا التراكم يسبب ما يبدو “دينا اتصاليا مخيفا، يمكن أن يُسْتَحَق علينا، بسبب عدم وجود تزامن بين الرسائل التي تصلنا وردودنا عليها”.
وبينما كان بمقدورنا في فترة ما قبل الوباء، التذرع بانشغالاتنا، لتبرير عدم الانتباه لرسالة أو حتى لمحادثة بأكملها، وذلك حال شعورنا بالإرهاق وعدم الرغبة في التفاعل مع الآخرين، فإن تقلص خيارات التواصل الاجتماعي بسبب (كوفيد – 19)، زاد الدور الذي تلعبه مجموعات الدردشة عبر تطبيقات التراسل، في حياة كل منّا. ولذا صرنا نشعر بأنه يتعين علينا تقدير أهمية أنماط التواصل هذه. لكن المشكلة أن التفاعل عبرها، جاء بوتيرة أكثر سرعة وحجما، مما كنا نعتاد.
وهكذا فبينما كان بوسعنا في فترة ما قبل الوباء، أن نختار الكف قليلا عما نضطلع به من مهام يومية، للانخراط في التواصل مع أعضاء مجموعات الدردشة المختلفة التي نشارك فيها، بات ذلك الآن – كما يقول أبو جودة – في حكم المستحيل تقريبا، بالنظر إلى تسارع وتيرة الرسائل، التي يتم تلقيها عبر هذه المجموعات، وتزايد عددها بشكل كبير.
لكن الشعور بالتوتر والقلق لا ينجم فقط عن سمات الدردشة في إطار مجموعات فحسب، بل ينبع كذلك من طبيعة التكنولوجيا المستخدمة على هذا الصعيد أيضا. فنحن نعلم من الأساس، أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر ضار بالصحة. ومن هنا، يقود الاعتماد على التكنولوجيا لإشباع كل احتياجاتنا المتعلقة بالتواصل والتفاعل الاجتماعي، إلى إضافة المزيد من العبء على قدراتنا المعرفية، التي ترزح من الأصل تحت ضغوط متزايدة، في ظل الوباء.
ويقول هوغان إنه قد يكون “لكل محادثة (تُجرى في إطار مجموعة دردشة) خانة عاطفية خاصة تُدرج فيها، ما يعني أن للتنقل بين هذه المحادثات `ثمنا` نفسيا، من الناحيتين الفكرية والذهنية”، خاصة أننا نتنقل كذلك، بين تطبيقات التراسل الفوري، وليس بين المحادثات الجارية عليها فحسب.
تُضاف إلى ذلك حقيقة، أن بعضا منّا، يعانون من الإنهاك النفسي والعاطفي، جراء كل ما يحاصرنا من أنباء محبطة متعلقة بالوباء. فبالرغم من أننا ربما نكون قد رحبنا في بادئ الأمر، بالاطلاع على المواد التي كان أصدقاؤنا يرسلونها لنا في هذا الصدد لأننا كنا نسعى آنذاك جاهدين لفهم طبيعة ما نواجهه من خطر، فإن الوضع تغير بعد ذلك، إذ بدأنا في الشعور بالفزع، من تدفق الأنباء والرسائل والتقارير، التي قد تغذي مشاعر القلق بداخلنا.
ويقول أبو جودة إن الانخراط في مجموعات للدردشة، بدا في الفترة الأولى لتفشي الوباء، وسيلة جيدة لإبداء التعاطف مع عدد كبير من الناس في وقت واحد. لكن المشكلة تمثلت، في أنه “سرعان ما بدا واضحا، أن التوتر والقلق اللذين يترافقان أحيانا مع تبادلك رسائل نصية مع شخص واحد، يتزايدان بشكل استثنائي، حال مشاركتك في مجموعات للدردشة”.
أضف إلى ذلك مسألة الإشعارات التي تصاحب كل رسالة أو خبر عاجل يصلك على هاتفك، والتي تصيبك بالتوتر والقلق في كل مرة يهتز فيها الهاتف أو تُضاء شاشته، حتى وإن كان الأمر يتعلق بتبادل أعضاء مجموعة دردشة ما، صورا لحيوانات لا أكثر.
وتقول الدكتورة كارولين فيل رايت، المسؤولة البارزة في قسم الابتكارات الخاصة بالرعاية الصحية في الجمعية الأمريكية لعلم النفس، إنه “حتى إذا استطعت التمييز بين أصوات التنبيهات المختلفة التي تصدر من هاتفك، فسيتحول الأمر لديك في مرحلة ما، إلى إصدار استجابة تلقائية تشبه الاستجابة التي تحدث عنها العالم بافلوف (في تجربته الشهيرة)؛ إذ يكفي أن يصدر صوت هذا التنبيه أو ذاك من هاتفك، لكي تموج نفسك بالقلق”. فصدور مثل هذا الصوت يوحي بأن “شيئا فظيعا قد حدث، حتى لو لم يكن ذلك صحيحا”.
وبطبيعة الحال، تحدد طبيعة حياتك مدى قدرتك على تقبل ما قد يترتب على المشاركة في مجموعات الدردشة من توترات. فوفقا لما تقوله رايت، تختلف مستويات التوتر، التي نشعر بها خلال مشاركتنا في مثل هذه المجموعات، من شخص لآخر. فقد تكون لك “عمة متقاعدة تعيش بمفردها، وتجد أن مجموعات الدردشة، تمثل المتنفس الوحيد لها للتواصل مع الآخرين. الحال قد يكون مختلفا، مع أصدقائك الذين تعرفهم من فترة الجامعة مثلا، فربما يكونون منهمكين في العمل من المنزل، ويشعرون بالإنهاك والإرهاق من استخدام تطبيق `زووم` في هذا الشأن، ويحاولون في الوقت نفسه العناية بأطفالهم ممن يدرسون مناهجهم عن بعد، ما يجعل أولئك الأصدقاء، يحسون بأنهم يفتقرون للقدرة على مواصلة إبداء التفاعل مع مجموعات الدردشة” التي يشاركون فيها.
وترى رايت أن مستوى الإنهاك والإرهاق “الذي يشعر به الكثير من الناس، ربما أدى إلى أن يصبح الانخراط في أي مجموعة دردشة، أمرا غير عملي بالنسبة لهم”.
على أي حال، إذا شعرت بأن هذه المجموعات تشكل حملا زائدا عليك، فثمة وسائل يمكنك من خلالها – كما يقول الخبراء – الجمع بين إبداء التقدير لأنماط تواصل مهمة مثل هذه، ونيل قسط من الراحة منها أيضا، عبر فصل نفسك عنها بين الحين والآخر.
وتقول رايت في هذا الشأن، بأنك لست بحاجة في واقع الأمر، للتعلل بأعذار كيلا ترد في التو واللحظة، على رسالة نصية وردتك من شخص ما، مشددة على ضرورة أن ندير مثل هذه الاتصالات بالطريقة التي تلائمنا، من أجل الحفاظ على صحتنا العقلية والذهنية.
وتوصي هذه الباحثة باتباع أساليب من بينها؛ وقف تلقي الإشعارات، أو منع سلاسل الرسائل من الظهور تلقائيا على شاشة الهاتف، أو أن تقول للمشاركين معك في مجموعة للدردشة، إنك ستكف عن التفاعل معهم لبعض الوقت. وتقول إنه من المهم أن تضع حدودا للانخراط في مثل هذه الأنشطة الاتصالية، حتى وإن كان ذلك، قد يؤدي إلى جرح مشاعر البعض.
وربما يتعين عليك في هذه الحالة، أن توضح للأعضاء الآخرين في المجموعة، أن توقفك عن التفاعل لفترة، ناجم عن احتياجك لذلك، لا نابع من رغبتك في الانعزال كلية عنهم.
كما أن بوسعك أن تقول لهم شيئا ما على شاكلة “لن يكون بوسعي الرد على الرسائل الآن. لكن لا تنسوا إشراكي معكم، في أول مكالمة جماعية تالية”.
أما أبو جودة فيقول إن الشعور بالإنهاك النفسي، جراء الانخراط في مجموعات الدردشة، يشكل سببا وجيها لإعادة اكتشاف فوائد الاتصالات التقليدية عبر الهاتف، تلك التي يرى أنها تمثل نمطا اتصاليا “أكثر عمقا، وأقل من حيث عوامل تشتيت الانتباه التي تشوبه”.
وتتفق رايت مع هذا الرأي، قائلة إنه على الرغم من أن التواصل من خلال مجموعات الدردشة، مفيد على صعيد “التعرف على آخر المستجدات بسرعة أو تبادل `الميمات` المضحكة مثلا، فإن هذه المجموعات لا تشكل (وسيطا) يمكننا أن نتبادل عبره أمورا مهمة متعلقة بحياتنا، أو نوفر من خلاله الدعم العاطفي لبعضنا بعضا، أو نتشاطر في إطاره الضحك أو البكاء. أما الاتصالات الهاتفية فتوفر فرصا أكثر، للتواصل بحق على المستوى الشعوري والعاطفي”.
وفي واقع الأمر، أظهرت الدراسات أن الاتصال الصوتي، يزيد قدرتك على “التعاطف بدقة” مع الآخرين، بشكل يفوق ما يحدث في حالة الاتصال المرئي، الذي يشمل إرسال رسائل نصية. كما أن هذا النمط الصوتي من الاتصال، يعزز قدرتك على أن تجعل مشاعرك تتماشى مع نسق مشاعر من تتواصل معه، ما يفسح المجال لإقامة تواصل أكثر عمقا بينكما.
ومن هذا المنطلق، فإذا شعرت في وقت ما أنك تريد البوح والحديث، فربما سيجدر بك أن تلجأ إلى هاتفك لإجراء مكالمات صوتية عبره. وإذا أردت منع الرسائل الواصلة إلى هاتفك في إطار إحدى مجموعات الدردشة، من الظهور تلقائيا على شاشته، فثمة فرص لأن يتفهم الأعضاء الآخرون في المجموعة ذلك، فالصداقة راسخة الأركان ستصمد – كما يقول أبو جودة – في وجه أي “تباعد أو فراق رقمي”.
[ad_2]