ماذا سيحدث لو تعطل نظام تحديد المواقع العالمي؟
[ad_1]
عندما تعرض نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس” في مطار بن غوريون بإسرائيل للتشويش، كادت أن تقع حوادث خطيرة لولا مهارة المراقبين الجويين. ولم يكن هذا التشويش متعمدا، فقد كان أحد تداعيات معارك القوات الروسية في سوريا، لكنه يكشف عن مدى خطورة انقطاع خدمات نظام تحديد المواقع العالمي.
ويقول تود هامفريز، مهندس الاتصالات بجامعة تكساس: “تزايد إدراك العالم لأهمية حماية نظام تحديد المواقع العالمي وتقويته وتعزيزه”. فقد تغلغل نظام تحديد المواقع العالمي في مختلف جوانب حياتنا اليومية إلى حد غير متوقع.
ويكمن دور نظام تحديد المواقع العالمي ببساطة في تحديد موقع جهاز الاستقبال الخاص بنظام تحديد المواقع في أي وقت. وتوجد هذه الأجهزة في هواتفنا المحمولة وسياراتنا، وتهتدي بها السفن وسط القنوات والحواجز المرجانية كما لو كانت منارات العصر الحديث.
وتعتمد الآن خدمات الإنقاذ على نظام تحديد المواقع العالمي للوصول إلى من يحتاجون العون.
وإذا توقفت خدمات نظام تحديد المواقع العالمي، قد تتعطل المرافئ، إذ تعتمد الرافعات على هذه الأنظمة للعثور على الحاوية التي تحتاج للنقل، وتلعب دورا حيويا في العمليات اللوجستية، فتتيح لمصنعي السيارات والمتاجر الكبرى الاستفادة من أنظمة التوصيل في الوقت المحدد. ولولاها لأصبحت رفوف المتاجر الكبرى شبه فارغة وأصبحت الأسعار أكثر ارتفاعا.
ويستخدم قطاع البناء نظام تحديد المواقع العالمي لإجراء عمليات مسح الأراضي، ويعتمد عليها الصيادون للالتزام بالقواعد والقوانين الصارمة. لكن نظام تحديد المواقع العالمي لا يقتصر دوره على تحديد الموقع، بل يقيس الزمن بدقة أيضا.
ويتكون نظام تحديد المواقع العالمي من كوكبة من 30 قمرا صناعيا تدور حول الأرض، وتستخدم هذه الأقمار مجموعة من الساعات الذرية فائقة الدقة التي ترسل إشارات متزامنة. وتتيح هذه الأقمار للمستخدمين تحديد الوقت بدقة تصل إلى 100 مليار جزء من الثانية. وتعتمد شبكات الهواتف المحمولة على توقيت نظام تحديد المواقع العالمي لتحقيق التزامن بين محطاتها الأرضية، وكذلك المؤسسات المالية والمصرفية لضمان دقة التعاملات والتحويلات.
وفي الواقع، لا يمكننا الاستغناء عن أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية. لكن هل هناك أي بديل لهذه الأنظمة، وكيف يمكننا أن نهتدي إلى وجهتنا في حالة توقف خدماتها؟
أشار تقرير أجرته كلية لندن للاقتصاد لصالح الحكومة البريطانية إلى أن تعطل نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعة لخمسة أيام فقط قد يكلف المملكة المتحدة وحدها أكثر من 5.1 مليار جنيه إسترليني. وقد يكلف تعطل نظام تحديد المواقع العالمي الاقتصاد الأمريكي ما يقدر بمليار دولار يوميا.
لكن انقطاع نظام تحديد المواقع العالمي ليس نادر الحدوث، فكثيرا ما تشوش عناصر الجيش عليه في مناطق معينة أثناء اختبار معدات أو إجراء تدريبات عسكرية. وتجري الحكومة الأمريكية اختبارات وتدريبات تؤدي إلى انقطاع إشارات الأقمار الصناعية، وقد تحدث مشاكل فنية يترتب عليها اضطرابات واسعة النطاق.
وبخلاف نظام تحديد المواقع العالمي، هناك أنظمة أخرى للملاحة عبر الأقمار الصناعية، مثل نظام “غلوناس الروسي” و”غاليليو” الأوروبي و”بيدو” الصيني، وكلها تعمل على غرار نظام تحديد المواقع العالمي.
لكن تشارلي كاري، الزميل بالمعهد الملكي للملاحة ومؤسس شركة “كرونوس تكنولوجي”، يقول إن “الجيش أثار مخاوف إزاء تكرار عمليات التشويش التي يتعرض لها نظام تحديد المواقع العالمي”.
وهذه المخاوف لها أسباب وجيهة، فنظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، طورته بالأساس وزارة الدفاع الأمريكية، وتعتمد عليه الآن في توجيه كل شيء، بدءا من الطائرات المسيرة والسفن الحربية وحتى القنابل الذكية وجنود المشاة. وهذا النظام الآن يواجه تهديدات عديدة.
وأصبحت أجهزة التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي متوفرة عبر الإنترنت، وقد يوظفها المجرمون في خداع الأنظمة التي تستخدم لتعقب السيارات المسروقة غير مكترثين بتأثير ذلك على المنطقة بأكملها.
ويقول هامفريز: “أثيرت مخاوف أيضا من تعطل جميع الأقمار الصناعية التي يعتمد عليها نظام تحديد المواقع العالمي في حالة شن هجوم مباغت على الاقتصاد الأمريكي باستهداف البنية التحتية الحيوية”.
ولا تقل الكوارث الطبيعية خطورة عن الهجوم العسكري في هذا الصدد، إذ أن عاصفة شمسية هائلة شبيهة بحادثة كارنغتون عام 1859، ستكون كفيلة بتدمير شبكة الأقمار الصناعية الخاصة بنظام تحديد المواقع العالمي بأكملها.
لكن إذا اختفى نظام تحديد المواقع وسائر الأنظمة الملاحية فجأة، ما هي البدائل التي قد نستخدمها حتى لا يصاب العالم بالشلل؟
قد يصلح نموذج جديد من نظام “لوران” للملاحة بعيدة المدى، الذي طُور إبان الحرب العالمية الثانية لتوجيه سفن الحلفاء أثناء عبورها الأطلسي. وبدلا من الأقمار الصناعية، يتكون نظام “لوران” من أجهزة إرسال أرضية تتضمن أبراجا طولها 200 متر لإرسال إشارات الملاحة اللاسلكية.
وكان نظام لوران في البداية يحدد المواقع التي تقع في حدود بضعة أميال فقط، لكن في السبعينيات من القرن الماضي، أصبح قادرا على تحديد المواقع في حدود مئات الأمتار. وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، أخرجت المملكة المتحدة وغيرها من الدول أجهزة إرسال نظام لوران من الخدمة بعد ظهور نظام تحديد المواقع العالمي.
لكن نظام الملاحة بعيدة المدى المعزز “إي لوران” الحديث، قد لا يقل دقة عن نظام تحديد المواقع العالمي.
ويستخدم نظام “إي لوران” أجهزة إرسال واستقبال أكثر تطورا، بالإضافة إلى تقنية تعرف باسم التصحيح التفاضلي، حيث تراقب المحطات الإشارات وتصححها، لزيادة الدقة.
وتشير نتائج التجارب إلى أن “إي لوران” قادر على تحديد المواقع بدقة أقل من 10 أمتار، كما يمكنه اختراق المباني والأنفاق، وهي ميزة لا يتمتع بها نظام تحديد المواقع العالمي، ومردها أنه يعتمد على ترددات أكثر انخفاضا مقارنة بإشارات القمر الصناعي.
ويتميز أيضا “إي لوران” بأن إشاراته القوية يصعب التشويش عليها ولا يعتمد على أقمار صناعية معرضة للمخاطر، لكنه لا يزال يحتاج إلى جهة ممولة.
ويقول هامفريز: “إن نظام “إي لوران” رائع وقد يسد الثغرات التي تخلفها أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية داخل الدول، لكنه يحتاج لجهة تتكفل بإقامة البنية التحتية وصيانتها”.
وقبل اكتشاف الإشارات اللاسلكية، كان البحارة يهتدون في البحار بالشمس والنجوم، وكانوا يستخدمون المزولة لقياس الزوايا بينها. ولم تختف أنظمة الملاحة الفلكية في العصر الحديث، فبعض القذائف البالستية، مثل “ترايدنت” لا تزال تعتمد على الملاحة الفلكية أثناء تحليقها.
وطورت شركة “درابر لابوراتوري” جيلا جديدا من أنظمة الملاحة الفلكية يطلق عليه “سكايمارك”، يعتمد على تلسكوب آلي صغير لتعقب الأقمار الصناعية ومحطة الفضاء الدولية وغيرها من الأجرام التي تدور حول الأرض.
وكلما زادت سرعة الأجرام وعددها، زادت دقة سكايمارك في تحديد الموقع. إذ يعتمد سكايمارك على قاعدة بيانات من الأقمار الصناعية المرئية، سواء كانت عاملة أو نفايات فضائية، ويقال إن دقته تصل إلى 15 مترا، أي أنه لا يقل كفاءة عن نظام تحديد المواقع العالمي.
ويقول بنيامين لين، رئيس فريق تطوير أجهزة تحديد المواقع والملاحة والتوقيت المتطورة بشركة درابر، إن نظام سكايمارك قد يصبح أكثر دقة في حالة زيادة الأقمار الصناعية التي يمكن رؤيتها في آن واحد.
ويقول: “إن نظام الملاحة الفلكية قد يحدد الموقع بدقة تصل إلى مترين، لكن هذا يتوقف على حجم الأقمار الصناعية التي يرصدها”.
وثمة عيوب أخرى في نظام “سكايمارك”، منها أنه لا يعمل إلا عندما تكون السماء صافية. ورغم أن الأشعة تحت الحمراء التي قد تخترق الضباب والغيوم الخفيفة قد تساعد قليلا في تحسين دقة النظام، فأنه قد لا يعمل بكفاءة في بعض الأجزاء من نصف الكرة الشمالي والجنوبي، حيث السحب الكثيفة والسماء الملبدة بالغيوم.
ولعل الخيار الأكثر وفرة في الحياة اليومية هو الملاحة بالقصور الذاتي، باستخدام مقاييس التسارع التي تحسب موقع المركبة بناء على سرعتها واتجاهها.
ويقول كاري: “إذا دخلت سيارتك إلى نفق وفقدت إشارات نظام تحديد المواقع العالمي، فإن الملاحة بالقصور الذاتي هي التي تمدك بالمعلومات اللازمة عن موقعك”.
لكن جهاز الملاحة بالقصور الذاتي في سيارتك قد لا يفيدك إلا عند فقدان إشارات نظام تحديد المواقع العالمي لفترات وجيزة، وذلك لأن الأخطاء تتراكم مع الوقت ومن ثم تتضاءل دقته في احتساب الموقع.
ويمكن تلافي هذه المشكلة باستخدام أجهزة الاستشعار الكميّة الأكثر دقة بآلاف المرات من الأجهزة الحالية.
وفي عالم ميكانيكا الكم، تسلك الذرات والجسيمات سلوك المادة تارة والموجات تارة أخرى. ويغير التسارع خصائص هذه السلوكيات. وتستخدم شركة “أي إكس بلو” الفرنسية هذه الطريقة لتطوير جهاز يضاهي نظام تحديد المواقع العالمي من حيث الدقة. وعرض فريق من جامعة إمبريال كوليدج نموذجا أوليا من مقياس تسارع كمي محمول في عام 2018.
لكن أجهزة الاستشعار الكمية لم تخرج من المعامل بعد ولا يزال أمامها سنوات لتطرح في الأسواق.
لكن ربما نعتمد قريبا على الملاحة البصرية، حيث تستخدم أنظمة آلية مزودة بكاميرات المعالم الأساسية مثل المباني ومفارق الطرق لتحديد الموقع.
وطورت شركة “ساينتفك سيستمز” نظام “إيميج ناف”، للملاحة البصرية للطائرات، لصالح السلاح الجوي الأمريكي. ويتضمن النظام قاعدة بيانات للمنطقة التي تحلق بها الطائرة ويعمل على مطابقتها مع اللقطات التي تلتقطها كاميرات الفيديو للتعرف على الموقع. وأجريت تجارب ناجحة للنظام في عدة طائرات، وقد يستخدم أيضا في المركبات ذاتية القيادة.
ونجحت شركة “إيفردرون” السويدية في تنفيذ أول عمليات توصيل آلية بين المستشفيات بالطائرات المسيرة دون استخدام نظام تحديد المواقع العالمي. واعتمد النظام على تقنية التدفق البصري، التي تقيس السرعة بحسب معدل تدفق المناظر التي تمر بها الطائرة، وتقنية التعرف على المعالم لتحديد مسارها من البداية إلى النهاية بنفس دقة نظام تحديد المواقع العالمي.
وتعتمد هذه الطريقة على قاعدة بيانات كاملة ودقيقة عن المنطقة التي تستكشفها قد تحتاج لتحديث متواصل ومساحة تخزين كبيرة.
وتطور المملكة المتحدة برنامج مركز التوقيت الوطني ليكون بديلا لخدمة تحقيق التزامن والتوقيت التي يوفرها نظام تحديد المواقع العالمي. ومن المتوقع أن يدخل هذا البرنامج مرحلة التشغيل في عام 2025، وسيعتمد على مجموعة من الساعات الذرية الدقيقة الموزعة في عدة مواقع في أنحاء المملكة المتحدة، لإرسال إشارات توقيت عبر الإذاعة والإنترنت.
والخلاصة، أنه لا يوجد نظام واحد يمكن أن يحل محل أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي، وقد نستخدم في المقابل عدة حلول للسفن والطائرات والسيارات.
وتقيم وزارة النقل الأمريكية الآن مسابقة لاختيار أفضل بدائل لنظام تحديد المواقع العالمي في حالة توقف خدماته.
وفي وقت نتوقع فيه انتشار السيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة لتوصيل الطرود، وسيارات الأجرة الطائرة، في طرقنا وفوقها في العقود المقبلة، أصبحنا أكثر اعتمادا من أي وقت مضى على نظام تحديد المواقع العالمي.
ويرى كاري أن أي شخص يملك جهاز تشويش قوي بإمكانه تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي في منطقة بحجم لندن. وهذا يعني أن مدنا بأكملها قد تصاب بالشلل مستقبلا لو لم نطور أنظمة ملائمة تحل محل نظام تحديد المواقع العالمي في حالة تعطله.
[ad_2]
Source link