فيروس كورونا: أطباء مصريون محتجزون منذ أشهر لانتقادهم طريقة تعامل الدولة مع الوباء
[ad_1]
“ينتابك إحساس عميق بالعجز حين يبقى عزيز لديك محتجزا خلف القضبان كل هذه الشهور، بينما لا تستطيع مساعدته، ولا تدري حتى لماذا قُبض عليه من الأساس؟”، هكذا تحدث رأفت الذي تربطه صلة قرابة بواحد من ثمانية كوادر طبية مصرية يقبعون قيد الحبس الاحتياطي، منذ بضعة أشهر.
وألقت السلطات المصرية القبض على ثمانية من أفراد الطواقم الطبية، بينهم سبعة أطباء، في خضم أزمة فيروس كورونا. ووجهت لهم مجموعة من الاتهامات، منها نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والانتماء لجماعة أُسّست على خلاف القانون.
وجاء الاحتجاز بعد أن انتقد بعض المحتجزين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سياسات الدولة في التعامل مع الأزمة.
وبناء على طلب من رأفت، غيرنا اسمه الحقيقي وكذلك اسم قريبه المحتجز الذي سنطلق عليه اسم “مروان”. ولن نذكر صلة القرابة على وجه الدقة، وهو ما اشترطه رأفت أيضا خشية أن يتعرض هو أو أي من أفراد أسرته لأي أذى.
“عقاب على التفكير”
ويقول رأفت إن الاتهامات التي وُجِّهت لمروان وزملائه هي ذات الاتهامات التي توجَّه لأي شخص يخالف السلطات الرأي في أي شأن من شؤون الحياة العامة.
ويضيف: “الدولة لا تريد لأحد أن يغرد خارج السرب ولا أن يتحدث خارج الإطار الذي تضعه أجهزتها الإعلامية. فكأنها تعاقبنا على التفكير وعلى الحلم”.
وأضاف رأفت أن مروان كان يطرح بعض التساؤلات المهنية بخصوص سبل احتواء أزمة كورونا، “لكن الحكومة تكره المنهج العلمي في التفكير، لأنها تتخذ قراراتها بلا دراسة. فهي لم تكن ترغب في الاعتراف بأنها متعثرة في مواجهة الفيروس”.
وبحسب نقابة الأطباء، فقد توفي حتى الآن نحو 200 طبيب مصري بسبب فيروس كورونا، بينما بلغ إجمالي عدد الوفيات في البلاد نحو ستة آلاف وفاة. كما تجاوز إجمالي عدد الإصابات 100 ألف، مما يجعل مصر إحدى أكثر الدول الأفريقية في عدد الإصابات.
قبل بضعة أشهر، وخلال ذروة أزمة فيروس كورونا، تحدثت إلى بعض الأطباء الذين اشتكوا من غياب “أبسط المستلزمات الطبية الوقائية”، من أقنعة وكمامات وقفازات. وتساءلوا غاضبين عن سبب إرسال مصر مساعدات طبية لبعض دول العالم في وقت “تئن فيه المستشفيات الحكومية المصرية” من نقص المعدات.
لكن وزارة الصحة أكدت أنها توفر كل الدعم المطلوب للفرق الطبية التي تكافح فيروس كورونا.
وفي حديث سابق لبي بي سي، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام في مصر، أسامة هيكل، إن إرسال شحنات مساعدات لبعض الدول مثل إيطاليا، التي كانت من بين الدول الأكثر تضررا على مستوى العالم، “يحمل رسائل سياسية لدعم الدول في مثل هذه الظروف. يجب أن نمد يد العون للآخرين. لأننا قد نحتاج للمساعدة في يوم ما سواء في هذه الأزمة أو غيرها”.
“استقلال القضاء”
عندما يحين موعد تجديد الحبس الاحتياطي تحبس أسرة مروان أنفاسها “وتظل أرواحنا معلقة بشيء من الأمل في إمكانية الإفراج عنه. لكن ما أن يصدر قرار استمرار الحبس، حتى نشعر أننا قد هوينا، وأن هاماتنا قد انحنت”، كما يقول رأفت، موضحا أن أسرة مروان بدأت تدخل في دوامة من اليأس مع طول فترة الحبس الاحتياطي.
وينتقد المحامي أيمن محفوظ طول مدة الحبس الاحتياطي بشكل عام في مصر، ويراها مسألة مرهقة لكل العاملين في المجال القضائي وللمتهمين كذلك، ويطالب بإعادة النظر في هذا الأمر. لكنه في الوقت نفسه يرى أن هناك الكثير من الأطباء والمواطنين الذين رفعوا نفس المطالب التي رددها الأطباء المحبوسون ولم يقبض عليهم.
“لم يُحبس من الأطباء إلا عدد محدود للغاية. هل كل من وجه انتقادات للدولة في هذه الأزمة تعرض للحبس؟ بالقطع لا”.
ويضيف محفوظ أن هذه القضية ربما تكون لها “خلفيات أمنية، تتعلق بالأطباء المحتجزين، لا تعلمها إلا الأجهزة المعنية. كما أن المسألة كلها تخضع للنيابة التي تقوم بدور رقابي على الجهات الأمنية، وأنا أثق في نزاهة واستقلال النيابة والقضاء”.
ويرى أن “الكلمة مؤثرة في هذه الحرب التي تخوضها مصر ضد فيروس كورونا. ومن الممكن أن تستغل الكلمة بعض القنوات الإعلامية المناهضة لسياسة الدولة بهدف تهييج الرأي العام”.
“اتهامات معلبة”
الاتهامات التي وُجّهت للأطباء المحبوسين “لا تتعلق بممارسة المهنة” لكنها اتهامات “سياسية”، وهو ما يحجِّم دور نقابة الأطباء في تقديم الدعم القانوني لهم، حسبما يقول خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء السابق.
ويقول سمير إن دور النقابة الرئيسي يتمثل في صرف إعانات لأسر هؤلاء الأطباء أو إصدار بيانات تطالب بالإفراج عنهم.
ويرى سمير أن هذه “اتهامات معلبة ومطاطة” وتوجَّه للكثير ممن يخالفون الدولة في الرأي. ويضيف أن هؤلاء الأطباء كانوا ينتقدون بغرض إصلاح أحوال تمس حياتهم وحياة المرضى. و”من يفعل ذلك علينا أن نشكره”.
وتعاني مصر منذ سنوات من هجرة الكثير من الكوادر الطبية بسبب ما يصفونه بـ “قسوة” ظروف العمل، وغياب التقدير، وقلة الأجور. ويقول خالد سمير إن القبض على الأطباء لن يؤدي إلا لإشاعة “حالة من الخوف والغضب والإحباط بين غالبية العاملين في القطاع الطبي مما قد يترتب عليه مزيد من الهجرة”.
وفي يونيو/حزيران الماضي، طالبت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية أن تتوقف فورًا عما وصفته بحملة المضايقة والترهيب ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية ممن ينتقدون تعامل الحكومة مع أزمة وباء كورونا.
وقالت المنظمة إنها وثقت استخدام السلطات اتهامات “فضفاضة” و”غامضة” كي تعتقل وتحتجز العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يعربون عن آرائهم علانية، بل وتعرضهم للمضايقات والتهديدات والإجراءات العقابية.
الأثر النفسي
ويأمل رأفت أن يرى مروان مرة أخرى خارج قضبان السجن. ويدرك تماما أن هذه التجربة ستعطل مسيرة مروان المهنية، و”لن يستطيع اللحاق بباقي زملائه”، لكنه يتخوف أكثر من الأثر النفسي الذي قد يصاحب مروان لبقية حياته.
ويتابع رأفت بالقول: “السجن يترك ترسبات داخل النفس لا تُمحى. فهو يكسر الروح. مروان كان شخصا مبدعا ومحبا للحياة بشكل كبير. أخشى ألا يعود كما كان”.
[ad_2]
Source link