أخبار عربية

عدّاءة تهمتها أنها “أسرع مما يمكن أن تكون عليه امرأة”

 

حكاية عداءتين أسترالية (تظهر في الصف الأول)، وجنوب إفريقية (وراءها) جمعتهما مباراة وحيدة في بطولة عام 2009 وهذه الصورة.

بكثير من الصبر، اجتازت العداءة السابقة مادلين بيب القاعة المزدحمة في مركز المؤتمرات في عاصمة بوتسوانا، غابورون، إذ كانت مصممة على اللحاق بكاستر سامينا – الرياضية الشهيرة والمثيرة للجدل والتي كانت تعدها في السابق أكبر خصومها.

كل ما أرادته العداءة الأسترالية مادلين هو أن تعتذر من البطلة الجنوب إفريقيّة، كاستر سامينيا، الحائزة على بطولة العالم في سباق العدو لمسافة 800 متر ثلاث مرات، وعلى الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية مرتين، والتي كانت نجمة مؤتمر بوتسوانا في مايو/أيار عام 2018.

قالت مادلين لبي بي سي: “أخيرا تمكنت من الوصول إليها. أخبرت سامينيا عن مدى احترامي لها ومدى سعادتي لرؤيتها في المنافسات”.

لكن مادلين لم تكن تكن المشاعر ذاتها لكاستر عندما التقيتا في المرة الأولى والوحيدة عام 2009.

مصدر الصورة
Getty Images

 

Image caption

قضية كاستر سامينا واحدة من أكثر النقاشات حدة في عالم الرياضة حاليا

جدال برلين

في أغسطس/آب من عام 2009، كانت مادلين من أوائل العدّاءات اللاتي تنافسن مع كاستر سامينا في سباق 800 متر، ضمن بطولة العالم لألعاب القوى في برلين.

وكانت تلك من أوائل المرات التي تشارك فيها سامينيا بسباق خارج أفريقيا، وكان العالم يتابعها عن كثب.

كانت سامينيا حينها في الثامنة عشرة من عمرها، وقد فازت في بطولة صغيرة مطلع ذاك العام بعد تحقيقها رقما يقل بمقدار ضئيل عن الزمن الذي حققته لاعبات مخضرمات في سباق 800 متر، مثل البطلة الأولمبية لعام 2004، كيلي هولمز.

كما كانت سامينيا قد تمكنت من إنهاء سباق 800 متر بوقت أفضل من الزمن الذي وصلت له قبل تسعة أشهر فقط.

لم يقل منتقدوها إن العداءة كانت تتناول أدوية ممنوعة، بل وجودها “مذنبة” لكونها سريعة جدا بالنسبة لغيرها من الرياضيات. كان الجندر الذي تنتمي له سامينا هو موضع السؤال.

وكان مدرب سامينيا في ذلك الوقت، مايكل سيم، قد وصفها بأنها كانت “تبدو كرجل”، كما أبدى كثير من الرياضيين تحفظهم على مشاركتها في بطولات العالم.

وكانت مادلين واحدة منهم.

مصدر الصورة
Madeleine Pape

 

Image caption

حصلت مادلين على دكتوراه في علم النفس

تتذكر ذلك جيدا، وتقول: “في ذلك الوقت كنت أعتقد أنه من الظلم أن تنافسنا”.

حتى أن الجهة المنظمة لألعاب القوى عبرت عن شكوكها بخصوص جنس سامينيا خلال بطولات العالم – وقبل ساعات من نهائيات مسابقة عدو 800 متر، سُرّب لوسائل الإعلام خبر يقول إنه طلب من سامينا الخضوع لفحوص لتحديد جنسها.

تقول مادلين: “كان الخيار الأسهل علي هو الانضمام لجوقة الذين أدانوا أداءها الرياضي. كان من المريح أن أتبنى ما كان يقوله زملائي والمدربون”.

لكن اليوم صارت مادلين من أبرز الداعمين لسامينيا، اللاعبة الجنوب إفريقية، في نضالها من أجل أن تتابع خوض المباريات.

لكن ما الذي غير رأيها؟

مصدر الصورة
Getty Images

 

لم يكن, أداء مادلين جيدا أبدا في بطولات العالم؛ كانت ما قبل الأخيرة في سباق مع سبع عداءات وفشلت في التأهل للجولة التالية.

أما سامينيا فقد فازت بميدالية ذهبية في برلين بعد أن اجتازت خط النهاية قبل ثانيتين من المتسابقة التي جاءت بعدها في الجولة الأخيرة من السباق.

كان الفارق الزمني مبهرا؛ خاصة وأنه منحها إمكانية الفوز على الإيطالية إليسا كوزما، والتي اتهمت سامينيا بأنها “رجل”.

انتهت مسيرة مادلين الرياضية بعد إصابتها عام 2010، لكنها بدأت رحلة أكاديمية، وحصلت على دكتوراه في علم النفس ودراسات في قضايا الجندر والرياضة.

مادلين الأكاديمية الأسترالية ذات الـ36 عاما، لا الرياضية السابقة، هي من تظهر لنا عندما نقوم بالبحث عن اسمها على الإنترنت.

وفي صفوف الجامعة، رأت مادلين ما لم تتمكن من رؤيته عندما كانت في المضمار.

اختلافات في التطور الجنسي

لدى سامينيا، وعمرها اليوم 29 عاما، حالة وراثية تسمى فرط الأندروجين (hyperandrogenism)، والتي تجعل جسدها ينتج مستويات أعلى من هرمون التستوستيرون.

وهرمون التستوستيرون هو الهرمون الذي غالبا ما يكون عند معظم النساء بكميات أقل من الرجال، والذي يربط بأنه يؤدي إلى أداء أفضل في الرياضات.

وبصيغته المصنّعة، يدرج التستوستيرون على قائمة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات كمادة ممنوع على اللاعبات تناولها.

وحالة سامينيا نتجت عن ما يعرف باختلاف التطور الجنسي (DSD)؛ وهي حالة لا تسمح بالتطور المعروف لجنس الشخص؛ فهرموناتهم وجيناتهم وأعضاؤهم التناسلية قد تحمل مزيجا من سمات الذكورة والأنوثة.

ويجادل كثير من اللاعبين بأن هذه الحالة تمنح سامينيا ميزة غير عادلة في مضمار السباق.

وكانت مادلين واحدة منهم.

لكنها تقول: “تغيرت رؤيتي عندما ذهب للجامعة وتعرفت ليس فقط على رؤى جديدة، بل أيضا على الشرح العلمي للحالة التي كنا نهاجم سامينا بسببها”.

سامينيا قد تمنع من المشاركة في البطولات

مصدر الصورة
Getty Images

 

Image caption

منذ عام 2009 وسامينا تواجه تشكيكات تتعلق بجنسها

لم تنشر أبدا نتائج فحصوص سامينيا التي استمرت في خوض مباريات دولية مثل الألعاب الأولمبية.

لكن بطولة ألعاب القوى أصدرت العام الماضي قرارا جديدا يقضي بإجبار سامينيا وغيرها من اللاعبات ممن لديهن نفس الحالة، بتناول عقارات تخفف مستويات التستوستيرون لكي يكنّ مؤهلات للتنافس في مباريات سباق السيدات (من 400 متر وحتى الميل).

تحدت سامينيا القرار لكنها خسرت الاستئناف في محكمة التحكيم الرياضي. كما رُفض طلب استئناف تقدمت به للمحكمة الاتحادية السويسرية العليا في شهر سبتمبر/أيلول هذا العام.

ترفض سامينيا أن تتناول العقار، قائلة إنه قد يشكل خطرا على صحتها، كما تقول إن الحكم يمنعها هي وغيرها من اللاعبات في نفس حالتها من الاعتماد على قدراتهن الطبيعية.

وإن استمر الحال هكذا، فلن يسمح لسامينيا بالدفاع عن لقبها كبطلة 800 متر في أولمبياد طوكيو 2021، إلا إذا قبلت بتناول العقاقير، التي ستجعلها حتما أبطأ.

حجة منصفة

مصدر الصورة
Getty Images

 

Image caption

في أولمبياد ريو 2016، كانت الحائزات على الميدالية الفضية والبرونزية في سباق 800 متر هما فرانسين نيونسابا من برودني، والكينية مارغريت وامبي وكلتاهما لديهما ذات حالة سامينا.

تعتقد مادلين أن موقف بطولة ألعاب القوى مؤذٍ للرياضة. “إن أجندتهم الآن هي البحث عن طرق لاستبعاد بعض النساء”. وتضيف: “إنهم يفتقدون القدرة على الاستماع لهؤلاء النساء وفهم ما يمرون به”.

وسامينيا ليست اللاعبة الشهيرة الوحيدة التي لديها هذه الحالة.

ففي أولمبياد ريو 2016، كانت الحائزات على الميدالية الفضية والبرونزية في سباق 800 متر هما فرانسين نيونسابا من برودني، والكينية مارغريت وامبي وكلتاهما لديهما الحالة نفسها.

ويوم 8 سبتمبر/أيلول، قال الاتحاد الدولي لألعاب القوى إنه في قراره يسعى لتحقيق العدل.

وجاء في البيان: “طوال السنوات الخمس الماضية، حارب الاتحاد الدولي لألعاب القوى من أجل الحفاظ على الحقوق والفرص لكل النساء والفتيات في الرياضة، الآن وفي المستقبل”.

كما ورد فيه: “لذا فنحن نرحب بقرار المحكمة الاتحادية السويسرية المؤيد لقواعدنا في التعامل مع حالات DSD، كوسيلة مشروعة ومتناسبة لحماية حق جميع اللاعبات في المشاركة في رياضاتنا ضمن شروط عادلة وذات معنى”.

لكن مادلين ترى الأمور بشكل مختلف.

عام 2009 كانت مادلين تعتقد أن منافستها تتمتع بمزايا غير عادلة في السباق، لكنها الآن تنظر للأمر على نحو مختلف تماما. وتقول عنها: “سامينيا لاعبة استثنائية. أي شخص تمكن من الفوز بكل هذه الميداليات لا بد وأن لديه شيئا يميزه. وأنا لا أعتقد أن هذا الشيء هو التستوستيرون”.

هل التستوستيرون مهم لتلك الدرجة؟

لا يزال الربط بين التستوستيرون وبين الأداء العالي موضع جدل بين العلماء في مجال الرياضة. إذا يقول جوليان سوفولسكو، البروفسور في أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة أكسفورد، إن التفسير العلمي الذي استند عليه الاتحاد الدولي لألعاب القوى “غير مناسب”.

وأشار بالتحديد إلى دراسة أجريت عام 2017 والتي زعمت أن نسبة التستوستيرون كانت مسؤولة عن تحسن بنحو ثلاثة في المئة في أداء اللاعبة.

وشرح ذلك قائلا: “إنها دراسة واحدة قام بها الاتحاد الدولي لألعاب القوى ولم تنشر البيانات الكاملة من أجل الإعادة من طرف مستقل”.

وأضاف: “لقد ميزوا سامينا عن باقي اللاعبات ولا أعرف سبب ذلك”.

وغالبا ما عبر داعمو سامينيا عن اعتقادهم بأنها ضحية أحكام مسبقة.

واللاعبة الجنوب إفريقية هي مثلية وكانت قد أعلنت عن ذلك، وتزوجت من عداءة اسمها فيوليت رازبويا. وفي شهر يوليو/تموز من هذا العام، أعلنت الاثنتان ولادة ابنتهما.

تعتقد مادلين بيب أن لدى معجبيها حقا في ما يقولونه. وتجادل بأن هناك نساء أخريات في عالم الرياضة لكنهن لم يقعن فريسة التربص بهن مثل ما حدث مع سامينيا. وتضرب مثالا على ذلك السباحة الأمريكية كايتي ليدكي، الحائزة على مجموعة كبيرة من الميداليات والأرقام العالمية.

“سامينيا ليست شخصا استثنائيا أكثر من ليدكي، لكن الجندر الذي تنتمي له ليدكي لم تتم مناقشته علنا. لكن سامينا امرأة سوداء من جنوب أفريقيا وهي مثلية كما أنها تتصرف نوعا ما بطريقة صبيانية. إنها تعبر عن هويتها بطرقها الخاصة بها”.

وتضيف: “لذا فإن المشكلة وبوضوح لا تتعلق بأدائها”.

وبالفعل، لم تفز سامينيا دائما بالمركز الأول. فالبطلة الجنوب إفريقية كانت قد خسرت في سباق 800 متر في كل من بطولة العالم عام 2011 وفي الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012.

وكان أول ذهب تحصل عليه 2017 في عام وذلك بعد سحب اللقب من الروسية مارياسافينوفا بسبب تعاطيها المنشطات.

التصالح مع الماضي

مصدر الصورة
Getty Images

 

في ذاك المؤتمر في بوتسوانا، لم تكن مادلين واثقة ما إذا كانت سامينيا ستتذكر المرة الوحيدة التي التقتها فيها. لذا حملت الأكاديمية الأسترالية صورة جمعتهما معا.

وكانت تلك الصورة قد التقطت في سباق 800 متر عام 2009.

تظهر مادلين في تلك الصورة وهي تركض إلى جانب بقية المتنافسين، في حين أن سامينيا مختبئة نوعا ما وراء لاعبة أوكرانية وأخرى كينية.

إنها صورة لا تزال تعتبرها مادلين بمثابة الكنز، ولكن أضيف لها شيء تقدره كثيرا: إنه توقيع كاستر سامينيا.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى