تقنيات حديثة تساعدنا على معرفة مصادر الأطعمة التي نتناولها
[ad_1]
في سبتمبر/أيلول 2018، شاهد مزارعو البرتقال في البرازيل أول مقطع فيديو لمجموعة من الزبائن الهولنديين الذين كانت ابتسامة الرضا والامتنان تعلو وجوههم. فقد شرب هؤلاء الزبائن عصيرا زرع البرازيليون ثمار البرتقال المستخرج منها على بعد 10,000 كيلومتر من هولندا، وراق لهم مذاقه لدرجة أنهم أرسلوا صورهم للمزارعين تقديرا لجهودهم.
فقد أصبح بإمكان الزبائن الآن تتبع رحلة العصير الذي يشربونه من بلد المنشأ إلى مائدة الإفطار، وأن يروا جميع المحطات التي مر بها في الطريق، وما إن كان يحتوي على ثمار مزروعة في بساتين البرتقال التي تستخدم ممارسات زراعية لا تهدر الموارد الطبيعية. ومن ثم يمكنهم إرسال صورهم إلى المزارعين.
وتكمن الفكرة في مساعدة المستهلك على الربط بين زجاجة العصير وبين مصدر الثمار التي استخدمت في صناعته. وهذه الفكرة، على بساطتها، لها آثار عميقة.
ربما لا يعرف معظم المستهلكين مصادر الكثير من السلع الغذائية التي يتناولونها يوميا، فمن منا يعرف أي الأشجار قطفت منها ثمار البرتقال التي استخدمت في صناعة زجاجة العصير، أو أي البساتين زرع فيها القمح الذي استخدم في صناعة رغيف الخبز على مائدتنا؟
لكن التقنيات الجديدة والأساليب الزراعية التقليدية تسهم في سد هذه الفجوة من المعلومات التي يحتاجها المستهلك. وقد تغير هذه الحاجة إلى المعلومات نظامنا الغذائي من بدايته إلى نهايته.
وظهرت فكرة استخدام “رمز الاستجابة السريعة” لتتبع المواد الغذائية للمرة الأولى في سلسلة متاجر “ألبرت هاين” الهولندية، عندما لاحظت الشركة أن الزبائن يرغبون في معرفة مصدر منتجاتهم. ثم طلبت الشركة المعلومات من شركة “ريفريسكو” التي تورد للشركة عبوات عصير البرتقال.
وتقول نيكول ماكدونالد، مديرة الاتصالات بشركة ريفريسكو: “إن المعلومات كانت موجودة في أنظمة كل شركة على حدة، لكن لم يكن ثمة تواصل بين هذه الأنظمة”. وقد رأت الشركة أن هذه المعلومات، عن البساتين التي قطف منها البرتقال المستخدم في صناعة العصير وعددها، وطرق نقل البرتقال، تثير اهتمام المستهلكين.
وتقول ماكدونالد إن الشركات لم تحمّل المستهلكين التكاليف الإضافية لهذه الخدمة. وأعرب المتسوقون عن سعادتهم ودهشتهم عند رؤية رموز الاستجابة السريعة الجديدة بالتقاط صور لأنفسهم لإرسالها للمزارعين. ولفتت الفكرة أنظار مستهلكين من دول أخرى، لمعرفة مصادر المنتجات التي يشترونها أو استبدالها بعصائر فاكهة من مزارع تستخدم أساليب زراعية لا تؤذي البيئة.
وتقول ماكدونالد إن هذه التقنية تسهم في تقريب المسافات بين المزارعين وبين المستهلكين.
تتبع البيانات
يختلف مذاق ثمار البرتقال من شجرة لأخرى ومن موسم لآخر ومن موقع لآخر، وهذه الحقيقة يعرفها جميع مزارعي البرتقال. لكن إذا زرت متجر البيع بالتجزئة ستجد أن جميع عبوات عصائر البرتقال المرصوصة على الرفوف لها نفس المذاق، على مدار العام حتى لو كان الجليد يكسو الشوارع.
إذ يتيح النظام الغذائي العالمي زراعة المحاصيل في أي مكان في العالم طالما كان المناخ مواتيا لزراعتها، ثم قطفها وتعبئتها وشحنها إلى الزبائن حول العالم الراغبين في شرائها. ولكي تنتج الشركات عصائر لا يتغير مذاقها من أسبوع لآخر، تخلط ثمار البرتقال القادمة من مزارع مختلفة لتحقيق التوازن المطلوب بين المذاق الحلو والحامض.
إذ يتيح لنا النظام الغذائي الحديث الحصول على تنوع غير مسبوق من الثمار وتطابق في المذاق.
لكن هذا النظام لا يخلو من العيوب، منها أن سلاسل الإمداد الغذائي الطويلة والمتشعبة قد تخفي مصادر المنتجات الغذائية إلى درجة أن زبائن المطاعم قد لا يعرفون مصادر اللحوم التي يتناولونها.
وتقول أليكسيس بيتمان، مديرة معمل سلاسل الإمداد المسؤولة بمركز النقل واللوجستات التابع لمعهد ميشيغان للتكنولوجيا، إن “عبوة لحم البقر الواحدة قد تأتي من مئات المصادر المختلفة. ويشيع الغش في قطاع الأسماك، ولهذا يرغب الناس دائما في معرفة مصدر الأسماك قبل شرائها”.
وقد أدرك المستهلكون مؤخرا أن أنظمتهم الغذائية تفتقر إلى البيانات ذات الصلة بجودة المنتج.
وزادت مخاوف الناس في الوقت الراهن من المنتجات مجهولة المصدر بعد وقوع فضائح مدوية في قطاع الأغذية، مثل فضيحة عام 2013، حين اكتشف وجود نسبة من لحم الخيل في منتجات اللحم البقري في أوروبا.
وتقول بيتمان إن المستهلكين الآن أدركوا أنهم أكثر عرضة لتناول منتجات مغشوشة، وذلك لا يرجع إلى تراجع مستوى سلامة الأنظمة الغذائية، إنما إلى زيادة الوعي لدى الناس.
لكن تتبع المنتج من المزرعة إلى الثلاجات ليس سهلا كما يبدو، لأن البائع نفسه قد لا يعرف مصدر المنتجات التي يبيعها. وقد لا يوفر البائع المعلومات عن سلسلة الإمداد الغذائية إلى الزبائن، حتى لو كان يعرفها، درءا للمشاكل.
فقد تحتوي عبوة بسكويت صغيرة على سبيل المثال على 18 مكونا مختلفا، جمع كل منها من مكان مختلف عبر سلسلة إمداد متشعبة. وترى بيتمان أنه باستثناء اللحوم، لا يوجد دليل قاطع على أن الزبائن قد يدفعون سعرا أعلى مقابل الحصول على سلع يمكن تتبع مصدرها من الألف إلى الياء. ولهذا لن تتشجع الشركات على الإفصاح عن هذه المعلومات حتى تتأكد من أن الزبائن سيقبلون دائما على المنتجات التي تحمل قدرا أكبر من المعلومات.
وترى بيتمان أن السوق الآن يتغير، فبعض المتاجر الكبرى شرعت في تخصيص أقسام من الثلاجات للأغذية التي يمكن تتبع مصدرها. وتقول إن زيادة الطلب على هذه المعلومات ستدفع الشركات للعمل على تلبية هذا الطلب.
ولتتبع رحلة البرتقال من البرازيل إلى هولندا، تستعين شركات العصائر بتقنية “بلوك تشين” التي ترتبط في الأذهان بالعملات الرقمية. وهذه التقنية تستخدم أيضا في تسجيل أي نوع من البيانات، مثل عمليات معالجة ثمار البرتقال بعد قطفها.
إذ تسجل تقنية “بلوك تشين” (سلسلة الكتل) البيانات في مجموعة من الكتل التي ترتبط ببعضها في سلاسل رقمية وتختزن في عدة أجهزة كمبيوتر في آن واحد. وتشفر كل كتلة بحيث يستحيل تغييرها أو التلاعب بها من قبل أي طرف. وتستخدم تقنية “بلوك تشين” في تسجيل المعاملات الافتراضية للعملات الرقمية. وتخضع هذه التقنية لتعديلات في الوقت الراهن لتسجيل البيانات عن السلع المادية مثل الطعام.
وتقول إنما بوريلا، التي تنسق مجموعة أبحاث بلوك تشين، بمركز النقل واللوجستيات بمعهد ميشيغان للتكنولوجيا، إن “كل معلومة في بلوك تشين مؤرخة، فهي ليست كقواعد البيانات التقليدية التي تتيح للمستخدم الدخول وتعديل البيانات، بل تضيف التقنية بنفسها بيانات جديدة باستمرار. وتتيح للمستخدم تسجيل جميع الأماكن التي مر عليها المنتج والمؤسسات المختلفة التي عالجت هذا المنتج”.
لكن بوريلا يقول إن تسجيل العمليات الخاصة بمعالجة سلع مادية يتطلب نقل العالم المادي إلى العالم الافتراضي بدقة للتأكد من أن هذه البيانات مطابقة للواقع وليست ناتجة عن خطأ بشري.
عودة للجذور
أما في الصين، فإن المستهلكين لا يحتاجون لتقنيات متطورة لتتبع مصادر الأطعمة، بل يكفيهم فقط زيارة المزرعة على بُعد 70 كيلومترا من بكين للتعرف على مصادرها.
وفي عام 2012، دشنت شي يان، أول مزرعة في الصين تتبنى نموذج الزراعة المدعومة من المجتمع، وتوفر المزرعة الآن المحاصيل الزراعية لألف أسرة. ويتيح هذا النموذج للأسر الاشتراك في مزرعة للحصول على الخضروات والفاكهة لمدة سنة، ويدفعون جزءا من المبلغ المطلوب مقدما.
والهدف من هذه الدفعة المقدمة أن يشعر المستهلك أنه يتحمل جزءا من المخاطر مع المزارع. وتقول شي، إن معظم المزارعين يشترون البذور والسماد التي تكفيهم للسنة بأكملها، ومن الصعب على صغار الحائزين توفير المال للازم لشراء هذه الكميات.
وترى أن المستهلك يشارك بهذه الدفعة المقدمة في تكلفة زراعة الطعام الذي يحتاجه. ويعطي هذا النموذج الحق للمزارع في تسعير المحصول بنفسه لعدم وجود وسيط بين المزارع والمستهلك.
ولا يرتبط المستهلك بالمزرعة ماليا فقط، بل بإمكانه أيضا زيارة المزارع في بعض الأيام لمشاهدة ثمار الكمثرى والكرز والخوخ وغيرها من الخضروات والفاكهة التي يزرعها نحو 50 إلى 70 مزارعا على مساحة 20 هكتار في 30 صوبة زراعية. ويضعها المزارعون في صناديق لإرسالها إلى المنازل في بكين. وتربي المزرعة أيضا الدجاج والخنازير.
وتقول شي: “زبائننا يعرفون كل شيء عن الطعام الذي يأكلونه وكيفية إنتاجه، وهذا يشجعهم على الحد من هدر الطعام. ويأكل بعض الزبائن محاصلينا منذ ثلاث أو أربع أو ست سنوات، وتربى أطفالهم على محاصلينا. وعندما يزورون المزرعة يشعرون بوجود علاقة وثيقة تربطهم بها، ويشعر مزارعونا بالمسؤولية أيضا حيال المستهلك”.
ويستخدم المزارعون أساليب تجمع بين المعرفة الحديثة والممارسات الصينية القديمة. وتقول شي إن “تاريخ الزراعة في الصين يمتد لأكثر من 5000 عام، وكان أجدادنا يستخدمون ممارسات زراعية تسمى اليوم عضوية أو مستدامة، فقد كانوا يصنعون السماد العضوي من نفايات الطعام وروث الحيوانات”.
ويتمثل الهدف من هذا المشروع في الاستفادة من الممارسات القديمة في الزراعة التي لا تؤذي البيئة وإثرائها بالمعلومات المستمدة من التقنيات الحديثة. وتقول شي: “عملنا من البداية مع مزارعين أغلبهم في سن الخمسين إلى السبعين، لا يزالون يتذكرون الممارسات القديمة حين كانوا يتجنبون استخدام السماد الكيميائي والمبيدات الحشرية. لكن الفارق أننا نزرع الآن 80 نوعا من الخضروات في السنة لأننا نستخدم المعلومات المتاحة على الإنترنت”.
ويوجد الآن في الصين 1,000 مزرعة تتبنى نموذج الزراعة المدعومة من المجتمع. وتعقد شي دورات تدريبية للمزراعين، شارك فيها 107 مزراعين.
ويعتمد هذا النموذج للزراعة التشاركية بين المجتمع والمستهلك على إتاحة الفرصة للمستهلك لدخول المزرعة وطرح أسئلة عن كل ما يريد معرفته عن طرق إنتاج الطعام. لكن إذا كان مصدر الطعام يبعد مسافات طويلة عن المستهلك، فإن البائع ينبغي أن يقرر أي المعلومات سيحتاج المستهلك لمعرفتها. وترى بيتمان أن وضع الكثير من المعلومات على المنتج قد يأتي بنتائج عكسية لأنها تصبح بلا جدوى.
وتقول بيتمان: “قد يعرف البائع عدد غرامات ثاني أكسيد الكربون في كل منتج، لكن هل سيهتم المستهلك بمعرفة هذه المعلومات؟”
ولكل مستهلك احتياجاته ومتطلباته الخاصة، فبعضهم يكرة الإضافات ويخشى من تلوث المياه، وبعضهم يهتم بمعايير العمالة وسلامة الطعام أو يعاني من الحساسية من بعض المكونات. وقد بدأت الشركات في الاستجابة لهذه المخاوف الصحية، إذ اتجهت بعض الشركات لإضافة مواد تحلية طبيعية من سلالة ستيفيا الجديدة إلى المشروبات الغازية.
وترى بوريلا أن جدوى التقنيات الجديدة ستتوقف على المعلومات المفيدة التي تسجلها. فإن تحديد مصدر اللحوم على سبيل المثال قد يتطلب فحص الحمض النووي، ولكن تكلفة هذا الفحص ستكون باهظة. وتقول: “قد نحتاج لتقييم مردود هذه التحليلات قياسا بتكلفتها”. فقد لا يكون إجراء هذه التحليلات المكلفة لثمار التفاح على سبيل المثال مجديا.
وترى بيتمان أن تقنيات تتبع مصادر الطعام ستنخفض تكلفتها مع الوقت، وتتيح للمتسوقين فرصة الحصول على المعلومات التي يحتاجونها. وتقول إن في سلاسل الإمداد، عندما يدشن أحد المنافسين خدمة أو تقنية جديدة، حتى تصير معيارا بين التجار في هذا القطاع، ستنخفض الأسعار وتسير الشركات الأخرى على خطاه.
وقد تقرر الشركات تتبع مصادر منتجاتها الغذائية لأسباب أخرى، مثل تخفيض التكاليف غير المباشرة، وتقليل هدر الطعام، أو معرفة سبب التأخير في وصول الشحنة.
لا شك أن تبادل الصور بين المستهلكين والمزارعين لا يقارن بزيارة المزرعة ومعاينة المحاصيل، لكن إذا كان مصدر الطعام بعيدا عن المستهلك، فإن هذه الصور قد تسهم في تقريب المسافات بين المستهلك وبين الطعام الذي يتناوله.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link