لماذا تشكل النفايات البلاستيكية مادة مثالية للبناء؟
[ad_1]
يشكل التخلص من المواد البلاستيكية المستعملة، مشكلة عالمية لا تخفى على أحد. فمن أعالي الجبال إلى أعماق المحيطات، يبدو وجود النفايات البلاستيكية أمرا لا مفر منه. المشكلة أن البلاستيك، وهو مادة غير قابلة للإتلاف تقريبا في الظروف الطبيعية، يتم التخلص منه بكميات هائلة – بعد استعماله – في مختلف أنحاء المعمورة.
وتبلغ كمية المواد البلاستيكية، التي تُنتج سنويا في العالم قرابة 359 مليون طن. وتتمثل المشكلة في أنه لا يمكن للعوامل البيئية التعامل مع مخلفات هذه المواد بسرعة، تكفي للحيلولة دون أن تضر بالكائنات الحية.
وقد أدى ذلك إلى تبلور إجماع مفاده أن البلاستيك يشكل مادة غير مستدامة من الوجهة البيئية. لكن بالرغم من أن المواد البلاستيكية تشكل بالقطع مشكلة هائلة بالنسبة لنا حاليا، فإن ذلك ليس قدرا محتوما.
فالمشكلة الرئيسية في هذا الصدد لا تتعلق بالبلاستيك نفسه كمادة، وإنما بما يُعرف بـ “النموذج الاقتصادي الخطي” السائد في العالم، والذي يتألف من مراحل؛ تبدأ بإنتاج السلعة وتمر باستهلاكها وتنتهي بالتخلص منها. ويفترض هذا النموذج أن النمو الاقتصادي لا ينتهي، ولا يضع في اعتباره الطابع غير المتجدد لكثير من موارد كوكبنا.
غير أن هناك العديد من السبل التي يمكن لنا من خلالها، وضع البلاستيك في دورة حياة مختلفة. ومن بينها طريقة أعكف على العمل عليها، وتتمثل في تحويل المواد البلاستيكية المستعملة، إلى مواد بناء شديدة القدرة على الاحتمال، وموثوق بها، ومستدامة كذلك.
في الوقت نفسه، يعتقد معظم الناس أن ثمة الكثير من الصعوبات والقيود، التي تكتنف عملية إعادة تدوير المواد البلاستيكية، وأن أنواعا قليلة منها، هي فقط التي تصلح لذلك. وليس ذلك بالأمر المفاجئ، على كل الأحوال. ففي بريطانيا مثلا، لا يتم إعادة تدوير سوى كمية محدودة للغاية من المخلفات البلاستيكية. فمن بين خمسة ملايين طن تُستخدم في هذا البلد سنويا، لا يُعاد تدوير سوى 370 ألف طن تقريبا، أي ما لا يتعدى سبعة في المئة
ويتنافى ذلك مع الحقائق العلمية، التي تفيد بأن كل البوليمرات صالحة لإعادة التدوير – تقنيا – بنسبة 100 في المئة. لكن بينما تتسم بعض هذه المواد بالقابلية لذلك بشكل مثالي، إذ يمكن إعادة الاستفادة منها مرات تلو أخرى لإنتاج العناصر نفسها، يتعين تقطيع البعض الآخر، إلى شرائح وإذابته كي يتسنى تدويره.
وربما تتسم المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها، بأنها ذات “خصائص ميكانيكية” أقل من تلك التي تتحلى بها نظيرتها التي لم تمر بعملية إعادة التدوير، نظرا إلى الضعف الذي يصيب السلاسل البوليمرية في كل مرة يتعرض فيها البلاستيك للإذابة وإعادة المعالجة.
لكن هناك طريقة لاستعادة هذه الخصائص، من خلال تعزيز قوة المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها، عبر مزجها ببلاستيك لم يُعد تدويره، أو بمواد أخرى. ومن بين الأمثلة الناجحة على ذلك، نوع من أنواع ألياف النسيج الاصطناعي، يحمل اسم “بولي إيثيلين تيرفثالات”، والذي يستخدم في تصنيع قوارير المشروبات الغازية، وإنتاج مادة البوليستيرين العازلة للحرارة.
أما باقي المواد البلاستيكية، فبالإمكان – فنيا – إعادة معالجتها لتتحول إلى مواد أخرى، يمكننا الاستفادة بها في استخدامات مختلفة. وهكذا يمكن القول إجمالا، إن أي مخلفات بلاستيكية، قابلة لأن يتم تقطيعها لشرائح، واستخدامها لملء أي فراغات في الأسفلت الذي يتم به تعبيد الطرق مثلا، أو تحليلها بالحرارة لإنتاج وقود. وفي الوقت الحاضر، تبيع شركة يابانية أجهزة محمولة، تتولى تحويل النفايات البلاستيكية المنزلية، إلى وقود بطريقة بسيطة وبتكاليف معقولة.
المشكلة تتمثل في أن إعادة تدوير الجانب الأكبر من هذه المخلفات البلاستيكية، ليس ممكنا في الوقت الحالي، وغير مربح أيضا. ولذا يعتبر خبراء قطاع إعادة التدوير، المواد المُكوّنة من بوليمرات مثل المطاط واللدائن واللدائن المضادة للحرارة والمخلفات البلاستيكية المخلوطة بمواد أخرى، غير قابلة للتدوير من الأصل. وتشير التقديرات إلى أن هذه المواد موجودة في شتى أنحاء العالم، بكميات هائلة على نحو مخيف، بل وبشكل يتزايد باطراد كذلك. فماذا لو بات بوسعنا الانتفاع منها لتصنيع شيء ما مفيد للمجتمع؟
وفي الوقت الحالي، تحاول الكثير من الجامعات ورجال الأعمال تحقيق هذا الهدف. وتستهدف غالبية الوسائل المتبعة في هذا الشأن، المخلفات البلاستيكية المختلطة بمواد أخرى، وتسعى للانتفاع بها في أغراض، تختلف عن تلك التي كانت تُستخدم فيها في الأصل، قبل أن تتحول إلى مواد مستعملة. ومن أمثلة ذلك، ما تم ابتكاره من طرق، لتطوير مواد بناء باستخدام نفايات بلاستيكية.
فالبلاستيك يتسم بأنه قوي وقادر على التحمل ومقاوم للمياه وخفيف الوزن وتسهل إعادة تشكيله، كما أنه قابل لإعادة التدوير؛ أي أنه يتمتع بكل الخصائص الرئيسية، لأي مادة من مواد البناء. ويطرح هذا تساؤلا مفاده: ما الذي سيكون الحال عليه إذا أصبح بمقدورنا تحويل كل هذه المخلفات البلاستيكية إلى مواد بناء، من شأنها خدمة الشرائح الأقل دخلا في المجتمع؟ لكن علينا الإشارة هنا إلى أنه بالرغم من أن المشروعات الجارية في هذا الإطار واعدة، فإنها لا تزال غير قابلة للتعميم، على نطاق صناعي.
بالنسبة لي، يتمثل الغرض من دراستي للنفايات البلاستيكية، في إيجاد سبل تكفل تخليص البيئة منها. ومنذ عام 2009، نجحت في تطوير عدد من مواد البناء، التي جرى تصنيعها من مواد بلاستيكية مستعملة، مُزِجَت بمخلفات مواد أخرى. وتضم قائمة المواد التي أُضيفت للنفايات البلاستيكية لتصنيع قوالب طوب وبلاط للأسقف وخشب منشور مصنوع من البلاستيك وغير ذلك من العناصر المفيدة لعمليات البناء؛ كلا من تفل قصب السكر – وهو منتج ثانوي لصناعة السكر في البرازيل – وتفل القهوة. كما تضم القائمة المواد التي تتخلف عن عمليات البناء وتحضير الخرسانة.
ويعكف فريقنا حاليا على تطوير كتل بناء قابلة للاستخدام، مصنوعة من مواد بلاستيكية مُعاد تدويرها. وقد أعددنا مجموعة من العناصر التي يمكن الانتفاع بها لهذا الغرض، مستخدمين في ذلك مزيجا من البلاستيك الذي لم يتعرض قط لإعادة التدوير، وذاك المعاد تدويره. ومن بين هذه المواد، القوارير الملونة للمشروبات الغازية المصنوعة من ألياف الأنسجة الاصطناعية، والبولي بروبيلين، والبولي إثيلين، بجانب عناصر مثل نبات القنب ونشارة الخشب، ومخلفات تحضير الخرسانة، والطين الأحمر.
وفي الفترة الحالية، نعكف على تعديل خصائص المواد، كي تصبح قابلة للخضوع لعملية “قولبة”، وهي تلك العملية التي تتم عبر حقن مواد بلاستيكية منصهرة، في قالب معد لذلك مسبقا على شاكلة المُنْتَج الذي يُراد الحصول عليه. ويعد ذلك أسلوبا مثاليا، لتصنيع أغراض بلاستيكية كبيرة الحجم مجوفة من الداخل. ونسعى لأن نستخدم في هذه العملية، أكبر كمية ممكنة من المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها.
وفي الفترة الحالية، تحتوي الكتل التي نُصنّعها بتلك الطريقة، على 25 في المئة من البلاستيك المعاد تدويره؛ الذي أثبت كفاءته وقدرته البالغة على التحمل، خلال الاختبارات الميكانيكية التي أُخضع لها. وسنسعى خلال الفترة المقبلة، لزيادة هذه النسبة إلى 50 في المئة ثم إلى 75 في المئة وصولا إلى أن تصبح الكتلة كلها من المواد البلاستيكية التي أُعيد تدويرها.
ولا نغفل في هذه العملية، الجوانب الجمالية لتلك الكتل، إذ أن مزج مواد بلاستيكية مختلطة الألوان مع بعضها بعضا، يؤدي إلى أن تصبح الكتلة في نهاية المطاف ذات لون أسود أو رمادي. ولكي نضمن أن تصطبغ هذه الكتل بألوان أخرى، نُحضِّر الآن لطلاء الجانب الأكبر منها، بأخلاط من البلاستيك الذي لم يُعد تدويره، وذاك الذي تعرض لذلك.
ويعني ذلك – كما أشرنا من قبل – أن البلاستيك لا يمثل مشكلة بالضرورة، بل يمكن أن يكون جزءا من طريق، يقودنا إلى أن نعيش على نحو أكثر استدامة، وتوافقا مع البيئة، في ضوء أن استخدام مورد طبيعي أو متجدد، لا يشكل حتما أمرا إيجابيا من الوجهة البيئية. فالأثر البيئي لمادة بوليمرية، مثل البلاستيك، أقل من ذاك الذي تُخلّفه مواد طبيعية، تشكل ضغطا لا يُستهان به، على الأراضي الصالحة للزراعة، والمياه النقية والأسمدة وغيرها.
ووفقا لما يقوله مركز “غلوبال فوتبرينت نيتوورك” للأبحاث الخاصة بمسألة الاستدامة؛ كانت الأنشطة التي قمنا بها في الفترة السابقة لتفشي وباء كورونا، تتطلب استهلاك الموارد المتاحة على كوكبنا، بواقع 1.75 مرة. وقد تؤدي محاولات الاستفادة من المخلفات “غير القابلة للتدوير”، وتطوير بدائل بلاستيكية للمواد الطبيعية، إلى تقليل الاحتياج لاستنزاف الموارد الموجودة على الأرض، وترك هذا الكوكب للأجيال القادمة؛ أقل تلوثا وأكثر استدامة.
وحتى الآن لم يتم استخدام مواد البناء المصنوعة من المخلفات البلاستيكية المُعاد تدويرها، على نطاق واسع في قطاع الإنشاءات. فالنماذج التجريبية التي أُعِدَت في هذا المجال، استُخْدِمَت في الأساس في أبنية إيضاحية. ويستلزم ضخ مزيد من الاستثمارات، للاستفادة من المزايا الكامنة في عملية إعادة تدوير البلاستيك ، توافر الإرادة السياسية ومستوى مرتفع من الوعي البيئي.
لكن من المأمول أن تكون التوجهات السائدة في هذا الشأن عالميا، قد بدأت في التغير، وذلك في ظل التأثير الناجم عن الضغط المتزايد الذي يمارسه الرأي العام على صعيد مشكلة التلوث البلاستيكي. وهكذا فبفضل تفاعل الحكومات وممثلي القطاعات الصناعية المختلفة، مع فكرة “الاقتصاد الدائري” الذي يستهدف القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد، يبدو أنه ستكون هناك فرصة في الأسواق وفي أذهان الناس أيضا، للترحيب باستخدام النفايات البلاستيكية، للحلول محل مواد البناء التقليدية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link