حماية البيئة: حلول مبتكرة لحماية المدن الساحلية من الغرق والحفاظ على الحياة البحرية
[ad_1]
يعد جسر تشوهاي-ماكاو، بهونغ كونغ، الذي افتتح في عام 2018، أحد أعظم الإنجازات الهندسية في العصر الحديث، إذ يمتد لمسافة 55 كيلومترا وبلغت تكلفته 20 مليار دولار. ولا شك أن عبور أطول جسر بحري في العالم له مزايا عديدة. لكن هذا المشروع العملاق، كشأن غيره من مشروعات البناء المبهرة، كانت له تبعات سلبية.
إذ استخدم في بناء هذا الجسر ما لا يقل عن مليون طن من الخرسانة على مدى ثماني سنوات. ودمرت الخرسانة مواطن الدلافين الوردية المهددة بالانقراض، ويقال إنها السبب في وجود دلافين نافقة على الشواطئ القريبة وانخفاض أعدادها بالقرب من الجسر بنسبة 60 في المئة.
لكن الدلافين لم تكن الضحية الوحيدة، فكلما زادت كميات الخرسانة التي تصب في المحيط، زاد تأثيرها على أنواع الكائنات البحرية ومواطنها.
وهذا الدمار هو ثمن استخدام الخرسانة، التي تعد أكثر المواد الاصطناعية استخداما على وجه الأرض. إذ يبلغ نصيب الفرد من الخرسانة سنويا ثلاثة أطنان.
ويسهم إنتاج الأسمنت، الذي يمثل أحد المكونات الرئيسية للخرسانة، بنسبة ثمانية في المئة من الإجمالي السنوي العالمي لانبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية. وتنتج صناعة الأسمنت نحو 2.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
وتُستخدم الخرسانة في جميع المباني والمنشآت تقريبا التي تقام في المحيطات، إذ تمثل أكثر من 70 في المئة من البنية التحتية البحرية والساحلية، مثل الموانئ والمنشآت والحواجز التي تحمي السواحل من النحر والتآكل والواجهات البحرية.
وتمثل الخرسانة نحو 60 في المئة من سواحل الصين، وتغطي أكثر من 14 ألف ميل من خط الساحل الأمريكي.
ويقول أليكس روجرز، مدير قسم العلوم بمؤسسة “ريف أوشن” التي لا تهدف للربح، ويجري أبحاثا عن صحة المحيطات وطرق رفع الوعي بتبعات الأنشطة البشرية على البيئة البحرية: “إن الخرسانة تدمر النظم البيئية في المحيطات. إذ تعد الخرسانة مادة تقليدية منخفضة التكلفة”.
ويرى روجزر أن البحث عن مواد بديلة أقل تأثيرا على البيئة أصبح ضروريا لتنفيذ مشروعات تنمية بطرق أكثر استدامة، سواء كانت مشروعات استصلاح أراض ساحلية أو غيرها من مشروعات البناء.
ومن بين هذه البدائل المقترحة، الخرسانة الصديقة للبيئة التي طُرحت تجاريا تحت اسم “إيكونكريت”، وشاركت في تطويرها عالمة البيئة البحرية، شيمريت بيركول- فينكل، بهدف حماية السواحل والموارد البحرية.
وتصنّع هذه الخرسانة باستخدام خليط من مواد معاد تدويرها ومنتجات ثانوية. ويمثل أسمنت خبث الحديد، الذي يصنع من مخلفات مصانع الحديد والصلب، 70 في المئة من هذه الخرسانة. ويتميز هذا الأسمنت بقدرته على تحمل الكلوريد. وتنتج هذه الخرسانة كميات أقل من انبعاثات الكربون.
لكن ملمس الخرسانة أيضا تحت المياه قد يؤثر على الحياة البحرية، فالأسطح الخرسانية الملساء للحواجز البحرية لا تصلح موطنا للكائنات البحرية. وقد يساهم إجراء بعض التعديلات على الحواجز البحرية، مثل تركيب بلاطات وألواح صديقة للبيئة تتضمن عدة فتحات وشقوق وثقوب، على اجتذاب الكائنات البحرية لتستوطن هذه الحواجز وتختبئ بين فتحاتها من الأسماك المفترسة.
وقد استخدمت هذه البلاطات بشكل ناجح في هونغ كونغ، التي دأبت على استصلاح الأراضي البحرية منذ سنوات عديدة مع توسع النمو العمراني. إذ تخضع في الوقت الراهن أربعة حواجز أمواج خرسانية في الأراضي المستصلحة حديثا لعمليات إصلاح وتطوير لتقليل ضررها على البيئة، من خلال تركيب بلاطات أو ألواح صديقة للبيئة ووحدات لحماية برك المد والجزر.
وكشف فحص مبدئي لحواجز الأمواج الاصطناعية غربي هونغ كونغ أن هذه البلاطات الصديقة للبيئة أسهمت في مضاعفة أنواع الكائنات البحرية. ويقول كينيث ليونغ، أستاذ علم البيئة المائية وعلم السموم بجامعة هونغ كونغ، إن هذه البلاطات المزودة بفتحات وشقوق أسهمت في زيادة التنوع الحيوي البحري.
ويجري الآن تنفيذ أول شاطئ صديق للبيئة في هونغ كونغ، والذي يمثل جزءا من مشروع استصلاح 130 هكتار لإقامة مبان سكنية. وسيستخدم في بناء الشاطئ الجديد طوب حيوي مصمم لإيواء الحيوانات البحرية، مثل السلطعون والرخويات، ليكون بديلا لمواطنها الطبيعية التي فقدت جراء استصلاح الأراضي البحرية.
وصُمم الطوب الحيوي ليحاكي بيئة نطاقات المد والجزر- حيث يلتقي البحر مع اليابسة أثناء المد والجزر- لتوفير موطنا ملائما للكائنات البحرية. علاوة على أن درجة حموضة الخرسانة التي تستخدم في تصنيع الطوب الحيوي، تقترب من درجة حموضة مياه البحر قياسا بالرقم الهيدروجيني، وذلك لأن هذه الخرسانة تتكون في الغالب من مواد أسمنتية بديلة للأسمنت البورتلندي، مثل الأسمنت المصنوع من خبث الحديد.
ويساعد الرقم الهيدورجيني المحايد للطوب الحيوي في تعزيز نمو الأنواع البحرية التي تستوطن برك المد والجزر، مثل السلطعون والرخويات والمحار.
ويقول ليونغ إن الرقم الهيدروجيني لمياه البحر يبلغ 8 تقريبا، وهو الرقم المناسب لنمو الكائنات البحرية، في حين أن الرقم الهيدروجيني للأسمنت التقليدي يتراوح بين 12 و13، ولهذا لا يصلح لتكاثر الكانئات البحرية. أما الطوب الحيوي فله رقم هيدروجيني يتراوح بين 9 و10، ولهذا يعد بيئة مناسبة للكائنات البحرية.
وتستخدم منتجات “إيكونكريت” في ثماني دول بالفعل، من حواجز الأمواج في هونغ كونغ إلى ميناء روتردام.
لكن بعض العلماء يرون أن الطوب الحيوي المصنوع من خرسانة صديقة للبيئة ليس مجديا في جميع الأحوال. وتقول بيث سترين، المحاضرة في علم الأحياء البحرية، إن الأدلة التي تثبت مزايا الخرسانة الصديقة للبيئة في تحسين نمو وتكاثر الكائنات البحرية، لا تزال مختلطة.
وترى سترين أنها قد تكون أكثر فعالية في بعض المواقع دون غيرها. وأجرت سترين تجارب في 15 ميناء حول العالم باستخدام نفس النوع من الخرسانة الصديقة للبيئة.
وتقول إن النتائج كانت إيجابية في الغالب، لكنها لم تلحظ أي تأثير على الحياة البحرية في بعض المواقع، مثل ماليزيا، حيث لم يسهم استخدام الطوب الحيوي في زيادة تنوع الكائنات البحرية، رغم أنه يتضمن فتحات من المفترض أنها تحافظ على الرطوبة وتصلح لإيواء الكائنات الحية.
وتعزو سترين ذلك إلى أن هذه المنطقة تكثر فيها الأعاصير المدارية، وقد لا تكون هذه الفتحات في الخرسانة هي الحل لتحسين التنوع الحيوي، فلكل منطقة تحدياتها المناخية الخاصة.
وأجرت لويز فيرث، المحاضرة في علم البيئة البحرية بجامعة بليموث، دراسة عن الخرسانة الصديقة للبيئة، وخلصت إلى أن درجة الحموضة المنخفضة لهذا النوع من الخرسانة، لم تسهم في زيادة تنوع الكائنات البحرية لا في المملكة المتحدة ولا في سنغافورة.
واقترح باحثون في المقابل، استخدام الأسمنت الحيوي، الذي يصنّع عن طريق خلط الرمال بالبكتيريا، واليوريا، أحد مكونات البول. إذ تحفز اليوريا البكتريا على إفراز الكالسيت، أحد أشكال كربونات الكالسيوم، لربط الخليط ببعضه وتحويله إلى مادة صلبة تشبه الحجر الجيري.
ويقول روجرز إن الأسمنت الحيوي يقلل تأثير حواجز الأمواج السلبي على البيئة ويسهم في حماية الشواطئ من التآكل. وفي الوقت نفسه ينتج ثلث كميات ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها الخرسانة المعتادة.
وطُرحت أيضا فكرة الخرسانة الحيوية، التي تضاف إليها بكتيريا موجبة الغرام (سبوروسارسينا باستوراي) لها القدرة على ترسيب كربونات الكالسيوم، مع أحد أنواع النشا لتتغذى عليها البكتيريا. وتظل هذه البكتيريا خاملة في الخرسانة حتى يحدث شق ويتسرب منه الهواء، وهذا التغيير ينشط البكتيريا لتتغذى وتنمو وتتكاثر، ثم تفرز كربونات الكالسيوم الطبيعي الذي يسهم في ربط الخرسانة ومعالجة الشق. أي أن هذه الخرسانة لها القدرة على إصلاح نفسها ذاتيا.
وثمة حلول طبيعية أيضا لحماية الشواطئ من التآكل، مثل مروج الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية وغابات المنغروف والمستنقعات الملحية وغيرها من المستنقعات. فهذه المواطن تزداد ارتفاعا طبيعيا وقد تتمدد نحو اليابسة في حالة ارتفاع منسوب البحر لتوفر حماية دائمة للشاطئ.
وربما تصبح الحواجز الطبيعية هي الحل الأمثل، لأن المباني الخرسانية في المحيط قد تواجه مشاكل متزايدة بسبب تغير المناخ. إذ يتوقع العلماء أن يرتفع منسوب البحر أكثر من متر في السنوات الـ 80 القادمة مما يؤدي إلى انهيار حواجز الأمواج وغيرها من البنى التحتية الساحلية.
ويقول روجرز إن الحلول المستمدة من الطبيعية يمكنها إصلاح نفسها ذاتيا لمواكبة الارتفاع في منسوب البحار.
وفي الساحل الشرقي للمملكة المتحدة، ثمة توجه نحو استخدام الحلول الطبيعية لحماية السواحل واستخدام الخرسانة فقط عندما تقتضي الضرورة، بعد أن تبين أن المضي في تشييد حواجز خرسانية لحماية السواحل لم يعد مجديا اقتصاديا لأنها ستنهار وتضعف آجلا أو عاجلا بسبب التغيرات المناخية.
وتمتاز الحواجز الطبيعية بالتنوع الحيوي، ففي المملكة المتحدة تعد هذه المستنقعات موطنا للمحار والرخويات والأسماك والأسماك القشرية وبعض النباتات التي تتحمل درجة الملوحة العالية. فضلا عن أنها تمتص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، فقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون تفوق قدرة الغابات المطيرة على امتصاصه بنحو 40 مرة.
ويرى روجرز أن المهندسين ينبغي أن يأخذوا في الاعتبار توظيف الطبيعة في حماية السواحل من التآكل على المدى الطويل، لأنهم سيعجزون مستقبلا عن توفير تكاليف بناء الحواجز الخرسانية وإصلاح ما تهدم منها بسبب ارتفاع مناسيب البحار.
وربما يكون الحل الأمثل هو التوقف عن استصلاح الأراضي الساحلية. لكن من الواضح أن الخرسانة ستظل المكون الأساسي في البنى التحتية الساحلية إلى أن نجد بديلا منخفض التكلفة لها أو تتسع رقعة الحلول المستمدة من الطبيعة.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link