فيروس كورونا: هل تشعرون بالضجر من الإغلاق؟ عذرا، آخرون استمتعوا
[ad_1]
مرت شهور على ظهور فيروس كورونا ليتفشى حول أرجاء العالم، واضطر الملايين لالتزام قيود واجراءات وقائية صارمة، فخسر الآلاف وظائفهم وتكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة.
لكن هل هذا يعني أنه لم تكن هناك أي تأثيرات إيجابية لتفشي الفيروس على حياة الأفراد؟ هل وحدها البيئة و الحياة البرية هي من استفادت بسبب الإغلاق؟ وهل المقاطع المصورة للشواطئ والمحال التجارية التي أعيد فتحها في دول شتى وهي مكتظة تدل على أن فترة الإغلاق كانت قاسية ومملة بالنسبة للجميع؟
الإجابة لا، فبعضهم استمتع بفترة الإغلاق وحقق “مكاسب” خلالها لم تكن لتحدث لولا هذا التوقف المفاجئ “للمطحنة” كما تسميها إيمان عثمان الطبيبة المقيمة في القاهرة.
تقول إيمان إنه بالرغم من صعوبة هذه الفترة بسبب الخوف على الأهل والأولاد والقلق بشأن المستقبل في مواجهة فيروس غير معروف، وتزايد أعباء العمل بحكم أنها متخصصة بالتحاليل الطبية، إلا أنها كانت المرة الأولى منذ سنوات التى تتمتع فيها بهذه المرونة في مواعيد العمل حيث كانت تعمل 3 أيام في الأسبوع بدلا من 5 أيام، أو تعمل لأسبوع كامل في مقابل أن تتغيب في الأسبوع التالي دون أن يتأثر راتبها.
وتضيف إيمان” كنت منهكة بسبب إيقاع الحياة السريع ومتطلبات البيت والعمل، كنت أحتاج لبعض الهدوء، إذ لم يكن لدي أي وقت للتفكير في نفسي أو للراحة أو لقضاء وقت مع أسرتي، وهذا ما تحقق بفضل تفشي فيروس كورونا خلال الشهور الماضية”.
“توقف شعوري بالذنب”
تقضي إيمان، البالغة من العمر 32 عاما، ما يقرب من 3 ساعات يوميا في التنقل من العمل وإليه، بالإضافة إلى 8 ساعات عمل، أي أنها تقضي تقريبا نصف يومها بعيدة عن أولادها.
وتقول ” كان لدي شعور دائم بالذنب لأني كنت اضطر لترك ابني الذى لم يتجاوز عامه الأول، وابنتي ذات الخمسة أعوام للذهاب للعمل يوميا ، لكن خلال فترة الإغلاق أصبحت أمضي أياما كاملة معهما، أخيرا استطيع اللعب ومشاهدة الكارتون المفضل لديهما في أى وقت دون مراقبة عقارب الساعة للنوم مبكرا أو لمغادرة المنزل”.
ولم تفرض مصر إغلاقا شاملا كما حدث في فرنسا وبريطانيا والسودان وإيطاليا و إسبانيا وكازاخستان وغيرها، ولكن تم فرض إغلاق جزئي في مارس/ آذار الماضي تضمن حظرا ليليا للتجول وتعليق المدارس والجامعات ووقف الرحلات الجوية وإغلاق المطاعم ومراكز التسوق ودور العبادة، والأهم هو تشجيع تدابير العمل عن بعد وتخفيف حجم العمالة في معظم المصالح والهيئات، وهى الإجراءات التى تم تخفيفها في شهر مايو/ أيار الماضي.
وبفضل هذه الإجراءات، بحسب إيمان، عاد الدفء الأسري للمنازل دون الضغط على الموارد الاقتصادية للأسر وهى المعادلة التى طالما كانت “مستحيلة ” قبل تفشي فيروس كورونا، وأصبح هناك وقت وطاقة للقيام بأنشطة جماعية مع الأسرة فمثلا ” تحول الطبخ من مهمة يجب إنجازها بأسرع وقت ممكن بعد يوم منهك وطويل إلى مساحة للإبداع والتجريب وإضفاء البهجة”.
وتتمنى الطبيبة المصرية أن تستمر هذه الحالة من “المرونة والهدوء، والاهتمام بصحتنا وسعادتنا لأنه مفيش حاجة مستاهلة”، لكن بلا خوف أوترقب كالمصاحب لتفشي فيروس كورونا . لكن يبدو أن هذه الحالة أوشكت ” للأسف” ، كما تقول إيمان، على الانتهاء مع مزيد من تخفيف إجراءات الإغلاق في مصر وعودة الحياة لطبيعتها نسبيا.
“تعرفت على ابنتي”
وبالرغم من أن وضع سارة (فضلت الاكتفاء باسمها الأول) يختلف عن إيمان، فهى ربة بيت ولا تمضي ساعات طويلة في المواصلات والعمل خارج المنزل. ولا يتحكم العامل الاقتصادي كلية في نمط حياتها، إلا أنها ايضا ” استمتعت ” بفترة التباعد الاجتماعي.
وتقول هذه الفترة “أوقفت “جري الوحوش” الذى كنت أمارسه يوميا ، منذ الخامسة صباحا وحتى الحادية عشرة مساءا ، بين أعداد الطعام للأولاد، إلى انتظارهم بعد انتهاء اليوم الدراسي لبدء رحلة الشقاء اليومية، وتوصيلهم للدروس الخصوصية ثم للتمارين الرياضية، ثم العودة سريعا للبيت للشجار بشأن إنجاز الواجبات المدرسية والنوم مبكرا، وبذلك ينتهي يومهم لأواصل القيام بأعمال المنزل المعطلة، وهكذا بلا توقف”.
خلال هذا اليوم المشحون ، كما تصفه سارة لم يكن لديها أكثر من نصف ساعة يوميا للتحدث مع زوجها.
وتقول “منها ربع ساعة كل منا يمسك بهاتفة لأننا غير قادرين على التحدث، أما ربع الساعة الأخرى فنحاول فيها حل أي مشكلة عالقة قبل الخلود للنوم ، استعدادا ليوم جديد”.
بفضل هذه الفترة اكتشفت سارة – البالغة من العمر 38 عاما – أن ابنتها مريم ذات الـ 11 سنة تحب الرسم كثيرا، وهو الأمر الذي لم تلحظة من قبل، حيث لم يكن يمضيا وقتا في البيت.
وتضيف “لم أكن أفهم ابنتي على الإطلاق وكنا في حالة خلاف دائم، وأشعر أنها لا تشبهني بعكس أخيها عبد الرحمن البالغ من العمر 14 عاما، لكن خلال هذه الشهور تحدثنا كثيرا للمرة الأولى في أمور لا تتعلق بالمذاكرة والامتحانات والواجبات المدرسية والمسابقات الرياضية “.
أدركت سارة خلال شهور التباعد الاجتماعي أنها “أخطأت في حق ابنتها”، كما تقول، وعاملتها كأخيها كأنها “بالضرورة ستحب الرياضة ” لكن البقاء سويا لفترة أطول من المعتاد جعلها تدرك شغف مريم الحقيقي وهو ما انعكس على علاقتهما التى تحسنت كثيرا فأصبح لديهما “وقتا للبنات فقط” يمضيانه معا.
“حتى الطعام تغير”
كما كان نمط الحياة يجبر إيمان على اختيار الأطعمة الأسرع إنجازا. كان الوجود خارج المنزل معظم ساعات اليوم يجبر سارة على اختيار أطعمة معينة يمكن حملها إلى المدرسة أوالسيارة أوالنادي.
فبحسب سارة، “كنت أفكر قبل اختيار أي وجبة، في مدى سهولة حملها، وتناولها دون تسخين، و بالطبع كانت الشطائر (الساندويتشات) سيدة الموقف، وكانت حقيبتي ممتلئة طوال الوقت بالفواكة والمكسرات لسد جوع أولادي بطعام صحي في أي وقت”.
أما الآن فأصبح الطهي طقس عائلي يشارك فيه الجميع، وهذه هى إحدى مزايا البقاء فى المنزل لفترة طويلة كما تقول سارة، التي تضيف “خلال هذة الفترة تعود الأولاد على القيام بالكثير من الأعمال المنزلية التى كانوا يعتمدون عليّ بشكل أساسي للقيام بها، أصبحوا يرتبون غرفهم وأيضا يطهون، فالوقت ملكنا والامتحانات والدروس والمسابقات لا تطاردنا”.
ولم تكن فترة الإجازة الدراسية كافية لتقارب أسرة سارة بهذا الشكل من قبل، فالتمارين والمسابقات تستمر خلال عطلة الصيف، وتتنافس الأسر جميعا للاشتراك في أنشطة عدة مما يجعل الأعباء مستمرة.
وتضيف سارة المقيمة فى الإسكندرية شمالي مصر أنها خرجت من هذا “الدرس المصغر” كما سمته بحكمة أساسية وهى أن تفعل ما يُمتعها ويُمتع أولادها فقط.
وتقول “لا يهمني أن تتفوق ابنتي رياضيا، بل يكفيني أن يكون قوامها صحيا و أن تكون سعيدة بحياتها. كذلك لا يهمنى أن يكون أبني الأكثر تفوقا لكن يهمني أن يتعلم ما ينفعه، وأنا سأستمتع بوقتي ولن أفرط في تخصيص وقت لنفسي”.
برغم عزم سارة على المضي قدما في إتباع نمط حياة مختلف يكون “ما بعد الإغلاق ليس كسابقه” إلا أنها تشارك إيمان الخوف من أن تعود الحياة لسابق عهدها فتخسران ما تحقق لهما من “مزايا”.
“قائمة الإنجازات”
على بعد آلاف الكيلومترات من سارة وإيمان، يقول أيمن نصر الدين، المقيم في لندن، إنه استفاد من فترة الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا، “فالأمر كله يتعلق بالطريقة التى نرى بها الأمور، فمن يريد أن يراها فرصة لقضاء وقت أطول مع العائلة سيتحقق له هذا، ومن يريد أن يراها فترة حبس وعزلة ستكون كذلك”.
ويضيف أيمن والذى يعمل كمدرب لأنماط الحياة (لايف كوتش) أنه خسر ثلاثة عقود للعمل بسبب كورونا، وهو ما يعني خسارة مادية على المدى القصير، ولكنه قرر استغلال الوقت للاستثمار في نفسه مما سيمكنه من تحقيق أرباح أكبر على المدى الطويل. فخلال شهرين تمكن من قراءة عشرة كتب في مجال عمله وهو ما يعتبر أنه يفتح له أفاقا أوسع.
هذا بالإضافة إلى ما أتاحته فترة الإغلاق من اختصار للكثير من الوقت والجهد المهدر، كرحلة التسوق الأسبوعية على سبيل المثال التى كانت تستغرق ما لا يقل عن 3 ساعات. أما الأن فأصبحت لا تتعدى النصف ساعة من خلال الأنترنت.
كذلك تجربة التعلم من المنزل التى اختبرها للمرة الأولى مع ابنتيه لانا – 7 سنوات، ومايا – 10 سنوات، واختصرت الكثير من الوقت الذى كان يضيع في اليوم المدرسي الممتد حتى الـ 4 عصرا، فالدراسة من المنزل لا تتطلب أكثر من 3 ساعات من التعليم المركّز.
كل هذا الوقت ضمن لأيمن وأسرته فرصة قضاء ساعات أطول مع بعضهم البعض، فلم يكن من الممكن بعد يوم دراسي طويل ويوم عمل منهك أن يمارسوا الرياضة كأسرة يوميا، أما الآن فالأسرة بالكامل تمارس رياضة المشي لمدة ساعة ونصف كل يوم.
كذلك أصبح لديه كإيمان وسارة وقت للعب مع الأطفال والتحدث إليهم عن اهتماماتهم ومشكلاتهم لمدة لا تقل عن 4- 5 ساعات يوميا، وهو أمر كان “مستحيلا” خلال الأيام العادية. ولم يعد الطهي حكرا على عطلات نهاية الأسبوع، وإنما أصبح طقسا يوميا ممتعا يشارك فيه كل أفراد الأسرة.
“انقصت وزني” و”أقلعت عن التدخين”
إلى جانب التحرر من الأعباء و قضاء وقت أطول مع العائلة، أسهمت فترة الإغلاق والخوف على الصحة في ظل عدم التوصل للقاح فعال في مواجهة فيروس كورونا ، إلى انتشار عادات وسلوكيات صحية طالما لم يلتزم بها الملايين حول العالم رغم إيمانهم بأهميتها.
فعلى عكس الشكوى المعتادة من زيادة الوزن خلال فترة الإغلاق باعتبار أن النشاط البدني قل عن معدله الطبيعي لدى البعض، تمكن نصري عصمت، وهو صحفي مقيم في بريطانيا، من إنقاص وزنه بنحو 8 كيلوغرامات.
ويقول نصري “البركة في الإغلاق، فالعمل من المنزل لأكثر من 4 أشهر، و إغلاق الصالات الرياضية شجعانى على ممارسة رياضة المشي يوميا”.
قطع نصري منذ بداية الإغلاق في بريطانيا مسافة نحو 1200 كيلو مترا سيرا على الأقدام، أى بمعدل نحو 8 كيلومترات يوميا. ويضيف “العمل من المكتب يفرض برنامجا محددا لليوم، أما خلال الإغلاق أستطيع المشي بعد منتصف الليل إذا شئت”.
وبحسب نصري، هذه الساعات الطويلة من المشي جعلته يعيد اكتشاف المنطقة التى يعيش فيها منذ 3 سنوات ومحيطها، كما جعلته “يحب المنطقة”. فهو لايحب الزحام، وهو ما وفره له الإغلاق الذي جعل الشوارع خالية من السيارات.
إلى جانب المشي، تقول نيللي علي إن البقاء في المنزل لوقت طويل مكنها أخيرا من النجاح في محاولات إنقاض الوزن حيث أصبح في استطاعتها الاعتماد كلية على طهى طعام صحي فى المنزل وتنظيم أوقات الوجبات وتخصيص وقت لممارسة الرياضة وهو ما لم يكن متاحا في ظل الانشغال الدائم و”الجري المتواصل بسبب الاعباء والمسؤوليات”.
وفرضت بريطانيا إغلاقا منذ 23 مارس/آذار الماضي استثنت منه محال المواد الغذائية، والصيدليات، والبنوك قبل أن يتم تحفيف الإجراءات اعتبارا من يونيو/ حزيران الماضي بشكل تدريجي.
و خلال هذه الشهور، كشف استطلاع للرأى أجرته جمعية خيرية تسمى “أكشان أون سموكينغ أند هيلث” في بريطانيا أن أكثر من مليون شخص أقلعوا عن التدخين.
ويبدو أن بريطانيا ليست استثناء في هذا السياق، فيقول محمد عوض، الذى يعمل موظفا في مصر، إنه يعرف مخاطر التدخين منذ سنوات لكن هذه الجائحة وما تبعها من إغلاق ساعداه على الإقلاع عن التدخين بعد محاولات استمرت لسنوات طويلة.
ويضيف “قرأت أن المدخنين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا ، فقررت الإقلاع عن التدخين منذ نحو 4 أشهر”.
بحسب محمد ، فإن الإغلاق جعله يشعر أن الخطر اقترب فعلا من دائرته الشخصية.
ويقول “لم يعد الأمر فيروسا غامضا يصيب الناس في الصين و أوروبا وأمريكا”.
كما جعل قضاء وقت طويل في المنزل العثور على السجائر مسألة أصعب وجلسات المقاهي أمرا غير متاح والأصدقاء “المغريين” غير موجودين”.
فكان الإقلاع عن التدخين أسهل من المحاولات السابقة”.
[ad_2]
Source link