أخبار عربية

“أرض نوح”.. جولة في الإقليم الأكثر اعتمادا على الاكتفاء الذاتي في العالم

[ad_1]

لا يزور هذا الجزء الذي يقع على أطراف الاتحاد السوفيتي السابق، إلا القليل من السياح

مصدر الصورة
Anar Aliyev/Getty Images

Image caption

لا يزور هذا الجزء الذي يقع على أطراف الاتحاد السوفيتي السابق، إلا القليل من السياح

من المرجح أنك لم تسمع قط عن ناخيتشيفان، وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي تقع بين أرمينيا وإيران وتركيا على الهضبة الواقعة جنوب منطقة القوقاز، وتعد من أكثر أجزاء الاتحاد السوفيتي السابق عزلة، ونادرا ما يزورها السياح.

ويعد هذا الإقليم التابع لأذربيجان ويفصله جغرافيا عنها قطاع أرميني، ويبلغ تعداد سكانه 450,000 نسمة، أكبر إقليم حبيس مطوق بأراض أجنبية في العالم. وتتميز ناخيتشيفان، التي تعادل مساحتها تقريبا مساحة جزيرة بالي، بأنها مزيج فريد بين العمارة السوفيتية والمساجد ذات القباب الذهبية والجبال الحمراء القاحلة التي تقع بين البحر الأسود وبحر قزوين.

وتحتضن ناختيشيفان مرقدا ضخما، يقال إن النبي نوح دفن فيه، وقلعة حصينة على قمة الجبل شيدت في القرون الوسطى، يشبهها البعض بقلعة “ماتشو بيتشو” في بيرو. وتمتاز عاصمتها بنظافتها المذهلة بفضل جهود موظيفها الحكوميين الذين يزرعون الأشجار ويكنسون الشوارع في عطلات نهاية الأسبوع.

وكانت ناخيتشيفان أول جزء يعلن استقلاله عن الاتحاد السوفيتي قبيل انهياره، وسارت على دربها ليتوانيا بعد شهرين، ثم انضمت إلى أذربيجان بعد أسبوعين.

لكن هذه المعلومات لم أكن أعرفها قبل أن أزور مدينة ناخيتشيفان، عاصمة الإقليم الذي يحمل نفس الاسم، في رحلة استغرقت نصف ساعة بالطائرة من العاصمة الأذربيجانية باكو الغنية بالنفط.

وأمضيت 15 عاما متنقلا بين المناطق الواقعة على حدود الاتحاد السوفيتي السابق، وتعلمت خلالها الروسية، لكن لم يخطر على بالي أن أزور ناخيتشيفان.

ونظرا للموقع الفريد قرب الحدود مع تركيا – العضو في حلف شمال الأطلسي – وإيران، كانت ناخيتشيفان أقرب إلى جيب سري مغلق، لا يُسمح لأحد بالدخول إليه حتى معظم مواطني الاتحاد السوفيتي السابق.

ولا تزال هذه المنطقة المتمعة بحكم ذاتي مغمورة نسبيا، لا يعرفها الكثيرون حتى من سكان البلدان التي تتحدث الروسية.

لكن اليوم أصبح من حق أي شخص يحمل تأشيرة أذربيجانية أن يدخل ناخيتشيفان. ورغم أن المنطقة تعد آمنة نسبيا، فإن السلطات لا تزال تتعامل بحذر مع الأجانب، ربما بسبب قلة السياح الذين يزورونها.

وبعد النزول من الطائرة والمرور بسهولة من مكتب الجوازات، همس أحدهم في أذني قائلا إن رجال الشرطة يتحدثون عنك. إذ يبدوأن مطار باكو هاتف ضباط الأمن في مطار ناخيتشيفان ليخبرهم مسبقا بقدوم مواطن بريطاني يرتدي سروالا أحمر زاهيا. وقد أحبط هذا اللون محاولاتي للاندماج وسط المسافرين.

وكان ميرزا إبراهيموف المرشد وسائق سيارة الأجرة المرسيدس البراقة في انتظاري خارج مطار ناخيتشيفان شديد النظافة والترتيب، وقال لي ونحن في طريقنا إلى أوردوباد، ثاني أكبر مدن ناخيتشيفان، عبر الشوارع التي لا تشوبها شائبة: “لن تجد في هذه المدينة ورقة ملقاة على الأرض”.

وقد كان محقا، فأول ما لفت نظري في ناخيتشيفان هو نظافتها المثالية المذهلة التي تبدو كأنها من عالم آخر. وقبل أن أسأله عن سر حفاظ هذه المجمعات السكنية التي بنيت في العهد السوفيتي على نظافتها إلى هذا الحد، لفت انتباهي مسلة عالية خماسية الشكل مزينة بالنقوش الهندسية الإسلامية، التي قال إبراهيموف إنها تحظى بمكانة خاصة في قلوب السكان.

ورغم الزعم بوجود خمسة مراقد على الأقل حول العالم للنبي نوح، فإن سكان ناخيتشيفان يطلقون على وطنهم بفخر اسم “أرض نوح”. وبينما يقول بعض الباحثين أن كلمة “ناخيتشيفان” تعني باللغة الأرمينية “المستقر”، فإن الكثير من سكان أذربيجان يزعمون أنها تعني في اللغات الفارسية القديمة “موطن نوح”.

ويتداول سكان محليون حكايات عن أنه عندما انحسر الطوفان، رست سفينة نوح على قمة جبل الأفاعي “إيلانداغ” المجاور، وأحدثت ذلك الشق الذي يمكن رؤيته على قمة الجبل اليوم. ويؤكد لك الكثيرون من سكان الإقليم أن النبي نوح وأتباعه أمضوا بقية حياتهم في هذه المنطقة، وأنهم ينحدرون من نسلهم.

فقبل أن يحكي لي إبراهيموف عن اصطدام سفينة نوح بقمة الجبل المغمورة بالمياه الذي أدى من فرط قوته إلى شق الجبل، أومأ إلي غريب مسن كان يجلس على مقعد في إحدى متنزهات مدينة أوردوباد، فجأة عندما اقتربت منه، بعد أن لاحظ أنني أجنبي، ونبهني إلى أن سفينة نوح استقرت على هذا الجبل.

ربما ارتبط اسم النبي نوح للأبد بناخيتشيفان، لكن على مدى 7,500 عام تقريبا منذ هبوط النبي وأتباعه من جبل الأفاعي أو جبل أرارات المجاور، خضع أحفادهم لحكم الفرس والعثمانيين والروس وتحولت المنطقة إلى ما يشبه البوتقة التي انصهرت فيها ثقافات مختلفة ذات غالبية مسلمة.

وفي العقود الأخيرة، نشب نزاع على الأراضي بين أرمينيا وناخيتشيفان، لا يزال يعد واحدا من آخر الصراعات المجمدة في أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

مصدر الصورة
Toghrul Rahimli

Image caption

يصف سكان ناخيتشيفان موطنهم بأنه “أرض نوح” في إشارة إلى اعتقادهم بأن النبي نوح دُفن في هذا المرقد

وفي عام 1988، تراخت قبضة موسكو على الجمهوريات السوفيتية، واشتعلت الحرب في جيب ناغورنو قره باغ المجاور لناخيتشيفان، جنوب غربي أذربيجان، بين الأرمن بدعم من أرمينيا وبين أذربيجان، وحصدت أرواح نحو 30,000 شخص، حتى إعلان وقف إطلاق النار في عام 1994.

وردا على أذربيجان، أغلقت أرمينيا جميع الطرق والسكك الحديدية التي تربط ناخيتشيفان بسائر أجزاء أذربيجان والاتحاد السوفيتي في عام 1988، ولولا وجود جسرين يربطان ناخيتشيفان بإيران وتركيا، لانهارت ناخيتشيفان وعانى سكانها من الجوع.

لكن هذا الحصار، عزز لدى السكان حس الاكتفاء الذاتي الذي أفرزته ندرة الموارد. وشرع سكان ناخيتشيفان، الذين كرهوا الاعتماد اقتصاديا على الجيران، في زراعة طعامهم وإنتاج سلعهم الوطنية.

ومنذ ارتفاع إنتاج النفط في أذربيجان للمرة الثانية في عام 2005، الذي اقترن بارتفاع كبير في الناتج الإجمالي المحلي، تدفقت الاستثمارات من العاصمة باكو إلى ناخيتشيفان، وولدت مبادئ الاكتفاء الذاتي التي يتنباها سكانها نموذجا يحتذى به في الاستدامة.

واليوم يعد هذا الجيب الأذربيجاني، كشأن كوريا الشمالية، واحدا من المناطق القليلة التي تتبنى نموذج الاقتصاد المغلق أو الاقتصاد القائم على الاكتفاء الذاتي، الذي لا يعتمد على المساعدات الخارجية أو التجارة الدولية.

مصدر الصورة
Hemis/Alamy

Image caption

تحكي الأسطورة أن سفينة نوح اصطدمت بقمة جبل الأفاعي “إيلانداغ”، وأحدثت شقا لا يزال واضحا اليوم

والمدهش أن سياسات ناخيتشيفان الاقتصادية لها أبعاد بيئية وصحية يفتخر بها سكان الإقليم وأسهمت في تشكيل هويتهم الثقافية.

ويقدر سكان ناخيتشيفان أهمية الطعام، لأسباب وجيهة. ويقول إيلشاد حسنوف، صديق إبراهيموف، إن سكان المنطقة لم ينسوا بعد معاناتهم من نقص الغذاء. واستبدلت ناخيتشيفان بسياسات الاتحاد السوفيتي التي تحض على التبيعة الاقتصادية، سياسات صارمة تمنع استخدام المبيدات الحشرية وتشجع على الزراعة العضوية.

وتضمن جملة المبادئ والسياسات المتبعة للحفاظ على سلامة الغذاء والترويج للغذاء المحلي، أن اللحوم التي يأكلها السكان مأخوذة من مزارع ناخيتشيفان والسمك من بحيراتها والأعشاب من أراضيها البرية والمحاصيل من بساتينها، وحتى الملح من كهوفها.

وجلسنا معا على مائدة عامرة بصنوف الطعام، يتوسطها خروف كامل، وحوله أطباق من سلطات الخضروات والجبن والخبز المسطح واللحم المشوي والسمك المرقط الطازج والبيرة والفودكا التي تضم توليفة من 300 عشب جمعت من الجبال المجاورة، وكل منها يشفي من أحد الأمراض.

وعندما سألت عن الدافع وراء حركة الأغذية العضوية المحلية، أجاب حسنوف قائلا: “إن سكان ناخيتشيفان يتمتعون بصحة جيدة، ولا يعانون من الأمراض التي كانوا يصابون بها سابقا، لأننا لا نأكل إلا الطعام الطبيعي”.

وبينما كنت استمع إليه تذوقت حبة طماطم كبيرة طازجة لم أتذوق ألذ منها في حياتي.

وعلى بُعد 14 كيلومترا من مدينة ناخيتشيفان يقع كهف دوزداغ للملح، الذي يعد بمثابة منتجع صحي مجاني. ويؤكد الموقع الإلكتروني للكهف أن هذا المجمع الذي يضم 130 طنا من الملح الطبيعي النقي يشفي من أمراض تنفسية عديدة، من الربو إلى الالتهاب الرئوي.

وبمجرد أن دخلنا إلى الكهف المظلم البارد، أخذ إبراهيموف، وهو مدخن شره، نفسا عميقا، وقال: “يأتي إلى الكهف زوار من جميع أنحاء العالم. ففي العام الماضي شفي أحد السياح من أوروغواي من الربو بعد زيارة الكهف”.

وعندما خرجنا من الكهف قررت أن أستكشف سر شغف سكان ناخيتشيفان بالنظافة. إذ تعد ناخيتشيفان، بجميع المقاييس، أكثر المدن نظافة، ربما في منطقة القوقاز بأكملها. فإينما تول وجهك في هذه المدينة تجد طرقا معبدة بشكل مثالي، وشوارع كنست بعناية فائقة، وأشجار مشذبة بدقة متناهية.

وعزا تقرير مفصل نشرته لجنة هلسنكي النرويجية هذه النظافة إلى الموظفين الحكوميين بالإقليم، كالمدرسين والجنود والأطباء والعمال الذين يتطوعون لتنظيف الشوارع في أيام العطلات.

وشُجع المواطنون على زرع الأشجار في أوقات فراغهم بعد أن حرقت الغابات أثناء الحصار للحصول على الوقود. وتعود جذور هذه العادة إلى العهد السوفيتي، حيث شاع آنذاك مفهوم العمل التطوعي غير مدفوع الأجر، وصف بأنه “عمل إجباري تحت غطاء التطوع”.

وفي صبيحة السبت، شاهدت مجموعات صغيرة من الناس مجتمعين معا تحت الشمس الحارقة وأخبرني إبراهيموف، أنهم يزرعون أشجار الفاكهة، فهذه الأشجار ستمد الإقليم بالفاكهة المحلية التي يعتز بها سكانه.

لكن نفس التقرير الذي نشرته لجنة هلسنكي أشار إلى أن أحد الموظفين بوزارة التنمية الاقتصادية بناخيتشيفان أكد أن أي موظف حكومي يرفض تنفيذ العمل التطوعي عليه الاستقالة من منصبه فورا. وذكر أحد الأساتذة بجامعة ناخيتشيفان أن فاسيف طالبوف، رئيس ناخيتشيفان الحالي، الذي يعده الكثيرون حاكما مستبدا، يحصل على دخل ضخم بسبب العمالة المجانية.

وفي نهاية زيارتي، تساءلت عما إذا كانت هذه الصورة النظيفة الخضراء سببها انخفاض أجور العمالة والخوف من التبعات الحكومية، كما هو الحال في سنغافورة. فقد كانت ناخيتشيفان لغزا محيرا يدعوك للتساؤل هل هي جيب مكتف ذاتيا يسكنه متطوعون يبذلون وقتهم ومجهودهم لخدمة وطنهم، أم هي مجتمع إقطاعي منعزل، أم مزيج من الاثنين؟

لكن كل ما أعرفه أنني لم أزر مكانا يشبه هذا الجيب المعزول. ففي هذا المعقل السري السابق للاتحاد السوفيتي، لا يزال الشباب يتهامسون في المطاعم خوفا من أن يسمعهم أحد، لكنهم يفتخرون أمام الأجانب بسياسات بلدهم التقدمية التي تشجع المطاعم والمتاجر على تقديم الغذاء المحلي.

ويؤدي الموظفون الحكوميون أعمالا غير مدفوعة الأجر في العطلات رغم أنهم يعيشون في بلد ارتفع فيه الناتج الإجمالي المحلي بأكثر من 300 في المئة في السنوات الـ15 الأخيرة. ويربط السكان هويتهم الثقافية بقصة نبي أبحر من أقاصي الأرض، لكن حكومتها المحلية الآن منغلقة على نفسها.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى