لماذا عمدت تونسيات إلى وضع أحمر الشفاه في هذا اليوم؟
[ad_1]
إذا جلت في صفحات التونسيين والتونسيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء فستجد صورا كثيرة لسيدات يضعن أحمر الشفاه، وستعترضك كلمة “حُمِّير” وهي اسم أحمر الشفاه في العامية التونسية، وسيتردد أمامك أيضا اسم “مريم بوزيد” فما القصة؟
بدأت القصة بتدوينة على فيسبوك لأستاذة الفلسفة مريم بوزيد، تقول فيها إنها “استُبعدت من مراقبة امتحانات الباكالوريا بسبب اعتراض زميلها على طريقة تعاملها مع التلاميذ الذين ستراقبهم” والتي رأى أنها “ليست جدية بما يكفي”.
ثم عادت مريم يتدوينة أخرى تقول فيها إنها “اكتشفت” أنها استبعدت من المراقبة لـ”انزعاج زميلها من هندامها وحمرة شفاهها التي رأى أنها غير لائقة”، حسب ما “كشفت” لها الإدارة.
لكن مصادر إعلامية نقلت في وقت لاحق عن مسؤول قوله إن ما تم تداوله عبر مواقع التواصل غير صحيح وإن السبب الحقيقي خلاف بين الأستاذة وزميلها حول الحديث مع الطلاب وفرض النظام في جلسة الامتحان.
وهو ما تداوله البعض نقلا عن أستاذة المعهد قالت إنها شهدت الحادثة.
حملة “أحمر الشفاه”
وقد أثارت تدوينة مريم حفيظة كثيرين، وانهالت مئات التعليقات والمشاركات الغاضبة من تصرف الأستاذ،كما نقل، والساخطة أيضا من رد فعل المؤسسة التعليمية، وانطلقوا من ذلك لتعميم السخط على “مجتمع ذكوري يكره المرأة والجمال”، على حد وصفهم.
وأطلقت نساء، بمساندة رجال، حملة “أحمر الشفاه”.
ونشرت كثيرات على صفحاتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، صورهن بأحمر الشفاه، بعضها مصحوب بتعليقات عن الجمال وحب الحياة والمقاومة، وبعضها مصحوب بعبارات السخط والاستياء، والشتائم أحيانا، لكل من يرى في تجمل المرأة جرما أو “خروجا عن الدين”.
لكن فريقا آخر حاول تسليط الضوء على الرواية الأخرى لما حدث، وأنه لا يتعدى كونه خلافا حول أسلوب فرض الانضباط أثناء الامتحان.
التضامن الكاشف للانقسام
قد يحيلك لفظ “التضامن” إلى مفاهيم الوحدة والتآزر والصفوف المتراصة! لكن في وجهه الآخر هٌوّة يصعب ردمها بأحمر الشفاه!
حملة التضامن التي شارك فيها نساء ورجال اليوم، على رمزيتها، ملغومة بشحنات من الدوافع والرسائل والمعاني.
تحركت الحملة بسرعة ولم تحتج تنظيما وجدولة! كأنها عدوى انتشرت من امرأة إلى أخرى.
وغاب ذكر مريم أو زميلها عن أغلب التعليقات التي ابتعدت عن “أبطال” القصة إلى “مُجتَمَعين” يسكنان وطنا، مجتمع “محبي الحياة والجمال” الذي يتحدث عن”مقاومة” مجتمع من يرى فيهم “أعداء الحياة، محبي الظلام”.
ومن على الضفة الأخرى، يتحدث مجتمع “الملتزمين بالأخلاق والدين” عن تجاوزات مجتمع “المنحلين المتشبهين بالغرب”.
هذا الزخم ليس وليد انتصار لمريم أو غضب من زميلها، بل تعبير عن انقسام، يعتبر إلى حد ما طبيعيا، في بلادنا.
وجعلت التعليقات من مريم وزميلها رمزين لهذين المجتمعين، وتوسع الجدال ليتحول تبادلا للاتهامات بـ”ازدراء الدين” وأخرى بـ”التطرف”.
وهذا الجدل انعكاس آخر لانقسامين، اجتماعي وسياسي، تعيشهما تونس، ويرى فيهما البعض “حربا” بين الإسلاميين والليبراليين.
فتنسب لكل حزب مجموعة من “القيم” والمواقف ترمز للحديث عنه في نقاشات لا تبدو سياسية بالدرجة الأولى.
الدافع الثاني للتضامن، هو الجندر و”حرب تحرير المرأة” والتحفز لكل ما قد يعد محاولة “لاستهداف المرأة لكونها امرأة” .
وقد يفسر هذا التحفز سرعة انتشار حملات التضامن “النسوي” والزخم الذي تكتسبه في وقت قياسي، خاصة في تونس التي تفاخر بتقدم وضع المرأة فيها عن نظيراتها من الدول العربية.
وتعد هذه الحادثة الثانية في ذات اليوم التي يرز فيها عمق الهوة بين “المجموعتين” وربما الأخف حدة.
فالحكم الذي صدر في حق المدونة “آمنة الشرقي” أمس بالسجن ستة أشهر بسبب منشور حول مرض “كوفيد-“19 يحاكي في بنائه الآيات القرآنية أدانه حقوقيون ومن رأى فيه تعديا على حرية التعبير.
بينما اعتبره آخرون عقابا مخففا لما أتته آمنة من “إثم” وذهب البعض إلى المطالبة بتطبيق “حد الردة” على آمنة.
حملات التضامن، سلاح ذو حدين
لم تعد حملات التضامن ومظاهرات التنديد والمطالب تحتاج تنظيما وموعدا، مكانا وزمانا، يكفي أن وتنتشر تدوينة أو أن يطلق وسم حتى تقوم الحملة وتشكل في أغلب الأحيان ضغطا يصعب على المسؤولين تجاهله، فتحقق نجاحا.
أحدث الأمثلة حملات التضامن مع ضحايا التحرش الجنسي والاغتصاب التي كشفت عن زيف وجوه كثيرة وساهمت في تشجيع الضحايا على الحديث عما تعرضوا وأوصلت المجرمين إلى الزنازين.
هذه الحملات لم تخل من تطفل مستغلين لزخم الحملات وحماس المشاركين فيها، لتلفيق تهم لأعداء شخصيين أو خصوم سياسيين.
وهنا تبرز أهمية التوقف عند كل “شهادة” أو اتهام والتحقق من عدم طمس حدة شعور الغضب وحميّة “الانتصار للقضية العادلة” على ضرورة التحقق والتدقيق.
فقد تكفي شهادة زور أو اتهام وقع تداوله من غير تدقق، ليس فقط في تدمير حياة متهم قد يكون بريئا من تلك التهمة بعينها، وإنما أيضا تضرب القضية المدافع عنها في مقتل، وتفقدها الكثير من مصداقياتها، وقد تهدم ما دفعت نساء حياتهن ثمنا لتحقيقه.
[ad_2]
Source link