أخبار متنوعةمقالات

من فنون تربية الطفل (الجزء الخامس) بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

إيسايكو: مقال بعنوان: من فنون تربية الطفل (الجزء الخامس)

بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين من فلسطين المحتلة

في تربيتنا لاطفالنا هناك مفاهيم يجب علينا تصحيحها
فكلمة عقاب يجب استبدالها بكلمة ” تقويم” وكلمة عزل الطفل المشاغب لوحده يجب استبدالها بكلمة “وقت التفكير” وكلمة حرمانه من شيء يحبه يجب استبدالها بكلمة ” تهذيب النفس ”
ومصطلحات كثيرة في تعاملنا مع الاطفال يجب تصحيحها .. لماذا؟
لأن البعض يؤمن بتربية الاطفال في بيئة خالية من العقاب بجميع اشكاله و لكني أرى بأن ذلك يجعل من الطفل هشاً يعيش في مدينة فاضلة لا تشبه تلك التي سيواجهها في يوم من الايام بمفرده.
لأن نظام العقوبات جزء من حياتنا شئنا أم أبينا ففي المدارس يوجد العديد من انواع العقوبات و من يخالف القانون يُعاقب و من يُغضب الله يُعاقب
وان بعض الحزم (وليس القسوة) سيساعد اطفالنا على تعلم التعامل مع المواقف الضاغطة و معالجة مشاعرهم بالطريقة السليمة تحت اشرافنا
فعلى سبيل المثال لو خرج الطفل من بيته مدللاً لم يعرف فيه اي عقوبة و ذهب الى المدرسة ليتم معاقبته هناك فحتماً سينهار تحت وطأة ذلك الموقف !
كما ان العقوبة من الممكن ان تساعد كلاً من الأهل و الطفل على ضبط النفس و عدم الوصول لمرحلة العنف و التعنيف
وأما وقت التفكير فسيعلم الطفل تحمل مسؤولية تصرفاته ، معرفة حدوده، اعادة تقييم الموقف، مواجهة المشكلات، ايجاد الحلول و اطلاح الخطأ.
لكن متى يمكن معاقبة الطفل؟
قبل الوصول الى العقاب لابد من استنفاذ جميع الفرص الممكنة و التي غالباً تمر بالمراحل التالية:
– نقاش و حوار و استفسار (لماذا تريد فعل ذلك؟ او لماذا تتصرف على هذا الشكل؟ )
– طرح خيارات و بدائل ( يمكنني ان اعطيك بسكوت بدلا من الشوكولا او سنلعب بالكرة بدلا من مشاهدة التلفاز )
– شرح العواقب ( ستحصل على علامات متدنية اذا لم تدرس – قد تؤذيك الكهرباء اذا لعبت بالسلك)
ولا بد أن يكون العقاب ناتجاً عن عدم استجابة الطفل و اصراره على الخطأ و ليس ناتجاً عن سوء مزاجنا او عصبيتنا، فالعقوبة ليست انتقام من طرفنا و انما تقويم للسلوك بهدف الاصلاح…وتذكروا بأننا نريد تقويم السلوك و ليس تقويم الطفل، فانتقادنا يجب ان يتوجه للسلوك فقط و ليس لشخص الطفل لذلك يجب ان نقول هذا تصرف خطير و لا نقول انت طفل غبي او حيوان او مجرم، واذا كانت العقوبة تحدث بشكل يومي فلا بد من ان هناك خلل ما في نظام المنزل او العلاقات، لأن العقوبة ليست جزء من ادوات التربية الاساسية و انما استثناء يستخدم في الحالات الطارئة فقط.
كيف يكون عقاب الطفل؟
علينا إعطاء الطفل فرصة نهائية وتحذير نهائي قبل تطبيق العقاب و ذلك باخباره بأنه سيتم العقاب في حال عدم التجاوب وذلك لتهيئته نفسياً .
ثم نطبق نظام تربوي جميل يسمى تايم آوت وهو يساعد الطفل على السيطرة على النفس و ضبط المشاعر القوية لكي نتجنب استخدام العقوبة قدر الامكان
إذ لابد من فهم المراحل النمائية للطفل و تعلم الاسس السليمة للتربية ويكون ذلك بأن نطلب من الطفل الجلوس في مكان ما في الغرفة التي نجلس فيها و لا نطلب منه الوقوف او رفع يديه او الاستدارة اتجاه الحائط او القيام بأي سلوك مهين (المهم ان لا نتركه في غرفة وحده )
و نطلب منه اعادة التفكير بما حدث و نخبره عن عدد الدقائق التي عليه الجلوس و التفكير فيها خمس او عشر دقائق او ربع ساعة .. و نخبره بأننا سنعيد التفكير بما حدث مثله تماما.
بعد انتهاء الوقت نشكره على تعاونه و نناقش معه ما توصلنا اليه نحن وهو من حلول لانهاء المشكلة وعدم تكرارها.
و مهما كانت نتائج النقاشات لابد من مسامحة الطفل و عدم تذكيره بخطأه لاحقاً وعدم معايرته ابدا
غالباً لن يستجيب الطفل في البدايات و سيرفض الجلوس و التفكير، اجلس معه او حتى ضعه في حضنك و اطلب منه الهدوء لمدة الزمن المطلوبة و مع التكرار سيتعلم بأنه ليس هناك مهرب من الجلوس و التفكير و من ثم سيستجيب و يتعاون و يجلس وحده.
من أي عمر نبدأ؟
عموما يمكن ان يبدأ ذلك النظام بعد السنة الثالثة .. لكن يحق لكل أم و أب الاجابة على هذا السؤال ايضاً بما يتماشى مع معتقداتهما التربوية ورؤيتهما الخاصة لمستوى استيعاب الطفل وحسب جنسه فالبنت قد لا تستوعب الموضوع وقد تبكي فورا لذلك يجب قطع التايم اوت فورا لان الهدف بناء الشخصية وتانيب الضمير وتشغيل التفكير الناقد للذات وليس ااهدف التحطيم او الانتقام ، فالرفق واللين والعقاب وسائل تربوية والصدق والصلاة وحسن الخلق غايات وأهداف تربوية ولا ينبغي أن نقضي الوقت في التعرف على الوسائل ونتجاهل توظيفها في تحقيق الغايات التربوية
كما ان تربية البنات اصعب وهو يعني صناعة الأمهات يقول المثل: تربية الابن تصنع رجلاً، بينما تربية البنت صناعة أمة، لأن النساء هن المسؤولات عن تربية الأبناء، وهن أكثر من يؤثرن على حياة أبنائهن، فعلى عاتقهن تُصنع الأمة لذلك يجب الحذر في تربيتهن ويجب اعطائهن جرعات اكبر من الحنان ويجب التمييز في التعامل بين الولد والبنت على اسس تربوية ونفسية وليس على اسس عنصرية يجب علينا جميعا وعلى الامهات والاباء ان يدركوا أن أي سلوك يصدر عن الإنسان وراءه سبب ، وهو ما يسمى (الدافع) ، وهذا الدافع يهدف دائمًا لإشباع حاجة لدى الإنسان، (حاجة نفسية او عضوية ) وهذا السلوك إما يجلب لصاحبه منفعة، أو يدفع عنه ضرراً. .. لذلك إذا أردت تغيير سلوك ما، عليك بتغيير فكرة الدافع وراء هذا السلوك،  وإذا أردت زراعة سلوكٍ ما، ازرع أولًا فكرة تصنع دافع يخلق هذا السلوك ويحركه… وإن السلوكيات الإيجابية التي تدوم تعتمد على بناء وتطوير الهوية الثقافية والأخلاقية الداخلية للطفل، كما إن ادراك الطفل لذلك، ستتبعه السلوكيات الإيجابية من داخله وتأتي بدافع ذاتي منه، حتى في غياب الأب والأم، وفيما يلي مجموعة خطوات ممنهجة لكي يبني الآباء هوية أخلاقية تطور بدورها نظام انضباط ذاتي يحرك السلوكيات الإيجابية، ويقاوم السلوكيات السلبية :
1ـ اختر سلوكًا : حدّد بدقة السلوك الذي تريد زراعته في ابنك، ” النظافة الشخصية مثلا”، صغه لنفسك أولا على شكل هدف واضح ومحدد، ” أريد أن أزرع في إبني سلوك النظافة الشخصية” ثم ابدأ في تنفيذ خطتك ورواية قصص وتوجيه نصائح غير مباشرة وكن انت قدوة في ذلك وسينبع السلوك من داخله.
2ـ عرف طفلك على هذا السلوك
ولا تتوقع أن طفلك يفهم التفاصيل، بل اشرح له بشكل مفصل، وكرر الشرح، ولا تمل من طفلك… و قسّم هذا السلوك إلى أشياء صغيرة وخطوات محددة وبسيطة، ليسهل على الطفل اتباعها وتطبيقها بالتدريج.
3ـ اربط هذا السلوك بنتيجة: تحدث في جلسة عامة مع الأسرة حول هذا السلوك، وفوائده، ومميزاته، ونتائجه، وتأثيراته، ووضح المصلحة والنفع جيداً للتحفيز، وتحدث بعد ذلك بشكل خاص عنه مع ابنك.
4ـ علموا اطفالكم الذكاء العاطفي:
علم طفلك كيف يتعامل مع مشاعر القلق والإحباط والغضب بشكل صحي وسليم، حتى  يستطيع التحكم في سلوكياته وضبطها بسهولة ودون موجّه خارجي معظم الوقت.
5- علمه مراعاة مشاعر الغير:
علم إبنك أن يضع نفسه مكان الغير، ويقيم التصرف ، فعندما يدرك الطفل معنى أفعاله وسلوكياته سيدرك تأثيرها على كل من حوله، ويصبح أكثر رغبة وقدرة على ضبطها.
6- اغرسوا في اطفالكم مهارات وفن حل المشكلات: لأن المشاعر السلبية تولد مشكلات، لذلك علم طفلك مهارات حل المشكلات، حتى لا يلجأ للسلوك السلبي تبعا لما يشعر به وحتى لا يتصرف بشكل خاطيء،  فإذا تعلم الطفل مهارات حل المشكلات استطاع التصرف بشكل أفضل وحل ما يواجهه ويشعر به، وابدأ معه بقرارات صغيرة كاختياره ملابسه مثلا.
7ـ دربوا اطفالكم على الصبر: عود طفلك على  تأجيل تلبية طلباته بعض الوقت، وانه لا بأس من الإنتظار، فإن هذا يعلمه أن الصبر وإن كان صعب لكن نتائجه جيدة، ودربه على الصبر بأنشطة متنوعة غير مباشرة ،  مثل: حل الألغاز، وزراعة النباتات ومراقبتها وهي تنمو …إلخ.
ويفترض ان تلعب معهم حتى تحوّل السلوك الذي تريد تعليمه لأطفالك إلى لعبة، وتمثلّه معهم في مواقف تخيلية ومشاهد مسرحية ممتعة يستفيدوا منها ولن ينسوها طوال عمرهم
خاتمة القول كن قدوة لاطفالك ولا تقل كيف أربيهم، والفتن ما أكثرها، والضياع ما أيسره ؟!! بل يجب ان تربيِّ نفسك قبلهم…واحرص على أن يجدوك في كل خير أمامهم.. فأحسن صلاتك…وأمسك لسانك عن الكلام الساقط والشتائم ، وراقب الله في مواضع عينيك…
واعلم أن الكرم يورَّث، وحب الخير يعدي.
وإيام أن تخالف أفعالك أقوالك…فأنتم ايها الاب والأم ثوب أبيض يظهر فيه أصغر السواد. انتم القدوة لاطفالكم فانتبهوا وعلموا اطفالكم أن يكونوا قدوة في اي مكان وان يستشعروا قيمة ان يكونول سفراء لهذا الدين وسفراء لعائلتهم ومجتمعهم ووطنهم
احرصوا ان يكونوا في وسط نظيف من الأهل والأصدقاء الصالحين فالنبي ﷺ والصحابة كانوا قليلي النصح كثيري العمل … لذلك تعلم أولادهم من جميل أفعالهم أضعاف أضعاف ما سمعوا من كلامهم ووصاياهم … ولو علم الآباء والامهات كم يلحقهم في قبورهم من عظيم الأجر أو الوزر من ابنائهم… لحرصوا على ان يتجملوا بحسن الفعل وحسن القول في كل أمر… وقد قيل لن يستقيم الظل طالما العود أعوج.
أسأل الله ان يصلح عودنا و ظلنا، وأن بجعلنا الله واياكم خير قدوة.

الدكتور أحمد لطفي شاهين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى