من صدام إلى مقبرة التماثيل في نيودلهي: ما مصير التماثيل المُزالة وغير المرغوب فيها؟
[ad_1]
عندما تكون لدى الدولة تماثيل لشخصيات لم تعد تعكس قيمها، فما هو الحل الأفضل للتعامل معها؟ هل ثمة طريقة لمعالجة الماضي دون محوه؟ وهل عدم القيام بأي فعل يعد خيارا؟ مراسلة بي بي سي كافيتا بوري تتحدث إلى 4 أشخاص حول الدروس التي يمكن استخلاصها من العراق وألمانيا والهند والولايات المتحدة بهذا الشأن.
كان يوما ربيعيا رائعا في شرق بغداد في أبريل/نيسان عام 2003، وجاء جار غيث عبد الأحد إليه وهو يصيح: “الأمريكيون هنا”، فخرج عبد الأحد إلى الشارع، ورأى الجنود الأمريكيين يرتدون الزي العسكري ويرفعون أسلحتهم. كانوا يتجهون نحو ما كان يعرف آنذاك باسم ساحة الفردوس، وفي وسطها تمثال ضخم للرئيس العراقي السابق صدام حسين وذراعه اليمنى ممتدة في السماء وهو يلوح لشعبه.
وتجمع حشد من العراقيين في الساحة. ويقول عبد الأحد: “أصبح من الواضح أن المدينة سقطت”.
وتحرك المدنيون العراقيون نحو قاعدة التمثال حيث حاولوا هدم القاعدة الخرسانية السميكة، ولكن دون جدوى. ثم ظهرت عربة مدرعة أمريكية وخرج أحد مشاة البحرية (المارينز) ووضع حبلا ضخما حول التمثال، وتسلق إلى رأس صدام حاملا علما أمريكيا.
كان عبد الأحد يراقب جندي مشاة البحرية الأمريكية وهو يحاول وضع العلم ويفكر قائلا لنفسه: “لا تفعل ذلك”.
وسحب الحشد التمثال، وجروه عبر الشارع. ثم التقطت تلك الصورة الشهيرة لرجال ينزعون أنعلهم ويستخدمونها في ضرب التغلب على تمثال حاكمهم السابق. ويقول عبد الأحد إنهم “كسروا هيمنة النظام فحسب”.
وكانت تماثيل صدام العديدة في بغداد رمزا للقمع، ويقول عبد الأحد: “كانت عينا صدام وشاربه يلاحقانك أنى ذهبت، وفي اليوم الذي سقطت فيه تلك التماثيل كانت اللحظة التي تدرك فيها أن 30 عاما من الحكم القمعي انهارت أخيرا، وأن هذا الشخص الذي كان يهيمن على حياتنا، كان أكبر من الرب بالنسبة لنا، قد رحل أخيرا وتمت إزالته”.
وتم صهر العديد من التماثيل، أو بيعها لهواة جمع التذكارات القديمة. لا أحد يعرف ما حدث لها حقا. فقد اختفت للتو.
وظلت القاعدة التي كان يقف عليها تمثال صدام فارغة لفترة طويلة. ومع احتدام الحرب الطائفية لم يتم الاتفاق على ما يجب أن يحل محلها، وهل يكون نصبا شيعيا أو سنيا أو كرديا؟ وفي النهاية تمت إزالة القاعدة نهائيا وأصبح مكان التمثال الآن متنزها.
ويقول عبد الأحد، وهو الآن صحفي في صحيفة الغارديان البريطانية: “نأتي إلى هنا الآن، في عام 2020، فلا نرى أي صور من عهد صدام وهذا يساعد على اختفاء هذا التاريخ”.
ولا يريد عبد الأحد أن يكون تمثال صدام في وسط بغداد يحدق به كما كان. لكنه يرغب في وجوده في متحف أو متنزه في البلاد، وإلا فإنه يخشى من نسيان تلك الفترة من تاريخ البلاد برمتها. ويقول إنه من المهم أن “ينظر الجيل الصغير، الأطفال بعد مئة عام، للتمثال ويقولون إن هذا هو الديكتاتور الذي حكم العراق”.
وإذا كنت تتجول في المدن الألمانية فلن تجد أي تماثيل للعصر النازي. لقد دُمر العديد منها جراء القصف العنيف خلال الحرب العالمية الثانية ثم صهرت وأعيد استخدامها أثناء إعادة البناء. وكان الحلفاء المنتصرون قد أصدروا مرسوما في عام 1946 باعتبار أي مظهر من مظاهر الرايخ الثالث، بما في ذلك التماثيل، غير قانوني ويجب تدميره.
ويتساءل دانييل ليبسكيند، مهندس بناء المتحف اليهودي في برلين: “كيف يمكن لبلد أن يحتفظ بتماثيل الظالمين والحكام الديكتاتوريين؟، عليك أن تتخلص من كل ما يسيء إلى العدالة والحقيقة، وهذا ما فعلته ألمانيا”.
لكن التخلص من التماثيل لا يعني بالضرورة محو ذاكرة التاريخ أيضا.
وبالنسبة لألمانيا، لم تبدأ الذكرى مباشرة بعد الحرب. ومع ذلك، في الستينيات والسبعينيات بدأت البلاد في التفكير في ماضيها الصعب، وأصبح تدريس المحرقة (الهولوكوست) والعصر النازي إلزاميا في المدارس الألمانية. وقد زار جميع الطلاب تقريبا معسكر اعتقال أو نصبا تذكاريا أو متحفا للمحرقة.
فبدلا من الحفاظ على التماثيل اختارت البلاد التركيز على جرائمها وضحاياها.
- جورج فلويد: هل تنتهي العنصرية بإزالة تماثيل زعماء أوروبا؟
- كريستوفر كولومبوس: تحطيم التماثيل يعيد الجدل حول شخصيات تاريخية عربية
ويعتقد ليبسكيند، وهو نجل ناجيين من المحرقة من لودز في بولندا، أن ألمانيا قدمت “بيانا مذهلا” للعالم بأنه من الممكن أن تواجه جرائم لا توصف وأن تكون ديمقراطية ناجحة.
وفي أواخر الثمانينيات دخل ليبسكيند مسابقة لتصميم المتحف اليهودي في برلين، وبعد فوزه شعر بثقل المسؤولية. ويقول: “لقد كان أكثر بكثير من مجرد تصميم مبنى”. كان التحدي هو معرفة كيف يمكن توصيل الحقيقة التاريخية للأجيال التي لم تشهد تلك الحقبة.
بدأ بخلق فراغ، ويقول: “هو مركز المتحف، وهو فراغ، مساحة فارغة حيث لا يتم عرض أي شيء حقا، لكنك تشعر أن هذا الفراغ يتحدث إليك عما حدث في التاريخ، والذي لا يمكن عرضه”.
ومن ثم يمكن أن يروي التاريخ الأمور الصعبة دون عرض التماثيل. حتى كلمة “تمثال” تعد بالنسبة لليبسكيند قديمة الطراز. ويقول: “أعتقد أن الأمر يتعلق بأكثر من التماثيل اليوم، إنه يتعلق بإنشاء المساحات والأماكن العامة التي يمكن أن تجعل الناس يهتمون بأشياء لا يعرفونها”.
ويوجد في شمال دلهي حديقة كبيرة جدا حيث تتجول الكلاب الضالة، وفي بعض الأحيان يمارس الأطفال فيها لعبة الكريكيت. وهناك توجد تماثيل غُطي بعضها بكتابات الغرافيتي.
وبعد حصول الهند على الاستقلال في أغسطس/آب 1947، لم تكن هناك دعوات صاخبة لإزالة تماثيل الملوك ونواب الملك من شوارع وميادين العاصمة. وبمرور الوقت تم بيع بعضها لبريطانيا وانتقل البعض الآخر إلى هذا المكان المعروف باسم متنزه كورونيشن. كان هذا هو المكان الذي كانت تجرى فيه الاحتفالات الفخمة المعروفة باسم دورباس durbars بمناسبة جلوس ملك بريطاني جديد على العرش. واليوم يتم تخزين تماثيل المسؤولين السابقين من الحقبة الاستعمارية، “بعيدا عن الأنظار، وبعيدا عن الذهن أو ’الذاكرة’” بحسب أغك مينون، مؤسس الصندوق الوطني الهندي للفنون والتراث الثقافي.
ويضيف قائلا: “وهكذا حصلت على الاسم، مقبرة التماثيل”.
- حياة السود مهمة: لماذا يتم استهداف تماثيل خلال الاحتجاجات؟
- تشويه تمثال تاريخي أمام البرلمان في فرنسا وسط جدل حول العنصرية
أكثر التماثيل شهرة هو تمثال الملك جورج الخامس، ويبلغ ارتفاعه حوالي 70 قدما، وكان يقف في قلب دلهي، بالقرب من بوابة الهند على الطريق المؤدي إلى منزل نائب الملك. وبعد أكثر من عقد من الزمان بعد الاستقلال لم يعد من المناسب أن يكون هناك تمثال لملك بريطاني في هذا الموقع البارز. فتم تفكيكه ونقله إلى المكان الذي حضر فيه احتفالات دلهي عندما أصبح إمبراطورا للهند في عام 1911.
أراد أغك مينون استخدام التماثيل لرواية تاريخ دلهي. فأثناء احتفالات دلهي وضع جورج الخامس أول حجر أساس للعاصمة الإمبراطورية الجديدة في متنزه كورونيشن. وكان هدف مينون هو فتح نسخة جديدة معاد أعمارها من الحديقة في الذكرى المئوية لهذه المناسبة في عام 2011، مع لوحات توفر سياقا تاريخيا. ويقول: “علينا أن ندرك حقيقة حدوث شيء ما. كانت هناك حكومة استعمارية، وكان هناك قرار بإقامة دلهي، وهذا هو المكان الذي حدث فيه ذلك. دعونا نحتفل بحقيقة أن هذا هو المكان الذي بدأت فيه نيودلهي”.
بدأ العمل ولكن الحكومة الجديدة سحبت دعمها، وظلت الحديقة مهجورة تحتوي على تماثيل من عهد الراج. وربما تكون تلك علامة على أنه لا يزال من الصعب على الهنود التحدث عن ماضيهم الاستعماري. ويقول أغك مينون: “بعض الهنود ليسوا مرتاحين لذلك، والبعض الآخر يشعر بالارتياح، ولكن ما زال هذا الأمر محل نزاع سياسي”.
ومازال هناك بالتأكيد عمل لم يكتمل، فقاعدة تمثال جورج الخامس تقف فارغة في وسط دلهي.
وتنتشر تماثيل عبر الولايات الجنوبية في أمريكا وهي تماثيل تحي ذكرى القادة والجنود الكونفدراليين الذين قاتلوا في الحرب الأهلية الأمريكية من أجل استمرار العبودية. لقد خسروا الحرب ولكن بعد عقود بدأت هذه المعالم التي تحتفي بالمحاربين القدامى البارزين في الظهور في ساحات المدن.
وتقول سارة بيثام، رئيسة الفنون الليبرالية في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، إن العديد من التماثيل نصبت في مروج محاكم المقاطعات التي ستشهد إصدار الأحكام على العديد من الأمريكيين الأفارقة. وتضيف قائلة: “هم يستعيرون إلى حد كبير لغة آثار النصر من الماضي الروماني القديم”.
من الناحية النظرية، أعطت الحرب الأهلية حقوقا متساوية للأمريكيين من أصل أفريقي، ولكن في الواقع استمر الفصل العنصري، لذلك انتصر الجنوب في الحرب التي تصفها بيثام بأنها “نوع من حرب الظل”. وتقول: “هذه الآثار هي نصب تذكارية للنصر في حرب الظل هذه”. وتجادل بيثام بأن تماثيل مثل تمثال الجنرال الكونفدرالي روبرت إي لي، الذي أقيم في ريتشموند بفرجينيا في عام 1890، كانت أساسية لاستمرار الحركة الكونفدرالية، وتذكيرا دائما بالتفوق الأبيض.
لم يتم قبول هذه الآثار بالكامل. فعلى سبيل المثال، كتب الصحفي جون ميتشل مقالات افتتاحية في صحيفة ريتشموند بلانيت في ذلك الوقت، قائلا بما يشبه النبوءة: “تم تجنيد العمال السود لوضع التمثال، ويوم ما سيكونون هناك لإنزاله” بحسب بيثام.
ودافعت الولايات الجنوبية عن وجود التماثيل بحجة أنها تشيد بالبطولة العسكرية الكونفدرالية وليس الدفاع عن العبودية. كما وصفوا الحرب بالدفاع عن حقوق الولايات ضد سلطات الحكومة الفيدرالية.
ولم تترسخ الحركة لإزالة هذه التماثيل فعليا حتى عام 2015. وبدأ الأمر بعد إطلاق النار على 9 رجال دين سود في كنيسة إيمانويل في تشارلستون بساوث كارولينا. وتم اكتشاف القاتل في وقت لاحق وبحوزته مسدس وعلم الكونفدرالية. وتؤكد سارة بيثام أنه في تلك اللحظة ربطت حركة “حياة السود مهمة” بشكل واضح بين هذه الهجمات العنيفة والتاريخ الطويل للعنصرية الذي ترمز إليه الآثار الكونفدرالية.
ومع الاحتجاجات الحاشدة الآن في جميع أنحاء أمريكا في أعقاب مقتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد، تركز العديد من الاحتجاجات حول هذه التماثيل. وفي ولاية فرجينيا تمت إزالة عدد منها، بما في ذلك الرئيس الكونفدرالي السابق جيفرسون ديفيس.
وتقول سارة بيثام: “التماثيل ليست تاريخا. إنها أشياء تاريخية. حقيقة أن الناس يهاجمونهم اليوم تظهر أننا نهتم بهم وأننا نراهم في بعض الأحيان كنوع من الانعكاس لأنفسنا وقيمنا”.
وتضيف قائلة:” إنه طالما كانت هناك تماثيل، كان هناك أشخاص يدمرونها. فثمة شيء يتعلق بمجموعة من الناس الذين يخرجون غضبهم ضد عدم المساواة فيركزون غضبهم على شيء يشبه الكائن البشري”.
وتقول إن تمثال الملك البريطاني جورج الثالث في نيويورك هو مثال جيد. فقد دُمر خلال حرب الاستقلال وصهر معدن ذلك التمثال في 40 ألف رصاصة، استخدمت لاحقا ضد البريطانيين.
وقد حاول الموالون الحفاظ على أجزاء من التمثال بدفنها تحت الأرض، ومازال حتى اليوم يتم اكتشاف بعض أجزاء من هذا التمثال.
وقال حاكم ولاية فرجينيا إن تمثال روبرت إي لي في ريتشموند سيزال الآن ويحفظ في مخزن. وعلى الرغم من بقاء المئات من التماثيل المتبقية، تأمل سارة بيثام في أن يكون تفكيك هذا التمثال، وربما غيره، بداية لعملية تواجه فيها البلاد ماضيها.
وتقول: “ربما سنحصل أخيرا على نوع من الشرح والتفسير بشأن ما كانت الحرب الأهلية تدور حوله بالفعل. وإذا كان تمثال روبرت إي لي سيزول الآن، فربما نكون على استعداد للتكفير عن بعض هذه الأشياء وأخيرا معالجتها ومعرفة ما تعنيه لنا. وآمل حقا أن يكون ذلك صحيحا”.
ويتساءل ديفيد إدموندز، معد البرامج في بي بي سي والحاصل على الدكتوراه في الفلسفة، قائلا إننا نسمي المباني على أسماء البشر، أو ننصب تماثيل لهم، لأننا نحترمهم. ولكن ماذا لو اكتشفنا أنهم أخطأوا؟ في أي من هذه الحالات يجب إعادة تسمية المبنى، أو إزالة التمثال.
[ad_2]
Source link