جولة في قرية نمساوية “تنبض بالجمال” وتستقبل 10 آلاف سائح يوميا
[ad_1]
تتخذ سيلينا تايلور من الترحال عبر قارات العالم حرفة لكسب العيش، فهي مصورة فوتوغرافية ومُدَوِنة تكتب بشأن الرحلات.
ويقودها ذلك لزيارة مناطق مختلفة من المعمورة، لكن يتعين أن يكون لكل من هذه البقاع موطن جمال بعينه. وهكذا تعكف تايلور على البحث عن أكثر المناطق الفاتنة والساحرة في العالم، والتي لا يعرفها الكثيرون في الوقت نفسه.
وتتحدث عن أسفارها لتلك البقاع، عبر حسابها على تطبيق إنستغرام، الذي يقارب عدد متابعيه 175 ألف شخص.
في فبراير/شباط الماضي، زارت سيلينا تايلور قرية هالشتات الواقعة في منطقة زالسكامرغوت النمساوية، وهي القرية التي يأسر جمالها الخلاب لب مستخدمي تطبيق إنستغرام، وكذلك المستخدمين المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وتقول تايلور إنها انجذبت لمنازل هالشتات ومقاهيها ساحرة الجمال، وكذلك للمناظر الرائعة الموجودة هناك، والإطلالة المتميزة للقرية على بحيرة محاذية لها. وتضيف بالقول: “تزايدت شعبية هذه القرية خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تستوفي الكثير من الشروط التي تضفي عليها الجاذبية”.
وخلال الزيارة، قضت تايلور أياما طويلة جالت فيها في شوارع هالشتات، التي تبدو أشبه بالقرى التي نراها عادة مرسومة في القصص الخيالية، إلى حد جعلها إحدى أكثر بقاع الأرض التي تُنشر صورها على تطبيق إنستغرام، وفقا لمجلة “هاربرز بازار” الأمريكية.
واستمتعت هذه المدونة باحتساء القهوة بين مناظر الطبيعة الجبلية، وبتأمل غروب الشمس فوق مياه البحيرة. لكن بعد شهر واحد من إدراج تايلور هالشتات على قائمة المناطق التي أتمت زيارتها، بدأت هذه القرية الصغيرة معايشة تجربة فريدة من نوعها.
السكون
فقد كان معتادا في مثل هذا الوقت من كل عام، أن تفتح القرية – البالغ عدد سكانها قرابة 800 شخص – أبوابها أمام نحو 10 آلاف زائر يوميا، ليضج المكان بهدير الحافلات السياحية الذاهبة والآيبة، وبأصوات المحادثات التي تدور بين السائحين بلغات مختلفة، بينما يتألق في الأفق الوميض الصادر من الكاميرات الرقمية التي يحملها الزائرون.
لكن الوضع هذا العام كان مختلفا. ففي السادس عشر من مارس/آذار الماضي، بدأ سريان نظام “الإغلاق الكامل” في مختلف أنحاء النمسا، ما غيّر ملامح الحياة بالكامل بالنسبة لسكان هالشتات، الذين يعتبرون هذه القرية موطنا لهم. واحدة من السكان وتُدعى زونيا كاتارينا، قالت إن تطبيق هذه الإجراءات، أدى إلى أن يشعر المرء كما لو كان “يعيش في `قرية أشباح`.. العالم توقف عن الدوران. كان الأمر مخيفا وساكنا وخامدا. لا توجد سيارات ولا حافلات ولا سائحون. بات بوسعنا أن نسمع حتى صوت البجع وهو يسبح” في البحيرة.
ومع حلول شهور الربيع الأكثر دفئا، عقب الأسابيع الأولى الباردة التي شهدت مواجهة سكان هالشتات لهذه الصدمة للمرة الأولى، نَعِمَت كاتارينا بمزايا العزلة وفوائدها، فقد بات بوسعها قيادة سيارتها في شوارع القرية، دون أن تشعر بالقلق من إمكانية مصادفتها لأيٍ من المارة. كما قضت كثيرا من أيامها، وهي تقود دراجتها على طول الطريق المطل على البحيرة، الذي كان يكتظ عادة بنحو أربعة آلاف سائح يوميا، ويشكل كذلك أكثر بقعة في القرية يوجه إليها الزوار عدسات كاميراتهم.
وتصف كاتارينا هذا الوضع ضاحكة بالقول: “تمثلت الإيجابيات في أنه سنحت لنا الفرصة، لأن نتحدث مع بعضنا بعضا، من على مسافة بالطبع. لم نعد مضطرين للقيام بأي شيء بسرعة، وبات بمقدور المرء أن يتعلم التفكير في الأشياء المهمة بالفعل في الحياة”.
لكن كاتارينا ليست وحدها التي تعتز بما طرأ من تغيرات على وتيرة الحياة في القرية. فغيرهارد، الذي يعمل موسيقيا هناك، يعتبر بدوره أن التراجع في حركة السياحة، الذي حدث بشكل غير متوقع تقريبا، جعل هذه البقعة من العالم “تعود إلى جذورها”.
فقبل عقد من الزمان، كان عدد زوار القرية يوميا يقارب المئة. أما في الفترة السابقة مباشرة لاجتياح وباء كورونا العالم، فكانت تُسجل فيها سنويا أكثر من مليون ليلة مبيت للسائحين والزوار. وقد كانت جنسيات زوار هالشتات من الأجانب، تختلف قليلا باختلاف فصول العالم. فخلال شهور الصيف، كان السائحون يأتون من بقاع مثل آسيا والولايات المتحدة وبريطانيا. وفي الخريف والشتاء، كانت دول مجاورة مثل بولندا والمجر وألمانيا وجمهورية التشيك، تشكل مصدر الزائرين القادمين إلى هذه القرية، تحدوهم الرغبة في الاستمتاع بما تغص به، من مسارات جبلية متعددة، قابلة للاستخدام على مدار العام، لهواة ركوب الدراجات والتسلق والمشي لمسافات طويلة.
لكن لماذا تحظى هالشتات بكل هذه الشعبية؟ ثمة أسباب يسهل على المرء توضيحها في سياق الإجابة على هذا السؤال. ففي عام 1997، مُنِحَت القرية ومحيطها جائزة، بفضل الجمال الآسر للطبيعة الجبلية التي تنعم بها، وحفاظ سكانها على تقاليدهم العتيقة المتعلقة باستخراج الملح من منجم موجود هناك، وهو أحد أقدم المناجم في العالم بأسره.
وفي الفترة ما بين يناير/كانون الثاني و15 مارس/آذار من هذا العام، زار قرابة 19 ألف وسبعمئة شخص، أنفاق ذلك المنجم، التي حرصوا على التعرف على تاريخها الذي يعود إلى سبعة آلاف عام. كما لم يغفلوا تأمل المشهد الساحر للبحيرة الملحية الموجودة في هذا المكان.
ومنذ سريان تدابير الإغلاق، أصبح المنجم خاويا على عروشه. ورغم أن بعض السكان يزورونه من باب إعادة توطيد الأواصر مع جذورهم، فإن الوضع الراهن أشاع مناخا من الشكوك والضبابية، بشأن مستقبل حركة السياحة القادمة له وللقرية بأكملها.
ويقول كورت رايغر الرئيس التنفيذي للمؤسسة المالكة لمنجم هالشتات للملح: “طالما شكلت قرية هالشتات مقصدا سياحيا يستقبل عددا كبيرا من الزوار، لذا فقد الكثيرون من سكانها وظائفهم، أو قللوا ساعات عملهم” بفعل توقف حركة السياحة.
ويضيف رايغر بالقول: “لا يبدو الأمر كما لو كنا نستعيد بلدة عتيقة ما، بما كان يسودها من أجواء، وذلك نظرا لأن بلدتنا كانت دائما تغص بالسائحين، وهو وضع نحبه”.
غير أن هناك أسبابا أخرى غير متوقعة للجاذبية، التي تكتسي بها هذه القرية النمساوية. فقد شهدت هي ومحيطها في عام 2006، تصوير عدد من حلقات المسلسل الكوري الجنوبي الناجح “سبرينغ والتز”، وهو ما أتاح الفرصة لملايين المشاهدين في آسيا، للتعرف على هالشتات ومعالمها.
بجانب ذلك، يتدفق السائحون الصينيون على هذه البقعة كذلك، وهو ما يعود جزئيا إلى وجود شركة تعدين صينية هناك. وفي عام 2012، أزاحت هذه الشركة الستار عن مجسم بالحجم الطبيعي للقرية النمساوية في مقاطعة غوانغدونغ. ومنذ ذلك الحين، يقطع السائحون آلاف الأميال من الصين إلى النمسا، لمشاهدة هالشتات رؤي العين، وعدم الاكتفاء بإلقاء نظرة على مجسمها، الذي تكلف – بحسب تقارير – أكثر من 6.5 مليار يوان (ما يزيد على 924 مليون دولار أمريكي). وأصبح هذا المجسم بمثابة مشروع راقٍ للتطوير العقاري للأثرياء في هذه المقاطعة الصينية، وهو ما طغى على شهرته كـ “لؤلؤة النمسا” كما عُرِفَ في بادئ الأمر.
علاوة على ذلك، لعب فيلم الرسوم المتحركة الناجح بشدة “فروزِن” (ملكة الثلج) دورا في تدفق السائحين على هذه القرية النمساوية. فالكثيرون يعتقدون أن أبراج هالشتات والقمم الجبلية المتجمدة فيها، تمثل مصدر إلهام لكثير من ملامح مملكة “آرانديل” الخيالية، التي تشكل مسرح أحداث العمل. لكن ثمة مشكلة تشوب هذا التصور، أنه ليس بالحقيقي على الإطلاق.
ويقول غريغور غريتسكي، الرئيس التنفيذي لهيئة السياحة المحلية الموجودة في القرية، إن العلاقة بين هالشتات وذلك الفيلم ذائع الصيت “ليست سوى محض شائعات. سبق أن سألتنا صحف أجنبية عن ذلك، لكن الأمر لا يعدو شائعة”. ففي واقع الأمر، تتوزع الأماكن التي تم استلهام ملامح مملكة آرانديل منها على عدة مواقع في النرويج، بدءا من قلعة أكريشوس في العاصمة أوسلو، وصولا إلى حي التجار العتيق في مدينة بيرغين.
بعيدا عن هذه الشائعة، ثمة حقيقة لا شك فيها، وهي أن سمعة تلك القرية كأجمل بقعة في النمسا بأسرها، جعلتها ربما إحدى أكثر البقاع المفضلة بشدة، لمستخدمي إنستغرام. فإذا بحثت – مثلا – عن وسم #Hallstatt على هذا التطبيق، ستجد نفسك إزاء أكثر من 600 ألف صورة رائعة التقطها السائحون هناك خلال عطلاتهم.
ويقول غريتسكي: “السياحة عملة لها وجهان. فرغم أن للعدد الكبير من الضيوف تحدياته، فإن من الجيد لبلدية المدينة أن يفد إليها سائحون. نريد ألا يكتفي هؤلاء بمجرد التقاط صورة، أو بالخروج من الحافلة والتوجه إلى المكان التالي لهم في برنامج الجولة”.
ومع أن لتدفق السائحين بهذه المعدلات الكبيرة فوائده المالية التي لا تُنكر، فإنه كان لا يخلو من آثار جانبية كذلك. فطالما شكى بعض السكان من أن السائحين يظهرون فجأة في حدائقهم دون سابق إنذار. وكان من بين الشكاوى الشائعة بين قاطني هالشتات أيضا، انزعاجهم من وجود الطائرات المُسيّرة في أجواء قريتهم. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اتخذ المسؤولون عن السياحة في هذه القرية الصغيرة إجراءات على طريق تقليص عدد الحافلات السياحية التي تدخل هالشتات يوميا، كي لا تتجاوز 50 حافلة.
فيروس كورونا: كيف يغير الوباء العلاقات بين الأزواج والأصدقاء في المجتمع؟
المفارقة أن قيود السفر التي فُرِضت بعد ذلك جراء تفشي وباء كورونا، ومنحت السكان قدرا يستحقونه من الراحة، لم تمنع الكثيرين منهم من البدء في الشعور بافتقاد الزائرين.
ويقول الموسيقي غيرهارد هالشتات إنه “لشعور بديع أن تكون لنا بعض الطرق الخالية. لكن سكان هالشتات يبتهجون كذلك بأن يتشاركون في جمال قريتهم، مع أصدقاء وضيوف من مختلف أنحاء العالم. علاقة القرويين هنا بالسياحة تمتزج فيها مشاعر الحب بالكراهية، كما هو الحال مع كل من يعيشون في مناطق سياحية. لكن عددا كبيرا للغاية من السكان” يعتمدون على عائدات السياحة.
على أي حال، ثمة أخبار جيدة الآن بشأن تعافي القرية من الركود السياحي الذي ضربها بسبب الوباء، فقد بدأت حركة السياحة الداخلية في الدوران من جديد، مع تخفيف إجراءات الإغلاق في شتى أنحاء النمسا.
وفي منتصف مايو/أيار، كان زيمون كونيش وشريكة حياته، من بين من قرروا اغتنام هذه الفرصة الذهبية لزيارة “ذلك المكان البديع دون وجود عدد كبير من السائحين فيه”؛ فهما يعيشان على مسافة ساعة واحدة فقط بالسيارة من هالشتات.
ويتذكر كونيش هذه الزيارة بالقول: “لم تكن القرية في أي يوم من الأيام في صورة أبهى من تلك التي رأيناها حينذاك. عندما وصلنا لم يكن هناك – حرفيا – أي شخص آخر في الجوار، بخلاف السكان المنهمكين في العمل في ممتلكاتهم. وبحلول منتصف اليوم، أتى البعض من التجمعات السكنية المحيطة، للسبب نفسه الذي أتينا من أجله”.
وهكذا أعادت بعض فنادق القرية فتح أبوابها لتوها، وهو ما فعلته كذلك مناجم الملح الشهيرة الموجودة هناك. لكن مزيدا من التحديات لا تزال في انتظار هالشتات وسكانها، ومن بينها كما يقول غريتسكي أن عودة “حركة السياحة ستستغرق وقتا. ومن بين الأسئلة الكبرى القائمة، ذلك السؤال المتعلق بهوية من سيتمكنون من القدوم للقرية وفي أي فترة زمنية سيفعلون ذلك”.
غير أن أسئلة مثل هذه لا تشغل بال سيلينا تايلور، التي ترى أن تلك القرية النمساوية لم تفقد ما يجعلها ذات طابع متفرد، حتى إذا ظل الدخول إليها محفوفا بالقيود المرتبطة بتدابير الإغلاق. وتقول: “هالشتات فريدة على نحو خاص، فهي من بين عدد محدود من المقاصد التي تحظى بشعبية كبيرة بين الناس ويفوق جمالها توقعاتي بشكل شخصي”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel
[ad_2]
Source link