مقتل فلويد.. والانقسامات في المجتمع الأمريكي .. بقلم ماجد العصفور
أثار مقتل الأمريكي الأسود من أصل أفريقي جورج فلويد” الأعزل”الغضب العارم في كافة مدن الولايات المتحدة بصورة أضرت بشكل كبير بمسائل العرق والعنصرية والمساواة والقيم الأخلاقية في هذا البلد الذي لطالما اعتبره الكثيرون بلد الأحلام والحرية.
وهذه الحادثة ليست الأولى التي تحدث بل سبقها الكثير من الحوادث التي تورط فيها رجال أمن سواء كانت متعمدة أو غير مقصودة ولكنها لم تترك مثل هذه الضجة الكبيرة التي حدثت بسبب مصرع فلويد بعد أن ضغط ضابط شرطة بركبته لمدة 9 دقائق على رقبته قبل أن يفارق الحياة لاحقا في المستشفى.
والفارق في هذه الحادثة”مقتل فلويد” هي تحولها بسرعة البرق إلى رسالة احتجاج ومسيرات في المدن الأمريكية للتأكيد على تحويل الغضب الناجم عن مقتل فلويد إلى حركة إصلاحات أوسع نطاقا في نظام العدالة الجنائية الأمريكية ومعاملته للأقليات ومنها بالطبع الأقلية السوداء التي ينتمي إليها فلويد نفسه.
واللافت أن هذه الاحتجاجات كانت مصدر إلهام لمظاهرات مناهضة للعنصرية في أنحاء متفرقة من العالم تبنت شعار”حياة السود مهمة” وتحول بعضها إلى المطالبة بالمحاسبة وعدم المراوغة والتهرب كما كان يحصل في مواقف سابقة.
ولعل مازاد من حجم الاحتجاجات أيضا بأنه حتى القوميين البيض في الولايات المتحدة لا يستطيعون القول هذه المرة بأن فلويد هو الذي جر ذلك على نفسه،بل هي حادثة قتل مرعبة ارتكبت بدم بارد ولا يمكن حتى للصحافة اليمينية أن تجد المبررات لها لتبرئة ساحة رجال الشرطة البيض المتهمين بالقتل في منظر أفزع العالم برمته.
فالحادثة مصورة وكانت حديث العالم وسلطت الضوء على قصة تفوق العرق الأبيض من جديد ولكن بصورة مختلفة هذه المرة زاد من عمقها أيضا أنها حدثت في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي لطالما اتهمه خصومه وخاصة من الحزب الديمقراطي الساعي للفوز عبر مرشحه جون بايدن بإنتخابات الرئاسة المقبلة مطلع شهر نوفمبر المقبل بأنه سبب الانقسامات بالمجتمع الأمريكي بسبب آرائه ومواقفه المثيرة للجدل وتبنيه لآراء وأفكار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة والتي تمثل قاعدة ناخبيه الأساسية.
وازدادت حدة الانتقادات لترامب بعد أن تبنى نهجا متشددا إزاء الاحتجاجات وطلب نشر الحرس الوطني بل وحتى الاستعانة بالجيش لوقفها إذا تجاوزت المسيرات حدود النطاق السلمي كما هو مصرح به بالقانون.
فالحادثة وصفها الرئيس ترامب بأنها غير مبررة ومؤسفة وقدم العزاء لأسرة فلويد، ولكن موقفه من الاحتجاجات التي صاحبها عمليات نهب وتخريب واعتداء على الشرطة كان صارما للغاية وتعهد بالتصدي لها حتى لو تطلب ذلك إطلاق النار في حالة الضرورة وهو مازاد من عناد المحتجين تجاهه وسمح بانطلاق وابل من الانتقادات له ولمؤيديه وصلت إلى حد وصفه بأنه ينقلب على الدستور الأمريكي كما قال وزير الخارجية الأسبق الجنرال كولن باول أو بأنه يجب عدم التصويت له بالانتخابات المقبلة كما ذكر الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما والذي وصف الحادثة بالعار على البلاد وقيم الديمقراطية وبأنها نتاج لسياسات حكم ترامب المتطرفة في المجتمع الأمريكي!
لقد نسفت حادثة فلويد كل ما متبقى من عهد ترامب الذي كان يعاني سلفا من تراجع اقتصادي غير مسبوق بسبب جائحة كورونا يعكر عليه الفوز بالولاية الثانية في البيت الأبيض وأصبح كل شي في مهب الريح بالنسبة له،فقد أضافت الحادثة المزيد من التشاؤم على مسار البلاد وتحديدا لدى أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب وبأن أمريكا لاتسير على الطريق الصحيح وهو ما يقلق”الجمهوريين” بإمكانية خسارة انتخابات الرئاسة أمام خصمه الديمقراطي بايدن والذي يستثمر أي فرصة متاحة حاليا مع مؤيديه من الحزب الديمقراطي لإلحاق الضرر بترامب والتغلب عليه خلال هذه الفترة العصيبة.
من جانب آخر كان لافتا مباشرة الكونغرس وخاصة من قبل الديمقراطيين تحديدا لجلسات استماع موسعة لبحث الدوافع الاجتماعية والسياسية وراء قضيتي عنف الشرطة والتمييز على أساس عرقي والتوصل إلى حلول شاملة تقضي علي هاتين القضيتين عن طريق تبني تشريعات غير مسبوقة من الكونغرس قد ترى النور مطلع شهر يوليو وهو الأمر الذي سيخفف كثيرا من حدة التوترات والانقسامات بمجتمع متعدد الأعراق يفخر دائما بالحريات والديمقراطية ويحاول تصديرهما للخارج.
لقد كانت صدمة مقتل فلويد ومن قبلها العديد من الحوادث التي تنم عن كراهية وعنصرية وطالت أعراق ومذاهب على مدار سنوات عديدة جزءا من أفكار متواجدة بالفعل بين الأمريكيين أنفسهم قد تتسم بالتطرف تجاه الآخر بشكل وضعهم في حالة الدفاع عن النفس أمام العالم لشرح لماذا يحدث ذلك في مجتمعهم ولازالت تتكرر مثل هذه الحوادث ولكن بصور مختلفة.
فأمريكا الفخورة بنفسها تثير الخجل بالفعل وهي التي خرجت قبل عقود من الفصل العنصري ونجحت بانتخاب أوباما الأسود رئيسا لم تستطع حتى وقف شرور شبح العنصرية والقضاء عليها نهائيا.
ماجد العصفور