أخبار عربية

فيروس كورونا يثبت أن البشر ليسوا كسالى بالفطرة

[ad_1]

اتضح أننا لسنا مُبرمجين من الناحية البيولوجية لبذل أقل قدر ممكن من الجهد، وهو أمر ربما يكون قد بدا واضحا لكل منّا خلال فترة الإغلاق الحالية

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

اتضح أننا لسنا مُبرمجين من الناحية البيولوجية لبذل أقل قدر ممكن من الجهد، وهو أمر ربما يكون قد بدا واضحا لكل منّا خلال فترة الإغلاق الحالية

ربما تكون واحدا من بين أكثر من ثلاثة ملايين شخص، شاهدوا فيلما قصيرا بثه مكتب حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية على شبكة الإنترنت، ويظهر فيه الكوميديان لاري ديفيد، وهو يحض الناس بأسلوبه التهكمي المُميز، على الامتثال للإرشادات والتعليمات الرسمية الصادرة لهم، لحمايتهم من الإصابة بفيروس كورونا، ومن بينها البقاء في المنازل. ويخاطب ديفيد مشاهديه في الفيلم قائلا: “ما بالكم أيها الحمقى، إنكم تهدرون فرصة رائعة للجلوس في مقاعدكم الوثيرة ومشاهدة التليفزيون طيلة اليوم!”.

لعل هذا ما يجعل الأزمة الحالية مختلفة عن سواها. فقد اعتدنا من قبل، أن نتلقى تحذيرات وتوجيهات صحية، تحثنا على فعل أشياء لا نشعر من الأصل بالرغبة الشديدة في القيام بها؛ من قبيل ممارسة التدريبات الرياضية لوقت أطول، أو زيادة محتويات وجباتنا الغذائية من الفواكه والخضروات. أما الآن، تبدو النصائح الرسمية الموجهة إلينا – وبشكل نادر من نوعه – أيسر في ما يتعلق بإمكانية الاستجابة لها؛ فهي لا تتجاوز الاستلقاء على الأريكة ومشاهدة التليفزيون بإفراط، والبقاء في المنزل، وهي كلها أشياء يُفترض أن تروق للجانب الذي ينزع للكسل، داخل كل منّا.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة في الواقع، وربما تكون قد أدركت أنت شخصيا ذلك بالفعل، بعد مرور بضعة أسابيع على تطبيق إجراءات الإغلاق الكامل. فقد تبين أننا لسنا مُبرمجين من الناحية البيولوجية، للقيام بأقل قدر ممكن من الجهد. ففي واقع الأمر، يشعر المرء بانتعاش كلما مارس نشاطا أكبر، أو حقق – على الأقل – توازنا صحيا بين انهماكه في العمل وقدرته على نيل الراحة الكافية في الوقت نفسه.

لا ينفي ذلك بالمناسبة، حقيقة أننا غالبا ما نفضل الخيارات الأكثر سهولة، والمضي على المسار الذي نلقى فيه صعوبات أقل، واتخاذ طرق مختصرة لتحقيق النجاح. فلو كان لديك جهاز تحكم عن بعد مثلا؛ لِمَ تكبد نفسك عناء النهوض من على أريكتك لتغيير محطات التليفزيون بنفسك؟ وهل من سبب يحدوك لأن تذهب إلى السوبر ماركت على دراجتك إذا كانت لديك سيارة؟ وما الذي يمنعك من الاكتفاء ببذل نصف الجهد الذي يبذله زميلك في العمل، طالما أن ذلك لن يؤثر عليك سلبا بأي شكل من الأشكال؟

فلا شك في أن ممارسة أي عمل أو القيام بأي جهد، ينطوي على إجهاد بدني أو ذهني، وهو ما يجعل من المنطقي أن يسعى كل منّا، لتجنب هذا العناء قدر الإمكان. وفي بعض الأوقات، نفعل ذلك دون زيادة أو نقصان، وهو ما يُعرف أحيانا باسم “مبدأ بذل أقل قدر ممكن من الجهد”، والمعروف عربياً باسم “قانون زيف”، وهو القانون الذي قد تحسب أن أحدا لم يشعر قط بأي ميلٍ لانتهاكه، لكن المفاجأة تتمثل في أننا ننتهكه بالفعل طوال الوقت.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

رغم أنه يسهل الآن الوصول إلى الكثير من القمم الجبلية دون عناء يُذكر، فإن الكثيرين يعتبرون الجهد اللازم لتسلقها جزءا من المتعة الناجمة عن بلوغها

فهل حلمت من قبل بألا تضطر لبذل أي جهد على الإطلاق؛ بأن تستلقي مثلا في أرجوحة شبكية طوال فترة ما بعد الظهر، مُحدقا في الأفق، ومنصتا إلى السكون الذي يحيط بك؟ رغم أن ذلك قد يبدو فكرة رائعة، فإننا قد نكتشف – عمليا – أن عدم الانخراط في أي نشاط والاستغراق في النوم بمناسبة ودون مناسبة، أمر يصعب علينا القيام به.

وقبل بضع سنوات، أُجريت دراسة شهيرة في جامعة فيرجينيا، شهدت إدخال أفراد عينة البحث فيها، واحدا تلو الآخر إلى غرفة خاوية من كل شيء، وليس فيها أي مصدر من مصادر تشتيت الانتباه أو إزجاء الوقت، فلم يكن معهم –مثلا – كتب أو هواتف أو أجهزة إلكترونية، كما لم يُسمح لهم بنيل قسط من النوم خلال فترة بقاء كل منهم في الغرفة. وتُرِكَ كل من هؤلاء بمفرده لـ 15 دقيقة، وقد ثُبِتَت على كواحلهم أقطاب كهربائية. وللوهلة الأولى، بدت هذه فرصة ثمينة لهؤلاء الأشخاص للاسترخاء الكامل، ولو لفترة قصيرة من الوقت.

لكن كيف سارت التجربة بالفعل؟ حسنا، قبل أن يُترك كل منهم بمفرده في الغرفة، أبلغه القائمون على الدراسة بأن ضغطه على زر جهاز كمبيوتر موجود بالداخل، سيؤدي إلى تشغيل آلة من شأنها إحداث صدمة كهربائية. المفاجئ أن 71 في المئة من المشاركين و25 في المئة من المشاركات، جربوا إحداث هذه الصدمة الكهربائية لأنفسهم مرة واحدة على الأقل خلال بقائهم في حالة العزلة هذه، بل إن أحد الرجال الذين شملتهم العينة، ضغط الزر 190 مرة، وهو رقم صادم في حد ذاته!

وهكذا تبين أن الإحجام عن فعل أي شيء هو أمر مؤلم بشدة، إلى حد أن الكثير من أفراد العينة فضلوا – بشكل عملي – إيلام أنفسهم، بدلا من تحمل الابتعاد عن أي مصدر للتشتيت أو الإلهاء، والكف عن القيام بأي عمل.

ومع أن هذه التجربة تشكل بطبيعة الحال نموذجا متطرفا من نوعه، فإننا نرى في حياتنا اليومية، أن الناس يختارون باستمرار فعل أشياء لا يحتاجون للقيام بها، حتى وإن كان ذلك مؤلما لهم في بعض الأحيان. مثال على ذلك، أولئك الأصدقاء الذين يقررون المشاركة في سباقات الماراثون، أو يُخضعون أنفسهم لأنظمة بدنية قاسية في صالات الرياضة. فهؤلاء يفعلون ما يزيد كثيرا عما هو مطلوب منهم، للحفاظ على صحتهم ولياقتهم البدنية. ولعل من بين الأمثلة التي يمكن ضربها في هذا الصدد، من يقومون برحلات شاقة في مناطق جليدية قارسة البرودة للوصول إلى القطب الشمالي أو الجنوبي، أو نظراؤهم ممن يقررون الإبحار حول العالم.

وقد اختار الباحث مايكل إنزليخت، من جامعة تورنتو الكندية، أن يطلق على ذلك مصطلح “تناقض الجهد”. ويشير هذا المصطلح، إلى أنه بينما نختار أحيانا الطريق السهل، ولا نبذل سوى أقل القليل من الجهد طالما أن ذلك لن يلحق بنا أي ضرر، فإننا نشعر في أوقات أخرى بتقدير أكبر لأهمية ما نصل إليه من أهداف، إذا ما حققناها بعدما اضطررنا لبذل جهد كبير لأجلها.

ومن هنا تمنحنا السعادة الخالصة التي ننعم بها بسبب بذلنا جهودا لنيل غاية ما، شعورا بالمتعة، يدفعنا لتجنب السعي للوصول إلى هذه الغاية، عبر الطرق المختصرة. ومن أمثلة ذلك، قضاء المرء ساعات طويلة في محاولات مضنية لحل مسابقة للكلمات المتقاطعة، بدلا من استخدامه محركا للبحث، يضمن له العثور على الكلمات المطلوبة بسرعة ودون عناء.

يتعلم كل منّا ذلك منذ نعومة أظفاره، فخلال طفولتنا نتعلم من خلال التجارب ومحاولات الإقناع كذلك، أن بذل المرء لجهود سيقود لحصوله على مكافأة، ما يجعلنا نعتاد بمرور الوقت أن نستمتع ببذل الجهد في حد ذاته. ويُعرف هذا باسم “الاجتهاد المكتسب عن طريق التعلم”.

ويُذكرّني ذلك برحلة قمت بها منذ أكثر من عشرين عاما، عندما كنت أهوى السفر والترحال. إذ زرت حينذاك بحيرات “كيلي موتو” الواقعة في جزيرة فلوريس الإندونيسية، والتي تتميز بتغير ألوان مياهها كل بضع سنوات، ما يُكسبها مظهرا غامضا ومذهلا في آن واحد.

ورغم الطابع الأخاذ الذي يتسم به هذا المكان، فإن من بين أسباب بقاء رحلتي له في ذاكرتي، تلك الجهود المضنية التي اضطررت وشريكي في الرحلة لبذلها للوصول إليه. فللذهاب إلى هذه البحيرة، قضينا أياما على متن قارب ثم حافلة، قبل أن ننتقل إلى شاحنة صغيرة مقفلة، سارت بنا لعدة ساعات فوق طريق وعر غير ممهد، وسط رياح عاصفة، ما جعلنا نكلف شخصا ما بتحضير أكياس للتقيؤ فيها، تخلصنا منها فيما بعد.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

في الأوقات العادية؛ لا يأخذ الكثيرون منّا فكرة نيل قسط من الراحة على محمل الجد بما فيه الكفاية

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أعقب هذه الرحلة قضاؤنا ليلة في نُزل قذر تفوح منه رائحة العرق، وُضِعَت على أَسِرَتَه حشايا غير مستوية، تعج بالصراصير. وفي الرابعة من فجر اليوم التالي، كان علينا ركوب حافلة صغيرة لقطع المرحلة الأخيرة من الرحلة، صعودا إلى البحيرات.

وهكذا فرغم ما كابدناه من معاناة لبلوغ هذا المكان، فقد كان ذلك يمثل في مجمله جزءا من التجربة في حد ذاتها. وعندما وصلنا إلى هناك، لا زلت أذكر أننا وجدنا غير بعيد عن منطقة الإطلال على البحيرة، مكانا مُعدا لهبوط المروحيات، التي يصل بها حسبما يُفترض السائحون الأعلى دخلا. لكننا لم ننظر لهؤلاء – رغم ذلك – بعين الحسد؛ فهل وصولهم بهذه السهولة للبحيرات جعلهم يشعرون بالتقدير الواجب لجمال منظرها كما شعرنا أنا وصديقي مثلا؟ كلا على الأغلب.

وربما يشكل ذلك السبب في أن متسلقي الجبال، يفضلون تحمل مشاق من قبيل التخييم على جرف صخري عالٍ ذات ليلة، أو التدلي من على حافة جبل في طقس متجمد، بدلا من تفضيل الخيار السهل والصعود إلى القمم الجبلية كالسائحين، واستخدام وسائل نقل باتت متوافرة الآن، لبلوغ كثير من المناطق المرتفعة، مثل القاطرات المُعلقة (التليفريك) وغيرها.

وحتى إذا كان المرء لا يستطيع أن يتفهم أو يستشعر مشاعر الحماسة والانفعال والنشوة التي تراود متسلقي الجبال، بفعل ما يتكبدونه من جهود وما يواجهونه من مخاطر، في تسلقهم للقمم الجبلية، فبوسع غالبيتنا تفهم ما يُعرف بـ “تأثير آيكيا”، نسبة إلى شركة عالمية متخصصة في صناعة الأثاث تحمل الاسم نفسه، وتبيع منتجاتها مفككة إلى أجزاء لعملائها، على أن يقوموا هم بتركيبها. ويعني هذا المصطلح، أن البشر يشعرون بتقدير أكبر للأدوات المنزلية، إذا تولوا تركيبها بأنفسهم.

ونفهم من كل ذلك أن الاستلقاء على الأريكة ومشاهدة التليفزيون، لا يشكلان سوى إحدى وسائل إزجاء الوقت، خلال فترة البقاء في المنزل، امتثالا لتدابير الإغلاق والحجر الصحي. فبرغم أننا قد نظن أنه من الممتع أن نمضي أسابيع دون القيام بأي شيء سوى الاسترخاء، فإن ذلك يصيبنا في حقيقة الأمر بالحيرة والارتباك والتشوش. فإذا لم تكن مريضا أو بحاجة للراحة، فسيؤدي إجبارك على نيل فترة طويلة منها وبشكل قسري، إلى إحساسك بالضجر والقلق والتوتر، لا بالاسترخاء. ومن هنا، نحتاج خلال فترة الإغلاق الحالية، لتلمس سبل من شأنها تمكيننا بقدر الإمكان، من أن نحقق التوازن بين العمل والاسترخاء، على أفضل نحو يمكننا الوصول إليه في الأوقات العادية.

من هذا المنطلق، من المهم بالنسبة لنا أن نحرص في حياتنا على ممارسة تمارين رياضية وتحديد مهام لأنفسنا لإنجازها، والقيام بما هو مجهد وصعب كذلك. وربما يكون مفيدا في هذا الصدد، الاطلاع على ما ورد في كتابٍ لعالم النفس ميهالي تشيكسينتميهايي، يحمل اسم “التدفق: علم نفس خوض التجارب المُثلى”، والذي يتضمن أنشطة تعزز ما أطلق عليه مؤلفه اسم “التدفق”. ومن بين هذه الأنشطة، الرسم والبستنة وحل الأحاجي والألغاز، وهي أمور يستغرقك الانخراط فيها بشدة، إلى حد يجعلك لا تشعر بمرور الوقت، ولا يساورك الشعور بالقلق بأي شكل من الأشكال.

في النهاية، يمكن القول إن الجانب الأكبر منّا، لا يأخذ مسألة الحصول على قسط من الراحة، على محمل الجد بشكل كافٍ، في الأوقات العادية. ولذا ففي فترة استثنائية كتلك التي نعيشها الآن، يتعين علينا اغتنام الفرصة الحالية للحصول على قدر أكبر من الراحة إذا استطعنا، ولأن نجعل هذا الضرب من التوازن بين العمل والاسترخاء، جزءا من حياتنا في مرحلة ما بعد انتهاء إجراءات الإغلاق.

لكن سيظل الدرس المستفاد من الفترة العصيبة الراهنة، هو اكتشافنا أننا لسنا مخلوقات كسولة بالفطرة، وإدراكنا أن نيل قدر أكبر من الراحة والانخراط في أنشطة أقل، ربما سيتطلب مبدئيا – وعلى نحو غريب من نوعه – بذل الكثير من الجهد!

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى