السعودية: لماذا اضطرت المملكة إلى فرض إجراءات تقشف “مؤلمة”؟
[ad_1]
ربما لم يأتِ إعلان وزير المالية السعودي محمد الجدعان في 11 مايو/أيار عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات “المؤلمة”، لمواجهة الآثار المالية والاقتصادية لأزمة كورونا، كمفاجئة بالنسبة لكثير من السعوديين. فالوزير السعودي كان قد صرح في مقابلة تلفزيونية مطلع الشهر الجاري أن السلطات في المملكة في صدد النظر في إقرار إجراءات تقشفية وأن “جميع الخيارات مفتوحة” طالما لم يتم المس بالخدمات الأساسية للمواطنين، وهو ما اعتبرته وكالة بلومبيرغ وقتها تغيراً في لهجة الوزير الذي كان حتى أواخر أبريل/نيسان يتحدث عن أن الدولة السعودية تتعامل مع التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا من “منطق قوة”.
لكن تمحور معظم الإجراءات الأخيرة حول أمور تمس الحياة اليومية للمواطن السعودي، حيث قامت السلطات برفع ضريبة القيمة المضافة من 5٪ إلى 15٪ بدءا من يوليو/تموز، وبإلغاء بدل غلاء المعيشة لموظفي القطاع العام بدءاً من يونيو/حزيران، خلق كثيراً من الجدل حول الخيارات التي اعتمدتها الحكومة السعودية لزيادة الإيرادات وخفض الإنفاق والذي شمل أيضاً إلغاء أو تأجيل بعض النفقات التشغيلية والرأسمالية لجهات حكومية فضلاً عن تأجيل عدد من المشروعات المرتبطة برؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل سنوات.
مواطن الإنفاق
الوزير محمد جدعان قال إن ما تم اتخاذه من إجراءات، علي الرغم من صرامتها وصعوبتها، يشكل خطوة ضرورية لحماية الاقتصاد السعودي والمحافظة على الاستقرار المالي للمملكة على المدى المتوسط والبعيد، مشيراً إلى أن الضغط على المالية العامة للدولة السعودية وصل إلى مستويات يصعب التعامل معها نتيجة لتعرض الاقتصاد السعودي لثلاث صدمات هي تراجع الطلب العالمي على النفط نتيجة للإغلاقات التي عرفتها دول عدة لمواجهة انتشار فيروس كورونا ما انعكس سلباً على أسعار النفط، وبالتالي على الإيرادات النفطية للخزينة السعودية. إضافة إلى تراجع الإيرادات غير النفطية للمملكة نتيجة لتوقف الأنشطة الاقتصادية في السعودية في إطار جهودها لمنع انتشار الوباء، وأخيراً زيادة النفقات غير المخطط لها والمتمثلة بدعم القطاع الصحي السعودي بمبالغ إضافية ليتمكن من التعامل مع الوباء.
لكن منتقدي هذه الإجراءات يشيرون إلى مواطن أخرى للإنفاق أرهقت المالية السعودية على مدى سنوات ما حد من قدرتها على التعامل مع تبعات أزمة كورونا دون الاضطرار إلى رفع الضرائب أو نزع مزايا كانت الدولة قد منحتها للناس في وقت سابق.
يشير المنتقدون في هذا الصدد إلى انخراط السعودية في حرب اليمن والذي لم يحقق حتى الآن الكثير من التقدم مقارنة بالأثمان الباهظة التي دفعتها المملكة سواء بالإنفاق على الحرب بشكل مباشر أو بجعلها عرضة لهجمات الحوثيين التي تستهدف مدن المملكة ومنشآتها. منتقدو الإجراءات الحكومية يشيرون أيضاً إلى الإنفاق الكبير على شراء الأسلحة وخاصة من الولايات المتحدة التي يرى كثيرون أنها تحولت في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى مبتزّ للأموال السعودية. ويرى هؤلاء أن اضطرار السلطات السعودية إلى البدء بإجراءات “تقشفية” تتضمن زيادة الإيرادات من الضرائب أو عبر الاستدانة بطرق مختلفة، لتغطية هدر الإنفاق، بدأ قبل انتشار فيروس كورونا، وأن جل ما تسبب به انتشار الفيروس هو تسريع أزمة كانت ستصيب الاقتصاد السعودي لا محالة.
تعثر رؤية 2030
قد يشكل الخطاب الرسمي السعودي حول رؤية 2030 وغيرها من المشاريع التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان دافعاً لكثير من الانتقادات التي تواجه الدولة السعودية وكيفية إدارتها للاقتصاد. فبينما لا يغيب عن خطاب الماليين الرسميين السعوديين الاعتراف بالأثر السلبي الذي يتركه تذبذب أسعار النفط عالمياً- والذي تساهم فيه السعودية نفسها أحيانا، كما في حرب الأسعار التي بدأتها مع روسيا مطلع العام الجاري- على المالية السعودية، إلا أن أي نقد ذاتي للمشاريع التي تحمل “رؤية” الأمير محمد بن سلمان أو لأسبابها، أو مدى نجاحها أو تعثرها، يغيب بشكل شبه كامل عن الخطاب الرسمي السعودي.
ومع أن الإجراءات المعلن عنها أخيراً تضمنت تأجيل عدد من المشروعات المرتبطة برؤية 2030، إلا أن المتابع للتصريحات الرسمية حتى وقت قريب يجد حديثاً عن استمرار العمل بمشروع مثل مدينة نيوم، والتي تشكل جوهرة التاج في رؤية 2030 بميزانية تبلغ حوالي 500 بليون دولار، كما هو مخطط له. وبغض النظر عن إجراءات خفض الإنفاق المرتبطة بمشروعات 2030 بشكل مباشر، فإن كثيراً من المحللين يتوقع أن يكون لانعكاسات فيروس كورونا والإجراءات التقشفية المرتبطة به -والتي لا يتوقع أن تنتهي عند ما تم الإعلان عنه، آثاراً سلبية كبيرة على رؤية 2030.
فالرؤية تعتمد في جزء كبير منها على تعزيز الاستثمار في القطاع الخدمي والترفيهي من قبل مستثمرين محليين ودوليين، وبعيداً عن تعرض صورة المملكة كمركز لجذب الاستثمارات العالمية للاهتزاز بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فإن القطاعات الخدمية والترفيهية ستكون من بين أكثر القطاعات المتضررة في ظل القيود المفروضة حول العالم والركود الاقتصادي المتوقع عالمياً بسبب الفيروس. لكن واحداً من الأمور المقلقة التي يرى كثيرون أنها قد تنجم عن تعثر رؤية محمد بن سلمان الاقتصادية، هو عدم قدرة السلطات السعودية على الوفاء بوعودها بمستقبل اقتصادي مشرق والذي كان أحد أسباب التفاف شريحة الشباب التي تمثل أغلبية سكان المملكة حول ابن سلمان.
هل هي ضريبة غير عادلة؟
في هذا الإطار يبرز القرار السعودي بوقف صرف بدل الغلاء المعيشي، ورفع ضريبة القيمة المضافة، كواحد من الأمور التي وإن كان لها مبرراتها، إلا أنها قد تقود إلى أثمان سياسية باهظة. تحاجج الدولة السعودية في أن بدل الغلاء المعيشي الذي تم إيقافه كان في الأصل بدلاً مؤقتاً، بدأ قبل حوالي ثلاث سنوات مع ارتفاع أسعار النفط وكان يتم تجديده بشكل سنوي. وعليه فإن تراجع سعر النفط عالمياً والذي سينعكس على أسعار الوقود في المملكة يبرر وقف هذا البدل. أضف إلى هذا، والحجة لمؤيدي القرار، أن حالة الإغلاق التي تشهدها المملكة والعالم تعني تراجع الإنفاق بشكل عام وتركزه على الأساسيات ما يعني تقليل الأثر الذي سيشعر به المواطن السعودي نتيجة إلغاء البدلات. تساق حجج شبيهة عند الحديث عن رفع ضريبة القيمة المضافة، بينما تؤكد الدولة السعودية أن الطبقات الأكثر ضعفاً، لن تتأثر في ظل استمرار نظام الحماية الاجتماعية وما يعرف محلياً بحساب المواطن، والذي يقدم الدعم لذوي الدخل المحدود من المواطنين.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في نظر كثيرين في أن قدرة الدولة على توفير رفاه مادي لمواطنيها، دائماً ما شكل مرتكزاً أساسياً في العلاقة بين المؤسسة الحاكمة والمواطنين في السعودية وغيرها من الدول الخليجية. وبينما لا تستطيع السلطات السعودية اللجوء إلى فرض ضريبة تصاعدية كضريبة الدخل، في ظل تشكيل العمالة الوافدة حوالي 70٪ من سوق العمل، وارتباط فرض ضريبة على دخل هؤلاء بمنحهم حقوقاً قد تنتهي بالمواطنة، تجد السلطات السعودية نفسها مضطرة إلى فرض ضرائب استهلاكية لزيادة إيراداتها، لكن هذا يضعها في إطار تنامي الاستياء بين المواطنين، الذين يرون ضريبة تفرض على الجميع دون مراعاة فوارق الدخل، أو على الأقل مطالبتهم بحقوق سياسية في مقابل ما يدفعونه من ضريبة.
عمالة وافدة
الحديث عن العمالة الوافدة، التي تصل إلى حوالي 7 ملايين وافد نصفهم من العمالة غير الماهرة، يقود إلى الحديث عن القطاع الخاص ومدى تأثره بالإجراءات السعودية الأخيرة، إذ تشكل العمالة الوافدة العصب الأساسي لهذا القطاع، في ضوء ميل كثير من السعوديين، حتى الآن، إلى العمل في القطاع الحكومي. يعتمد القطاع الخاص – والحديث عن المؤسسات الكبيرة- في جزء كبير من أعماله على تنفيذ المشاريع الحكومية المختلفة وبالتالي فإنه ليس من الصعب رؤية انعكاس تقليص الإنفاق الحكومي وتأجيل مشاريع الجهات الحكومية على صحة هذا القطاع. وتقف العمالة غير الماهرة كأكثر المتضررين من مثل هذه الانعكاسات. يدلل هذا على أن لتعثر الاقتصاد السعودي أو انكماشه آثاراً تتجاوز السعودية نفسها لتؤثر على دول عدة في المنطقة بل وأبعد.
في مثل هذا الوقت ترتفع الأصوات التي تنادي بتوطين الوظائف في مختلف القطاعات وتقليل نسبة البطالة العالية بين السعوديين. أصوات ترى في الأزمة الحالية وما قد ينجم عنها من استغناء عن العمالة الوافدة فرصة تولد من رحم معضلة، لكن هؤلاء لا يطرحون رؤية حقيقية لكيفية إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الوافدة في ضوء نقص الخبرات والمهارات السعودية في عدد لا بأس به من القطاعات الحيوية والتي ستحتاجها السعودية لإعادة النهوض باقتصادها بعد انحسار أزمة كورونا.
برأيكم:
هل الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية ووصفتها بـ”المؤلمة” ضرورية؟
هل كان أمام السلطات السعودية بدائل أخرى للحد من الإنفاق وزيادة الإيرادات؟
كيف تتوقعون أن تكون ردة فعل المجتمع السعودي بعد دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ؟
هل تتوقعون أن تقود زيادة الضرائب إلى تصاعد المطالبات بالتمثيل السياسي؟
كيف ترون مستقبل العمالة الوافدة في السعودية؟
وهل تتوقعون أن يتعافى الاقتصاد السعودي من تبعات أزمة كورونا قريباً؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 15أيار/مايو من برنامج نقطة حوار في الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش.
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442031620022.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم المشاركة بالرأي على الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: https://www.facebook.com/hewarbbc أو عبر تويتر على الوسم @nuqtat_hewar
[ad_2]
Source link