عيد الأم: كيف أصبحت أما؟ وهل كان قرار الإنجاب صائبا؟ أمّهات تتحدّثن عن تجاربهن
[ad_1]
أسأل نفسي وأنا أنظر إلى ابني الآن، هل كان قرار إنجابه صائبا؟ ما ذنبه في كل ما يحدث الآن هنا؟
قرار إنجابه خاص بي وبوالده فقط، لا رأي له فيه!
أخشى الآن إن أصابه شيء أن أرى نظرة عتاب في عينيه: “لماذا يا ماما؟” لن أستطيع ساعتها أن أجيب.
تحوّل قلقي هذا إلى هاجس وأنا أصُب كل تركيزي على أن لا يدخل فيروس كورونا بيتنا وأن يبقى بعيدا عن ابني ذي الثلاثة أعوام.
لكن هذه الأسئلة لم تغب عني قبل أن اتخذ قرار الإنجاب. فكّرت كثيرا في ما إذا كان القرار صائباز وما إذا كان هذا العالم الذي نعيش فيه عادلا بما يكفي لاحتضان طفل صغير.
حسبت مخاطر كثيرة في طريقي لاتخاذ القرار. لكنّي استسلمت أخيرا لرغبتي الجامحة في أن أكون أما.
ركّزت على كل ما من شأنه أن يطمإنني بأن ابني أو ابنتي سيعيشان بأمان وبفرح. أنا أعيش في بريطانيا حيث لا حروب ولا مجاعات.
سيتلقّى تعليما جيدا ورعاية صحية جيدة وستكون الآفاق مقتوحة أمامه بعد التخرّج.
سنعمل بكل ما بوسعنا أنا ووالده لضمان أن يتمتع بحياة متوازنة وطفولة سعيدة هانئة. فكّرنا أيضا في ضرورة ادخار مبلغ مالي يساعده في الدراسة الجامعية حتى لا يضطر للاقتراض من الدولة ويتعب في سداد الدين لاحقا.
اعتقدنا أن هذه ضمانات كافية لأن يكون قرار إنجابه صائبا.
لم نفكّر وقتها أن لمسة من يد أحدنا قد تنقل له وباء.
حتمية الأمومة بحكم الطبيعة
مهما اختلفت تجارب طفولتنا باختلاف ظروف عيشنا والأطر المكانية والزمانية، تبقى خطوتا الزواج والإنجاب ثابتتين في مسيرة حياة كل منّا في نظر من حولنا.
قد لا يهمّهم كثيرا إصرار الولد على أنه لن يتزوّج. فيقولون في أنفسهم “دعه يقول ما يريد، سيتزوّج في نهاية المطاف”.
الأمر يختلف قليلا إذا قالت الفتاة إنها لا تنوي الزواج، قد لا يأخذ البعض كلامها على محمل الجد إلى حد ما. لكنّهم في الغالب لن يسمحوا لها حتى بالتفكير في هذا الاتجاه.
بحكم الطبيعة وسيادة قانونها، هي امرأة ستتزوج وتنجب لتصبح أما. لاخيار أمامها.
هذا الافتراض يتسرّب إلى الفتاة ليستقر في عقلها الباطن يتحوّل قناعة ستطفو حتى لو حاول عقلها قمعها. قد يتأخر زواجها أو قد تفكّر في عدم الإنجاب لكنها بحاجة إلى إصرار وقوة كبيرين لتنفيذ أي من هذين القرارين.
تقول أمل جربي، صديقتي التونسية “بعد سنة من الزواج لم يكن قرار الإنجاب مطروحا بالنسبة لي. كنت أعتبر مدّة السنة أقل ما يمكن اعتماده زمنيا للتأسيس الفعلي لأسرة وبناء أسس صلبة وحقيقية للعلاقة داخل منظومة لطالما كنت اعتبرها إطارا اجتماعيا مجحفا. إلى أن جاء اللقاء الذي تغيرت على إثره جميع مخططاتي.
كان نقاشا فيه شيء من الحدّة، ذلك الذي دار بيني وبين صديقة عزيزة جدا لقلبي، تصغرني سنا وتكبرني تجربة في الزواج وتربية الأطفال. هي التي رجّتني حينما نبّهتني إلى سنّي ساعتها، فقد تزوجت نسبيا في سن متأخرة. تلك الجملة لازلت أذكرها: يجب أن تقرري اليوم ونهائيّا إن كنت ستنجبين أم لا.
وبعد تفكير مطوّل ومحاولات إقناع متعدّدة لزوجي الذي كان يعتبر حينها جاهزيتنا للأمر منقوصة أو شبه منعدمة على المستوى المادي خاصة.
بشكل ما وضعته أمام الأمر الواقع واستخدمت سلطتي الأنثوية في تقرير الحمل.”
إيناس حسين اللبنانية، تقول إنها تزوّجت لأنها أحبّت لا لأنها امرأة يجب أن تتزوّج.
لم تكن “غريزة الأمومة” دافع إيناس للإنجاب. لم تجتحها الرغبة الكبيرة في أن تكون أمّا. ولم تفكّر أيضا في أن الأمومة قد تعيقها عن تحقيق تقدّم علمي أو مهني أو الوصول إلى ما تطمح إليه.
كان زوجها حينها الراغب في الإنجاب فأقنعته بتأجيل القرار سنتين أنجبا بعدهما ولدهما “دانيال”.
إيناس انفصلت عن زوجها لكنها لم تندم على قرار الإنجاب. بالعكس هي سعيدة الآن بوجود ابنها الذي تصفه بالرفيق.
ما الذي تغيّره فينا الأمومة؟
هل يتفق الجميع على المعنى غير اللغوي للأمومة؟ ربّما لا!
تعيش كل امرأة أمومتها بأسلوبها المتأثر حتما بظروف عيشها وبما رسخ في ذهنها من معارف وما ترسّب في تكوينها من تجارب.
لكن الأصل في الأمر الارتباط الوثيق لدرجة الانصهار بين الأم وأطفالها.
هم جزء منها، انفصلوا عن جسدها واحتفظوا ببعض من روحها يكون جسر التواصل الأبدي بينهم.
يولد مع الأطفال في عقل الأم شعور قوي بالمسؤولية يصاحبها حتى وفاتها. لا يغير فيه تقدم الأطفال في العمر شيئا. هكذا هي طبيعة الأمر.
فتكون لحظات الولادة فاصلة بين المرأة والأم.
كتبت لي أمل جربي “لم يكن من السهل علي في البداية التقيّد بمواعيد والتزامات لا تنتهي. الطلبات لا تتوقف وأصعبها العاطفية.
الطفل يولد إنسانا مكتمل الحس والإدراك منذ لحظاته الأولى وأصعب فصل في كتاب التربية هو الفصل النفسيّ. وذلك يقتضي الكثير من نكران الذات، دعينا لا نستخدم كلمة تضحية.
لنكن صادقين، من الصعب التوفيق بين متطلباتنا الذاتية وما يطلبه الطفل من حق في الحب والاهتمام والترفيه والحصول على أفضل الممكن. علاوة على كل التنازلات التي نصطدم بها لكي نوفّر لهم وضعا ماديا مريحا. الأمومة قرار خطير جدا لازال البشر يتعاملون معه كفعل آلي لحفظ النسل والحصول على شهادة الخصوبة.”
تقول إيناس إن أمومتها أثرت على علاقتها مع عائلتها. صارت أكثر تفهما وأكثر استيعابا لهم وصارت “تحب أمها أكثر”.
على الصعيد الشخصي تقول إيناس إن وجود طفل في حياتها جعلها أكثر تنظيما وأكثر جدية في التعامل مع الوقت ومع مسؤولياتها اليومية. وإن ابنها حوّلها من إنسانة “فوضوية” إلى “منظّمة” ومن امرأة مغامرة في قراراتها إلى امرأة تفكّر أكثر من مرّة قبل اتخاذ القرار لأنها تفكّر “عن شخصين” كما تقول.
أصبحت إيناس الأم أقوى نفسيّا. وتخّلت عما تصفه بالترف في التعامل بانفعال مع بعض المواقف.
نعم بالفعل، يدفعك طفلك نحوة تخطّي حدود احتمالك جسديا ونفسيا.
جسديا، ألم الولادة قد يكون أشد ألم يتعرّض له الجسد. تجربة تجعل كل ألم دونها أقل أثرا وترفع قدرة المرأة على تحمّل الألم.
وفي علاقة بطبيعة الشخص وعاداته، تعتبر الأمومة السلاح القاتل للكسل مثلا.
قد أقضي اليوم من دون وجبة كاملة لأني لا أريد أن أطبخ إذا كنت وحدي، لكني سأطبخ بالتأكيد إذا كان ابني معي، مهما كانت درجة كسلي وتعبي.
وبالقياس على ذلك تتغلّب مسؤوليتك تجاه ابنك على كل عادات الكسل وعلى كل شعور بالتعب أو الملل.
أذكّر نفسي دائما: ليس من حقك أن تضعفي أو تهِني وهناك من يمسك إصبع يدك ليشعر بالأمان.
لم أكن قبل إنجاب ابني أفكر في الموت. هو نقطة النهاية في سير حياتي فقط.
لكنّي الآن أفكر في موتي وما بعده، لأن حياتي الآن ليست لي. لابني فيها الجزء الأكبر. حتى الموت أصبح ذنبا حين أصبحت أما.
فرح الأمومة
الأمومة بكل ما فيها من قلق ووجع وتعب، هي فرح دائم. انتصارات يومية متجدّدة.
تنتصر الأم إذا نجحت في إسكات رضيعها الباكي أو إشباع جوعه أو إقناعه بالنوم في سريره.
تنتصر عندما يخطو أولى خطواته دون مساعدة وعندما يأخذ طبقه إلى المطبخ حين ينتهي من الأكل.
تولد الأم من جديد إذا قال الطفل “ماما”.
وصفت إيناس ابنها بالرفيق وقالت إنها تتعلّم معه ومنه.
وكتبت أمل عن ابنها “ياسين”: “كان في البداية كائنا لا أعرفه لكن علي أن أوفر له الحياة الأفضل. ثم مع مرور الوقت بدأنا نتواصل وصار ارتباطنا عضويا كصديقين حميمين لا يفترقان. تعلّمت منه الصبر والمثابرة ووجدت نفسي أتغيّر تدريجيا إلى أن أتت ابنتي “علياء” وكنت قد اكتسبت الكثير من الخبرة”.
الطفل انتصار أيضا للأم التي لم تُمنح فرصة اتخاذ قرار الإنجاب، لأن “الإنجاب وظيفتها الأساسية”.
في بعض المجتمعات لا قيمة للمرأة إن لم تنجب ذكرا يرث الإسم والمال ويضمن تواصل النسل. فيكون المولود الذكر أكبر إنجازات الأم وضمانا لحصولها على مكانة رفيعة في العائلة والمجتمع.
وإن ولدت الأم بنتا، فلها بذلك شرف الخصوبة في انتظار أن تتوّج انتصاراتها بولادة الذكر.
[ad_2]
Source link