حماية التراث اليهودي في مصر .. فصل جديد من العلاقات أم استعادة للتاريخ؟
[ad_1]
قد يبدو الحديث عن علاقة بين اليهود ومصر مثيرا للكثير من التوجس التاريخي عند البعض، فبحسب الروايات التوراتية والقرآنية فإن خروج اليهود من مصر كان حدثا مليئا بالصراعات والمواجهات.
إلا أن مصر تشهد الآن ما قد يبدو في أعين البعض تغييرا في طبيعة للعلاقة بين اليهود ومصر التي عاش فيها الكثير منهم في النصف الأول من القرن العشرين قبل أن تتدخل السياسة وتفسد حياتهم.
فالأخوان الأستراليان أليكس وجاك مارس قصدا مصر للمرة الأولى لزيارة منزل جدهما اليهودي المصري نسيم مارس الذي تركت عائلته البلاد بعد اشتعال الصراع العربي – الإسرائيلي عام 1948 ولم يعد أحد منهم أبدا منذ ذلك الوقت.
ويقول الأخوان مارس إن زيارة معبد “إلياهو هانبي” الذى تم افتتاحه مؤخرا بعد الترميم هي ركن أصيل فى الزيارة الأولى لأرض الأجداد.
المعبد التاريخي
أعادت الحكومة المصرية افتتاح معبد إلياهو هانبي في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بعد إغلاقه لأكثر من عامين.
وتكلفت عملية الترميم نحو 70 مليون جنيه مصري أى نحو أربعة ملايين دولار تحملتها الحكومة المصرية بالكامل، بعد أن رفضت تلقي أي تبرعات من جهات أجنبية.
ويعد هذا المعبد من أقدم معابد اليهود في الإسكندرية حيث يتعدى عمره 166 عاما، وتم إنشاؤه في عام 1354، إلا أنه تعرض للقصف خلال الحملة الفرنسية ثم أعيد بناؤه مرة ثانية عام 1850 بمساهمة من أسرة محمد علي الحاكمة آنذاك.
ويمتاز هذه المعبد بطراز معماري فريد، كما يسع لسبعمئة مصلٍ، ويضم مكتبة بها 63 نسخة قديمة من التوراة، إلى جانب مجموعة من الكتب يعود تاريخ بعضها إلى القرن 15.
استقبل هذا المعبد مؤخرا عشرات اليهود ذوي الأصول المصرية.
ونشرت صفحة “إسرائيل بالعربية”، وهي صفحة رسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقاطع مصورة لهذه الصلاة النادرة.
طائفة إلى زوال
لم تقم صلاة لليهود في مصر منذ عشرات السنين إذا يتطلب إقامة صلاة ألا يقل عدد المصلين عن 10 رجال فوق 13 عاما، وهو أمر مستحيل بالنسبة للطائفة اليهودية بمصر.
حيث تراجع عدد أفراد الطائفة من نحو 80 ألفا في أوائل القرن الحادي والعشرين إلى 6 سيدات عجائز أصغرهن تجاوز عمرها الـ 60 عاما.
وتقول أصغر أفراد الطائفة سنا ورئيستها ماجدة هارون لبي بي سي إن “أفراد الطائفة هاجروا من مصر بعد حرب عام 1948، وإقامة دولة إسرائيل، حيث تغيرت النظرة لليهود في ذلك الوقت وساد الاعتقاد بأن ولاءهم سيكون لدولة إسرائيل.
ويرى مؤرخون أن الضربة الحاسمة ليهود مصر جاءت مع حرب عام 1956، التي شاركت فيها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر، “فتمّ اعتقال عدد كبير منهم بطريقة عشوائية، ووُضعت أموالهم تحت الحراسة”.
وبعد حرب 1967 بين مصر وإسرائيل وُجِّهت لليهود في مصر ضربات أكثر حدة فتقلص عددهم في البلاد بشكل غير مسبوق.
وأضافت ماجدة إن الطائفة اليهودية في مصر اليوم في طريقها إلى الزوال، وعلى الجميع أن يتعاون لحماية التراث اليهودي والحفاظ عليه باعتباره جزءا من تاريخ هذا البلد، ومطمعا تسعى “دولا بعينها” للاستيلاء عليه.
خطة حكومية
وبحسب ماجدة يوجد في مصر نحو 14 معبدا يهوديا ومقابر ونسخ تاريخية من أسفار التوارة فضلا عن ثلاث مكتبات تعج بمئات الكتب النادرة المكتوبة باللغة العبرية والعربية وثلاث مدارس.
فضلا عن أكثر من 200 ألف وثيقة يعود أقدمها إلى القرن الـ11 الميلادي، عثر عليها في “جنيزة كنيس بن عزرا”. وتتنوع هذه الوثائق بين عقود زواج وطلاق ومواليد لليهود في العصور الوسطي.
ويبدو أن دعوات ماجدة لحماية التراث اليهودي، لاقت صدى رسميا.
فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تحدث في أكثر من مناسبة عن “عودة اليهود المصريين” – ما أثار ضجة وتأويلات متعددة وقتها- وتعهد بتنظيف المقابر وحماية التراث.
وفي السياق نفسه، شكلت وزارة الآثار لجنة “جرد وحصر وتسجيل الآثار اليهودية” في إبريل/ نيسان عام 2018 ، حيث انتهت من تسجيل مجموعة من مقابر اليهود بالإسكندرية وجنوب القاهرة.
وانتهت هذه اللجنة وفق تصريحات لمصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار إلى تسجيل عدد من المعابد اليهودية في القاهرة والإسكندرية وبعض مدن الدلتا، وأصبحت هذه الآثار خاضعة لقانون حماية الآثار الذي يلزم الحكومة بالحفاظ عليها وترميمها ووضعها على خريطة الزيارات والمناطق الآثرية.
كما أعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2018 عن خطة لتخصيص مليار و270 مليون جنيه مصري أى نحو 200 مليون جنيه إسترليني لتجديد التراث اليهودى في البلاد.
وأثار إعلان عن هذه الخطة ردود فعل متباينة، بين من يعتبر هذه الآثار جزءا من التراث الإنساني للمصريين، ومن يعتبرها إهدارا للمال العام على مبان قد لا يرتادها أحد.
ليعود وزير الآثار ويقول إن المبلغ الذي أعلن عنه مُخصص لترميم كل الآثار وليست اليهودية فقط.
وفي تصريحات لبي بي سي قال وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني إن “الهدف من هذه الخطط هو تعزيز السياحة الدينية، فضلا عن توجيه رسالة قوية للعالم بأن مصر تحترم جميع الطوائف والشعائر الدينية، وأن الحكومة تهتم بالتراث في مختلف العصور، كما تعمل علي تطوير ما تبقي من هذا التراث”.
تحركات شعبية
وتقول ماجدة هارون إن دعواتها للمساعدة في حماية التراث اليهودي، لاقت صدا شعبيا أيضا.
وتضيف ” بدأ الشباب المصري في سؤالي كيف يمكننا المساعدة؟ ففكرت في إضافة هدف جديد لجمعية قطرة اللبن، التي كانت مخصصة قبل نحو مائة عام لمساعدة الفقراء من اليهود، بحيث تتولى حماية والحفاظ على التراث اليهودي ودمج هذا الشباب المصري للقيام بهذا الدور”.
وأصبحت جمعية قطرة اللبن منذ عام 2016 معنية بحماية والحفاظ على التراث اليهودي، بمساعدة فريق من المتطوعين يضم 30 شابا وفتاة من المسلمين والمسيحيين.
و تؤكد ماجدة ” أنا اليهودية الوحيدة في الجمعية ، البقية جميعهم من المسلمين والمسيحيين المؤمنين بضرورة الحفاظ على التراث باعتباره تراثا إنسانية “.
صداقة غير مألوفة
بين المتطوعين، قابلنا مروة أبو دقة وهي مصرية من أصل فلسطيني، ولدت في غزة خلال الانتفاضة الأولي ضمن جيل سمي بـ “أطفال الحجارة” وتعيش في مصر.
تقول مروة لبي بي سي إنها كفلسطينية لم يكن سهلا عليها أن تتجاوز الخلط بين ما هو يهودي وما هو إسرائيلي ” لكن الحالة المتدنية التى كانت عليها المعابد والمقابر اليهودية في مصر ذكرتنى بحال البيوت التى ٌأُجبرت عائلتي على الخروج منها في فلسطين عام 1948″.
وأضافت ” لا أستطيع أن أساعد في حماية التراث الإنساني الذى تركه أهلى ورحلوا ، لكن في مصر أستطيع المساعدة في حماية تراث إنساني آخر، فالتراث ملك الجميع والاهتمام به مسؤولية الجميع”.
تتولى مروة وماجدة وبقية المتطوعين تنظيف المقابر، والمعابد، وحصر الممتلكات الموجودة داخل المعابد، فضلا عن أرشفة الكتب الموجودة في المكتبات الملحقة بالمعابد وبمقر الطائفة اليهودية، وتنظيم الفعاليات، والاحتفالات بالأعياد الدينية بالإضافة إلي تنظيم زيارات للطلاب والزائرين.
تصف مروة هذا العمل بالشاق وتقول “في البداية كانت تنتابني مشاعر مختلطة حين أقوم بتنظيف مقبرة مرسوم عليها النجمة الخماسية أو أرمم كتابا مكتوب باللغة العبرية، فهذه الرموز اعتدت أنها تمثل الاحتلال، أما الآن فبت أراها رمزا للدين اليهودي وحسب”.
وحكت لنا الصديقتان مروة وماجدة عن الظروف التي قادتهما إلى العمل معا، فماجدة قالت أنها تربت في مصر دون أن تكون محاطة بأقاربها، حيث غادر الجميع ولم يقرر البقاء فى مصر إلا أبوها – المحامى اليساري شحاتة هارون – وأمها ، و بحسب ماجدة ” لم أستطع السفر خارج البلاد لأكثر من 20 سنة .. كما تتذكر كيف قررت ألا تعود للمدرسة بعد أن سبت إحدى مدرساتها اليهود ووصفتهم “بالكلاب الجرباء” .. تتذكر أيضا أن أباها تم اعتقاله مرتين، مرة لأنها شيوعي ومرة لأنه يهودي.
فى المقابل تذكرت مروة أنها ضُربت فى إحدى المظاهرات واُعتقلت أختها كما طرد أبوها من بلده ولم يستطع العودة لمدة 40 عاما تنقلت خلالها العائلة بين دول متعددة.
وتقول ماجدة ومروة إنه فى بعض الأحيان يواجه عملهما بالترحاب والتأييد والمساعدة من أهالى المنطقة، وفي أحيان أخري يقابلان باتهامات ومخاوف وتشكيك في انتمائهما، فالأمر يتعلق بطبيعة المنطقة وبالأشخاص ومدى قبولهم للآخر.
المقابر .. مهتمون جدد
ويبدو أن الاهتمام بالتراث اليهودى فى مصر لا يقتصر فقط على الحكومة وجمعية ” قطرة اللبن”، فبعد أيام من افتتاح معبد إلياهو هانبي، أطلقت السفارة الأمريكية بالقاهرة مشروعا للحفاظ على مقابر اليهود بمنطقة البساتين جنوب القاهرة، حيث يتولى المركز الأمريكي للبحوث بالقاهرة بالتعاون مع “قطرة اللبن” تنفيذ المشروع، بتمويل أمريكي.
ومقابر البساتين ، هي ثاني أقدم مقابر لليهود في العالم بعد مقبرة “جبل الزيتون” في القدس، وأنشئت منذ القرن التاسع الميلادي، حيث خصص السلطان أحمد بن طولون موقع إقامة المقابر، على مساحة تبلغ 120 فدانا.
وتعرضت هذه المقابر لإهمال عبر عقود حيث تعرضت لاعتداءات وسرقة فضلا عن إلقاء القمامة بها، وتولت الحكومة والمتطوعين العمل على إزالة هذه الإشغالات منذ فبراير/ شباط 2019 .
وتقول ماجدة إن إصرار الحكومة على ترميم المعابد وتنظيف المقابر يؤكد على الاعتراف باليهود كجزء من نسيج هذا المجتمع، فهم ساهموا في نهضته و لم يكونوا “عملاء ولاجواسيس” ، وتضيف “هذا هو الحلم الذى طالما سعيت إليه”.
وتتمنى ماجدة ومروة أن يلقى جهدهما صدى أكبر، وتتم مساعدتهما على إعادة فتح المعابد اليهودية في كل أنحاء مصر لتكون مراكز ثقافية وفنية وتقام فيها الندوات وتعزف فيها المقطوعات الموسيقية بدلا من أن تصبح “أماكن مهجورة ” أو حكرا على أعداد محدودة من السياح.
[ad_2]
Source link