ما الذي يجعل التخلي عن السلطة أمرا صعبا؟
[ad_1]
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق الأسبوع الجاري إنه سيؤيد تشريعا يسمح له بالترشح لفترتين أخريين لرئاسة البلاد، الأمر الذي يحظره الدستور الروسي حاليا، ليصبح بذلك الأحدث في سلسلة طويلة من زعماء الدول، من الجزائر إلى زيمبابوي، الذين ترددوا في ترك السلطة.
فما الذي يجعل الناس يتمسكون بالسلطة إلى حد أنهم قد يغيّرون، أو حتى يخرقون، القواعد للبقاء في مناصبهم؟
المال؟
يقول نيك تشيسمان، مؤلف مشارك في كتاب “كيف تزور انتخابات”، إن الإجابة السهلة هي الفساد، “إذ يمكنهم كسب مزيد من الأموال، والبقاء للحفاظ على الثراء. بيد أن الواقع يشير إلى أن ثمة أشياء أخرى أكثر تعقيدا”.
ويضيف تشيسمان أن أكثر ما يخشاه الزعماء من مجرد خسارة أموالهم، هو محاكمتهم بعد مغادرة السلطة، ولديهم من الأسباب الوجيهة التي تدفعهم إلى هذا الخوف.
ووفقا لبحث نشره تشيسمان في كتابه، حوكم 43 في المئة من زعماء أفريقيا الذين تنحوا عن الحكم، وأرسلوا إلى المنفى أو أُعدموا، خلال الفترة بين عامي 1960 و 2010.
إنها مخاطرة كبيرة لكنها ليست كل شيء.
المقربون
يشعر الزعماء بضغوط من جانب من يحيطون بهم، كعائلاتهم و حلفائهم السياسيين أو حتى قادة الشرطة والجيش، حتى بعد أن قدم هؤلاء المساعدة للزعماء من أجل الوصول إلى السلطة.
ويقول تشيسمان: “حتى عندما تعتقد أن الوقت حان لاتخاذ قرار، ستجد مجموعة من الأشخاص تطرق بابك وتقول لك (لا تفعل)، ‘هذا ليس من أجلك ‘، إن الأمر يتعلق بآلاف الأشخاص الذين قاموا بأشياء من أجلك وضحّوا من أجلك”.
وتوصل تشيسمان إلى دليل يشير إلى أن الأشخاص الذي كانوا يحيطون برئيس زيمبابوي السابق، روبرت موغابي، في سنواته الأخيرة كانوا من المؤثرين في قرار تمسكه بالسلطة.
بيد أنه قد يكون ثمة ما هو أكثر عمقا في هذه اللعبة، أو شيء يتعلق بالسيطرة التي تمنحها السلطة في حد ذاتها.
وحش السلطة
كتب المؤلف داتشر كيلتنر عن ذلك قبل ما يزيد على عشر سنوات في كتابه بعنوان “مفارقة السلطة”.
والمفارقة هي أن الأشخاص الذين يعتلون سدّة الحكم هم عادة اجتماعيون ومحبوبون، يكسبون ثقة من حولهم، سواء كان أحدهم قائدا لنادي تنس محلي، على سبيل المثال، أو لشركة، أو لدولة بأكملها.
لكن عندما يتولى هؤلاء السلطة، يصبحون وحوشا آخرين تماما.
وخلصت مجموعة أبحاث إلى أن منح السلطة لأشخاص، حتى ولو بشكل تعسفي لفترة قصيرة، يؤدي إلى تغيير سلوكهم، إذ يبدأون في التصرف بطرق يستفيدون منها، ويفقدون تعاطفهم مع الآخرين، فضلا عن الاعتقاد بأنهم على حق في كثير من الأحيان.
كما قد يتحلى هؤلاء بالوقاحة والاندفاع، وربما يقاطعون آخرين أو يتجنبون التواصل البصري مع شخص يتحدث إليهم.
وأُجريت واحدة من أشهر تجارب كيلتنر بشأن هذه الظاهرة في تسعينيات القرن الماضي، وشملت مجموعة من طلاب الجامعة، قسّمهم إلى مجموعات صغيرة، تتألف كل مجموعة من ثلاثة أشخاص، مع منح أحدهم السلطة بطريقة عشوائية.
ويقول: “أخبرناهم بأن لدينا بيانات تفيد بأنهم يتمتعون بمهارات قيادية جيدة”، وكانت تلك أكذوبة، وكلف كل واحد منهم مجموعته بمهمة ما، وبعد نحو 30 دقيقة، وضع الباحثون طبقا من البسكويت أمام كل مجموعة.
وتناول الشخص الذي مُنح السلطة، وبشكل ملفت للنظر، أكثر من نصيبه العادل من البسكويت، وكان يأكل بطريقة تتسم بالفوضى، ويصدر أصواتا، ويسقط الفتات.
الشعور بالسلطة جيد
وقد خلصت أبحاث منذ ذلك الوقت إلى أنه عندما يُمنح أناس سلطة، يصبحون أقل شعورا بالقيود.
كما أشارت أبحاث إلى أن الأطفال الأغنياء يرجح أن يكونوا أكثر ميلا لسرقة الأشياء الصغيرة من المتاجر، مقارنة بالأطفال الفقراء، أو الانخراط في سلوك جنسي غير عادي بعد البلوغ، أو الإساءة لزملائهم.
ويقول كيلتنر، بعد أن درس السلطة بشكل مكثف في بيئة الشركات: “يرتكب أفراد، ممن يتمتعون بنفوذ قوي، اثنين من ثلاثة أعمال تتسم بعدم الاستقرار”.
ويعتقد كيلتنر أن السلطة تُكسب صاحبها نوعا من الإدمان، فبدون فرض قيود، يتمتع الناس بحرية السعي وراء تحقيق مصالحهم ورغباتهم ومتعهم.
ويقول: “يشعر الأشخاص الذين يتمتعون بالسلطة بمزيد من السعادة، كما يشعرون بامتنان أكبر، وبأنهم يتمتعون بمكانة أو تقدير أعلى. وتكون أجهزتهم العصبية أكثر هدوءا، وصحتهم أقوى، كما يشعرون بتحسن أحوالهم في الحياة”.
المتملقون
ويقول كيلتنر إن أصحاب السلطة يميلون إلى التصرف مثل مرضى تعرض الجزء الكابح للسلوك الاندفاعي في أدمغتهم للتلف، مشيرا إلى بحث أجراه عالم الأعصاب سوخمايندر أوبهي في هذا السياق.
وأفضى هذا التعليق إلى بعض ردود الفعل المثيرة للاهتمام من جانب أناس يعانون من إصابات في الدماغ بالفعل.
وقال كيلتنر: “كتب لي أحدهم (مصاب بإصابة في الدماغ) يقول: كيف تجرؤ على ذلك؟ أنا أكثر حنكة في سلوكي مقارنة بـ (الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب”.
من المنطقي إذن أن يصبح القائد القوي متغطرسا، إذ يعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع القيادة، وقد يغيب عن ذهنه أن يرى ما هو أفضل للبلاد.
ويقول تشيسمان: “الشيء الآخر هو أنهم يعيّنون سنويا أشخاصا يؤيدونهم، ويطردون أشخاصا يعارضونهم. وربما ليس لديهم أي تقدير بأن ما يفعلونه خطأ”.
كما يصبح التأثير النفسي، بسبب فقدان السلطة، كبيرا للغاية، إذ خلصت أبحاث على سبيل المثال إلى أن الذكور الأكبر سنا، في رتبة الرئيسيات، يتفاعلون بعنف عندما يشعرون أنهم يفقدون السلطة.
اختبار معدن الشخص
والسؤال هو إذا كانت السلطة تفسد الشخص، فلماذا لا يتحلى كل الزعماء بجنون الاستبداد والقتل؟
حددت ألكساندرا سيسلاك، أستاذ علم النفس في وارسو، عام 2018 جانبين مختلفين للغاية، ومتناقضين بشدة، من جوانب السلطة.
تمنح السلطة الشخص القوي قدرة على التحكم في حياة الآخرين، كما تمنحه مزيدا من التحكم في حياته.
وهذا هو ما يشير إليه الأشخاص عندما يقولون إن شخصا يتمتع بسلطة، فعندما يتمتع أحدهم بسيطرة أكبر على حياته، فإنه غالبا يسلك سلوكا إيجابيا.
السلطة لها بعض الآثار الإيجابية أيضا.
بيد أنه في حالة فقدان تلك السيطرة، لنقل على سبيل المثال إن الدولة التي أنت مسؤول عنها باتت في حالة من الفوضى، حينئذ يمكن أن يفوق التأثير الفاسد للسلطة ذلك التأثير الإيجابي.
وتقول سيسلاك: “السلطة جيدة ويمكن استخدامها من أجل الصالح العام، ولكن عليك أن تكون على دراية بالثمن الذي تفرضه هذه السلطة”.
وتضيف أنه إذا كان الزعماء على دراية بهذا التناقض، فمن الممكن الاحتفاظ بالجزء الجيد وتجنب الجزء السيء.
وبناء عليه، فإن هذه المقولة (التي تُنسب غالبا إلى الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لنكون) تبدوا منطقية، وهي: “معظم الرجال تقريبا يستطيعون تحمل الشدائد، ولكن إذا أردت اختبار معدن رجل، فامنحه سلطة”.
[ad_2]
Source link