تعرف على ثمار “الماسة الحمراء” التي “تحارب الشيخوخة”
[ad_1]
في أعالي المناطق الشمالية الغربية من الصين، تمتد أراضٍ غنية بالثروات. فهناك، وعلى ضفاف النهر الأصفر، وفي سفوح جبال ليوبان التي يكسوها الضباب، يعكف سكان منطقة نينغشيا منذ قرون، على زراعة أحد أكثر أنواع الغذاء المرغوبة في قارة آسيا.
الحديث هنا عن نوع من التوت، تتسم ثماره بأنها صغيرة الحجم وبيضاوية الشكل، ويُطلق عليها اسم “الماسة الحمراء”، في ضوء الاعتقاد السائد، بأنها تحتوي على عناصر مضادة للشيخوخة. وقد حظي هذا النوع، الذي يحمل اسم “توت غوجي”، بمكانة عالمية مؤخرا باعتباره غذاءً غنياً بالعناصر المفيدة لصحة الإنسان بشدة. أما الصينيون فقد استخدموا ثمار “توت غوجي” في التداوي منذ القرن الثالث الميلادي.
وبرغم أن “الماسة الحمراء” تُزرع في مختلف أنحاء الصين، فإن التضاريس الفريدة التي تتميز بها نينغشيا، أدت إلى أن تكون ثمارها المزروعة هناك، هي الأفضل على الإطلاق، مقارنة بنظيراتها في أي منطقة أخرى.
ويقول إيفان قوه، مدير المبيعات في مزرعة تتخصص في الزراعة العضوية لـ “توت غوجي”، إن الظروف المتوافرة في هذه المنطقة، تتمثل في “مزيج ما بين النسيم البارد، الذي يسود المناطق الجبلية، والتربة الغنية بالمعادن والمروية بمياه النهر الأصفر الشهير”. وأضاف أن كل ذلك يُكسب قيمة كبيرة للتوت الذي يُزرع في منطقة نينغشيا.
اللافت أن مزارعي هذه المنطقة، لا يزالون يحصدون محصولهم من ذلك النوع من الفاكهة، على الشاكلة نفسها، التي كانت تُستخدم عبر التاريخ. ففي الفترة ما بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من كل عام، يصطف عمال المزارع أمام الشجيرات، التي لا يزيد ارتفاعها على ارتفاع وسط الإنسان البالغ، لجني ما تغص به من ثمار توت يانعة حمراء اللون.
وبوسعك حينذاك أن تراهم وهم ينهمكون بمهارة في قطف مجموعة من ثمار التوت في كل مرة، ووضعها في سلة منسوجة من الخيزران.
وتعود قصة الحب التي تجمع الصينيين بهذا النوع من التوت إلى مئات السنين. فمنذ أمد بعيد، يعتقد ممارسو الطب التقليدي في هذا البلد، أن “توت غوجي” يحتوي على فوائد طبية كبيرة. وقد ورد أول ذكر له على صفحات مجلد قديم عن التداوي بالأعشاب في الصين، يحمل اسم “خلاصة الأعشاب الطبية”، وألفه خبير شهير في هذا المجال، يُدعى لي شيجين في القرن السادس عشر.
وتقول تشانغ رويفين، التي تمارس الطب الصيني التقليدي في عيادة لديها فروع في كل من الصين وماليزيا وسنغافورة، إن مؤلف هذا الكتاب الضخم “أوضح هيئة كل عشب موجود فيه، وكيف يتعين على المرء استخدامه”.
ويعتبر الصينيون “توت غوجي” فاكهة وعشبا في الوقت نفسه. وينصح ممارسو الطب الصيني التقليدي بتناوله، نظرا لكونه يحتوي على كميات كبيرة من فيتامين سي ومضادات الأكسدة والأحماض الأمينية بجانب عدد من المعادن النادرة. ويرون أنه يسهم في تحسين وظائف الكبد والكلى.
وتقول تشانغ: “ربما تقول الأمهات الصينيات لأبنائهن إنهم بحاجة لتناول `توت غوجي` لأنه مفيد للعيون نظرا لاحتوائه على مادة الكاروتين. لكنني سأوصي بتناوله لتعزيز نظام الكبد والكلى، الذي يؤمن ممارسو الطب الصيني التقليدي بأن العينيْن جزء منها”.
ويضيف الصينيون – رجالا ونساءً – قطعا من “توت غوجي” المجفف لبعض المأكولات والمشروبات للاستفادة من الفيتامينات التي يحتوي عليها. من بين ألوان الطعام تلك، وجبة من الحساء التقليدي، تتألف من دجاج وتمر أحمر وزنجبيل. أما المشروبات فتشمل شاي الأقحوان على سبيل المثال.
لكن تشانغ تؤكد أنها لا تنصح المرضى بتناول هذا النوع من التوت وحده، وإنما تضعه في إطار تشكيلة من الأعشاب القوية الأخرى، قائلة “لا نجعل برنامج العلاج يعتمد بالكامل عادة على نوع واحد من الأعشاب”.
مع ذلك، هناك حالات مرضية تنصح تشانغ المصابين بها، بألا يتناولوا ذلك التوت على الإطلاق، لكيلا يؤدي إلى تفاقم ما يعانون منه. ومن بين هذه الحالات؛ الإصابة بارتفاع في درجة الحرارة، أو بالتهابات أو بالتهاب في الحلق أو بالإسهال. وتقول تشانغ إنها تنصح المرضى في هذه الحالة، بتجنب تناول “توت غوجي” لفترة من الوقت.
ومنذ أمد بعيد، يشكل هذا النوع من التوت جزءا من الثقافة الصينية. ولعل من الواجب هنا الإشارة إلى أسطورة تقول إن طبيبا زار قبل أكثر من ألفيْ سنة، قرية يزيد عمر كل قاطنيها عن مئة عام، واكتشف أنهم جميعا يشربون من بئر تحيطه شجيرات “توت غوجي”.
وبحسب الأسطورة، تسقط ثمار التوت في البئر عند وصولها إلى طور النضج، مما يؤدي إلى أن تمتص المياه الفيتامينات الكامنة فيها بكثافة، وذلك يعود بالنفع على من يشربون منها في نهاية المطاف.
كما أن هناك قصة قديمة أخرى تشير إلى أن خبيرا في الأعشاب، كان يعيش في القرن السابع عشر ويُدعى لي تشين يونغ، ظل يتناول “توت غوجي” يوميا، حتى مات عن عمره يناهز 252 عاما.
وإذا لم يكن ما سبق كافيا لتشجيع الصغار في الصين على تناول ذلك الحساء التقليدي الذي يُضاف له “توت غوجي”، فسيجد هؤلاء أمهاتهم يقلن لهم إن التهام وجبة كاملة من هذا اللون من الطعام، ستغنيهم عن ارتداء نظارات!
لكن مرور الزمن ترك بصماته على ثمار “الماسة الحمراء”. فبعدما ظلت تشكل جزءا من الثقافة الصينية، أصبح يُنظر إليها الآن في الصين وخارجها، على أنها غذاء غني بالعناصر المفيدة للصحة بشدة.
ولذا ستجد أن الجيل الشاب في آسيا، يحتفي بشدة بـ “توت غوجي”، على طريقته الخاصة. فأبناء ما يُعرف بـ “جيل زد”، وهو الجيل التالي لجيل الألفية، يشترون الآن غلايات يُطلق عليها اسم “غلايات العافية” لإعداد شاي “توت غوجي” فيها. وبرأي آباء هؤلاء، قد تبدو هذه الغلايات مجرد أوانٍ تقليدية كانت تُستخدم في الأصل لتحضير الحساء؛ أُعيد تغليفها من جانب بعض الشركات، وأُكْسِبَت لونا ورديا لجعلها ملائمة بشكل أكبر – في نظر الشبان الذين يشترونها – لنشر صورها على تطبيقات مثل إنستغرام.
وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2019 على الجيل التالي لجيل الألفية في الصين، أن أبناءه يرون أن التمتع بحياة صحية، يشكل أولوية لهم تتقدم على أمور مثل، كسب المرء للمال، وتحقيقه النجاح المهني، والشعور بمتع شخصية وتكوين أسرة.
وقد استحوذ ذلك النوع من التوت على شعبية خارج الصين. ولعل ذلك ما يجعل المستهلكين في الغرب المهووسين بما يُعرف بـ “الأغذية الخارقة”، وهو مصطلح يُطلق على “الأطعمة المفيدة للصحة نظرا لكونها غنية بالعناصر الغذائية المفيدة”، يدفعون ما يصل إلى 10 دولارات أمريكية، لشراء علبة منه، وهو ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف سعر العلبة نفسها في آسيا.
ويشجع هذا السعر المرتفع المزارعين على بذل قصارى جهدهم، لضمان وصول محاصيلهم إلى رفوف المتاجر الكبرى في أسرع وقت ممكن. ويبلغ حجم المحصول السنوي للمزارعين في نينغشيا من “توت غوجي” قرابة 180 ألف طن، ويُباع الجانب الأكبر منه في صورة توت مجفف، نظرا لقصر فترة صلاحية التوت الطازج. ويؤدي ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف إلى إنضاج التوت سريعا، وهو ما يعني ضرورة أن يسارع المزارعون بجمعه من حقولهم.
وبعد أن كانت طريقة تجفيف التوت في الماضي، تتمثل في تركه ليجف على صوانٍ كبيرة تحت أشعة الشمس، يفيدنا الآن الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، في الإسراع بوتيرة هذه العملية، لتلبية حجم الطلب المتزايد.
وإذا عدنا للمزرعة التي تحدثنا عنها في بداية هذه السطور، والتي تستخدم أسلوب الزراعة العضوية لاستنبات “توت غوجي”، سنجد أنها أُنشئِت قبل ثماني سنوات، على يد إن ويجون، وهو ابن لمزارعيْن لهذا النوع من التوت. وقد شيد هذا الرجل مختبرا على أحدث المواصفات، يمكن تجفيف التوت الذي يُجنى من مزرعته ومزارع أقران له فيه، خلال فترة قصيرة من الوقت.
على أي حال، لا يبدو أن بريق “الماس الأحمر” سيخفت قريبا، ففي “يوم العُزّاب” الأخير – وهو يوم تسوق يحل في الصين في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام ويعادل يوم “الجمعة السوداء” في الغرب – بيعت منه كميات قياسية بلغت 179 طنا. ويقول الخبراء الآسيويون في رصد أحدث الصيحات السائدة بين سكان هذه القارة، مثل أمريتا بانتا المدير العام لشركة أجيليتي للاستراتيجيات والأبحاث، إنهم يرصدون كذلك اهتمام شبان آسيويين بأن يتمتعوا بنمط معيشة صحي على نحو أكبر.
وتشير في هذا الصدد إلى أنه “بعد سنوات عديدة من تجنب المستهلكين الصينيين لكل ما يُصنع في بلادهم، باعتباره لا يتفق – في رأيهم – مع العلم الحديث وعفا عليه الزمن أيضا، صرنا نرى الآن أنه يوجد في الصين شعور متجدد بالفخر بالكثير من المنتجات والممارسات التقليدية”.
لكنها قالت في الوقت نفسه إن الشعبية التي يحظى بها “توت غوجي” تأتي “على خلفية الوعي العالمي بصفاته وخصائصه. فالشبان الصينيون يتناولونه اليوم، لأنهم يعتبرونه غذاءً عامرا بالفوائد الصحية نظرا لأنه يعج بالعناصر المُغذية، وليس بالضرورة لأن ممارسي الطب الصيني التقليدي يقولون إنه يعالج أمراض العيون والكبد والكلى. من المذهل، أن نرى الصين تشعر بالفخر الشديد بماضيها، وأن يعني ذلك في الوقت ذاته ارتباطها الشديد بباقي بقاع العالم”.
من جهة أخرى، يضيف الطهاة الشبان في آسيا ثمار “توت غوجي” إلى مكونات أطباقهم لمنحها بعضا من النكهة المحلية. ومن بين هؤلاء، الطاهية آنا ليم، التي لم تتردد في القيام بذلك عندما دُعيت لإعداد لون من الطعام يصلح كوجبة إفطار، كي يُقدم لفترة محدودة في مطاعم “ماكدونالدز” الشهيرة للوجبات السريعة. فلهذا الغرض ابتكرت ليم عصيدة لذيذة يُضاف إليها “الماس الأحمر”، شكّل طبقا حظي بشعبية هائلة في سنغافورة، إلى حد أنه أُضيف إلى قائمة الوجبات المتوافرة في مطاعم “ماكدونالدز” هناك بشكل دائم.
وتقول ليم في هذا الشأن: “تكتسب العصيدة مذاقا حلوا بشكل طبيعي، عندما يُضاف إليها `توت غوجي`. كما يتحول هذا الطبق إلى وجبة عامرة بالألوان، من خلال ما يحتوي عليه من مزيج من ألوان الكزبرة الخضراء وجبن التوفو الأبيض و`توت غوجي` الأحمر، ما يجعل عصيدة الأرز البسيطة هذه، مفيدة للصحة وغنية بالعناصر المُغذية”.
وفي الوقت الذي تساعد فيه طاهية مثل آنا ليم في جعل هذا النوع من الفواكه مُحببا للجيل الشاب، لا يزال طهاة آخرون مثل تشانغ هون تشونغ، الذي يعمل في مطعم بأحد فنادق هونغ كونغ، يوفرون للزبائن من الأسر الآسيوية، الفرصة للاستمتاع بتلك الألوان من الطعام، بالطريقة التقليدية التي اعتادوا عليها في منازل أمهاتهم.
وخلال إعداده لحساء يتم تحضيره بأسلوب يُعرف باسم “الغليان المزدوج”، يضع تشانغ نصب عينيه ممارسات الطب الصيني التقليدي وما يوصي به خبراؤه. ولذا يعكف فريق مساعديه يوميا على تقطيع المكونات الغذائية المفيدة للصحة ووضعها في وعاء خزفي، يتم غمسه في إناء آخر مليء بالماء المغلي. ويشكل إعداد الطعام بهذه الوتيرة الهادئة البطيئة، بادرة تقدير وإجلال للطب الصيني التقليدي، وللمزارعين الذين يحصدون “توت غوجي” من حقولهم.
ويقول تشانغ إن استخدام أسلوب “الغليان المزدوج”، يضمن “استخلاص كل العناصر الغذائية والنكهات الموجودة في مختلف مكونات الوجبات”.
في نهاية المطاف، بوسع المستهلكين الواعين بأهمية الحفاظ على صحتهم، ممن يرغبون في الاستفادة من هذه الأطعمة المفيدة بشدة، سيرا على درب أسر آسيوية تعكف على ذلك منذ أجيال، إضافة بعض ثمار “توت غوجي” إلى صحن الحساء أو فنجان الشاي الخاص بهم، للاستمتاع بمذاق هذا “الطعام الخارق” الشبيه بطعم الزبيب الحلو، والذي يُبقي آسيا على الدوام، تبدو شابة تشعر بالحيوية تسري في شرايينها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link