محمد عمارة : رحلة باحث مصري من الماركسية إلى الإسلام
[ad_1]
منذ الإعلان عن رحيل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، محمد عمارة، انطلق سجال فكري بين كتاب ومدونين عرب عبر منصات التواصل الاجتماعي حول ما أنتجه عبر تجربته النقدية.
وتوفي المفكر الإسلامي المصري، محمد عمارة، الجمعة، عن سن تناهز 89 عاما، بعد رحلة قصيرة مع المرض.
وشيّع جثمانه أمس السبت في محافظة كفر الشيخ بمشاركة المئات من رجال الأزهر وعدد كبير من محبيه.
إحياء الفكر المعتزلي
وأفرد مغردون وسما باسمه، عددوا من خلاله خصاله ودعوا للترحم عليه معتبرين أنه لعب دورا لافتا في إحياء أعمال مدرسة التجديد الإسلامي الحديث التي أسسها رفاعة الطهطاوي وطورها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وغيرها من الأسماء.
ويرى محبوه أنه نجح في الحفاظ على حياده، ما جعله مرجعا للكثير من الباحثين، ممن وجدوا فيه “العقل المستنير القادر على تقديم مشروع حضاري عربي إسلامي بديل عن لفكرة التغريب” حسب تعبيرهم.
كما نوهوا بإسهاماته في إثراء المكتبات الإسلامية بعشرات الكتب والمجلات التي نجحت برأيهم في إحياء الفكر المعتزلي القائم على فكرة الفصل بين العقل والنقل.
وكان الأزهر قد نشر بيانا عبر فيه عن حزنه وألمه لرحيل عمارة.
وبدوره نعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عمارة ووصفه بـ “الحارس اليقظ المرابط على ثغور الإسلام”.
كما يلقبه تلامذته بـ” البلدوز” وبـ “كاسحة ألغام الفكر الإسلامي” في إشارة إلى استماته في الدفاع عن النصوص الدينية أمام مفكرين آخرين أمثال نوال السعداوي.
“نزعة تقليدية”
مقابل ذلك الاحتفاء، انتقد كتاب ومدونون آخرون عمارة وأفكاره ونعتوها بـ “الغلو”.
وفند بعضهم ما يردده أنصار عمارة عن “اعتداله” قائلين إن آراءه خدمت “الرجعية والأصولية بل وحتى الطائفية ضد المسيحيين والشيعة”.
كذلك يعيب عليه منتقدوه ابتعاده عن “العقلانية” بتقديمه تنازلات لصالح المدرسة السلفية التي شنت ضده حملة فكرية بسبب مناصرته للحرية وإحكام العقل على النقل.
في حين ينتقد مفكرون أمثال عمار بن حمودة “نزعة محمد عمارة التمجيدية للفكر المعتزلي”، قائلين إنه “اكتفى في البحث بما يميزهم ليسقط بذلك في دائرة التقديس المطلق”.
واستذكر مغردون مواقف عمارة من فرج فودة ونصر حامد أبو زيد اللذين عرفا بكتاباتهما في الفكر الإسلامي ومعارضتهما لسلطة النص المطلقة.
ويقول كثيرون إن أفكار عمارة والشيخ الغزالي كانت سببا في تأليب الناس على فودة ما أدى إلى مقتله على يد متطرفين .
وقُتل فودة بعد مناظرة دارت حول “الشريعة والحاكمية” في معرض الكتاب الدولي عام 1992. وهي المناظرة التي وقف فيها فرج فودة ومحمد خلف الله على طرف ومحمد الغزالي ومحمد عمارة ومأمون الهضيبي على الطرف الآخر.
فمن هو محمد عمارة؟ ولماذا هذا السجال حول مؤلفاته؟
بداية المسيرة
ولد عمارة في 8 من ديسمبر/كانون الأول 1931م في قرية فلاحية بمحافظة كفر الشيخ ، لأسرة بسيطة.
بدأ حفظ القرآن في كتاب القرية وهو في السادسة من عمره وكان يلقي خطب صلاة الجمعة في مسجد قريته الصغيرة.
التحق عام 1945 المعهد الأزهري حيث أتم تعليمه الابتدائي والثانوي ليدخل بعدها المعهد الأحمدي الثانوي الأزهري فنال الشهادة التي دخلتها كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، حيث تخصص في الفلسفة الإسلامية واللغة العربية.
من الماركسية إلى الإسلام
مر محمد عمارة بتحولات فكرية عديدة، فرغم نشأته الدينية والأزهرية، إلا أن عمارة كان في بداياته يساريا عروبيا منظرا للفكر الماركسي.
في ثلاثينات القرن الماضي انضم عمارة إلى حزب “مصر الفتاة” وكرس نشاطه دفاعا عن العروبة ومحاربة الاستعمار. ثم انضوى عام 1949 تحت “الحزب الاشتراكي”.
وبعد ثورة 23 يوليو التي أطاحت بالملكية في مصر، انخرط في التيار اليساري الذي ناضل فيه نحو عقد من الزمن.
تتسبت أفكاره ومواقفه السياسية في فصله عن الجامعة، لتقوده في عام 1959 إلى السجن.
واستغل عمار فترة سجنه، التي ناهزت ست سنوات، في الكتابة فألف أربعة كتب كانت بمثابة إرهاصات لتحول فكري جديد. وانتهى به المطاف إلى مغادرة الجبهة اليسارية والانضمام إلى التيار الإسلامي.
واقترن اسمه منذ الستينات بلقب المفكر الإسلامي، وتميزت تصريحاته في تلك الفترة بانتقاد من يسموهم بغلاة العلمانيين.
وعن تحوله الفكري، قال عمارة في تصريح صحفي أنه ” دخل اليسار من باب الدفاع عن القضايا الثورية والعدالة الاجتماعية. لكنني اكتشف أن حل المشكلة الاجتماعية هو في الإسلام وليس في الصراع الطبقي والماركسية”.
ظلت المفاهيم والشعارات الاشتراكية كالحرية والعدالة الاجتماعية حاضرة في تصريحات ومقالات عمارة.
فعلى على سبيل المثال، يرفض المفكر الوظيفة العمومية ويعتبرها نوعا من أنواع العبودية. رغم أنه تقلد أكثر من منصب رسمي فقد كان عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ورئيس التحرير السابق لمجلتها.
ألف محمد عمارة نحو 240 كتابا من بينها “الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانيين” و”الإسلام والمستقبل” و”التفسير الماركسي للإسلام” الذي رد فيها على كتابات الباحث نصر حامد أبو زيد.
كما نشر دراسات عن أعلام التجديد الإسلامي أمثال محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي وخير الدين باشا التونسي.
مناظرات وسجالات
شدد المفكر المصري في مقالاته على أهمية الفنون، نافيا عداء الإسلام لها.
وتطرق عمارة إلى قضية تحرير المرأة، وقدم دراسةً في هذا الصدد طرح فيها القضية من منظور قاسم أمين أحد رواد حركة تحرير المرأة في مصر.
كما نفى عن الإسلام تمييزه بين الجنسين ويرى أن “المرأة تساوي الرجل في الولاية السياسية”.
وفي مناظرة متلفزة جمعته بالناشطة النسوية والكاتبة المصرية، نوال السعداوي، قال إن “فلسفة الميراث لا ترجع إلى معيار الذكورة والأنوثة”.
إلى ذلك انتقد عمارة تركيز التيارات الإسلامية على السياسة، وإهمالها المشروع الإصلاحي، و تجاهلها مسألة العدالة الاجتماعية.
كما خاض سجالات مع البابا شنودة والكنيسة القبطية، ودعا إلى المسيحيين إلى الخروج عن “وصاية الكنيسة والانخراط في نشاط المجتمع المدني” على حد قوله.
ما بعد 25 يناير
كان عمارة من أشد المؤيدين لثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل حسني مبارك، إذ وصفها بـ ” الملحمة الشعبية”.
في حين اعتبر ما حدث في 3 من يوليو 2013 “جنوحا عن مدنية الدولة وانقلابا على مطالب الجماهير”.
نشر آنذاك بيانا طالب فيه الجيش بالعودة إلى ثكناته واحترام المسار الديمقراطي. وهو موقف جر العديد الانتقادات على عمارة وعدوه كثيرون موقفا إيديولوجيا كشف عن ميوله السياسية.
وحتى بعد رحيله، لا تزال مؤلفاته ومواقفه السياسية محل خلاف بين المصريين. فمنهم من يراها أطروحات متقدمة “تروج لنموذج إسلامي وسطي في مواجهة التيارات اليسارية المتطرفة” ومنهم من يعتبرها امتدادا للمدرسة الدينية التقليدية.
[ad_2]
Source link