أخبار عربية

سومية تورا: رحلة فتاة أفغانية من اللجوء في باكستان إلى جامعة أكسفورد


سومية تورا

مصدر الصورة
YUJEONG LEE

لم تفارق مشاهد إراقة الدماء مخيلة سومية تورا، التي شبّتْ عن الطوق لاجئةً أفغانية في باكستان.

ومن المنزل ذي غرفة النوم الواحدة، الذي كانت تعيش فيه سومية مع أربع عائلات، كان يمكن سماع أزيز الطائرات الأمريكية بدون طيار، وهي تهبط غير بعيد من مدينة بيشاور شمال غربي باكستان، حيث لجأت عائلتها في حقبة التسعينيات هربا من المدّ الطالباني.

تقول سومية لبي بي سي: “كنت أعيش في خضم هذا العنف، لكن ذلك كان أمرًا واقعا، لم أكن أستطيع تغييره. وأحيانا كانت تقع تفجيرات مرة أو مرتين أسبوعيا. حتى أن الناس كانوا، أحيانا، يفضّلون تناسي الأمر والتعايش مع الوضع”.

وتضيف سومية: “لكن هذا الوضع كان أفضل بكثير لدى مقارنته بنظيره في أفغانستان، على الأقل كنت أستطيع الذهاب إلى المدرسة”.

وفي زيارة إلى كابول عام 2002، غداة الاجتياح الأمريكي، لم تكن بنتٌ تستطيع الذهاب إلى المدرسة إلا عبر التظاهر بأنها ولد. وكانت سومية في السادسة من عمرها، لكنها تتذكر جيدا عندما تعهدت بأنْ توالي تعليمها بكل جدّية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، كانت سومية قد بلغت عامها الثاني والعشرين، وأصبحت بذلك أول أفغانية تحصل على منحة “رودس” بجامعة أكسفورد، بين 102 من الطلاب الحاصلين على مكان في دفعة 2020 للدراسة ضمن منحة الدراسات العليا الأقدم في العالم.

والآن، وبعد أن أنهت آخر فصل دراسي لها في كلية إيرلهام للفنون الليبرالية في ولاية إنديانا الأمريكية، تبدو سومية بإطلالة برّاقة بسّامة، وتُكذّب طلاقتُها في الحديث ما كابدته من عناء في رحلتها من اللجوء إلى الدراسات العليا في أكسفورد.

مصدر الصورة
SUMMIA TORA

Image caption

سومية (بالملابس وردية اللون) رفقة عدد من أفراد أسرتها أثناء زيارة إلى كابول 2002

إنّ وصْف امرأة أفغانية بالمتعلمة هو أمر نادر في حدّ ذاته. وتبلغ نسبة الأمية بين الإناث في أفغانستان اليوم 17 في المئة، طبقا لإحصاءات منظمة اليونسكو.

ولا تزال الأرقام ضعيفة في باكستان المجاورة، حيث يستطيع نحو 45 في المئة من النساء فقط القراءة. لكن يُتاح للبنات دخول المدارس، بخلاف الوضع في أفغانستان “فحتى ذوو الأحوال الميسّرة غير مسموح لهم بإلحاق بناتهن بالمدارس”.

“أي شيء يمكن أن يقع في أي وقت”

إذن كان حظ سومية الجيد أن تنشأ في باكستان، على حد كلامها، الذي اتسم بنبرة ساخرة وسط ما تحفل به المنطقة من فاقة ومخاطر. وكانت آلاف العمليات التي تقوم بها الطائرات المسيَّرة الأمريكية تقع في شمال غربي باكستان منذ 2004، فيما يُعرف بالحرب على الإرهاب. وظل إقليم خيبر بختونخوا، الذي تقع فيه مدينة بيشاور، مسرحا رئيسيا لمكافحة الجماعات المسلحة على مدى عقود.

وفي عام 2014 الذي غادرت فيه سومية بيشاور، تسببت عملية تفجيرية في مقتل 139 طالبا، في واحدة من أسوأ المذابح التي شهدها قطاع التعليم في العالم على الإطلاق.

تقول سومية: “كنا نعيش في ظل هذا النوع من التوتر والضغط.، كان هذا الشعور بعدم الأمان ملازما لنا، حيث أي شيء يمكن أن يقع في أي وقت”.

وكان طلب العلم مَخرجا. لكن حقوق اللاجئين محدودة؛ فلم يستطع والد سومية تأمين رخصة للقيادة، كما وجد صعوبة في إلحاق ابنته بالمدرسة، ومن ثمّ كان عليها التطلع إلى الخارج.

مصدر الصورة
COURTESY OF SUMMIA TORA

Image caption

سومية ترتدي الزي الأفغاني التقليدي في حفل التخرج من المدرسة الثانوية في نيو مكسيكو

وفي عملية بحث محظوظة على الإنترنت، عثرت سومية على مدرسة ثانوية -“كليات العالم المتحد”- تمنح الطلاب من أنحاء العالم فرصة للتعلم.

ولم تخلُ أجواءُ تجربة تأمين مقعد في المدرسة، في نيو مكسيكو، من العنف. فبعد يوم من دخول سومية الامتحان في كابول، في مارس/آذار 2014، تعرّض الفندق الذي انعقد فيه الامتحان لهجوم دامٍ على أيدي مسلحي طالبان.

“خاطرت بحياتها”

وخلّف الهجوم على فندق “سيرينا” تسعة قتلى، بينهم رئيسة لجنة الاختيار بكليات العالم المتحد، روشان توماس، وهي كَندية كانت في المدينة من أجل متابعة الامتحان.

وتتذكر سومية كيف كانت روشان تشجّع الطلاب على استغلال الفرصة؛ أملاً في “العودة ذات يوم إلى أفغانستان والقيام بشيء من أجل تغيير الأوضاع، لأن هذا هو الهدف الحقيقي”.

تقول سومية: “خاطرتْ روشان بحياتها. لأنها آمنت بأن طلابا مثلي، من بلاد كأفغانستان، أو لاجئين من باكستان، ينبغي أن يحصلوا على فرصة لطلب العلم”.

ارتبط اسم “رودس”، التي تقدم أحد أكثر المنح الدراسية شهرةً وتنافسية حول العالم، بالإمبريالية.

وكان سيسيل رودس، قد أوصى عام 1902 بتدشين منحة للدراسات العليا في أكسفورد، تستهدف في الأساس تشجيع التقارب بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وكانت المنحة، في معظم تاريخها، مفتوحة لرجال من الولايات المتحدة وألمانيا ودول الكومنويلث البريطاني.

وكان رودس يدعم رؤية تستهدف “جمْع العالم كله تحت التاج البريطاني”.

تقول سومية: “لقد كان ‘رودس’ إمبرياليا يؤمن بسيادة الجنس الأبيض، ولم يكن يريد أن يحصل أشخاص ملونون أو نساء على هذه المنحة الدراسية”. وهو ما جعل سومية في بادئ الأمر، تعزف عن التقديم للمنحة.

لكنها عدلت عن رأيها عندما اعتقدت أنه سيكون بإمكانها أن تقول لا. “لكن الأصعب قبولها، وحمل عبء هذا الإرث، والإقدام على تغييره – إنها حقا مسؤولية”.

تقول سومية: “هداني تفكيري إلى أنه لا مناص من الاعتراف بالتاريخ الاستعماري. وأن مسؤولية تغيير إرث منحة رودس تقع على عاتق أشخاص مثلنا”.

وطن ينتظر

تضع سومية خططا لما بعد التخرج حول حركة اللجوء والهجرة، على أمل أن تعود يوما إلى ذلك البلد الذي نزحت منه عائلتها.

إن أفغانستان، التي شاهدتها سومية، شوارعها خالية، ومبانيها مهدّمة. لكن ثمة أفغانستان أخرى في مخيلتها، هي تلك التي دأب والدها على الحديث عنها، قبل أن تعصف بها الحرب وتحيلها إلى خراب.

تقول سومية: “دائما ما أتخيلها واديا تزينه الجبال وتجري خلاله الأنهار وعلى أرضه منازل كبيرة وجميلة ذات معمار رائع الطراز. وفي الشوارع ثمار طازجة وأخرى جافة وجوز الهند … أفغانستان جديدة تماما”.

هذا الوطن ينتظر سومية وأمثالها لبنائه.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى