العراق: الرائد عزيز، شرطي بغداد الذي غيّر وجه المهنة
[ad_1]
من الصعب التصوّر أن العراق سيعود من جديد بلدا آمنا ومناسبا لتربية الأطفال وتنشئتهم.
فتاريخ هذا البلد الحديث ليس إلا سلسلة من الحروب والاحتلالات والتسلط والعنف الطائفي، تركت كلها آثارا نفسية عميقة لدى العراقيين.
أما منشآته العامة والخدمية، فقد تدهورت ووصلت إلى حد الإنهيار نتيجة الإهمال والفقر المدقع وانعدام الخبرة والكفاءة.
ويقف الاقتصاد العراقي هو الآخر على حافة الانهيار، ويعاني كثير من العراقيين من الجوع.
ونتيجة لكل ذلك، فقدت الطبقة السياسية الحاكمة كل احترام.
وتهيمن الفوضى على الشارع العراقي في الوقت الراهن، إذ يتظاهر في شوارع بغداد ومدن الجنوب – ويعتصم في ساحاتها – الآلاف من المواطنين ضد استشراء الفساد والفقر وغياب الخدمات.
وقتل المئات من المتظاهرين منذ انطلاق حركة الاحتجاج في تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
بصيص أمل
ولكن، وفي خضم هذا الجنون، يلوح في الأفق بصيص من الأمل.
وهذا البصيص يأخذ شكلا غير مألوف، وهو شكل الرائد عزيز ناصر الضابط في شرطة العاصمة بغداد.
ويعدّ الرائد عزيز، الذي يتباهى بوطنيته وتفانيه في العمل، ممثلا لجيل جديد من ضباط الشرطة في العراق، فهو حداثي في نظرته إلى العالم وعليم بطرق التعامل مع وسائل الإعلام ومليء بالتصميم على خدمة المواطنين.
وبوصفه مديرا لدائرة الشؤون العامة في مديرية شرطة بغداد، يتمتع الرائد عزيز بحضور اعلامي كبير، ويستلم في بعض الأحيان أكثر من 10 آلاف طلب مساعدة أو نصح في اليوم الواحد.
ويَعتبر الرائد عزيز أن التغلب على السمعة السيئة التي اكتسبها جهاز الشرطة يقع في صلب مهامه الشخصية، وذلك عن طريق التواصل مع المواطنين ومحاولة ملء الفراغ الذي سبّبه غياب الخدمات العامة.
مهمة عسيرة
لكن الرائد عزيز يواجه مهمة ليست باليسيرة. فخلال عهد الرئيس السابق صدام حسين، خدم جهاز شرطة بغداد النظام بكل وفاء، وأصبح عنوانا للفساد وانعدام الكفاءة.
وخلال الفترة التي شهدت تصاعد التمرد ضد الوجود الأمريكي في العراق، كان جهاز الشرطة يُتَّهَم في أحيان كثيرة بالجبن، إذ كان رجال الشرطة ينسحبون إلى مراكزهم عند شعورهم بأي تهديد وينتظرون حضور الأمريكيين لانقاذهم، مما أضر بسمعة الجهاز المهتزة أصلا.
ولكن الرائد عزيز متفائل باصرار، فهو يعترف بقصور جهاز الشرطة، ولكنه مصمم على معالجة الخلل عن طريق التفاني والعمل الجاد وقوة الشخصية.
وحازت مثابرته واجتهاده على إعجاب آمره الذي كلّفه بمهمة التوجه إلى أي مكان والنظر في أي قضية قد يكون لدوره ضرورة فيها.
إن مصاحبة الرائد عزيز لدى أدائه واجبه تعتبر رحلة إلى الجانب المظلم الذي يمثل الحياة اليومية في بغداد الآن.
فعندما استدعي للتعامل مع حالة أم لأربعة أطفال حاولت الانتحار، كان عليه التفاوض مع أسرتها قبل أن يطلق سراحها مخافة أن يقتلوها. فمحاولة الانتحار تعدّ وصمة عار لأسرة المرأة.
أطفال متروكون
وبعد ساعات قلائل، يجد الرائد عزيز نفسه وهو يعتني بخمسة أطفال هجرتهم عمتهم وعُثر عليهم بالقرب من أحد الجوامع. كان عمر أصغر الأطفال لا يتجاوز الخامسة. وكانت العمة قد وعدت الأطفال ببعض الحلوى إذا بقوا في ذلك المكان، ولكنها لم تعد إليهم قط.
أغرورقت عينا الرائد عزيز – الذي يعاني ابنه من صعوبات في التعلم – بالدموع لمشهد أولئك الأطفال، وقال إنه مستعد لتبنيهم إذا لم يتسن لم شملهم مع أسرتهم.
وتعد ظاهرة الأطفال المتروكين والمهملين ظاهرة متنامية في عراق اليوم، فكثير من الأسر لا تقدر على إطعام أطفالها وهي مشكلة زادها تفاقما مقتل أو اصابة معيلي هذه الأسر نتيجة أعمال العنف التي استشرت في البلاد في العقدين الأخيرين.
هاتان القضيتان ليستا الوحيدتين اللتين تعامل معهما الرائد عزيز عند مصاحبتنا له. فقد أمره آمره بالتحقيق مع قاتل حكم عليه القضاء العراقي بالإعدام.
كان هذا قد قتل ابنة عمه أثناء عرس كانا يحضرانه في ألمانيا، وفر إلى العراق قبل أن تتمكن الشرطة الألمانية من إلقاء القبض عليه.
يقول القاتل إن ابنة عمه طعنت شرفه عندما رفضت الإقتران به، وتهدد أسرته الآن بالانتقام حسب العرف العشائري إذا نفّذ فيه الحكم. وتعطّلت المفاوضات بين أسرتي القاتل والقتيلة.
جهود لا تعرف الكلل
وتيرة عمل الرائد عزيز لا تعرف الكلل. فحادث سير بسيط وسط بغداد تسبب في ازدحام كبير أغلق الطرق. ويرفض كلا السائقين الاعتراف بالخطأ الذي سبّب الحادث.
هرع الرائد عزيز إلى مكان الحادث محاولاً فض النزاع بسرعة، وتبرع بدفع تكاليف تصليح السيارتين من جيبه الخاص. تنجح الحيلة، إذ يعتبر قبول المال في هذه الظروف وبهذا الأسلوب أمرا مشينا، ولذا انسحب سائقا السيارتين وحلّت أزمة السير.
يقيم الرائد عزيز اسبوعيا لقاءات باب مفتوح يستمر الواحد منها ساعتين ويتاح للمواطنين فيها الحديث معه وطلب مساعدته.
في واحد من هذه اللقاءات دنت منه عجوز ضريرة وطلبت منه مساعدتها. كانت هذه العجوز قد فقدت بصرها بعد مقتل خمسة من أبنائها الستة – أربعة منهم من رجال الشرطة – في أعمال العنف التي شهدها العراق في العقدين الماضيين.
أما ولدها الوحيد الذي ما زال على قيد الحياة، وهو رجل شرطة أيضا، فلا يقوى على إعالة أفراد الأسرة التي تشمل 37 من الأرامل والأيتام. تطلب الأم من الرائد عزيز أن يمنح ابنها اجازة براتب لكي يتمكن من إيجاد مصدر دخل ثان يطعم به ابناء أشقائه الأيتام.
أجابها الرائد عزيز “أتركي الأمر معي”.
وبعد اسبوع واحد، قصدها الرائد عزيز ليزف لها الخبر السار – فقد قُبِل طلبها وسيمنح ابنها الإجازة التي يسعى إليها.
إخلاص وتفانٍ
هذا الإخلاص في أداء الواجب والشعبية الواسعة المتأتية عنه جلبت للرائد عزيز الكثير من الأعداء. فبعض من ضباط الشرطة الأقل كفاءة بدأوا يشعرون بالغيرة منه ومن الشهرة التي نالها.
وفي شهر أيلول / سبتمبر الماضي، أقيل من وظيفته. كان وقتا عصيبا، وكاد الرائد عزيز أن يبكي من هول الصدمة.
ولكن لحسن الحظ، تدخل أصدقاؤه والمتعاطفون معه في الموضوع لصالحه، وأعيد للخدمة.
كانت هذه المواجهة البيروقراطية مجرد تفصيل صغير في خضم الصراع الأكبر من أجل البقاء الذي يمثل واقعا يعيشه البغداديون يوميا. ولكنها مثلت أيضا إيذانا بالأزمة السياسية والمجتمعية التي عصفت ببغداد لاحقا.
[ad_2]
Source link