هل يمكن للمال إقناعك بإنجاب مزيد من الأطفال؟
[ad_1]
لفترة طويلة، جرّبت دول مثل فنلندا وفرنسا وكوريا الجنوبية وإيران طرقاً عدة لإقناع النساء بإنجاب المزيد من الأطفال.
معظم هذه المحاولات تضمنت منحهن المال، وهي الطريقة التي تبين، لاحقاً فشلها.
وبحسب الزاوية التي تنظر منها، قد يبدو لك أن العالم يواجه أزمة في أعداد المواليد؛ فخلال الأسبوع الماضي، أظهرت قصتان أن بعض القوى العظمى في العالم تشعر بقلق بالغ إزاء عدم وجود عدد كافٍ من الأطفال.
والأربعاء الماضي، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن خطط لتشجيع النساء الروسيات على الإنجاب، تتضمن حصول المرأة على 466 ألف روبل (ما يعادل 7600 دولار) لدى إنجابها طفلاً واحداً، وعلى 2500 دولار إضافية لدى إنجابها طفلاً ثانياً.
وفي اليوم نفسه، أظهرت الإحصاءات أن أعداد المواليد في الصين، عام 2019، هبطت إلى أدنى مستوى منذ ستة عقود.
وتخشى هذه الدول حقيقة أن مواطنيها يشيخون، وهي قلقة من ألا يكون هناك عدد كاف من القادرين على العمل، في المستقبل، لدفع فواتير هؤلاء الذين تقاعدوا.
علاوات الأطفال
ولا تواجه الصين وروسيا وحدهما هذه المعضلة؛ إذ تشهد معدلات المواليد تراجعاً في جميع أنحاء العالم. ولكن لماذا يصعب إقناع الناس بإنجاب المزيد من الأطفال؟
في عام 2007، قدَّمت روسيا علاوات الأطفال للآباء عن الطفل الثاني والثالث. ولكن ذلك لم يكن له تأثير يذكر؛ إذ استمرت معدلات المواليد في التراجع.
أما حكومة الصين فكانت تأمل في إحداث قفزة في أعداد المواليد، حينما أوقفت العمل بسياسة الطفل الواحد سيئة الذكر، عام 2015. ولكن النتائج كانت متواضعة والزيادة كانت طفيفة في أعداد المواليد في ذلك العام.
دروس من آسيا
والظاهر أنه حينما يقرر الناس الاتجاه إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، يصعب إقناعهم بخلاف ذلك.
كوريا الجنوبية أيضاً تعاني أزمة خطيرة مع هذا الأمر. ففي العام الماضي، تراجع معدل المواليد إلى أدنى مستوى له على الإطلاق.
ومن الناحية الإحصائية، بلغ متوسط المواليد أقل من طفل واحد لكل امرأة، وللمزيد من الدقة، وصل إلى 0.89 فقط.
وقد بدأت أعداد سكان كوريا الجنوبية في التراجع منذ السبعينات. ولأكثر من عقد من الزمان، كرَّست كوريا الجنوبية جهودها لحل هذه المشكلة، منفقة ما يربو على 70 مليار دولار على حوافز للآباء والأمهات.
وتقول الكورية، كيم جي- يي، التي أنجبت طفلاً واحداً، إنها “لم تكن مهتمة حقًا بإنجاب طفل”، لكنها تراجعت تحت الضغوط الهائلة من والديها. وتؤكد جي-يي أن الحوافز الحكومية لم يكن لها دور يذكر في اتخاذها قرار الإنجاب، وأنها لا تعتزم إنجاب المزيد من الأطفال.
أما يو إن-آي فتقول: “يرعبني التفكير فيما ستؤول إليه حالة جسدي إذا أنجبت، وما إذا كنت سأتمكن من مواصلة حياتي المهنية بعد الإنجاب”.
وتضيف: “هناك الكثير مما قد يدفع لعدم الإنجاب؛ فأسعار المساكن تواصل ارتفاعها الصاروخي، كما أن كُلفة التعليم الخاص تزاد باطراد، وكذلك تمثل القضايا البيئية كالتلوث مشكلة كبيرة”.
“في المجتمع الكوري، لدينا هذا الإيمان القوي بـ(أسطورة غريزة الأمومة)، ببساطة، لا أعتقد أن بإمكاني تحقيق هذه التوقعات”.
واللافت أن إن-آي لم تتطرق، في حديثها، إلى الحوافز المالية. رغم أن الأمهات الحوامل يحصلن على أموال لتغطية نفقات ما قبل الولادة، كما يحصلن على بدل شهري قدره 170 دولار لدى إنجاب الطفل الأول، وما يتجاوز هذا المبلغ لدى إنجاب الطفل الثاني.
إلى جانب ذلك، توجد مراكز عامة لرعاية الأطفال، وأخرى خاصة مدعومة من الحكومة. ولكن مهما بلغ مقدار ما تنفقه الأخيرة على هذا القطاع، لا يبدو أنه كافياً؛ ففي العاصمة سيول، يصعب الحصول على مكان شاغر في المراكز العامة لرعاية الأطفال، حتى أن الآباء يضطرون أحيانا للمشاركة في قرعة لتأمين مكان لطفلهما.
لماذا باتت الصين تشجع على إنجاب المزيد من الأطفال؟
“كنت أتطلع لإنجاب 13 طفلا، أما الآن فلا أفكر في الإنجاب مطلقا”
حمى التعليم
تقول كيم يي-إيون، وهي أم لثلاثة أطفال، إن “كوريا الجنوبية تعاني من حمى التعليم، والكُلفة الباهظة للتعليم الخاص”.
وتلفت يي-إيون إلى أنها لا تستطيع سد نفقات تعليم أطفالها، رغم حصولها على الكثير من الدعم الحكومي.
وتضيف: “إذا لم تتمكن الحكومة من حل هذه المشكلة، فلن يكون من السهل، أبداً، اتخاذ قرار إنجاب الأطفال”.
كذلك تلعب ثقافة العمل الكورية التنافسية دوراً كبيراً في ذلك؛ إذ تقول كيم جي- يي، وهي أم لطفل عمره عامان: “لا أرغب في إنجاب طفل آخر. من الصعب جداً تربية طفل واحد، لذا أريد التركيز على تربية طفلي”.
ورغم أنها تتلقى بعض الأموال من الحكومة، إلا أنها تقول إن تلك الأموال لا تحدث فارقاً كبيراً.
وتقول كيم جي-يي إنها محظوظة لأن الشركة التي تعمل بها تتبنى سياسات صديقة للآباء؛ فقد حصلت على إجازة أمومة لمدة 16 شهرًا، كما حظيت بمكان لطفلها في حضانة ملحقة بالعمل، وهي مزايا يعزُّ الحصول عليها في أماكن العمل.
وتتابع: “لا تشجع الكثير من الشركات منح إجازات الأمومة أو الأبوة”.
وقد تبدو هذه المشكلات شديدة الخصوصية، ولكن الواقع أن نفس النمط قد بدأ يظهر في اليابان والصين، ما يشي بأن ذلك قد يكون جزءاً من ديناميكية بدأت تظهر في جميع أنحاء العالم، حيث يصبح إنجاب الأطفال أقل أهمية وأكثر صعوبة من الناحية العملية، كلما ازداد إقبال النساء على التعلم والانخراط في سوق العمل.
وتشير تجارب بلدان مثل تايلاند والأوروغواي وتركيا وإيران إلى أنه حينما يكون إنجاب عدد أقل من الأطفال أمراً طبيعياً،
لقد أظهرت بلدان متباعدة مثل أوروغواي وتايلاند وتركيا وإيران أنه بمجرد أن يصبح من الطبيعي أن تنجب عددًا أقل من الأطفال ، يكون من الصعب للغاية تغيير هذا الاتجاه.
نجاحات بسيطة
ويبدو أن عدداً من المجتمعات المحلية قد وجدت حلاً للمشكلة؛ إذ نجحت بلدة يابانية صغيرة تسمى “ناجي” في مضاعفة معدلات المواليد خلال تسع سنوات، فقفزت بمتوسط المواليد من 1.4 طفل لكل امرأة إلى 2.8 ، عبر تقديم حوافز سخية للغاية. كذلك تقدَّم بلدة “ليستيارفي” الفنلندية حوافز تبلغ 11 ألف يورو لكل طفل.
ولكن على المدى الطويل، قد ينتقل الكثير من هؤلاء الأطفال للعمل أو للدراسة الجامعية في المدن الكبرى، حيث تمثل تكاليف العيش الباهظة وسائل ناجعة لمنع الانجاب.
أما جمهورية إستونيا الأوروبية فقد أنفقت الملايين على حوافز الأطفال. وشهدت زيادة طفيفة في معدل المواليد ولكن بكُلفة باهظة؛ إذ تتلقى العائلة المكونة من ثلاثة أطفال نحو 520 يورو (576 دولارا) شهرياً.
ويقول دكتور ليسون من معهد أكسفورد للشيخوخة السكانية: “أعتقد، بصراحة تامة، أن ذلك مضيعة للمال. أحد الأسئلة التي كثيراً ما أوجهها لطلابي هو: لماذا يريد الناس إنجاب المزيد من الأطفال؟”.
ويضيف د. ليسون أن تراجع معدلات المواليد ليس بالأمر الجديد؛ فقد بدأ في التراجع في أوروبا منذ أكثر من 40 عاماً وانتشر هذا التراجع سريعاً في الدول النامية، حيث وجدت النساء أنهن يتمتعن بمزايا أفضل عبر التعليم والعمل بدلا من تكوين عائلات الكبيرة.
ويتابع: “على المستوى المجتمعي، لا أعتقد أننا سنتراجع عن هذا التوجه، على الرغم من أن بعض الأشخاص قد يفعلون ذلك”.
لماذا نفعل ذلك؟
يقول د.ليسون: “بشكل أساسي يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا نفعل ذلك؟”.
في البلدان الأكثر ثراءً، يمكن دائماً حل مشكلة نقص العمالة عن طريق المهاجرين. وهناك الكثير من الشباب في العالم؛ إذ لم يزل معدل الزيادة السكانية في معظم الدول الأفريقية والدول الكبرى كالهند وباكستان في ارتفاع. ولكن بالنسبة لبعض القادة القوميين والكارهين للأجانب، هذا هو مربط الفرس.
في الأسبوع الماضي، أعلن رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، أن التلقيح الصناعي سيصبح متاحاً، مجاناً، لجميع الأزواج الهنغاريين، وذلك بعد تأميم مراكز الخصوبة في البلاد.
ومنذ بداية العام الفائت، أُعفيت النساء اللواتي لديهن أربعة أطفال من دفع الضرائب.
وقد كان أوربان واضحا للغاية فيما يتعلق بالسبب وراء رغبته في ولادة مزيد من الأطفال البيض المسيحيين؛ إذ قال: “لا نريد أن نصبح متنوعين أو مختلطين.. لا نريد مزج لوننا أو تقاليدنا أو ثقافتنا الوطنية مع ثقافات الآخرين”.
ولكن ليس من الواضح ما إذا كان أي من هذه الإجراءات ستنجح؛ فقد قدمت المجر حوافز مالية للولادة في عام 2005، ولكن ذلك لم يكن له أي تأثير، والأدهى من ذلك، أن أعداد الشباب الذين ينتقلون للعيش في دول أوروبية أخرى قد ارتفعت.
فإغداق المال على الأسر حينما تنجب أطفالاً لن يغير من حقيقة جوهرية تتمثل في أن الكثير من النساء العصريات يرغبن في العمل.
ويبدو أن السويد وفرنسا قد أدركتا ذلك؛ فقد حافظتا على معدلات المواليد عند المتوسط الأوروبي، عبر تسهيل عودة الأمهات إلى العمل بعد إجازات أمومة طويلة الأجل، وخدمة رعاية أطفال جيدة ومجانية، وثقافة عمل لا تتعارض مع الأمومة أو الأبوة.
لذا، يمكن القول إن السياسة التي ترفع لافتة منح المزايا للمواطنين الأصليين، وتركز على تقديم المساعدات المالية بدلاً من تقديم الدعم في مختلف المجالات، محكوم عليها بالفشل.
[ad_2]
Source link