أخبار عاجلةمقالات

الاتحاد الخليجي

مقال للدكتور مرزوق العنزي

 

أما آن الأوان لدول مجلس التعاون أن تعلن اتحادها بعد مرور (38) عاما على إنشاء مجلس التعاون الذي نص في أحد مواد التأسيس على: (تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها)، وإن كان يرى البعض في إعلان الاتحاد الخليجي انتقاصا لمكانة دول الأعضاء! وانتهاكا لسيادتهم! وهدرا لمقدارتهم! إلا أن الآخرون يرون خلاف ذلك! حيث تكمن رؤيتهم في قوة الاتحاد! فالاتحاد يحفظ حدودهم! ويصون استقلاليتهم! وينمي مقدراتهم! ويحميهم من أطماع الآخرين! وبين هذا وذاك ضاعت الخطوات! ولكن!! تبقى للشعوب كلمة، فالشعب الخليجي الواحد أحق بالاتحاد من الشعوب الأوروبية المختلفة! وبمقارنة بسيطة فيما بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي سيتّضح لنا الأمر أكثر، فتاريخ تأسيس مجلس التعاون الخليجي كان في عام (1981م)، بينما كان تأسس الاتحاد الأوروبي في عام (1992م)، وبالنسبة لعدد دول الاتحاد الأوروبي فيبلغ عددهم (23) دولة بديانات ولغات مختلفة، وأما عدد دول المجلس(6) دول، ناهيك عن جغرافية الاتحاد الأوروبي غير الُمتصلة والمتباعدة فيما بين بعضها البعض، بينما تنعم دول مجلس التعاون بجغرافية متصلة ومتقاربة، ورغم ذلك كله فإن الاتحاد الأوروبي ينعم ويتمتّع بعملة واحدة وتعاون دفاعي فاعل واتحاد ضريبي واتحاد جمركي وغير ذلك من الإنجازات، بينما لم تحقق دول مجلس التعاون شيئا من ذلك، علما بأن بعضها في طور التنسيق، ولا يخفى على أحد أن أبناء دول مجلس التعاون في حقيقة أمرهم هم شعب وجسد وروح واحدة، فدينهم واحد وانتمائهم واحد، فالخطر الذي يهدد أي من دوله فهو تهديد مباشر لهم جميعا.
والشاهد على ذلك ما وقع في حرب الخليج الثانية عندما بغى جيش البعث العراقي على جارته دولة الكويت، حيث ضرب شعب الخليج الواحد أروع الأمثلة في التواّد، التعاطف، التراحم، الإحساس، الشعور بالمصير الواحد، والمناصرة، وهذا ما تجلّى في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عندما قال: (الحياة والموت تساوت عندنا، بعد ما احتلت الكويت، وبعد ما شفت بعيني، وش اللي عمل في الشعب الكويتي، ما عاد في كويت ولا في سعودية، يا نعيش َسوا يا ننتهي َسوا). فكان تأييد الشعب الخليجي مطلقا لموقف الملك فهد رحمه الله، كما تجّسد هذا الاعتقاد في أذهان ُزعماء دول الخليج عامة، وعلى إثر ذلك قدم أبناء الخليج صفوة رجالهم في معركة الخفجي وحرب تحرير أرض الكويت.
والجميع يعلم أن هناك خلافات وُمنازعات بين أبناء الخليج، ولكن ذلك يحدث على مستوى الأُسرة الصغيرة وهي التي اكتسب أبناؤها قَيمهم ومبادئهم من مشرب واحد، فكيف بنا ونحن نعيش في ُغربة بين إخواننا وأهلنا قد صنعتها لنا وسائل الإعلام المعادية، حتى جعلتنا تلك الأبواق السلبية نتوجس خيفة من بعضنا البعض. ولكن الأمر لن يكون كذلك متى ما تقاربت أفكارنا أكثر وأكثر مما هي عليه الآن، فالفكر يعد محور رئيس تقوم عليه عملية التعاون وصولا إلى مرحلة الاتحاد، فكيف لا والجميع يعيش في البيت الخليجي، ومثال ذلك اتفاق الأفكار فيما بين الأشخاص في أقصى البقاع من خلال الولاء الصافي والتشجيع المستميت لفريق رياضي، مع أن كلا الطرفين لا يعرفان بعضهما البعض، ولم يشاهدا أعضاء ذلك الفريق الرياضي بشكل مباشر! ولكنهم تقبلوا بعضهم البعض من خلال شاشات التلفاز لتحقيق هدف مشترك.
ونستذكر هنا ما قاله عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي: (وإذا ضعف التنازع في جماعة ما، ضعف التعاون فيها أيضا). وعليه فإن الاتحاد الخليجي لن يتحقق إلا بتوفر العزيمة والرغبة والإرادة لدى الشعب
الخليجي الواحد، وصدق الشاعر حيث قال: (ومن يتهيب صعود الجبال … يعش أبد الدهر بين الحفر)، ومن هنا وجب علينا كأفراد أن نعمل على إزالة خلافاتنا وغسل قلوبنا في بحر الحب والمودة والأخوة، وإن لم يكن ذلك لحاضرنا! فلنتجرد من مصالحنا الشخصية لضمان مستقبل الأبناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى