قصة قرية سويسرية “مولعة” باسكتلندا
[ad_1]
تتحول قرية “أبتفيل” السويسرية إلى بقعة اسكتلندية في يوم عطلة نهاية الأسبوع مرة كل عامين، تذاع فيها موسيقى القِرب ويتسابق مرتدو التنورة الاسكتلندية في رمي العمود ورياضات اسكتلندية تقليدية أخرى.
برز صوت موسيقى القِرب الاسكتلندية الذي لا تخطئه الأذن، أثناء انضمامي لحشد يتابع العازفين وقارعي الطبول الذين ارتدوا التنورات الاسكتلندية الشهيرة وهم يعزفون موسيقى “النعمة الغنية” الحماسية.
كان يوجد خلفي مكانا لاحتساء الويسكي وآخر لبيع طعام الهاغيز الاسكتلندي، بينما كُتبت لافتات بأسماء شوارع اسكتلندية مثل “كاوغيت” و”برينس ستريت” حيث تؤدي إلى ملعب مفتوح شاهدت فيه لاحقا مسابقة لرمي العمود التقليدية الاسكتلندية.
بيد أن شارع “برينس ستريت” لم يكن في إدنبرة، وأنا لست في اسكتلندا بالمرة، بل كنت في قرية أبتفيل الصغيرة التي تقع على مشارف سانت غالين شرقي سويسرا، وهي القرية التي أصابها الولع باسكتلندا منذ عشر سنوات.
جرت المسابقة بدورة أبوفيلا للألعاب الاسكتلندية ، وهي الدورة التي بدأت عام 2009 بجهود مجموعة من السكان المحليين العاشقين لاسكتلندا، وسميت على الاسم الذي عرفت به قريتهم أبتفيل في العصور الوسطى.
يرأس المجموعة مارتن تشيرن بوصفه المسؤول عن رابطة أبوفيلا التي أسسها لتنظيم الألعاب بعد أن بدأ عشقه لاسكتلندا قبل 23 عاما.
لم يكن تشيرن قد تجاوز العشرين من عمره حين دفعه صديق سويسري للقيام برحلة لزيارة اسكتلندا، ووعده بأنه سيستمتع بتجربة ستكون أفضل من توقعه بهطول الأمطار المستمر أو تناول طعام غير مستساغ.
ولم يخب ظن تشيرن في أيامه الأولى، إذ هطل المطر بلا توقف، ولكن في اليوم الرابع توقف المطر وانقشعت السحب فصعد الاثنان إلى المرتفعات الاسكتلندية وجلسا يحتسيان الويسكي ويمدان البصر نحو الطبيعة البكر أمامهما.
كان لهذه التجربة تأثيرها على تشيرن وقال: “جلسنا فترة بعد الظهر بالكامل على التلة لا ننبس بكلمة تقريبا وإنما نكتفي بالتمتع بالطبيعة الأخاذة”.
وفضلا عن الطبيعة المفتوحة والخلاء الذي شعر أن سويسرا تفتقده، باعتبار مساحتها تبلغ نصف مساحة اسكتلندا، ويزيد تعداد سكانها على تعداد سكان اسكتلندا بثلاثة ملايين نسمة، أعجب تشيرن أيضا بثقافة الحانات والود الذي وجده بين الناس الذين يبادرون الغرباء بالحديث أثناء شرب الجعة.
ويقول تشيرن إن هذا لا يحدث في سويسرا “فالناس متحفظون ولا يبادرون الأغراب بالحديث”.
عاد تشيرن إلى بلاده وقد استقر عشق اسكتلندا داخله، وزاد عشقه بمشاهدته فيلم “القلب الشجاع” الذي عرض عام 1995 في دور السينما.
ومرت سنوات تخللتها رحلات كثيرة لاسكتلندا، وأمكن لتشيرن إقناع أصدقائه بمعاونته في بدء تنظيم دورة للألعاب الاسكتلندية التقليدية في مسقط رأسه في قرية أبتفيل.
كان الأصدقاء يأملون أن يحضر قرابة 800 شخص في الدورة الأولى عام 2009، ولكن حضر نحو 5500 شخص.
ويقول: “لم يكن لدينا إلا شواية واحدة للطعام وطاولة واحدة لتقديم الجعة، ولم يكن مرأب انتظار السيارات جاهزا”.
وسرعان ما تعلم الأصدقاء من تلك التجربة، لذا كانت تنظيم الدورة الثانية بعد عامين أفضل بكثير. وبعد عشر سنوات من الدورة الأولى حضر 13 ألف زائر دورة أبوفيلا للألعاب الاسكتلندية، التي تنظم مرة كل عامين، كما وفد إليها متسابقون من مختلف أنحاء سويسرا والبعض من ألمانيا لإبراز مهاراتهم في رمي الكرة الاسكتلندية الحجرية الثقيلة ورمي المطرقة وغيرها من الرياضات التقليدية. ويبدو أن تشيرين ليس السويسري الوحيد الذي يشيد بالثقافة الاسكتلندية.
تشعر الاسكتلندية نيكي تسوند، التي تزوجت من سويسري واستقرت في سويسرا قبل سنوات طويلة، أن هناك تشابها وقربا بين البلدين، وقد انضمت إلى دورة ألعاب أبوفيلا بسبب حنينها إلى بلدها الأصلي، وعندما تحدثنا معا كانت بصدد المشاركة في مسابقة رمي العمود.
تقول تسوند: “سويسرا أيضا بلد صغير وسط جيران أكبر”، في إشارة إلى ما تعتز به سويسرا من حياد بين عمالقة بالاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا.
وتضيف: “أعتقد أيضا أن اسكتلندا وسويسرا يحرصان على تقاليدهما”.
كما يشبه المزاح في هذا الجزء من شرقي سويسرا أسلوب المزاح الاسكتلندي، الأمر الذي كان لازما قبل عامين عندما هطل المطر خلال معظم أيام تنظيم الدورة.
وتقول: “استعدينا بمجموعة من الأغنيات عن المطر بينما خرج أعضاء هيئة التحكيم إلى الملعب للرقص تحت أغنية (الغناء تحت المطر)”.
ولكن الطقس هذا العام كان جافا وحارا ومناسبا أكثر لمتابعة الألعاب، وإن كان مختلفا مقارنة باسكتلندا. انضممت إليهم في ساحة المسابقات لمشاهدة مجموعات من السويسريين تشبهوا بالعشائر الاسكتلندية للتنافس على الفوز في مسابقة رمي العمود.
كان التركيز على المرح، وكانت إحدى تلك “العشائر” هي مجموعة من الرجال جاءت تحتفل بعريس بصدد الزواج.
وأخيرا جاء دور المحترفين لإظهار مهارة اللعب. لم تكن أبوفيلا في الواقع أول دورة ألعاب اسكتلندية في سويسرا، ولكنها أسهمت في تنامي شعبية تلك الألعاب في هذا البلد خلال العقد الماضي حتى أصبح في سويسرا حاليا أكثر من دورة للألعاب الاسكتلندية التقليدية يشارك فيها رجال ونساء ويجوب لاعبوها أماكن في البلاد.
شاهدت المحترفين يلقون حجرا زنة تسعة كيلوغرامات أو عمودا بارتفاع خمسة أمتار بشكل مدهش، أحدهم كان رجلا قويا ألقى عمودا بثقل 25 كيلوغراما متجاوزا ارتفاع 4.6 مترا كما لو كان يلقي عصا لكلب.
لاحظت تشابه الألعاب الاسكتلندية بتقاليد سويسرية، إذ تعتمد أيضا على إبراز القوة العضلية، ومنها المصارعة السويسرية المعروفة باسم “شفينغن” ويعد أبطالها نجوما حقيقيين في سويسرا؛ وكذلك لعبة رمي الحجر الذي يشهده مهرجان “أونزبونن” حيث يقذف المتسابقون بحجارة يصل وزنها إلى 83.5 كيلوغراما. ولذا ليس غريبا أن يجد السويسريون متعة في الألعاب الاسكتلندية.
كما تشتهر سويسرا هي الأخرى بموسيقى النفخ والطبول، وتجوب فرق تقليدية الشوارع تعزف الموسيقى خلال الاحتفالات، ومن ثم تلقى موسيقى القِرب صدى أيضا لدى السويسريين.
رأيت خلال المسابقة ثلاثة محكمين أتوا من اسكتلندا خصيصا لتقييم فرق عازفي القِرب من أنحاء مختلفة من سويسرا وألمانيا بناء على ملابسهم وعزفهم وأدائهم بشكل عام.
يقول تشيرن إن المختلف هو أن اسكتلندا تحتفي بتراثها منذ وقت طويل، ويضيف: “يعجبني بالفعل كيف استطاع الاسكتلنديون الاحتفاء بثقافتهم وتاريخهم. بدأ إحياء ذلك في سويسرا، ولكن قبل 20 عاما لم تكن تقاليدنا بهذا الانتشار”.
ومع انتهاء المسابقات، أخذت اتفقد باقي مظاهر الاحتفال، ففي السوق القديمة وجدت أحد السكان المحليين يحيك التنورات الاسكتلندية التي يرتديها الرجال من قماش خاص، كما رأيت امرأة سويسرية تبيع الحقائب المصنوعة يدويا التي يضعها الرجال متدلية من خاصرتهم.
رأيت أطفالا يلقون أعمدة صغيرة في دورة ألعاب الأطفال، بينما يحاول الكبار رمي البلطة، واكتظت حانة أقيمت بشكل مؤقت وحملت اسم “آخر قطرة” بالمحتسين للجعة الاسكتلندية والراقصين على أنغام الموسيقى الاسكتلندية التقليدية.
واختلط الاحتفال ببعض المظاهر السويسرية مثل النقانق التي عادة يتناولها الناس في التجمعات العامة، وضاهى الإقبال عليها إقبال الجائعين على وجبات الهاغيز الاسكتلندية والسمك المقلي والبطاطس البريطانية.
في تلك الأثناء تنقلت الحافلات التي تنقل الزوار ذهابا وإيابا بالدقة السويسرية المعهودة، وإن رفعت أعلاما اسكتلندية.
لكن يبقى شيء واحد في هذه التجربة الاسكتلندية، وهي هل كان تشيرن يرتدي شيئا أسفل تنورته الاسكتلندية؟ يقول “نعم”، ويضيف وبريق يلمع في عينيه: “جورب وحذاء”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link