قصة شابة ساعدها حب الطبيعة في تهدئة مخاوفها
[ad_1]
على الرغم من أن جزر فارن نائية، إلا أنها ليست هادئة على الإطلاق. ففي أشهر الصيف، تستقبل هذه المجموعة من الصخور، بمحاذاة الساحل الشمالي لإنجلترا، آلاف الطيور البحرية، منها طيور البفن التي قد تلمحها تطير مسرعة فوق رأسك وهي تملأ مناقيرها ببعض الأسماك.
وفي الكنيسة القديمة، يتنافس حماة الجزيرة مع طيور السنونو، التي تعشش بين العوارض الخشبية، من أجل جذب انتباه الحاضرين. وهذا يذكرنا بأن الطبيعة أحيانا قد تكون فوضوية أكثر مما تكون هادئة.
وعندما زارنا أصدقاؤنا في الشمال هذا الصيف، دهشوا حين رأوا الطيور تغطي كل صخرة في جزر فارن وكل شبر في السماء، واستغرقنا في تأمل الطبيعة وعجائبها حتى فقدنا أثر بعضنا بعضا وفقدنا الشعور بالوقت.
ومنذ أن انتقلت مع صديقي إلى الشمال العام الماضي، اكتشفت أن الطبيعة زاخرة بمظاهر الحياة. وقبلها كنت أعيش في المدن الكبري حيث كنت أعمل كاتبة في مجلات عن تغير المناخ، لكن كل ما كان يشغلني آنذاك هو السياسة الدولية.
وقد اخترت هذا المسار المهني بدافع القلق من تداعيات زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة على المدى الطويل، وزيادة حجم المخاطر التي يواجهها فقراء العالم، ومخاطر الأمن الغذائي وانحسار الغطاء الجليدي.
لكنني شعرت آنذاك أنني بعيدة عن هذه التداعيات الجسيمة بحكم معيشتي في دولة غنية وانتمائي للطبقة المتوسطة. إذ لم ألمس بنفسي مظاهر الفقر وتدهور البيئة في حياتي اليومية.
غير أن الانتقال إلى الشمال ساعدني على إعادة الارتباط بالطبيعة، فكنت أشغل وقت فراغي بالبحث عن بوم الحظائر وطيور الرفراف وزهور الأوركيد وغيرها من الفصائل والأنواع الطبيعية. لكن عندما اقتربت من الريف والطبيعة، بدا حجم الدمار الذي حل بالبيئة واضحا.
وبينما كنت أشعر بالسعادة بالارتماء في أحضان الطبيعة، فإن مشاهدة حجم الخسائر البيئية الناجمة عن الأنشطة البشرية كان يؤلمني بشدة، وأدركت أن العالم يواجه أزمة.
وبعد أسابيع قليلة من رحلتنا إلى جزر فارن، اكتشفت أن الأمطار الغزيرة في يونيو/حزيران أدت إلى نفوق المئات من فرخ البفن الضعيفة. وأصدرت مؤسسة التراث القومي، التي تتولى إدارة الجزر، تحذيرا عن الآثار المحتملة لأزمة المناخ على أعداد الطيور. وأصابني هذا الخبر بالحزن الشديد طوال اليوم.
لكن هذا الشعور بالسعادة الغامرة الذي يعقبه حزن شديد قد يتعارض مع نتائج الدراسات عن فوائد الاتصال بالطبيعة، إذ أثبتت دراسات أن قضاء وقت أطول في أحضان الطبيعة كفيل بأن يجعلنا أكثر سعادة. وأشارت دراسة حديثة إلى أن الاستمتاع بالطبيعة والاستماع لتغريد الطيور، قد يساعد في تحسين حياتنا بشكل عام.
ومنذ أن طغت مظاهر التمدن والتحضر على حياتنا، انقطعت صلتنا بالبيئة الطبيعية، وأصبحنا أكثر ارتباطا بالأجهزة التكنولوجية ولم نعد نشعر بتغير الفصول. ولهذا تساءلت ما إن كان البقاء في الطبيعة يجعلنا أكثر وعيا بتدهور البيئة، وما إن كان يفاقم مشاعر القلق على البيئة الذي يعتري الكثيرين اليوم. ولماذا يشعرنا البقاء في الطبيعة بالسعادة المشوبة بالحزن؟
ويقول مايلز ريتشاردسون، رئيس قسم علم النفس بجامعة ديربي والذي ويقود الفريق البحثي عن آثار الارتباط بالطبيعة: “كلما زاد ارتباطك بالطبيعة، زادت مخاوفك حيال التغيرات البيئية. وهذا الخوف من الطبيعي أن يؤثر على الحالة النفسية لأن وضع البيئة أصبح حرجا وقد يترتب عليه تبعات جسيمة”.
ولا تزال الأبحاث التي تربط بين الارتباط بالطبيعة والخوف على البيئة وتردي الصحة النفسية في مراحلها المبكرة، لكن كارولين هيكمان، التي تجري أبحاثا عن تغير المناخ وعلم النفس بجامعة باث، تقول إن قضاء وقت في أحضان الطبيعة قد يزيد مشاعر القلق حيال البيئة، لكنه أيضا قد يحسن حالتنا المزاجية ويشجعنا على إتخاذ خطوات لإنقاذ البيئة.
وترى هيكمان أننا عندما ندرك تداعيات تغير المناخ على كوكب الأرض، سنلاحظ أشياء لم نكن نلاحظها من قبل، مثل جفاف الأنهار، وتأثير تغير المناخ على الأشجار والمحاصيل، وربما يعترينا القلق والأسى على البيئة حينذاك. ولهذا يشعر الكثير من النشطاء عند هذه المرحلة بالإنهاك واليأس والغضب.
وخلص تحليل لعدة دراسات إلى وجود صلة قوية وراسخة بين الارتباط بالطبيعة وبين السلوكيات الصديقة للبيئة. ولاحظ العلماء أن هذه العلاقة سببية، لأن ارتباط الناس العاطفي بالطبيعة يشجعهم على اتخاذ خطوات لمكافحة تغير المناخ.
وفي المملكة المتحدة، تجري الجمعية الملكية لصناديق الحفاظ على الحياة البرية حملة سنوية لمدة 30 يوما، لتشجيع الناس على قضاء وقت في الطبيعة يوميا على مدى شهر. وأبلغ المشاركون عن تحسن حالتهم الصحية والمزاجية وانتهاجهم لسلوكيات صديقة للبيئة.
وتقول لوسي ماكروبرت، التي ساعدت في إطلاق هذه الحملة، إن النتائج كل عام تثبت أن قضاء بعض الوقت في أحضان الطبيعة يزيد احتمالات اتخاذ خطوات لحمايتها، وهذا يزيد الارتباط بالطبيعة والوعي البيئي.
ومنذ أن زاد الوقت الذي أقضيه في الهواء الطلق، أصبحت أشعر بالألم كلما رأيت بنفسي تناقص أعداد الحيوانات وانحسار الرقعة الخضراء. لكنني أجد عزائي دائما في عجائب الطبيعة التي تخفف آلامي. وما دمت أرى طيور البفن تحلق في جزر فارن النائية بمحاذاة مقاطعة نورثامبرلاند، وأتجول عبر الغابات القديمة وأبحث عن الطيور البرية في أركان المدينة، فإن أفضل علاج للقلق على البيئة قد تلتمسه من الطبيعة نفسها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link