أخبار عربية

رواد الأعمال الشباب الذين يغيرون الجنازات في فرنسا


ما سر ازدهار شركات دفن الموتى بفرنسا؟

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

مع ازدهار مجال الجنازات في فرنسا، بدأ رواد الأعمال الشباب هناك تقديم خدمات لمساعدة أقارب الميت

كان ماكسيم نوري (32 عاما) يدرس إدارة الأعمال في جامعة بمدينة ليون الفرنسية حين بدأ التفكير مع أحد أصدقائه في تأسيس شركة. وبعد طول تفكير في المجال الذي يجدر بهما العمل فيه، وقع اختيارهما على مجال غير مألوف رغم الأرباح التي يدرها، ألا وهو دفن الموتى.

ويقول نوري: “اعتقدنا أن ذلك مجال لا يريد أحد العمل فيه، أو يستحدث ابتكارات بشأنه، وذلك بالتحديد ما أثار اهتمامنا. رأينا أن إهمال رواد الأعمال لهذا المجال يزيد من احتمال توفر فرص جيدة فيه”.

وكان هذا الشاب على حق. فالعمل بمجال الجنازات يُشكّل بالفعل مجال عمل مربحا. فمتوسط العمر في فرنسا – مثل الكثير من دول العالم الأخرى – في ارتفاع، وهو ما يعني بالضرورة زيادة عدد حالات الوفاة. وتفيد أرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في هذا البلد بأن من المتوقع أن يفوق عدد هذه الحالات 770 ألفا في عام 2050، بزيادة عن عددها في عام 2000، الذي كان 531 ألف حالة تقريبا.

وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسة أجرتها مجموعة فرنسية تعمل في مجال تقديم الاستشارات أن أرباح العمل في مجال تنظيم الجنازات زادت بنسبة 25 في المئة بين عاميْ 2006 و2016، وأن حجم هذا القطاع بلغ 2.5 مليار يورو (2.74 مليار دولار) العام الماضي.

وبالعودة إلى نوري، نجد أنه أصبح بعد ثماني سنوات من تفكيره في تأسيس شركته مع صديقه رئيسا تنفيذيا لهذه الشركة التي تحمل اسم “سيمبليفيا”، ويبلغ عدد موظفيها 22 شخصا. وطوّرت “سيمبليفيا” برنامج كمبيوتر يستخدمه متعهدو الجنازات لمساعدتهم على جعل عملهم أكثر تنظيما. كما تقدم هذه الشركة خدماتها للعائلات الثكلى، وذلك في ما يتعلق بمساعدتهم على إنجاز معاملات إدارية تترتب على حدوث حالة الوفاة، مثل إغلاق حسابات التقاعد الخاصة بالمتوفين. وفي الوقت الحاضر، ترتبط “سيمبليفيا” بشراكة مع أكثر من 700 من الجهات العاملة في مجال الجنازات في فرنسا.

“آد فيتام” شركة ناشئة أخرى في هذا المجال. لكنها توفر خدماتها عبر شبكة الإنترنت، على عكس المتعهدين التقليديين الذين يعملون من خلال منافذ على الأرض. ويقول الرئيس التنفيذي للشركة فيليب ميرالب، البالغ من العمر 38 عاما، إنه قرر العمل في هذا المجال بعدما نظم جنازة والده بنفسه، في تجربة يصفها بـ”الصادمة”.

فقد شعر الرجل بأن القيام بالإجراءات المتصلة بهذا الأمر بالأسلوب التقليدي كان مرهقا وبطيئا ويفتقر للطابع الإنساني. ويقول إن ممثلي متعهد الجنازات الذين تعامل معهم كانوا أشبه بمندوبي مبيعات، لا يستهدفون سوى الحصول على عمولة كبيرة ويحاولون الترويج لمنتج أو خدمة باهظة الثمن. كما أن تردده على متعهد الجنازات استغرق ساعات طويلة، في وقت كان يسعى للاهتمام بشؤون عائلته، وإنهاء قدر كبير من المعاملات الإدارية المترتبة على الوفاة.

وبالنظر إلى عدم وجود كيان مادي لـ”آد فيتام”، في ضوء أنها تدير معاملاتها عبر الإنترنت، يمكن للعائلات الثكلى ترتيب شؤون الجنازات وشراء الأغراض الخاصة بها، مثل التوابيت وخلافه، عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني. لكن ممثلا للشركة يشارك في مراسم التشييع نفسها، وهو ما يوفر للعملاء خدمة أقل تكلفة وأكثر كفاءة. ويمكن أن يساعد فريق العمل في الشركة كذلك في إنهاء المعاملات الإدارية المتعلقة بإغلاق حسابات الميت، سواء المالية أو حتى بمنصات التواصل الاجتماعي.

ومنذ تأسيسها في عام 2016، نظمت هذه الشركة الناشئة 1500 جنازة. ونجحت في جمع رأس مال من مستثمرين يبلغ 1.8 مليون يورو (أكثر من مليونيْ دولار). واختيرت الشركة لُتدرج ضمن الشركات والمؤسسات الناشئة التي تحظى بدعم “ستايشن إف”، وهي أكبر مؤسسة في أوروبا حاضنة للأعمال في مجال التكنولوجيا. ويقول ميرالب: “أعتقد أنهم اختارونا لأننا نمثل مشروعا اجتماعيا ينطوي على قيم رفيعة، ونقدم خدمة حقيقية للناس”.

مصدر الصورة
AdVitam

Image caption

تقدم الشركات الناشئة العاملة في مجال الجنازات – كتلك التي يملكها ميرالب – خدمات أقل تكلفة وأكثر كفاءة لعملائها، مثل المساعدة على إغلاق حسابات المتوفين على منصات التواصل الاجتماعي

“أنشطة عفا عليها الزمن”

ولا يمثل ميرالب ونوري وشريكه باتيست دوسي سوى جزء من قائمة لرواد الأعمال الذين يحاولون استحداث خدمات وأساليب عمل جديدة في مجال تنظيم الجنازات. ومن الخدمات التي تقدمها شركات أخرى في هذا الشأن، توفير منصات لجمع الأموال اللازمة لشراء مستلزمات الجنازة ودفع قيمة الخدمات المرتبطة بها، بجانب تحضير عطور تعتمد في أساسها على رائحة الميت لتعزيز بقائه في ذاكرة من حوله. فضلا عن ذلك، تحاول شركات إقناع عملائها بوضع ما يُعرف بـ”رمز الاستجابة السريع” على شاهد قبر قريبهم الراحل، وهو ما يربطه عبر تطبيق إلكتروني بصور الميت وموسيقاه المفضلة.

ويشعر ريشار فيريه، رئيس الاتحاد الخاص بالعاملين في مجال الجنازات في فرنسا، بحماسة ممزوجة بالحذر بشأن الروح الجديدة التي يضخها رواد الأعمال في هذا القطاع. فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، رأى بعينيه شركات ناشئة تسقط في هوة الإفلاس لأنها كانت تفكر بشكل مبتكر أكثر من اللازم في ما يتعلق بالخدمات التي تقدمها لعملائها.

ويقول: “سنصل في نهاية المطاف إلى مرحلة `الرقمنة`. لكن وتيرة ذلك ستكون أبطأ من نظيرتها في غالبية المجالات الأخرى. فالشركات العاملة في مجال تنظيم الجنازات وكذلك العملاء مازالوا يتسمون بطابع محافظ. كما أن الشركات الناشئة تجلب أفكارا جديدة تأتي في بعض الأحيان في وقت مبكر للغاية، سواء بالنسبة لطبيعة عصرهم أو طبيعة السوق الذي يتعاملون معه”.

بالإضافة إلى هذا، يتضمن مجال الجنازات في فرنسا – بوضعه الحالي – عقبات أخرى، تقف في طريق الوافدين الجدد إليه. فهو خاضع لهيمنة ثلاث مجموعات كبرى، تسيطر إحداها على 20 في المئة منه، كما تتحكم فيه مؤسسات مالية مثل صناديق التقاعد. ولكل من هذه المؤسسات التقليدية علامة تجارية ذات ثقل كبير في السوق.

في الوقت ذاته، ينبغي على الشركات الناشئة أن تعد العدة للتعامل مع الإجراءات الروتينية المعقدة والتفاصيل ذات الطابع التقليدي التي لا تواكب إيقاع التكنولوجيا. ويصف ميرالب ذلك بالقول “إنها منظومة عتيقة من كل الجوانب، فالسلطات المحلية لا تزال تعمل باستخدام أجهزة الفاكس والدفع عبر الشيكات المصرفية. الأمر ليس سهلا”.

لكن ذلك لا ينفي أن هناك فرصة يمكن اغتنامها بالقطع من جانب من يقدمون خدمات أقل تكلفة وأكثر سرعة، وذلك في ضوء أرقام رسمية أُعلنت في فرنسا في فبراير/ شباط الماضي، أفادت بأن تكاليف الجنازات زادت، وأن متوسط تكلفة الجنازة الواحدة بات يتراوح بين 2500 و4500 يورو.

مصدر الصورة
Maxime Nory

Image caption

ترى “سيمبليفيا” – التي يبلغ متوسط أعمار العاملين فيها 30 عاما – أن الطابع الشبابي الذي تكتسي به يساعدها على اكتساب ثقة العملاء الذين يريدون تجربة أمور جديدة

بناء الثقة والمصداقية

اللافت أن شركة مثل “سيمبليفيا” وجدت أن إقناع المتعهدين العاملين في مجال الجنازات بشراء برنامج الكمبيوتر الذي طوّرته لتسهيل أعمالهم كان محفوفا بكثير من التحديات، رغم أن أقارب المتوفين يسعون ويتطلعون على نحو متزايد للحصول على خدمات أكثر سلاسة وأقل تكلفة في هذا الصدد.

بالإضافة إلى ذلك، فوجئت بعض الشركات العاملة منذ وقت بعيد في هذا المجال بدخول منافس جديد مثل “سيمبليفيا”، إذ ظنوا – كما يقول نوري – أن مؤسسيها مجرد صبية سذج لن يبقوا طويلا في السوق “ولكننا – في النهاية وبعد عدة سنوات – اكتسبنا المصداقية”.

ويبلغ متوسط أعمار العاملين في “سيمبليفيا” و”أد فيتان” نحو 30 عاما. وترى أميلي تولاشيد، المسؤولة في الشركة الأولى، أن ذلك كان خير معين لها على تدريب متعهدي الجنازات المتعاملين مع شركتها على استخدام برنامج الكمبيوتر الذي طُوِّرَ لاستخدامه في مجال الجنازات. وتقول أميلي: “أعتقد أن شركاءنا يحبون الآن الصورة الشبابية التي تقدمها الشركة، لأنهم يريدون القيام بأشياء جديدة، ولكنهم لا يعلمون كيف يفعلون ذلك، وهو ما يجعلهم يثقون بنا”.

ويرى ميشال باده، وهو مدير شركة بشمال فرنسا تعمل في مجال الجنازات، أن التغيرات التكنولوجية ستُحسّن الخدمات المُقدمة في هذا الشأن. ويستخدم باده حسابه بموقع “فيسبوك” – الذي يتجاوز عدد متابعيه 3500 شخص – للترويج لأنواع جديدة من التوابيت توفرها شركته، ولنشر الإشعارات الخاصة بحالات الوفاة. وخلال العام الماضي، استعان الرجل ببرنامج الكمبيوتر الذي طوّرته “سيمبليفيا”، وذلك لتنظيم ما يصل إلى 220 جنازة. ويقول: “اعتدنا طبع أفراخ من الورق وكتابة الكثير من السطور. والآن نرى الفارق بوضوح، وندرك كم وفرنا من الوقت على صعيد تنظيم الجنازة وإصدار الفواتير للعائلات وملء الاستمارات الخاصة بالمعاملات الإدارية”.

ويشعر ميرالب ونوري بالتفاؤل حيال المستقبل. فهما يخططان لتوسيع نطاق أعمالهما وتقديم خدمات جديدة. فـ “آد فيتام” بدأت مؤخرا توفير خيارات صديقة للبيئة بشكل أكبر، مثل توابيت من الورق المقوى المُعاد تدويره. كما تقوم هذه الشركة حاليا بحملة إعلانية وتسويقية غير معتادة، يمكنك أن تجد ملصقاتها في محطات قطارات الأنفاق في باريس، على غرار إعلانات وكالات السياحة والسفر. وتحمل هذه الملصقات شعارات تَعِد العملاء بـ”مأوى هادئ وساكن”.

ويقر ماكسيم نوري بأنه أدرك بعد وقت قصير من العمل في مجال الجنازات أن بعض طموحاته وأفكاره على هذا الصعيد كانت أكبر مما ينبغي وجاءت مبكرة على نحو مفرط، مشيرا إلى أنه تعلم التكيف مع إيقاع السوق، دون أن ينفي ذلك إيمانه الشديد بشركته الناشئة، واعتقاده بأن عمله في هذا المجال شكّل خيارا صائبا.

ويقول: “نحن لا نقدم منتجا أو أداة محببة إلى قلوب الناس، بل نعمل في مجال يتعلق بشأن حقيقي وواقعي إلى أقصى حد، وهو ما يوفر لنا في كل يوم حافزا لمواصلة العمل”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى