أخبار عاجلة
لا تطلُب المستحيلَ هذا في الآخرة
[ad_1]
حين ينظرُ الإنسانُ في الأمور بعقله، ويُلبسُ الأشياءَ ما أراد لها اللهُ بحكمته وقدرته، يرتاح قلبُه، ويهدأ حالُه، ولا تذهب نفسُه حسرات على تقلبات الأيام وأحوال البشر..
صديقٌ ظلّ يحدّثني عن طبائع النفوس العجيبة، وكيف أنَّ بعض النّاس تعلو وجوهَهم بسمةٌ يرسمونها عريضة على شفاههم، وتلمع أعينهم بهجة وسرورًا، لكنّهم يخفون في قلوبهم أحقادًا ونارًا تكاد تحرقهم من داخلهم، وتمتلئ نفوسُهم شرورًا وآثامًا وربما ينفثون سمومهم في وجوهٍ يبتسمون لها رياءً ومصلحة..
وبنظرة حالمة، وأمل طفوليّ، ورؤية ملائكيّة، قال لي: لماذا لا يجمع كلَّ النّاس حبٌّ صادقٌ، وودٌ صافٍ، وتحيطهم سحائبُ الوفاء والإخلاص، وتُنزع من قلوبهم الضغائن والأحقاد، وتنتهي من عقولهم المكائد والمؤامرات؟
فقلتُ له: أنت تطلب المستحيل!
إنَّ الله – عزَّ وجلَّ – خلق البشر بقدرته، ووضع لهم منهج حياتهم بحكمته، وأراهم طريق الخير والسّعادة ووسيلته ونتائجه وجزاءه بالنعيم في جنّته مخلّدين، وكشف لهم طرائق الشرّ والشقاوة ووسائلها وعاقبتها بالخلود في جحيم ناره مخلّدين.. لكنّهم مع ذلك سلكوا طرقًا مختلفة، وراحوا يتيهون في زخارف الدنيا ومجونها، وتنازعوها وتحاربوا عليها وتقاتلوا فيما بينهم، ذلك لأنّ الله أراد أن يختبرهم بعضهم ببعض، فيمن يتّبع هواه ينصهر في بوتقة الدنيا ونزاعها، ويتشتت قلبه وتتنازعه الضغائن فيحسد ويحقد ويخرج منها مفلسًا.. ومنهم من يكدّ ويجتهد في السّمو بنفسه، والتعلّق بربه، وتنقية قلبه وخلاصه من أمراضه وشهوات دنياه، فلا يشغل نفسه بكره الآخرين أو حسدهم وتنازع الدنيا معهم فيكون من الفائزين بسعادة الدنيا براحة قلبه والآخرة بنعيم ربّه..
إنَّ الإنسان ليس ملاكًا ولا شيطانًا، لكنّه مخلوق ممزوج بالتناقضات، وتتنازعه أمور الدنيا وشهواتها، ويتطلع إلى نعيم الآخرة وظلالها، وهنا يكون الاختبار، فإمَّا أنْ يتغلّب على هوى نفسه فيقترب من الملائكيّة، وإما أنْ تقهره نفسه وتصرعه وتهوي به إلى مراتب الشياطين المفسدين في الدنيا والهالكين حطبًا لجهنّم في الآخرة..
كما أنَّ الله – عزّ وجلّ – قد وضع في النفوس قلوبًا من طبيعتها الدنيويّة الاستعداد لأن يسكنها الحقد والحسد والضغائن، ما بقي الإنسان في دنياه، ينازعها وتنازعه.. وانتهاء ذلك الغلّ في الدّنيا أمر مستحيل.. لأنَّ الله أخبرنا أنَّ الغلّ لن يُنزع من القلوب إلا في الآخرة، ليكتمل نعيم الفائزين في جنّته ويهنئون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. قال تعالى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) (الحجر: 47).
لن تكون الدنيا إلا بصراعاتها، واختلاف البشر فيها فكرًا وعقيدة وسلوكًا، فهي موطن الابتلاء، ومكان الاختبار، وإرادة من الله بالنزول من الجنّة إليها، ليبتلي خلقه بعضهم ببعض، ويصطفي قلوبًا سمت فوق طابعها الدنيويّ فتطهّرت من أدران الدنيا وأحقادها ونزاعات أفرادها وتطاحنهم فيما بينهم، وارتقت بالإنسان إلى الملائكيّة ليستحق جزيل الثواب وحسن المآب في ظلّ الرحيم الرّحمن التوّاب..
د.محمد العقيد
Instgram: @dr.al_akeed
Twitter: @m_alakeed
[ad_2]
Source link