أخبار عربية

نفوذ تركيا في المنطقة: قوة للبناء أم للهدم؟

[ad_1]

أصبحت تركيا أكثر انفتاحا على المنطقة العربية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم

مصدر الصورة
AFP

Image caption

أصبحت تركيا أكثر انفتاحا على المنطقة العربية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم

لابد وأن يداعبك طيف التاريخ عندما تقف على ضفاف البوسفور، وتتطلع إلى الشطرين، الأوروبي والآسيوي، من اسطنبول. فهذه المدينة الفريدة في موقعها، حيث تتعانق عندها آسيا وأوروبا، كانت عاصمة الدولة العثمانية ومركز نفوذها لسنوات طويلة. وامتد هذا النفوذ لمجموعة من الدول العربية التي كانت تابعة بدرجات مختلفة لسلاطين الدولة العثمانية. وبلغت هذه الدولة أوج قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني، إذ سيطرت على أجزاء كبيرة من وسط آسيا وشرق أوروبا، وكانت إحدى القوى الأوروبية الكبيرة وقتها.

ثم دخلت الدولة العثمانية تدريجيا في مرحلة الأفول والتراجع حتى تحولت لرجل أوروبا المريض، كما كان يطلق عليها، في نهايات القرن التاسع عشر. وانتهى بها المطاف إلى الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، الامر الذي عجل بأن يعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية التركية في عام 1923، وإلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924.

توجه تركيا نحو الغرب مع أتاتورك

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

توجهت تركيا نحو الغرب مع أتاتورك

سعى أتاتورك إلى توجيه دفة تركيا إلى الغرب، والابتعاد عن روابطها التقليدية مع العالم الإسلامي، وهو ذات التوجه الذي استمر عليه من خلفه في حكم تركيا لسنوات طويلة. كما تعززت روابط تركيا مع الولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة، وذلك لأن واشنطن كانت في حاجة إلى موقع تركيا الاستراتيجي في ظل صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق، الأمر الذي مكن تركيا من الحصول على عضوية حلف شمال الأطلنطي (الناتو) لتصبح الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في هذا الحلف.

غير أن دور تركيا في العالم العربي والإسلامي عاد للظهور بقوة مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في عام 2002، إذ تبنى قادة ومفكرو الحزب منهجا يقوم على ضرورة إحياء دور تركيا الإسلامي الذي تعرض للتجاهل والإهمال منذ عهد أتاتورك. كما أن النمو الاقتصادي الكبير الذي تمكن الحزب من تحقيقه في تركيا في الفترة من 2002 إلى 2017، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لثلاثة أمثال ما كان عليه قبل وصول الحزب للحكم، ساهم أيضا في تطلع تركيا إلى علاقات اقتصادية وسياسية أوسع في المنطقة العربية.

عودة تركيا إلى العالم الإسلامي

Image caption

الدكتور محمد الثنيان، رئيس مركز “طروس” للدراسات الشرق أوسطية في الكويت

ويوضح الدكتور محمد الثنيان، رئيس مركز “طروس” للدراسات الشرق أوسطية في الكويت، والمتخصص في العلاقات العربية التركية، أن حزب العدالة والتنمية تحرك بدافع التاريخ والجغرافيا والموروث الثقافي لاستعادة دور تركيا في العالم العربي والإسلامي. إذ يسعى قادة الحزب، كما يقول الثنيان، إلى أحياء فكرة الاستقلال عن الغرب، سواء لتركيا أو نشرها في باقي دول الإقليم، خاصة الاستقلال عن القرار الأمريكي. كما يسعى الحزب لإحياء فكرة التحالف الإسلامي التي سبق أن نادى بها نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء التركي السابق، بين الدول الإسلامية الكبيرة.

ويضيف الثنيان أنه “في ظل وجود تدخل مستمر في المنطقة العربية من جانب مجموعة من القوى لتحقيق مصالحها، ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإيران، كان من الطبيعي أن تسعى تركيا أيضا لحماية مصالحها، وذلك بأن تعقد تحالفات تقوم على المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية.” ويرى أن تركيا دعمت الديمقراطية عندما حدثت ثورات الربيع العربي، والتي قامت نتيجة غياب الحرية والعدالة والتداول السلمي للسلطة وضغوط الفقر والتهميش على مواطني الدول التي شهدت ثورات. لم تكن تركيا هي التي أشعلت الثورات، كما يقول الثنيان، و”لكنها دعمت خيارات الشعوب، كما حدث في سورية مثلا، ثم تحملت أعباء ملايين اللاجئين بشكل لم تقم به أي دولة أخرى في المنطقة”.

وفي الأزمة الخليجية، كما يقول الثنيان، تدخلت تركيا لمساندة دولة قطر الحليفة لها، كما تدخلت دول أخرى لمساندة حلفائها في الخليج، ومن ثم يرى أن دور تركيا إجمالا يصب في صالح شعوب المنطقة.

العثمانية الجديدة

Image caption

الدكتورة علا بطرس، أستاذة العلوم السياسية والمستشارة السابقة للخارجية للبنانية

إلا أن الصورة تبدو مختلفة في أعين الدكتورة علا بطرس، أستاذة العلوم السياسية والمستشارة السابقة للخارجية للبنانية، إذ ترى أن تركيا تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر تحالفاتها مع أحزاب الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين. وتشير إلى الرؤية التي قدمها أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق وأحد أبرز مفكري حزب العدالة والتنمية. إذ يرى أوغلو أن على تركيا أن تستخدم الموروث الثقافي والجغرافي لنشر نفوذها في الدول التي كانت ضمن السلطنة العثمانية، ومنها سورية ومصر والسودان وليبيا. والمشكلة، كما تقول علا بطرس، “أن تركيا تدعم جماعات مثل الإخوان على حساب الدولة، خاصة وأن هذه الجماعات تشعر بالتهميش والظلم من جانب دولها، وهذا يمس بأمن وسيادة الدول ويؤدي إلى تفككها كما حدث في سورية. إذ تحولت الثورة إلى حرب، ودخلت الجماعات الإسلامية في الصراع بحيث باتت تسيطر فعلا على أغلب الأراضي في مناطق المعارضة السورية، وليس الجيش السوري الحر”.

وتشير علا بطرس إلى نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية على مستوى الداخل في تركيا، إذ انتقلت تركيا من مرحلة الأزمة الاقتصادية والغياب كقوة مؤثرة، التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة وفي إطار الجمهورية الكمالية، لتصبح قوة اقتصادية كبيرة تحتل الآن المرتبة السادسة ضمن أكبر الاقتصادات على المستوى الأوروبي، وتلعب دورا مؤثر في القضايا الإقليمية سواء اتفقنا أو اختلفنا معه. “لكن هذا النموذج الناجح الذي قدم للداخل التركي لم يعمم خارج تركيا نظر لأن تجربة حزب العدالة والتنمية مختلفة عن تجربة أحزاب تتشبه به، مثل الإخوان المسلمين في مصر، الذين استعجلوا التمكين”، ولم يحققوا تنمية اقتصادية مثل التي حققها حزب العدالة والتنمية” كما تقول. وتضيف “اعتقدوا أن الحكم هو مجرد صندوق اقتراع، الأمر الذي أدى لخسارتهم وخسارة أكبر للمشروع التركي في المنطقة. ولو نجح الإخوان في مصر لشكل هذا رافعة لأحزاب الإسلام السياسي الأخرى في المنطقة العربية.”

تركيا تدخلت لحماية الشعب السوري

Image caption

عمر قرقماز، المستشار السابق لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو

ويرفض عمر قرقماز، المستشار السابق لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الطرح الذي يقوم على أن تركيا تسببت في الأزمة السورية، ويوضح أن الأزمة في سورية لها جذور ممتدة منذ سنوات طويلة عندما قام حافظ الأسد في الثمانينات بمذبحة حماة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من السوريين. “عندما قامت الثورة في سورية حاول النظام قمعها بشكل دموي. وكان من غير المعقول أن تقف تركيا مكتوفة الأيدي وهي ترى الشعب السوري يذبح ويقتل، وترى الأزمة على حدودها تتفاقم، وهو ما يهدد أمنها واستقرارها، ويؤدي إلى تدفق هائل للاجئين إلى أراضيها”، كما يقول قرقماز. ويضيف أن تركيا احتضنت نحو أربعة ملايين من اللاجئين السوريين، وهو ما لم تقف به دول عربية أخرى كانت تؤيد وتدعم الثورة في سورية، مثل السعودية.

ويمضي قرقماز فيقول إن عملية “نبع السلام” الأخيرة في شمال شرق سورية تهدف إلى إقامة منطقة عازلة يمكن أن يعود إليها اللاجئون، وهذا هو الحل الوحيد للأزمة لأن البديل هو أن يتدفق هؤلاء اللاجئون على أوروبا، وهو ما يرفضه القادة الأوروبيون تماما، أو أن يتدفقوا على تركيا، وهي لا يمكن أن تتحمل أعباء المزيد من اللاجئين. كما “لا يمكن أن تقبل تركيا بسيطرة جماعات إرهابية على حدودها بحيث تهدد أمنها القومي”، وذلك في إشارة إلى جماعات كردية مسلحة تصنفها تركيا على أنها إرهابية.

ويضيف قرقماز أن “تركيا دعمت خيار الحرية والديمقراطية عبر ثورات الربيع العربي، ولم تدعم الإسلاميين فقط، بل دعمت من جاءوا عبر الانتخابات لأن تركيا اكتوت بنيران الانقلابات العسكرية، وتعرف أن الطريق للتنمية والاستقرار هو ضمان أن تختار الشعوب من يحكمها بشكل ديمقراطي”.

ويشير إلى أنه عندما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القاهرة تعرض لانتقادات حادة من قبل بعض التيارات الإسلامية، وذلك على أساس أنه “ليس إسلاميا بما يكفي”، على حد وصف قرقماز، وهذا يتناقض مع فكرة أن تركيا تدعم فقط الإسلاميين. ويرى أنه من الطبيعي أن يكون لتركيا علاقات قوية ناجحة مع الدول العربية لأن هذا يحقق المصالح المشتركة لكل من الأتراك والعرب.

عملية “قبرص الثانية”

Image caption

بركات قار، عضو حزب الشعوب الديمقراطي المعارض في تركيا

غير أن بركات قار، عضو حزب الشعوب الديمقراطي المعارض في تركيا، يوجه سهام النقد لكل ما يقوله قادة حزب العدالة والتنمية عن دور تركيا في دعم الديمقراطية في الدول العربية التي شهدت ثورات، أو حتى عن الديمقراطية والتعددية في تركيا نفسها في الوقت الراهن. ويقول إن العملية العسكرية التركية في شمال سورية هي عبارة عن عملية “قبرص الثانية”، وذلك في إشارة إلى إرسال قوات تركية لحماية القبارصة الأتراك منذ سنوات طويلة، ولازالت هذه القوات موجودة في قبرص حتى اليوم. ومن ثم، يتوقع بركات قار أن يستمر تواجد القوات التركية في شمال سورية لسنوات طويلة قادمة، ويرى أن الهدف من عملية “نبع السلام” هو صرف الأنظار عن الأزمة السياسية في تركيا بسبب تدفق اللاجئين إلى أراضيها، وهو نتيجة خطأ كبير ارتكبته الحكومة التركية بالتدخل في سورية، حسبما يرى.

ويضيف قار “ليس من المقبول أن تتدخل تركيا لإسقاط النظام في سورية، وليس من المقبول أن تتحالف تركيا مع أحزاب الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، لتغيير الأنظمة في دول عربية أخرى. وكان من المفروض أن تدعم تركيا أي توجه ديمقراطي من داخل حدودها لأن تحركها خارج حدودها لتغيير بعض الأنظمة العربية أسفر عن أزمة اللاجئين السوريين التي تعاني منها تركيا حاليا، وأزمة في العلاقة مع مصر. وفي النهاية لن تسمح الولايات المتحدة لتركيا بأن يكون لها نفوذ في الخليج أو في المنطقة العربية بالصورة التي يريدها أردوغان”.

ويضيف قار “كان من الأولى أن تدعم تركيا الديمقراطية في داخلها لأن ما يحدث الآن هو تراجع واضح للحريات، خاصة بعد محاولة الانقلاب في عام 2016 التي أستخدمها أردوغان لضرب المعارضة اليسارية، وتأسيس نظام رئاسي بصلاحيات واسعة، والتضييق على الصحفيين”.

وعلى الرغم من التباين الشديد في وجهات النظر حول دور تركيا في المنطقة العربية، وحول نتائج الدور التركي وآثاره، سواء كانت سلبية أو إيجابية، تبقى عدة ملاحظات هامة على هذا الدور. أولها أن نمو تركيا الاقتصادي يجعلها في حاجة لأسواق جديدة في المنطقة، وبالتالي فهي حريصة على تعزيز وجودها وعلاقاتها بدول المنطقة لتحقيق مصالحها الاقتصادية وضمان أمنها. وما حدث في السنوات الأخيرة أن تركيا أقامت قواعد عسكرية في قطر والصومال، وتدخلت عسكريا في شمال سورية، ومن غير المنتظر أن تتراجع عن كل ما حققته من وجود في مناطق هامة، مثل الخليج ومدخل البحر الأحمر.

ثانيا، أن مساعي تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي تواجه برفض واضح من ألمانيا وفرنسا، وهما الدولتان اللتان تقودان مشروع الوحدة الأوروبية، علاوة على الانتقادات المستمرة لسياسات وتوجهات أردوغان من جانب القادة الألمان والفرنسيين. وعلى سبيل المثال اشتهر عن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان قوله إن دخول أنقرة للاتحاد الأوروبي “قد يقتل آمال تكامل سياسي قوي للمجموعة الأوروبية”، وذلك في إشارة إلى الاختلاف الكبير بين تركيا، التي تقع أغلب أراضيها في آسيا، وبين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما أن استيعاب الأتراك، الذين يزيد عددهم عن 80 مليون نسمة أغلبيتهم من المسلمين، في الاتحاد الأوروبي سيكون أمرا بالغ الصعوبة كما يرى كثير من المسؤولين الأوروبيين. والنتيجة أنه لا مجال لتركيا لكي تمارس دورا أكبر في محيطها الأوروبي، ومن ثم، ستكون أشد حرصا على دورها في محيطها العربي والإسلامي

ثالثا: أن على الرغم من الانتقادات الموجهة من دول عربية للمشروع التركي، وتحالفات تركيا مع حركات إسلامية سنية، علاوة على الانتقادات الموجهة لإيران وتحالفها مع جماعات إسلامية شيعية، يبقى الواقع هو غياب مشروع قومي عربي يمكن أن تلتف حوله الدول العربية، وتواجه به نفوذ الدول الأخرى. بمعنى آخر، لا يكفي أن يلقي البعض في الدول العربية باللوم على قوى خارجية فيما تواجهه المنطقة من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية. بل لابد من جهود تنمية جادة لمواجهة مشكلات تهدد بالانفجار، مثل البطالة والفقر والتهميش وغياب التداول السلمي للسلطة. وبدون تغيير الأوضاع الداخلية في الدول العربية، ستظل المنطقة مفتوحة على التدخلات الخارجية، سواء من تركيا أو من غيرها.

تمت مناقشة هذا الموضوع في حلقة خاصة من نقطة حوار سجلت في مدينة اسطنبول التركية، ضمن إطار سلسلة حلقات حوارات عالمية التي تنظمها بي بي سي. سيتم بث النقاش على شاشة وراديو بي بي سي، يوم الأربعاء23 أكتوبر/تشرين الأول، في تمام الساعة 16:06 بتوقيت جرينتش.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى