أخبار عربية

كيف تستفيد دول مثل اليابان من كبار السن فيها؟


كيف تستفيد الدول من ارتفاع متوسط أعمار مواطنيها؟

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

تحتضن اليابان، التي تشهد أعلى وتيرة شيخوخة سكان في العالم، أكبر سوق للسلع والخدمات التي يحتاجها المسنون الذين يتجاوزون 50 عاما، من بينها خدمات السفر والترفيه

في عام 2018، تجاوز عدد من يبلغون من العمر 65 عاما فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يزيد عدد المعمرين الذين تتجاوز أعمارهم 80 عاما ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.

وفي ظل تراجع معدلات الخصوبة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، أصبح كبار السن الذين تفوق أعمارهم 65 عاما يمثلون الشريحة العمرية الأسرع نموا.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن معدلات الخصوبة في جميع بلدان العالم باستثناء أفريقيا، تقترب أو تقل عن مستوى الإحلال المطلوب لضمان عدم انخفاض أعداد السكان، وهو 2.1 طفل لكل امرأة في البلدان مرتفعة الدخل.

لكن ارتفاع متوسط العمر المتوقع قد اقترن أيضا بارتفاع في عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها الفرد بصحة جيدة، بمعنى أنه كلما زاد عدد المسنين، زاد عدد المستهلكين والعمال والمبتكرين.

وبعبارة أخرى، فإن المسنين قد يصبحون مشاركين فاعلين في الاقتصاد ككل، ولن يمثلوا شريحة عمرية تحتاج فقط لسلع وخدمات تلبي الاحتياجات المعهودة للعجائز والمتقاعدين، أو ما يسمى بـ “الاقتصاد الفضي”.

ويقول جوزيف كوفلين، مدير برنامج “إيدج لاب” للأبحاث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلف كتاب “اقتصاد طول العمر: فتح آفاق جديدة بالسوق الأسرع نموا والأكثر تعرضا لسوء الفهم: “نحن نتحدث الآن عن مرحلة عمرية جديدة ليست أقصر من المراحل السابقة من حياتك بعد مرحلة البلوغ”.

ويقول كوفلين إن كل مرحلة من مراحل الحياة، من 21 إلى 40 ومن 40 إلى التقاعد، تقدر بنحو 8,000 يوم. وإذا بلغ المرء 65 عاما، فستزيد فرصه في تجاوز 85 عاما بنسبة 50 في المئة أي 8,000 يوم إضافي، وهذا يمثل ثلث حياة الشخص البالغ، لكنه سيقضيها من دون عناء أو جهد أو توقعات.

وبما أن المسنين أصبحوا يعيشون حياة أطول ويتمتعون بصحة أفضل ويساهمون بفعالية في الاقتصاد العالمي، فإن ارتفاع العمر المتوقع قد يعود بالنفع على المجتمع.

وقدر حجم النشاط الاقتصادي الذي تحركه احتياجات المواطنين الأمريكيين الذين يتجاوزون الخمسين في عام 2015 بنحو ثمانية تريليونات دولار. وتنبأت مجموعة بوسطن للاستشارات بأن يصل نصيب المواطنين الأمريكيين الذين يتجاوزون 55 عاما من حجم الإنفاق الاستهلاكي المحلي منذ الأزمة المالية العالمية إلى 50 في المئة، وترتفع هذه النسبة إلى 67 في المئة في اليابان و86 في المئة في ألمانيا.

وتشير هذه الإحصاءات إلى أن المسنين يسهمون بنصيب كبير في النشاط الاقتصادي العالمي، وقد يفتح “اقتصاد طول العمر”، الذي يمثل حجم النشاط الاقتصادي الذي تحركه احتياجات المسنين من سن 50 عاما فأكثر من سلع وخدمات ونصيبهم من الانفاق الاستهلاكي المحلي، فرصا جديدة لتحقيق نمو اقتصادي.

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

قد يكون الحفاظ على العمال المسنين لسنوات أطول في مناصبهم من المزايا التي ستجنيها البلدان من ارتفاع متوسط العمر المتوقع، أي أن طول الأعمار قد يعزز مكاسب الاقتصاد

مسنون يتحدون الشيخوخة

طالما وصفت شيخوخة السكان بأنها خطر محدق يهدد اقتصاد الدول، لما يترتب عليها من تآكل القوى العاملة وزيادة الأعباء على أنظمة الرعاية الصحية.

وذكر هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان المركزي، في قمة العشرين التي انعقدت في اليابان العام الحالي أن شيخوخة السكان قد تفرض “تحديات خطيرة” على البنوك المركزية.

وحذر تقرير صدر مؤخرا للأمم المتحدة من أن مشكلة شيخوخة السكان ستضاعف الضغوط المالية التي ستواجهها الكثير من الدول في العقود المقبلة في إطار سعيها لبناء أنظمة للرعاية الصحية والمعاشات وتوفير الخدمات الاجتماعية للمسنين.

لكن كوفلين يحذر من أن تؤثر فكرة “الشيخوخة” وتداعياتها من عجز ووهن على نظرتنا للفرص الاقتصادية لارتفاع متوسط العمر المتوقع.

ويقول إن هذه الصورة الشائعة لمرحلة الشيخوخة اختلقتها المجتمعات، لكنها لا تعكس نمط الحياة الفعلي للمسنين في الوقت الحالي. ويرى أن الشركات ينبغي أن تقدم سلعا وخدمات تلبي الاحتياجات الحقيقية للمسنين، لا أن تنساق وراء الأفكار النمطية التقليدية عن احتياجاتهم. فهؤلاء المسنون لا يحتاجون سيارات فحسب، بل يحتاجون للموضة والترفيه وغير ذلك.

ويشير كوفلين إلى أن المسنين استفادوا من رواج الأسواق الافتراضية، الذي ارتبط بزيادة طلب أبناء جيل الألفية على السلع والخدمات المقدمة عبر الإنترنت حسب الطلب، كونها سهلت لهم ممارسة حياتهم اليومية.

ورغم قلة الأبحاث التي أجريت عن حجم النشاط الاقتصادي الذي يحركه إنفاق المسنين، إلا أنه بات واضحا أن استغلال الشركات لاحتياجات هذه الشريحة من المستهلكين في هذه المرحلة العمرية، سيتيح لها فرصا هائلة لتحقيق مكاسب مادية.

إذ أشار تقرير أجرته مؤسسة “كي بي إم جي” للتدقيق المحاسبي، في عام 2017 عن المستهلكين عبر الإنترنت إلى أن أبناء جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية من مواليد عام 1946 إلى 1964، هم الأكثر إنفاقا عبر الإنترنت، إذ ينفقون في المتوسط 203 دولارات لكل معاملة عبر الإنترنت.

وتحتضن اليابان، التي تشهد أسرع وتيرة نمو في أعداد كبار السن بين سكانها، أكبر سوق للسلع والخدمات التي تستهدف المسنين. إذ صممت جميع جوانب الحياة اليومية في اليابان لتوائم احتياجات المسنين، بدءا من إتاحة نظارات قراءة في مكاتب البريد والمصارف والفنادق، إلى إضافة أزرار عند إشارات المرور لتمنح الشخص وقتا إضافيا عند عبور الشارع.

وتكفل الثقافة اليابانية المساواة في الاستهلاك والاستمتاع بالحياة لجميع الأعمار، إذ تخصص أماكن للمسنين في المسابح والرحلات وفصول التمرينات الرياضية، وغيرها. ويشارك المسنون أيضا على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتحدثون عن رحلاتهم وأنشطتهم.

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

يستعين مصنع بورش في مدينة لايبزيغ بتطبيقات الهندسة البشرية لتخفيف الضغوط عن العمال أثناء تأدية وردياتهم، وبذلك تساعد على زيادة كفاءة العمال المسنين

إطالة سنوات العمل للموظفين

ما دام العمال يعيشون أعمارا أطول ويتمتعون بصحة أفضل، فإن الشركات قد تستفيد من ارتفاع نسبة العاملين المسنين لتجني “مكاسب ارتفاع متوسط الأعمار”، بحيث يسهم الموظفون المسنون في دفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي.

وفي ألمانيا، يمثل الألمان الذين يتجاوزون 65 عاما ما يزيد على 21 في المئة من السكان. وذكرت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” أن ارتفاع نسبة المعمرين في ألمانيا يمثل خطرا على قوتها الاقتصادية، وحذرت من انخفاض تصنيف ألمانيا الائتماني الممتاز بسبب تأثير التغير الديموغرافي على الاقتصاد الألماني وأنظمة الرعاية الاجتماعية.

وذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن المواطن الألماني الذي يبلغ الآن 65 عاما من المتوقع أن يعيش 20 عاما أخرى. لكن الحفاظ على العمال في المصانع حتى سن التقاعد لن يكون سهلا، نظرا للمجهود البدني الشاق الذي يتطلبه قطاع التصنيع.

وتسخر بعض الشركات الألمانية التطورات التكنولوجية لمساعدة العمال المسنين في تأدية أعمالهم بكفاءة. وفي مصنع بورش بمدينة لايبزيغ، وظفت تطبيقات الهندسة البشرية لمساعدة العمال الذين يعملون بنظام الساعات.

وبينما يمثل ارتفاع متوسط الأعمار عبئا على بعض المجتمعات، فإنه قد يصبح مكسبا هاما لمجتمعات أخرى، وهذا يتوقف على استعدادها للتحديات التي يفرضها ارتفاع أعداد المعمرين، وقدرتها على تحديد المكاسب وزيادتها إلى أقصى حد.

ويقول كوفلين: “إن أبناء جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية من مواليد 1946 إلى 1964، يختلفون عن نظرائهم من أبناء الأجيال السابقة، فهم يشعرون أنهم يتمتعون بشباب دائم. وهؤلاء يطلبون خدمات وسلع جديدة، وتجارب مختلفة، حتى تصبح كل مرحلة، وإن لم يكن كل يوم، من حياتهم أفضل من المرحلة التي تسبقها”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى