شهادات عن عبّارة الموصل: “كعكة العيد” التي لم تصل والخروج من “كيس الموت”
[ad_1]
قبل ستة أشهر كان يوم 21 مارس/ آذار 2019 مناسبة للتنزه والخروج في رحلات للاحتفال بعيد النوروز، إلا أنه تحول إلى يوم حزين ومأساوي سيظل في ذاكرة أهالي المدينة التي خرجت للتو من سيطرة ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية” في عملية عسكرية شرسة.
بعض أهالي الضحايا رووا لبي بي سي نيوز عربي شهاداتهم:
أنقذ آخرين وغرق
كان محمد جاسم (24 عاماً)، يجلس مع أصدقائه قرب منزله في حي الانتصار شمال الموصل عندما سمع صوت أقدام شقيقه الأكبر سعد يركض نحوه، كانت الساعة وقتها تجاوزت الثالثة عصراً، أخبره سعد بأن عبّارة نهرية تنقل عشرات العوائل من منطقة الغابات شرقي الموصل إلى جزيرة أم الربيعين السياحية، قد أنقلبت وسط النهر.
دخل محمد الذي يعمل في مختلف المهن من أجل كسب قوته اليومي، إلى منزل أسرته مسرعاً يبحث عن والدته وأخبرها بأنه ذاهب إلى منطقة الغابات للمساهمة في عملية إنقاذ الضحايا.
طلب من والدته ثمن أجرة سيارة للوصول إلى موقع الحادث.
أعطته والدته خمسة آلاف دينار، وذهب مع أخيه سعد ولم يفكر حتى في كيفية العودة إلى منزله. وصلا إلى منطقة الغابات بحدود الساعة الرابعة والنصف.
كان الوضع “مأساوياً”، فمشهد الأيادي وهي تلوح للمارة والملابس الطافية فوق النهر صدمه، فلم “يشعر إلا وهو يقفز إلى النهر بملابسه”.
يقول سعد، شقيق محمد لبي بي سي: “كان أخي سباحاً ماهراً وهو ما دفعه للذهاب لإنقاذ الغرقى، فقد استطاع إنقاذ ثلاثة أشخاص وانتشال 11 جثة”.
وتقول والدته “إنه عندما رأى النساء والأطفال في الماء يصارعون الموت، لم يستطع إلا أن يهب لنجدتهم، فهو صاحب مروءة وأهل الحي يشعرون بالحزن عليه… سبحان الله، كان موعد عقد قرانه قريباً، لكن الموت خطفه قبل بضعة أيام من الموعد”.
وتطالب والدته الحكومة بتحمل مسؤولياتها تجاه نجلها وتخليد ذكراه كونه “لم يكن أحد ركاب العبارة ورغم ذلك فقد حياته وهو ينقذ الأسر والأطفال الذين كانوا على وشك الغرق في النهر”.
وغرق نحو 190 شخصاً في حادث إنقلاب العَبَّارة أثناء نقل الأسر إلى جزيرة أم الربيعين السياحية وسط نهر دجلة في منطقة الغابات في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق.
وقد واجهت الشرطة النهرية صعوبات في إنقاذ الغرقى بسبب سرعة جريان المياه وارتفاع منسوبها.
سرعة جريان دجلة عرقلت عمليات الإنقاذ
كيس الموت
في ذلك الوقت أو قبله بقليل كانت أم محمد قد ركبت العبارة بالفعل برفقة أخواتها وأولادهن وولديها أحمد ومحمد الذي يبلغ من العمر خمس سنوات.
تقول: “كان كل شيء جميلاً، وكنا فرحين للغاية على متن العبارة أثناء توجهها إلى الجزيرة إلى أن بدأت العبارة بالتأرجح لتنقلب على الجهة اليسرى قبل أن تعود وتستقر للحظات.
حبس الجميع أنفاسه وخيّم الصمت عليهم، وبعدها انقلبت العبّارة وغرقت في النهر”.
وجدت أم محمد التي لا تجيد السباحة نفسها وسط المياه. حاولت الخروج منها، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ومن ثم فقدت وعيها بحسب قولها.
لا تتذكر شيئاً بعد ذلك، وقيل لها لاحقاً، إن فرق الإنقاذ عثرت عليها ووضعتها في كيس أبيض اللون، ظناً من أنها فارقت الحياة، وحملوها من حافة النهر تحت الجسر الثالث في الموصل ووضعوها داخل سيارة الإسعاف مع جثث أخرى، وعندها “استعادت وعيها ووجدت نفسها داخل الكيس.
وتصف أم محمد تلك اللحظة قائلةً: “حاولت أولا تحريك يدي ثم رجلي، ولكنني اعتقدت أنني فشلت، فقد كان كل شيء من حولي غامضاً، ولم يكن باستطاعتي تفسيره، لأتفاجأ بأحدهم يفتح الكيس بعد أن لاحظ حركة من داخله”.
نُقلت أم محمد إلى مستشفى السلام في الموصل واستعادت وعيها هناك لتجد بجانبها ابنها أحمد، لكنها عاشت لحظات عصيبة، وكانت صدمتها الكبرى عندما عثرت فرق الانقاذ على جثة ابنها محمد في اليوم التالي تحت أحد جسور مدينة الموصل.
لكنها لا تصدق ما حدث في ذلك اليوم حتى الآن قائلةً: “كنت أمسك بيد ابني محمد عندما كنا على متن العبارة قبل أن يفلت من يدي ويغرق”.
تعاتب أم محمد نهر دجلة كلما مرت به، ولا تستطيع النظر إليه وتتساءل بحسرة “لماذا أخذت ابني مني؟” لتصمت دقائق وتعاود العتاب.
المفاجأة الحزينة
في الجهة المقابلة من النهر، يقف بين الحين والآخر علاء الدين طه، حاملاً بيده خبزاً يستعد لرميه في النهر كتقليد قديم ظناً منه أن ذلك سيساعد في استعادة جثة ابنه أحمد البالغ من العمر 24 عاماً، وكان طالبا في المرحلة الأولى في كلية الفنون الجميلة.
يقف علاء هذه المرة وهو “يتوسل إلى النهر لإخراج جثة ولده الوحيد”.
يقول علاء: “ذهبت مع زوجتي وابني أحمد وأخي وابنه إلى جزيرة أم الربيعين للاحتفال بعيد الأم وعيد الربيع، وكان أحمد يحاول مفاجأة والدته بشراء كعكة عيد الأم”، فعاد إلى منطقة الغابات على الجانب الآخر من الجزيزة مع ابن عمه لشراء الكعكة دون أن يبلغنا بنيته، لكنه قال إنه وابن عمه ذاهبان لأمر خاص”.
وخلال عودة أحمد إلى الجزيرة انقلبت العبارة، ويصف الوالد المشهد بقوله: “شاهدت العبارة تغرق أمام أعيننا، ولم أكن أعلم بأن ولدي على متنها”.
وأضاف أن ابن عمه الذي نجا من الحادث أخبره بأنهما كانا يشاهدانهم عندما كانا على متن العبارة قبل غرقها”.
لم يُعثر على جثة أحمد حتى الآن، ويلقي الوالد المفجوع باللائمة على الجهات الرسمية بالتقصير في متابعة البحث عن جثث باقي الضحايا.
كل ما يريده أبو أحمد هو جثة ابنه كي يدفنها.
تجاوز عدد الأشخاص الذين كانوا على متن العبارة 250 شخصاً، وتم انتشال 124 جثة، ولا يزال هناك نحو 65 شخصاً في عداد المفقودين لم ينقطع أمل أهلهم باستلام جثثهم.
[ad_2]
Source link