أخبار عربية

“التعالي الوظيفي” مشكلة تواجه الشباب في بيئة العمل في كوريا الجنوبية


شوارع كوريا الجنوبية

مصدر الصورة
Alamy

تعد كلمة “كونداي”، التي تعني المتسلط والمتعالي في كوريا الجنوبية، أكثر من مجرد كلمة إساءة، إذ تمثل مواجهة لفئة الحرس القديم داخل أماكن العمل في الوقت الذي يحرز فيه جيل الألفية الجديدة تقدما لتولي مناصب القيادة.

ويمكن ترجمة كلمة “كونداي” بالكورية بـ “تعالي الكبار”، وهو نوع من السلوك يمكن رصده في المواقع الإدارية المتوسطة أو العليا.

وتشير كلمة كونداي في العادة إلى الرجال وتنطوي على إساءة، وتصف تحديدا المديرين في بيئة العمل الذين يحرصون على إسداء نصائح غير مرغوب فيها أو مطالبة مرؤوسيهم بالطاعة الكاملة.

ولا يعرف على وجه التحديد أصل كلمة كونداي، شأنها شأن معظم الكلمات الجديدة التي دخلت روح العصر. ففي أيامها الأولى كانت كلمة دارجة يستخدمها الطلاب لوصف مدرسين يتسمون بالعناد وعدم التسامح والصرامة.

أما الآن فالكلمة تستخدم على نطاق واسع خارج الفصول الدراسية لوصف شخص لا يمثل قدوة لآخرين، وفي أماكن العمل تحديدا.

كما تشير الكلمة إلى التوتر الناتج عن وجود فوارق بين الأجيال، والتي تبدو أوسع مما كانت عليه في أي وقت مضى.

العيش في عالم كونداي

يعاني الكثير من شباب الموظفين مما يطلق عليهم “فئة كونداي”، نتيجة الالتزام الصارم بالهيكل الإداري، الذي يضفي على أي شخص في مكان العمل شعورا بالضغط والضيق.

ويُصنف العاملون في أي مؤسسة، سواء كانت شركة أو مدرسة أو ناد اجتماعي، إلى درجات وظيفية مختلفة، ويعني موقع كل شخص في هذا الترتيب من هو الشخص المسؤول عنه أو ما هي المسؤولية المناط بها.

ويحدد موقع الشخص أيضا من المسؤول عن كتابة الملاحظات أثناء الاجتماعات، ومن المسؤول عن الاتصال لحجز طاولات عشاء لفريق العمل، ومن المسؤول عن توزيع الملاعق وعيدان تناول الطعام الآسيوية عند الوصول إلى المطعم.

ويمثل الهيكل الإداري، في ثقافة العمل هذه، التي يُنادى فيها الزملاء بمسمياتهم الوظيفية، دليل التعرف على أي شركة من الشركات، إذ يهيء صورة واضحة عن كل شخص في موقعه داخل الهيكل الإداري.

وتستمد كلمة كونداي سلطتها من هذا النظام الصارم، حيث يندر مناقشة المرؤوسيين سلطة الرؤساء.

كما يشعر الشباب الكوري بإحباط من وجود فارق بين الأجيال، لاسيما ذلك الذي يتعلق بقيم العمل التي تنطوي على نوع من الغرابة وعلى رأسها الأهمية التي تعطي الولاء للشركة.

مصدر الصورة
Alamy Stock Photo

ويقول دايونغ أهن، 29 عاما: “يرى من هم في مثل سني أن الوظيفة في حد ذاتها تمثل فارقا في حياتنا، وليست أداة لبناء المستقبل”.

ويضيف: “على النقيض ينظر المديرون إلى وظائفهم على أنها جزء بالغ الأهمية في حياتهم، ولا يتفهمون عادة سبب عدم وجود نفس القدر من الولاء لدينا تجاه الشركة مقارنة بهم”.

ويعلي جيل “طفرة المواليد”، وهو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، من قيمة العمل على أي شيء آخر، مقارنة بجيل الألفية.

فقد كان زمن هؤلاء يتسم بالحكم الدكتاتوري الصارم، وكانت الدولة تحدد طول شعر رأس المواطنين، وتفرض قيودا على السفر خارج البلاد.

ولم يتح أمام جيل “طفرة المواليد” بعد الحرب العالمية الثانية سوى القليل من الخيارات الشخصية، كما تعين عليهم بناء مستقبلهم الوظيفي بتعريف محدود للغاية لما يعنيه مصطلح “المواطن الصالح”، الذي يكرس حياته لبناء البلد.

وكان ضمان العمل في وظيفة ثابتة في مكان يتمتع بالاحترام هو الأساس لمفهوم المواطنة الصالحة، وتفسر هذه الدكتاتورية على الأرجح سبب صعوبة تكيف بعض كبار السن مع جيل الألفية الذي يعيش حرية لم يمارسها الكبار.

ويفسر بيونغ-هون لي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تشانغ-أنغ، قائلا إن أهداف ومقاصد العمل بالنسبة لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية تحتل أولوية على الأهداف الشخصية.

ويقول: “إنهم نشأوا في ظل قومية كانت تعطي أولوية للنمو الاقتصادي للأمة، وهو ما شكل حافزا لدى الكثيرين، ومازال جيل ما بعد الحرب العالمية يوالي الوظيفة”.

وعلى الرغم من ذلك فُرض على المديرين التنفيذيين، من غير جيل ما بعد الحرب العالمية، هذا النظام الذي يعلي أولا من قيمة العمل، سواء أرادوا أم لا.

ويقول كيونغ دوك كيم، 42 عاما: “عندما كنت أعمل في شركة ناشئة، وضعتني وظيفتي كمسؤول بشكل تلقائي ضمن فئة كونداي أمام صغار الموظفين بالشركة”.

ويطلق كيم على نفسه “ليبرالي من جيل إكس”، وهو الجيل الذي ولد بين عامي 1965 و 1980، وأُطلق عليه لقب كونداي لأن الكلمة أصبحت مرادفة للسلطة العليا في التسلسل الإداري، وهو تسلسل قيادي يكرهه صغار الموظفين من حيث المبدأ.

ثورة كونداي

لا تتغير الثقافات بين عشية وضحاها، كما أن المواجهة الصريحة للتسلسل الهرمي، مازالت تواجه اعتراضا، غير أنه يمكن رصد حدوث بعض التغيرات نتيجة الضيق من كونداي.

وقد تبدو هذه التغيرات جيدة لآخرين، مثال ذلك إمكانية حصول موظفين جدد على إجازة مدفوعة الأجر في أي شهر من شهور السنة.

ويقول جاي كيم، 63 عاما: “في أيامي لم أكن أستطيع الحصول على إجازة في الوقت الذي أريده. وكانت إدارة شؤون العاملين تضع جدولا للإجازات بحسب الإدارات وفرق العمل. وكان على الفرق العاملة أن تحل محل بعضها بعضا في حالة حصول فريق ما على إجازة حتى تتمكن الشركة من الاستمرار في عملها بالطريقة المعتادة”.

ويشهد الوقت الراهن مرونة أكبر. إذ كان الحصول على إجازة مدفوعة الأجر في الوقت الذي تريده في ظل النظام الاجتماعي القديم ضربا من الرفاهية التي لا يمكن تصورها.

ويُفترض أن ينطبق مثل هذا التغيير على عدد ساعات العمل حاليا، لاسيما بعد تطبيق سياسة حكومية جديدة في أبريل/نيسان تحدد ساعات العمل بـ 52 ساعة كحد أقصى في الأسبوع.

ويُقصد بهذا التغيير وغيره في طريقة عمل الشركة، مثال ذلك إجازة الأبوة، التي يحصل عليها الموظف لمرافقة زوجته عندما تنجب، تحفيز جيل الألفية على القيام بدورهم في تحسين معدل الإنجاب المتناقص في كوريا الجنوبية.

ويؤجل شباب الجيل الجديد على ما يبدو الزواج وإنجاب الأطفال إلى وقت متأخر جدا، أو يختاروا العزوف عنهما كليا، ويستشهدون بثقافة العمل كسبب رئيسي في ذلك.

مصدر الصورة
Alamy Stock Photo

Image caption

يأمل جيل الألفية في كوريا الجنوبية في تحقيق توازن أكبر بين الحياة والعمل

وتُطبق سياسة 52 ساعة عمل في الأسبوع حاليا في الشركات الكبرى التي يزيد عدد موظفيها عن 300 موظف. ويتناقض تطبيق هذه السياسة في حد ذاته مع تجربة جيل ما بعد الحرب العالمية، الذين كان يُطلب منهم العمل نصف أيام السبت حتى عام 1994، عندما أقر قانون العمل لأول مرة العمل خمسة أيام في الأسبوع.

ويرغب جيل الألفية في كوريا الجنوبية حاليا فيما هو أكثر من بنية العمل التقليدية، بما في ذلك كونداي الذي يتعين عليهم أن يجدوا حلا له.

وقد يساعد زيادة أعداد جيل الشباب في تحقيق ذلك، إذ يشير مكتب الإحصاء الكوري “كوستات” إلى أن جيل الألفية يشكل حاليا 22.2 في المئة من تعداد سكان كوريا الجنوبية، وتزداد نسبة وجودهم داخل منظومة قوة العمل الكورية. (في هذا السياق سيشكل جيل الألفية نسبة 50 في المئة من قوة العمل على مستوى العالم بعد عام 2020).

وتوجد كلمة كورية جديدة، “ورابيل”، التي تصف ما يتطلع إليه جيل الألفية في أماكن العمل وهي اختصار لعبارة “التوازن بين العمل والحياة”.

ويقول لي، من جامعة تشانغ-أنغ: “الكلمة الجديدة ورابيل هي أفضل كلمة تصف جيل الألفية، لأنها تبرز إلى أي مدى يقدّمون الأهداف الشخصية على مصلحة الشركة”.

وترمز “ورابيل” و”كونداي” إلى القيم المتغيرة والتوقعات التي يحملها شباب الموظفين لأرباب العمل. وتنظر الشركات إلى ذلك بعين الاعتبار، وتسعى إلى تغيير سياساتها والانفتاح في ثقافة العمل السائدة ولو بقدر يسير.

ورغم الكراهية المستشرية على مستوى العالم تقريبا للمديرين المتعالين، إلا أن مصطلح كونداي من المستبعد أن يختفي في وقت قريب.

وإذا كان ذلك يبعث على الإحباط، فتشبث بالأمل، إن كونداي مجرد كلمة واحدة في لغة يستخدمها الكوريون الجنوبيون لمناقشة الهوة بين الأجيال، على أمل التقريب فيما بينها.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى