أخبار عربية

قصة الأرض الأمريكية التي تستأجرها انجلترا إلى الأبد

[ad_1]

قصة الأرض الأمريكية التي تستأجرها انجلترا إلى الأبد

مصدر الصورة
FOR ALAN/Alamy

كانت أول مرة سمع فيها سكان جزيرة أوكراكوك بجزر بانكس قبالة ولاية نورث كارولينا الأمريكية ذاك الدوي الهائل ليلة الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 1942، وقد جاء الدوي من جهة البحر واهتزت له المنازل.

يقول جوزيف شوارزر، مدير مجموعة المتاحف البحرية بولاية نورث كارولينا: “لابد أن مَن بالداخل سمع دويا قويا، فهَمَّ بالخروج ليرى سفينة لحق بها الدمار”.

وكانت تلك السفينة هي ناقلة النفط البريطانية “إمباير جيم” وقد أصابها طوربيد أطلقته غواصة ألمانية. وخلال الأشهر الستة التي تلت ذلك سمع سكان أوكراكوك دويا تلو الآخر وشهدوا حطام السفن مع انطلاق حصار بحري فرضه الألمان تحت اسم “عملية وقْع الطبول”.

وبالنسبة لمعظم الأمريكيين، دارت رحى الحرب العالمية الثانية على بُعد آلاف الأميال وكانوا يعرفون التفاصيل من خلال متابعة التقارير الليلية المتلفزة، لكن هذه الحرب كانت على مرأى ومسمع من سكان جزر بانكس قبالة ساحل ولاية نورث كارولينا.

مصدر الصورة
Spring Images/Alamy

Image caption

كانت الحرب العالمية الثانية على مرأى ومسمع من سكان جزر بانكس بولاية نورث كارولينا الأمريكية

فخلال “عملية وقع الطبول” استهدفت ألمانيا السفن التجارية المنطلقة من الموانئ الأمريكية والتي كان معظمها يتجه إلى انجلترا. وحتى قبل دخول الولايات المتحدة الحرب كانت تلك السفن تنطلق بانتظام من مرافئ الساحل الشرقي الأمريكي محملة بمؤن من غذاء وألومنيوم وفولاذ ومطاط لدعم المجهود الحربي البريطاني.

وبينما كانت الولايات المتحدة رسميا على الحياد لم تستطع ألمانيا علنا مهاجمة تلك السفن أثناء مغادرتها للساحل الشرقي محملة بالمؤن، غير أن الوضع تغير في ديسمبر/كانون الأول 1941 حين أعلنت ألمانيا واليابان الحرب على الولايات المتحدة؛ إذ لم يمض شهر إلا ووصلت الغواصات الألمانية للمياه الأمريكية قبالة الساحل الشرقي وبدأت استهداف السفن قرب أوكراكوك.

يقول فرانك بلازيتش، أمين قسم التاريخ العسكري بمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الأمريكي: “قبالة ساحل نورث كارولينا توجد مياه ضحلة عند منطقة داياموند شولز تسعى السفن لتجنبها بالسير بمحاذاة الساحل قبل الانطلاق لعمق البحر، ما يضطرها أثناء ذلك للمرور عبر مضيق يسهل استهدافه، وفيه تكمن الغواصات الألمانية لإطلاق نيرانها بكثافة لإغراق السفن”.

وبالفعل لم تألُ الغواصات الألمانية جهدا في إطلاق نيرانها، ففي يناير/كانون الثاني 1942 وحده أغرقت تلك الغواصات 35 سفينة للحلفاء قبالة الساحل الشرقي الأمريكي. ولمعرفة حجم ذلك يكفي القول إن سفينة واحدة تغادر الولايات المتحدة كانت تحمل من المؤن ما يكفي لإطعام انجلترا بالكامل لأكثر من يوم، حسبما يقول شوارزر. وبحساب 35 سفينة فُقدت في يناير/كانون الثاني من ذاك العام نجد أنها كانت تكفي لإطعام انجلترا لنحو شهر.

مصدر الصورة
Jason O. Watson/historical-markers.org/Alamy

Image caption

تعين على سفن الإمدادات المنطلقة من موانئ نورث كارولينا الالتفاف حول المياه الضحلة عند داياموند شولز ما جعلها بمرمى الغواصات الألمانية

وقد أتيحت لي الفرصة لرؤية بعض آثار الدمار وأنا في طريقي إلى أوكراكوك، فبينما كنت بانتظار عبّارة من جزيرة هاتيراس القريبة توقفتُ بمتحف “مقبرة الأطلسي” الذي يرسم صورة واضحة لحجم الدمار الذي ألحقته “عملية وقع الطبول” والسياق الأعم للحرب في الأطلسي ما بين عامي 1942 و1945 بالاستعانة بقطع من حطام السفن، فضلا عن صور التقطت فوق صفحة الماء وتحتها بعد أن أغرقتها نيران العدو.

أما سكان أوكراكوك فقد شهدوا هذا الدمار عن كثب، إذ لم يقف الحد عند وميض الانفجارات ودويها بعد هجوم الغواصات، بل وصل حطام السفن التجارية إلى الساحل.

لقد أتيت لتلك الجزيرة لأعاين شاهدا دائما على الكلفة الباهظة للمعارك، ففي منتصف مايو/أيار من كل عام يقيم خفر السواحل الأمريكي مراسم تشارك فيها البحرية الملكية البريطانية ببقعة من جزيرة أوكراكوك تستأجرها انجلترا بشكل دائم من الولايات المتحدة، وهي رقعة صغيرة من التراب الأمريكي وُرِي فيه ثرى أربعة من البحارة الإنجليز.

وسمعت أن العلم البريطاني يرفرف فوق قطعة أرض أمريكية ويسهل رؤيته بين أشجار من ناحية ومنازل من ناحية أخرى. استدرت من جهة طريق إيرفين غاريش، وهو الطريق الرئيسي في أوكراكوك، باتجاه شارع المقبرة البريطانية، رقم 234.

مصدر الصورة
MPI/Getty Images

Image caption

في يناير/كانون الثاني عام 1942 أغرقت الغواصات الألمانية 35 من سفن الحلفاء قبالة الساحل الشرقي الأمريكي

وفعلا لم أجد عناء في العثور على وجهتي. رأيت العلم البريطاني قبالة الجهة اليمنى من الشارع خلف مشهد جميل لنصب تذكاري زينته الزهور. وبعد أن توقفت السيارة وخرجت للسير نحو المكان وجدت شواهد قبور يحفها سور أبيض؛ لأربعة رجال هم ستانلي كرايغ اللندني ابن الرابعة والعشرين، وتوماس كانينغهام، الذي كان في السابعة والعشرين من عمره وهو من مدينة بلاكبول، فضلا عن قبرين لاثنين من زملائهما بالسفينة لم يتسن تحديد هويتهما – وقد دفنوا جميعا بتلك الأرض.

وفي المقابل، كانت هناك قائمة من الأسماء على لوح: ويليام فريدريك كليمنس (21 عاما)، راسيل صامويل ديفيس (18 عاما)، جون روان ديك (32 عاما)، راسيل برانسبي ديفيز (29 عاما)؛ فضلا عن ثلاثة وثلاثين من البحارة الإنجليز الآخرين ومن بينهم كرايغ وكانينغهام، كانوا جميعا ضمن طاقم السفينة “إتش إم تي بدفوردشاير”.

كما خُطت على اللوح أبيات لقصيدة بعنوان “1914: الجندي” من تأليف أحد الجنود البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى يدعى روبرت بروك – تقول: “إذا مِتُ فأذكرني بأني بركن من أرض غريبة قد أمست للدهر انجلترا”

مصدر الصورة
Brian Carlton

Image caption

اليوم تتبع رقعة أرض صغيرة بجزيرة أوكراكوك الأمريكية، انجلترا كحق استئجار على الدوام حيث يوارى أربعة من البحارة الإنجليز الثرى

لكن لماذا أقيم نصب تذكاري لطاقم سفينة إنجليزية بجزيرة بولاية نورث كارولينا الأمريكية؟ تتعلق القصة بدوي الانفجارات التي توالت على مسامع سكان أوكراكوك، وبالخطة التي انتهجت لإيقافها.

مكافحة الغواصات

بعد أن سأم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت رؤية السفن التجارية تغرق في ظل عدم قدرته على حمايتها، طلب من انجلترا المساعدة، ولبى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل النداء بتوفير 24 سفينة لتجوب الساحل الشرقي الأمريكي في دوريات، بما في ذلك سفن خاصة تم تحويلها للعمل العسكري.

يقول آندرو بيتون، ملحق البحرية البريطانية للمشاركة في المراسم، إن السفن الأربع والعشرين “جاءت بطاقمها الأصلي، وأغلبهم من الصيادين، انضم إليهم عدد قليل من جنود مدفعية وملاحين وضباط قيادة بالبحرية البريطانية”.

وكانت السفينة بدفوردشاير ضمن تلك السفن وعلى متنها كانينغهام وكرايغ وباقي زملائهما. كانت بدفوردشاير في الأصل سفينة للصيد في المياه العميقة اشترتها البحرية البريطانية في أغسطس/آب 1939 وأضافت إليها نظام تتبع بالموجات الصوتية ومدفعا عيار أربع بوصات ورشاشا من طراز لويس 303. ولم يمض وقت طويل إلا وتمرست السفينة في اصطياد الغواصات الألمانية ومطاردة القطع البحرية المعادية من مياه انجلترا وويلز على نحو مستمر.

ثم تغيرت المهمة الموكلة للسفينة في فبراير/شباط 1942 وتم إرسالها إلى جزر بانكس للمساعدة في كسر الحصار المفروض.

مصدر الصورة
FOR ALAN/Alamy

Image caption

تجرى في مايو/أيار من كل عام مراسم بالمقبرة البريطانية في أوكراكوك لإحياء ذكرى بحارة السفينة “إتش إم تي بدفوردشاير”

الرحلة الأخيرة

وطوال شهرين ظلت السفينة بدفوردشاير تمشط المياه قبالة جزر بانكس وتساعد في عمليات انتشال وإنقاذ البحارة وتعقب الغواصات الألمانية، حتى جاء الحادي عشر من مايو/أيار 1942 وتحول الصياد إلى صيد. وجدت غواصة ألمانية السفينة بدفوردشاير وسفينة أخرى هي “إتش إم تي سانت لومان” قبل أن تتمكن أي من السفينتين من رصد الغواصة. أطلقت الغواصة الألمانية “يو-558” طوربيداتها باتجاه السفينتين وأصابت بدفوردشاير وأغرقتها ومن عليها، ولم ينج أي شخص.

غرقت السفينة بسرعة دون أن يتمكن طاقمها من بث رسالة استغاثة. ومضت أيام قبل أن تصل أخبار السفينة بدفوردشاير، وحملت الأمواج جثث أربعة رجال لشاطئ أوكراكوك في الرابع عشر من مايو/أيار. ومن بين الأربعة لم يمكن التعرف إلا على جثتي كانينغهام وكرايغ.

في العادة تنقل جثامين الجنود خلال الحرب لذويهم، لكن بسبب عزلة الجزيرة لم تتوافر سوى إمدادات محدودة في أوكراكوك عام 1942 ولم يكن هناك المواد التي تبقي الجثث دون تحلل، وبالتالي تعين دفن جثامين الرجال الأربعة على عجل بالجزيرة، وأقام سكانها نصبا تذكاريا لطاقم السفينة وحيوا الرجال الأربعة تحية عسكرية كاملة.

يقول شوارزر: “تتفرد مقبرة أوكراكوك بكونها الوحيدة القائمة على أرض مؤجرة لبريطانيا، فقد رأى سكان الجزيرة وسكان نورث كارولينا منح الأرض للبريطانيين مدى الحياة”.

وجرى تأجير قطعة الأرض للجنة مقابر الحرب التابعة للكومنولث الإنجليزية والمسؤولة عن صيانة مقابر الجنود الذين سقطوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وحيث أن عقد الإيجار يسري للأبد فإنه يمكن اعتبار النصب التذكاري والمقبرة في نورث كارولينا ضمن التراب البريطاني.

وقد شاهدت خلال المراسم وضع الأكاليل على النصب التذكاري للرجال الذين ضحوا بأرواحهم على متن السفينة بدفوردشاير، بينما كانت تعزف فرقة موسيقية تابعة لخفر السواحل الأمريكية. وتشمل المراسم قيام محاربين قدامى من الجانبين الأمريكي والبريطاني بمزج مياه من جزر بانكس وأخرى من انجلترا تعبيرا عن الأواصر التي باتت تربط بين أوكراكوك وبريطانيا، وتلا ذلك تلاوة أسماء الطاقم الكامل للسفينة قبل اختتام المراسم بتحية عسكرية من 21 طلقة مدفعية.

لقد ترك سبعة وثلاثون رجلا ديارهم للدفاع عن أناس ببلد آخر وبذلوا أرواحهم فداء لذلك، وهو ما يستحق كل الاحترام والتكريم.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى