منطقة الخليج والشرق الأوسط عند | جريدة الأنباء
[ad_1]
ما حدث مؤخرا في بحر عُمان خطير وشكل مفاجأة لسببين على الأقل: تزامن التصعيد العسكري الأمني مع وساطة سياسية ديبلوماسية باشرتها اليابان بناء على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحصول التصعيد في مضيق هرمز الاستراتيجي والمتصل بحركة التجارة العالمية وإمدادات النفط.. في الوقائع أن ناقلة نفط إحداهما مملوكة لمجموعة نرويجية محملة من الإمارات وناقلة كيماويات تشغلها شركة يابانية محملة من السعودية، تعرضتا لهجوم في بحر عُمان على بعد 70 ميلا بحريا من الإمارات و14 ميلا من إيران، وبعد توجيه الناقلتين نداءات استغاثة توجهت وحدة تابعة للبحرية الإيرانية وأنقذت 44 بحارا من المياه. وتضاربت المعلومات حول الطريقة التي نفذ بها الهجوم. وبعد أنباء أولية عن استهداف ناقلة النفط بـ «طوربيد» من سفينة مهاجمة، أشارت معلومات أميركية الى وجود لغم غير متفجر على جانب إحدى الناقلتين، ما يعني أن الهجوم يشابه ما جرى قبالة سواحل الفجيرة في مايو الماضي ولكن مع فارق في حجم الأضرار.. وهذه الحادثة أدت فورا الى استنفار ديبلوماسي في العالم ترجم في جلسة طارئة لمجلس الأمن، والى اضطراب أسواق النفط والمال في العالم، وجرى التعامل معها، ليس فقط كحادثة إقليمية مزعزعة لأمن واستقرار الخليج، وإنما أيضا كحادثة دولية ومصدر تهديد للأمن والسلام العالميين وحركة الملاحة الدولية.
اتجهت الأنظار أولا الى الجهة التي تقف وراء هذه العملية، ومن الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام أولا الى إيران، استنادا الى تهديدات سابقة أطلقتها مهددة بإغلاق مضيف هرمز، وبأن منع إيران من تصدير نفطها سترد عليها بمنع تصدير النفط من السعودية والإمارات، إضافة الى سلسلة العمليات التي تحدث منذ مايو الماضي، أي مع بدء تطبيق العقوبات الأميركية المشددة تحت عنوان «تصفير الصادرات النفطية الإيرانية»، والتي توزعت بين الإمارات (الفجيرة) والسعودية (خط ضخ النفط)، وبلغت أمس مرحلة متقدمة من التصعيد والخطورة مع استهداف مطار «أبها» السعودي المدني بصاروخ «كروز» وضرب ناقلتي النفط في بحر عُمان. هذه السلسلة من العمليات، في قرارها وتنفيذها وتقنياتها، تتطلب قدرات دولة أو منظمة مدعومة من دولة.
ولكن يظل الغموض وعدم اليقين يحيطان بكل هذه العمليات، ما عدا تلك الواقعة داخل السعودية وتبناها الحوثيون علنا. فإيران لا تتبنى أي منها ولا تلمح الى مسؤولية لها، وأمس سارعت الى عمل إنقاذي (إنقاذ البحارة) والى إبداء القلق على أمن منطقة الخليج المهمة جدا بالنسبة إليها. والأوساط الديبلوماسية والإعلامية الدائرة في الفلك الإيراني برزت في قراءاتها للأحداث «نظرية المؤامرة» التي تعني أن هذه الهجمات هي من تنفيذ طرف ثالث دخل على خط النزاع، وتحديدا اسرائيل.
ولكن التطورين، أحدهما تزامن مع الهجوم البحري والثاني أعقبه، تجاوزا مسألة تحديد الجهة القائمة بهذا الهجوم وأوجدا واقعا جديدا:
٭ التطور الأول يتمثل بفشل أو إفشال المبادرة أو الوساطة اليابانية، ومعها سقوط عرض التفاوض الذي حمله رئيس وزراء اليابان شينزو آبي من الرئيس ترامب.. وجاء موقف المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي نادرا ما يلتقي ضيوفا أجانب، حازما وشديد اللهجة، وقال لضيفه الياباني «لا أرى أن ترامب شخص يستحق تبادل الرسائل معه، وليس لدي أي جواب له، ولن يكون في المستقبل. إيران لا تثق بالولايات المتحدة. لقد خضنا بالفعل تجربة مريرة مع الأميركيين بشأن الاتفاق النووي، ولا نريد تكرار هذه التجربة. لن تقوم دولة عاقلة بالتفاوض في ظل هذه الظروف».
٭ التطور الثاني يتمثل بالإتهام المباشر والصريح الذي وجهته الولايات المتحدة لإيران بأنها تقف وراء الهجوم. وبعدما كانت واشنطن تتفادى توجيه اتهام الى إيران تجنبا لتصعيد الموقف ولعدم حشر نفسها في زاوية الرد، فإنها هذه المرة لم تتردد ولم تتأخر في اتهام إيران، وجاء من وزير الخارجية مايك بومبيو الذي قال في مداخلة مقتضبة من مقر الخارجية الأميركية «إيران مسؤولة عن الهجمات التي وقعت عند عمان أمس، وهذا التقييم بناء على تقييمات أجهزة الاستخبارات ونوعية السلاح المستخدم في الهجوم ومستوى الخبرة المطلوبة لتنفيذ الهجوم والهجمات السابقة على سفن الشحن، وحقيقة أن لا أحد من الوكلاء لإيران لديه القدرة والإمكانات للقيام بعملية معقدة بهذه الدرجة، وهي الهجمات الأخيرة نفذها الحرس الثوري الإيراني ضد مصالح الولايات المتحدة»، مشيرا إلى أن إيران هددت في الثاني والعشرين من أيار بوقف تدفق النفط من مضيق هرمز، وقال «الآن إيران تعمل على تنفيذ تهديداتها»، موضحا أنه يجب على إيران مقابلة الديبلوماسية بالديبلوماسية، وليس بالإرهاب وسفك الدماء والابتزاز، ومؤكدا ان الولايات المتحدة سوف تدافع عن قواتها ومصالحها، وستقف إلى جانب شركائها وحلفائها لتأمين التجارة العالمية والاستقرار الإقليمي.
في ضوء كل هذه التطورات والمستجدات، يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية:
1 ـ الكرة باتت الآن في ملعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. قبل فترة وجيزة كانت الكرة في ملعب إيران وكان التساؤل بعد بدء تضييق العقوبات كيف ستتصرف إيران وكيف سترد.. والآن بعدما ردت بأن لا مفاوضات ولا حرب وأنها لا تقبل باستمرار الحرب الاقتصادية وتضييق الخناق عليها، الأنظار تتجه الى الرد الأميركي وماذا سيفعل ترامب: هل يرد عسكريا، أين وكيف؟! أم يرد بتخفيف العقوبات لفتح باب المفاوضات؟! أم يفعل مثل الإيرانيين: لا حرب ولا مفاوضات ويقبل بقواعد اللعبة التي رسمتها إيران، وبأن استمرار العقوبات يوازيه استمرار العمليات؟!
2 ـ واضح أن ترامب وقع حتى الآن في أخطاء تقدير وتصرف، إلا إذا كان يمارس سياسة التضليل ويعمل على استدراج إيران للوقوع في فخ الحرب.. ترامب أخطأ عندما اعتقد أن العقوبات ستجلب إيران الى طاولة المفاوضات «صاغرة»، أو أنها ستحرك الشعب الإيراني ضد القيادة والنظام، فجاءت النتيجة أن إيران ترفض مفاوضات تحت الضغط وتشترط رفع العقوبات أولا، وأن الضغوط الأميركية وحدت الإيرانيين قيادة وشعبا. ترامب أخطأ أيضا عندما اعتقد أن الحرب الاقتصادية هي البديل عن الحرب العسكرية، وأن إيران لن تقوى أو تجرؤ على استخدام أوراق القوة لديها و«اللعب بالنار».. ترامب أخطأ أيضا عندما كشف ورقته وأعلن أنه لا يريد الحرب وبدأ بالتودد ا لى إيران والسعي الى فتح خطوط اتصالات ووساطات معها.. فكان أن أعطى إيران القدرة على توسيع هامش المناورة وحافة الهاوية من دون الخشية من حرب غير موجودة في حسابات وخطط ترامب الذي بدا أنه في العمق مازال ملتزما بإستراتيجية الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط التي كان بدأها أوباما، مع فارق أن أوباما انسحب تحت عنوان الاتفاق مع إيران، وترامب يريد الإنسحاب تحت عنوان «ترويض إيران».. ولكن في النتيجة ترامب مثل أوباما لا يريد الحرب ولا إستقدام مئات الألوف من القوات الأميركية ولا تكبد عناء وخسائر الحرب، ولا حتى إسقاط النظام الإيراني، وإنما أن يبقى «فزاعة» لدول الخليج التي بدأت تشكك في فعالية الحماية الأميركية لها.
3 ـ إيران في حلبة المواجهة مع أميركا المتركزة حاليا في مياه الخليج، تحقق تقدما في النقاط في مبارزة لا مجال فيها لانتصار بالضربة القاضية، طالما احتمال الحرب العسكرية مستبعدة تماما. إيران نجحت حتى الآن في فرض قواعدها للعبة وفي التحكم بمسار الأحداث وإيقاع المنطقة الأمني والسياسي.. ولكن هذا لا يعني أنها في وضع جيد ومتفوق. فإدارتها للصراع أو النزاع مع الولايات المتحدة لا تخلو من مجازفة ومغامرة كمن يسير على حبل رفيع مشدود في لعبة توازن دقيق، الخطأ فيها مكلف. والتصعيد الذي تمارسه إيران لم تكن لتمارسه لولا حراجة وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي ترزح تحتها وتضطرها الى لعب أوراقها.. وطبعا لم تكن لتفعل ذلك لو لم تكن أيضا مطمئنة الى «سقف» الموقف والرد الأميركي.
إذا كان ترامب يطبق سياسة «ابتزاز» عبر لعب الورقة الاقتصادية، فإن إيران تمارس سياسة «استفزاز» في وجهه وسياسة «ابتزاز» في وجه دول الخليج وأوروبا والعالم.. وربما هنا يكمن الخطأ الأساسي من جهة إيران في أنها توسع نطاق الأزمة لتصبح أزمة دولية وتتيح لواشنطن حشد موقف دولي ضدها.
4 ـ المنطقة، منطقة الخليج والشرق الأوسط، تقف عند مفترق طرق حساس وعلى أبواب مرحلة خطيرة في غموضها وتقلباتها.
من جهة، جاءت تطورات اليومين الماضيين لتقربها من خطر الحرب التي باتت عناصرها متوافرة ولا ينقصها شرارة الانفجار وإنما القرار السياسي والإرادة السياسية بالحرب، وهذا غير موجود حتى الآن لأن أحدا لا يريد الحرب.. ولكن يبقى أن خطر الانزلاق الى الحرب هو خطر موجود مع أي خطأ غير محسوب أو غير مقصود يمكن أن يحصل. من جهة ثانية، يمكن لهذه التطورات أن تقرب أيضا وأن تسرع وتيرة الذهاب الى المفاوضات بعدما وصلت الأمور الى نقطة الحرب الواسعة والشاملة، التي تهدد أمن المنطقة والأمن الاقتصادي العالمي، وبعدما وصل طرفا المواجهة، إيران والولايات المتحدة، الى نقطة الحرب التي لا يريدانها، وصار هناك خطر فعلي للوقوع في الهاوية التي يلعبان على حافتها. فلا يبقى إلا البحث عن طريقة للنزول من أعلى الشجرة، في ظل ظروف دقيقة تتقاذف المنطقة المتأرجحة بين «حرب كبرى» أو «صفقة كبرى»، وفي ظل مواجهة أميركية إيرانية مازالت تدور حتى الآن بين حرب مستبعدة ومفاوضات مؤجلة.
[ad_2]
Source link